; logged out
الرئيسية / السلوك الإيراني والصمت الأمريكي.

العدد 92

السلوك الإيراني والصمت الأمريكي.

الثلاثاء، 01 أيار 2012

ألغاز السياسة الإيرانية كثيرة ومتعددة، وفي معظم الأحيان يصعب على المراقب تفسير السلوك السياسي الإيراني بناء على معطيات المنطق أو أسس العقلانية أو حتى أسس المنفعة وخدمة المصالح.

في هذا النطاق جاءت زيارة الرئيس الإيراني المثيرة للجدل والاستغراب إلى جزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة، في وقت بات يصعب فيه تفسير الصمت والتغافل الأمريكيين عن السلوك الإيراني، حيث لم يصدر عن واشنطن أي إدانة أو رد فعل أو مجرد تعليق على زيارة الرئيس الإيراني إلى الجزيرة المحتلة، ولا على المحتوى العدواني للكلمة التي ألقاها هناك.

في بداية شهر مارس الماضي وجهت المملكة العربية السعودية باسم دول مجلس التعاون الخليجي شكوى ضد إيران إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة ورئاسة مجلس الأمن تدين من خلالها (استمرار إيران بالتدخل في شؤون دول مجلس التعاون الداخلية)، جاءت هذه الشكوى الجماعية على خلفية الهجمة الإعلامية والسياسية التي شنّها النظام الإيراني والتي استهدفت دول المجلس، وخاصة سياسة الدول الخليجية في دعم أمن مملكة البحرين واستقرارها.

وجاء موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه سياسة التدخل الإيرانية في شؤون مملكة البحرين يلفّه الغموض في أحسن الأحوال، وفي أحوال أخرى أظهر دعماً لمثيري الشغب في البحرين، وصبّ في تبرئة إيران من الاتهامات الخليجية بالتدخل. لذا فإن صنّاع القرار الإيراني يحاولون اختبار الموقف الأمريكي، والغربي بشكل عام، عبر إيجاد تحديات أمنية وسياسية توجه ضد دول مجلس التعاون متمثلة في نشاطات التجسس والتخريب، التي تم الكشف عنها مؤخراً في دولتي الكويت والبحرين، وتمثلت في دعم جماعات التطرف الطائفي في البحرين والمملكة العربية السعودية، وتكللت بإثارة أزمة مباشرة عبر الزيارة الاستفزازية للرئيس الإيراني إلى جزيرة أبو موسى المحتلة.

في حقيقة الأمر، إن زيارة الرئيس الإيراني إلى جزيرة أبو موسى المحتلة لم تكن لها مبررات ذاتية تستوجب القيام بها، وخاصة وضعها في إطار ضجة إعلامية وخطاب استفزازي، ولم تكن أيضاً محض مصادفة أو حادثاً عرضياً، فالزيارة الاستفزازية جاءت عشية بداية اجتماعات اسطنبول بين إيران والدول (الخمس + 1) حول الملف النووي الإيراني، وعبر هذه الزيارة الاستفزازية سعت القيادة الإيرانية إلى تبني اختبار جديد لقياس مدى المرونة الأوروبية – الأمريكية تجاه السلوك الإيراني في منطقة الخليج.

فالهدف الإيراني من هذا العمل الاستفزازي هو معرفة أولويات السياسة الغربية، وهل الأولوية تكمن في حماية مصالح الدول الخليجية وأمنها تجاه الاستفزازات الإيرانية، أم تكمن في محاولة إنجاح محادثات الملف النووي وتشجيع إيران على تقديم تنازلات في هذا المجال، ما سيعزز الموقف الانتخابي للرئيس الأمريكي، ويثبت نجاح خط السياسة الغربية تجاه إيران التي أجبرت على تقديم تنازلات حول ملفها النووي؟

في رأينا، أن الدول الغربية أمست مستعدةً للتغافل عن السلوك الإيراني الاستفزازي تجاه دول المجلس، على أمل ضمان تعاون إيراني في الملفات الأخرى، ومن هذا المنطلق يمكننا فهم الموقف الأمريكي، والغربي بشكل عام، الذي يتعايش بصمت مع السياسة الاستفزازية لإيران على المستوى الإقليمي.

وقد لا نكون بعيدين عن حكم الصواب إذا افترضنا أن هناك جهات عدة تجني ثمار الفوائد والمنافع من السلوك الاستفزازي ولغة التهديد والوعيد التي تتبناها القيادات الإيرانية تجاه دول مجلس التعاون. فالسلوك والتصريحات العدوانية لهما مردود إيجابي واضح لشركات بيع الأسلحة الغربية، التي تعيش اليوم عصرها الذهبي لكثرة إقبال دول الخليج على عقود التسلح، ومثلها شركات النفط العالمية التي تنعم بأرباح خيالية نتيجة للارتفاع المتواصل لأسعار النفط، والذي تعدّ حالة عدم الاستقرار الأمني التي تعمّ المنطقة أحد مصادره. وقد جرى الحديث مؤخراً عن محاولات الولايات المتحدة المتكررة لإقناع دول مجلس التعاون بشراء نظام دفاع صاروخي شامل، تقدر تكلفته بمليارات الدولارات، رغم أن هذا النظام مازال في طور التطوير والتجربة ولم يصل إلى مرحلة الاستخدام الميداني، وأيضاً رغم أن دول الخليج لا تمتلك الكادر التقني القادر على إدارة هذا النوع من النظام الدفاعي المعقّد، ورغم حقيقة أن هذه الدول ليست في حاجة ماسة إلى هذا النوع من الأنظمة الدفاعية، لكن يبدو أن المبرر المنطقي الوحيد للدفع الأمريكي بوجوب اقتناء هذا النظام الدفاعي هو استغلال التهديدات الإيرانية التي تعمل فعلها في تصاعد الشعور بعدم الأمان ضمن الدول الخليجية.

لذلك، ربما لا نكون بعيدين عن عين الصواب إذا افترضنا أن الولايات المتحدة تجد منافع محددةً وجليةً من استمرار إيران في إطلاق تهديداتها، واستخدام السلوك الاستفزازي مع دول الخليج. فالتهديدات الإيرانية والسلوك العدواني يدفعان دول المجلس إلى التقرب من الولايات المتحدة لكونها القوة الوحيدة والتي تمتلك القدرات الفعلية لتقديم الضمانات الأمنية والدفاعية، وخاصة لدول المجلس الصغيرة والتي لن تتمكن من امتلاك قدرات الدفاع الذاتي في أي ظرف من الظروف. وفي ظل حقيقة افتقاد هذه الدول للبديل العملي والفعال عن الضمانات الأمريكية في هذه المرحلة، فإن دول مجلس التعاون الخليجي، أو بعضها، تعيش اليوم بين مطرقة السياسة الإيرانية وسندان مصالح السياسة الأمريكية غير واضحة المعالم.

مقالات لنفس الكاتب