; logged out
الرئيسية / نحو آلية لإصلاح التعليم

نحو آلية لإصلاح التعليم

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2005

على الرغم من أن مفردة الإصلاح أصبحت تشير وبشكل مباشر إلى رغبة خارجية في تطويع المدركات نحو بيئة معرفية وسياسية تنسجم مع مصالحها، إلا أنه ينبغي تجاوز هذه الحساسية في تداول هذه المفردة إلى الاعتراف بأن الإصلاح، وفي التعليم بخاصة، هو مطلب داخلي قبل أن يكون استجابة لضغط خارجي. ولعل التعليم هو أول وأهم مداخل الإصلاح المنشود الذي يتوجب تحقيقه في مختلف الميادين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ومعرفياً، وهو البوابة الأساسية لتحقيق هذه الأهداف.

لا يزال التعليم في منطقتنا يهتم بشكل أساسي بالقراءة والكتابة والمعلومات الأساسية الصرفة بطريقة تعتمد على التلقين أكثر من اعتمادها على الفهم والاستيعاب، حيث ينسى الطالب ما حفظه عن ظهر قلب من معلومات ساعة يخرج من قاعة الامتحان، في حين أن إنسان القرن الحالي يحتاج إلى مهارات أكثر عمقاً تتعلق بمهارة استخدام التقنية والاتصال واتخاذ القرار وبناء العلاقات والتعلم المستمر، وهو ما نفتقر إليه في مؤسساتنا التعليمية.

وفي الوقت الذي أصبح فيه التعليم في العالم المتقدم يعتمد على ثورة التقنيات بشكل كبير إلا أن استخدام منطقتنا للتقنيات الحديثة يتجه إلى الترفيه أكثر من التعليم من دون أن نغتنم فرصة هذا التطور العلمي العالمي الهائل بإحداث ثورة حقيقية في التعليم الذي يعاني ومنذ سنوات بعيدة من ركود وجمود وترهل، وفي أحسن الظروف بطء في التطوير لا ينسجم مع إيقاع التطور العلمي العالمي المتسارع.

لقد تم بناء استراتيجيات التعليم القديمة في دول مجلس التعاون الخليجي على أساس ديمومة مجتمع الرفاهية، وهي لا تعد صالحة من حيث المبدأ لفترات الركود الاقتصادي أو محدودية مداخيل النفط وبخاصة مع الطفرة الهائلة في أعداد الخريجين، ولكن غير المدربين بشكل كاف رغم حاجة السوق إليهم الذي امتلأ بالعمالة الأجنبية الرخيصة. وإذا كان القطاع الخاص على سبيل المثال في المملكة العربية السعودية يستوعب وحده أكثر من 86% من إجمالي القوى الوطنية، فإن هذه النسبة سوف ترتفع مع تطبيق نظام الخصخصة، وهذا أدعى إلى إيجاد شراكة بين مؤسسات التعليم الحكومي والقطاع الأهلي لتأهيل الشباب الخليجي بطريقة تمكنه من قيادة التنمية، وهو ما لا يمكن أن يحدث إلا بمعالجة الخلل الطاغي على مناهجنا، وأحد من أوجه الخلل الاهتمام المبالغ فيه بالعلوم الإنسانية، وإهمال التخصصات العلمية الأساسية والتطبيقية، والبحثية، إذ يعاني البحث والتطوير العلمي من خلل كبير في جوانب متعددة منها ما يتعلق بالتمويل ومنها ما يتعلق بالمحتوى وربط المنتجات البحثية بالعملية التنموية والتخطيط للمستقبل، فمن الناحية التمويلية على سبيل المثال فإن متوسط الإنفاق على البحث في بلدان العالم المتقدم يبلغ 2.5% من مجموع الناتج القومي الإجمالي، أو المتوسط العالمي وهو نحو 1.6%، أما متوسط الإنفاق على البحث العلمي في منطقتنا فلا يتعدى 0.2% من مجموع الناتج الإجمالي، أي أقل بثماني مرات عن المتوسط العالمي وأدنى بما يزيد على 13 مرة عن متوسط الإنفاق في البلدان المتقدمة.

إن الغزو التكنولوجي في عهد ثورة الاتصالات والمعلومات لم يعد بوسع أحد تجنبه والعيش من دون استخدامه والاعتماد عليه، وهو غزو سهل الحياة وقرب البشر فيما بينهم، وصنع ثقافة عالمية مشتركة وهوية تقانة، وجعل العالم ينتقل يوماً بعد آخر من العصر الورقي إلى العالم الرقمي، ولذلك فقد أصبح مألوفاً استخدام مصطلح (التعليم الالكتروني) الذي ينصرف معناه إلى التعامل مع برامج مختلفة خاصة لتعزيز المواد العلمية أو إضافة معلومات أخرى تساعد على إثراء التفكير لدى الطالب، وهو لا يقتصر على الفصول الدراسية فقط، وإنما يكون باستخدام الوسائط المتعددة لغرض تشجيع التعلم خارج المدرسة أو استخدام البيئة الالكترونية التي تؤدي إلى إنشاء روابط حية بين الطالب والمعلم، فضلاً عن التعلم عن بعد، الذي لم يعد يشترط الوجود المباشر للدارسين في صفوف دراسية.

إن الرغبة في إصلاح التعليم لم تعد قاصرة على التربويين فقط، وإنما هناك مزاوجة بين التربويين وجهود التقنيين. كل يحاول أن يرسم صورة مدرسة المستقبل، حيث أصبح التحول في تقنيات المعلومات أكثر كفاءة، وأنتج مفاهيم معرفية جديدة كمجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة والحكومة الالكترونية والتجارة الالكترونية، كما شهدنا تحولاً في طبيعة المهارات المطلوبة للألفية الثالثة في صراع البقاء في سوق العمل، والتعليم الالكتروني إحدى أهم هذه المهارات في هذا السوق ولا يمكن أن يقوم الإصلاح التربوي على التقنية وحدها، وإنما من منظور فكري تربوي شامل ولا نعني بالتعليم الالكتروني أن يتحول المرء إلى ترس صغير في آلة كبيرة صماء، وإنما أن يكون تطوراً واعياً يستجيب لمتطلبات العصر والإنسان.

وعلى الرغم من أننا نثمن التقدم الكبير الذي حصل في المناحي التعليمية في دول الخليج العربية، وإلا أنه علينا أن نقر بأن هذا التقدم ما زال دون المستوى المطلوب: مناهجنا لا تزال بحاجة إلى تحديث يستجيب لمقتضيات التطور المعرفي.. وسائلنا وهيئاتنا التعليمية مازالت
أقل بكثير من مستوى المهارة المطلوبة لقيادة عملية تعليمية تنسجم والعصر ولذلك فإن هناك ضرورة لزيادة الاهتمام بما يعرف بـ (تعليم التعليم). والإصلاح ينبغي أن يأتي استجابة لمتطلباتنا الداخلية الملحة وضرورات التنمية، حيث كان العديد من العقلاء ينادون بها منذ سنوات طويلة، ولهذا فإن من المفترض ألا تخيفنا صيحات الاحتجاج من (الآخر) الذي ربما يريد أن يحمل التعليم في أوطاننا وزر مشاكلات كثيرة قائمة في هذا العالم، وعلينا أن نتحمل مسؤولية إصلاح هذا القطاع الحيوي لأننا وأبناءنا بحاجة إليه لا (الآخر). ومداخل الإصلاح تتجه أولاً إلى الهيئات التعليمية وطرق التدريس والمناهج ووضع خطط واستراتيجيات تعليمية بعيدة المدى تنسجم مع احتياجات التنمية ومتطلبات سوق العمل، ومن المؤسف أنه ولا دولة عربية حتى الآن تمتلك خطة واضحة في هذا المجال توفق بين المخرجات والحاجات، بحيث تصبح للتعليم جدواه، ويوقف التسرب وطوابير العاطلين عن العمل من حملة الشهادات.

ولعلها من قبيل المفارقات، أنه على الرغم من الإنفاق السخي في قطاع التعليم في دول الخليج العربية بشكل خاص، إلا أن مخرجات التعليم لا تزال متدنية وفق المقاييس العالمية. ففي الكويت مثلاً بلغ إجمالي الإنفاق على التعليم 2.600 مليون دولار لعام 2003/2004 أي ما يشكل 13% من الإنفاق العام وهو يضم 1029 مدرسة عامة وخاصة يدرس فيها بحدود 540 ألف طالب، الأمر الذي قد يشير إلى أن الكويت تمتلك كامل مقومات الأداء الجيد في التعليم العام، إلا أن تقرير دراسة مؤشرات التعليم، العام يشير إلى عكس ذلك، حيث تدني تحصيل الطلبة في جميع مراحل التعليم وارتفاع نسب الرسوب ومعدلات التسرب التي تبلغ 14.1% وهو رقم يقترب كثيراً من دول جنوب الصحراء الإفريقية وضعف معدلات الدول العربية وعشرة أضعاف دول وسط وشرق أوروبا، وهذا النموذج يكاد يتماثل أو يكون أفضل مستويات التعليم في دول الخليج الأخرى، وهو أمر محزن للغاية، ويشير إلى وجود خلل بنيوي كلي في قطاع التعليم.

إن مهمة جسيمة مثل هذه لا يمكن أن تنهض بها جهة واحدة بعينها إذا أريد لهذا الإصلاح أن يكون شاملاً ومؤسساً، وأدوات الإصلاح هي الأخرى يجب أن تكون شاملة، فمن غير المنطقي أن نلقي بالمهمة على كاهل الدولة لوحدها، أو أن يطلع بها المعلمون والتربويون وحدهم، فهي مسؤولية الجميع، وتبتدئ بالفرد وتنتهي بالدولة، وما بينهما سلسلة طويلة من البيت إلى المدرسة ومن المؤسسات الاجتماعية والمهنية إلى الحكومية والخاصة، لأن الخلل في التعليم ينعكس على المجتمع برمته وعلى مستقبل أمة بكاملها. وإصلاح هذا الخلل مرهون بتضافر الجهود وخطط تنموية واعية وأدوات عصرية ومثابرة على الوصول إلى الهدف.

مقالات لنفس الكاتب