; logged out
الرئيسية / التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون أداة فاعلة للاتحاد

العدد 92

التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون أداة فاعلة للاتحاد

الثلاثاء، 01 أيار 2012

تحاول هذه الورقة الكشف عن أهم الخطوات التي اتخذتها دول الخليج العربية بعد تشكيل مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 من أجل تدعيم علاقاتها الاقتصادية وصولاً إلى مرحلة من التكامل الذي سوف يُفضي حتماً إلى حالة من الاتحاد السياسي في عصر التكتلات الإقليمية الكبرى والقائمة على أساس المصالح الاقتصادية.

لقد أضحت الحاجة إلى تحقيق المزيد من التكامل الاقتصاديبين الدول هدفاً استراتيجياً وضرورة تفرضها التطورات الاقتصادية العالمية في ظلمناخ العولمة وما نتج عنها من بروز كيانات ومصالح اقتصادية دولية لا تهتم كثيراً بالكيانات الصغيرة والهامشية، وتعطي الأولوية للتكتلات الاقتصادية التي تستطيعالصمود في وجه المنافسة العالمية‏.‏

وتُصنف اقتصادات دول مجلس التعاونالخليجي ضمن اقتصادات الدول النامية رغم أنها تدخل في إطار الاقتصاداتالنفطية التي تتميز بدرجة عالية من الطاقة التمويلية وارتفاع متوسط دخل الفردفيها‏. ولما كان النفط من أهم مصادر دخل دول المجلس‏، فإنه من البديهي أنيعتمد أداء الاقتصاد الكلي على ما يتعرض إليه قطاع النفط من تغيرات، وقد أدركتهذه الدول الخطورة التي تكمن في الاعتماد على سلعة استراتيجية واحدة مثلالنفط‏، لذلك اتجهت إلى محاولة تنويع مصادر الدخل وبالتالي تنويعالصادرات من أجل التخفيف من تأثير العوامل الخارجية وتقلبات السوقالعالمية‏.‏

وتعمل اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي حالياً في ظلمتغيرات اقتصادية عالمية متسارعة، وتسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى المحافظةعلى اقتصادات مستقرة وأسعار صرف ثابتة لعملائها وتخفيض معدلات التضخم فيهاوتحقيق عائد مناسب للاستثمار بهدف جلب رؤوس الأموال، واستمرار بذل الجهودلحماية البيئة في المنطقة‏.‏

مستقبل الاستثمار في دول مجلس التعاون

من المتوقع أن يؤدي قيام سوق أوروبية موحدة ومنطقة اقتصاديةأوروبية وعملة أوروبية موحدة ‏(‏اليورو‏)‏ إلى استقطاب المزيد من استثماراتدول مجلس التعاون الخليجي إلى المنطقة الاقتصادية‏ (‏الأوروبية‏)،‏ ويؤكد هذهالتوقعات الارتفاع المتوقع للعائدات النفطية لدول المجلس خلال العقد الأول منالألفية الثالثة ورغبة دول المجلس في توفير قدر أكبر من التنويع الجغرافيلاستثماراتها‏.‏

ويرى المسؤولون في مقر السوق الأوروبية المشتركة فيبروكسل أنه ليس من المؤكد أن تكون الاستثمارات الأوروبية في دول مجلس التعاونالخليجي بنفس ديناميكية استثمارات دول مجلس التعاون الخليجيفي أوروبا‏،‏ حيث إن دول المجلس تمثل من حيث طاقتها السوقية ‏(‏من ناحيةإجمالي ناتجها القومي‏)‏ نسبة ضئيلة من طاقات المنطقة الاقتصاديةالأوروبية‏، لكن من المتوقع أن يؤدي اعتماد وحدة النقد الأوروبية‏ (اليورو‏)‏ عملة أوروبية موحدة إلى تعزيز التعاون القائم بين البنك المركزيالأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، وستجد دول المجلس نفسها أمام إغراءالاحتفاظ بجزء من احتياطيها من هذه العملة‏ (‏اليورو‏)،‏ لكن كيف يرىالاقتصاديون مستقبل الاستثمار الأوروبي في دول مجلس التعاون الخليجي؟ رداً علىهذا السؤال في السوق الأوروبية اليوم هناك رأيان‏:‏

الرأي الأول: يناديبضرورة تعزيز الاستثمارات في دول مجلس التعاون الخليجي وتدعيمها في المستقبل،وعدم ترك أي فراغ أمام المنافسين من جهة‏، وزيادة حجم الاستثمار من أجلالحصول على حصص أكبر من سوق دول المجلس والتي تشهد حالياً طفرة لم يسبق لها مثيل منجهة أخرى‏.‏

الرأي الثاني: ينصح بضرورة الاكتفاء بحجم الاستثمارالحالي وعدم زيادته والتوجه نحو أسواق أخرى كأسواق دول أوروبا الشرقية‏.‏ويبرر أصحاب هذا الرأي وجهة نظرهم بالتأكيد على أن أسواق دول المجلس صعبةالمراس بالنسبة للمستثمرين الأوروبيين الذين مهما حاولوا فإنهم لن يتمكنوا منالحصول على حصة أكبر من تلك التي حصلوا عليها في السابق‏.‏

ومن المتوقعأن تواصل الطاقة وخاصة النفط هيمنتها على جزء كبير من النشاط الاقتصادي لدولمجلس التعاون الخليجي وعلاقاتها الاقتصادية، ورغم ذلك فإن دول المجلس تسعى إلى تنويع الاقتصاد الخليجي باتجاه التصنيع الذي يسهم بتقليص أهمية النفط فيالناتج القومي الإقليمي‏.‏ وقد برزت الصناعة في هذه المجموعة من الدول كقطاعديناميكي متطور، ومن المتوقع أن تشهد نمواً متسارعاً خلال فترة التسعينات ومع مطلعالقرن المقبل‏.‏
الدور الجديد في التجارة الدولية لدول مجلس التعاون

إن قيام الهيكل الإنتاجي المتنوع في إطار الجهود التنمويةالمبذولة لتنويع مصادر الدخل في دول مجلس التعاون الخليجي حول تطوير الصناعاتالبتروكيماوية وإقامة صناعات ثانوية وخفيفة مترادفة مشتقة من الصناعاتالأساسية التي ازدهرت بالمجمعات الصناعية الفخمة والتي أنشأتها حكومات هذهالدول‏، سيجعل هذا القطاع مميزاً ورائداً في التصدير، كما ستكونمنتجاته منافسة أيضاً.

دور القطاع الخاص في تحقيق عملية التكامل الاقتصادي

وللقطاع الخاص دور مهم جداً في إنجاز عملية التنمية وخاصة في مجالالتقدم الصناعي، كما أن للدولة دوراً رئيسياً في عملية التنمية الصناعية كداعمومكمل ومشجع لجهود القطاع الخاص، حيث تشرف الدولة على استكشاف واستخراجواستغلال النفط والثروات المعدنية المختلفة، وتعمل على استكمال برامج المدنالصناعية والتجهيزات والمرافق الأساسية واستمرار مشاركتها في الاستثمارالصناعي للمشاريع الصناعية الأساسية، وتعليم وتدريب الأيدي العاملة وتأهيلهاوتشجيعها على الانخراط بالعمل الصناعي، ورغم ذلك فإن القطاع الخاص يقوم أيضاًبدوره الرئيسي في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في المرحلة المقبلة والتوجهنحو توظيف وتشغيل العمال في مشاريعه المتنوعة‏.‏

سياسات دعم الصناعةوزيادة الصادرات الصناعية

لا بد من التأكيد على حقيقة جلية برزت خلال السنوات المنصرمة، وهي أن التصنيع في دول الخليج أسهم فيتقليص الاعتماد على الواردات، وأدى إلى تنويع الصادرات وتوفير فرص العمل‏.‏ أمابالنسبة للتوسع الصناعي في دول المجلس فقد تركز على المنتجاتالبتروكيماوية والتعدينية والهندسية بالدرجة الأولى بهدفالتصدير‏.‏

وتركز السياسات الاقتصادية الهادفة إلى دعم الصناعة وزيادةالصادرات الصناعية في دول مجلس التعاون الخليجي على المحاور الرئيسيةالتالية‏:‏

‏1‏- إعادة هيكلة القطاع الصناعي في دول المجلس للاستفادةمن الطاقات الفائضة وتعزيز الربحية والقدرة على التنافس‏.‏
‏2- تنويع موارد تمويل الاستثمار في الصناعة للقطاع الخاص الخليجي‏.‏

‏3- التوسع في برامج ترويج الصادرات والخدمات المالية في مجالالتصدير‏.‏

‏4‏- استحداث وكالات لتنمية الصادراتوتشجيعها‏.‏

‏5- تطوير القدرات الذاتية لتنمية واستيعاب التكنولوجياوتوطينها وإبداعها‏.‏

ومن المتوقع أن تجد المنتجات الصناعية الخليجيةفرصاً جديدة للتصدير إلى دول أوروبا الشرقية بسبب تحولها إلى اقتصاد السوق، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة حصة صادرات دول مجلس التعاون الخليجي إلى تلكالأسواق‏.‏

المبادلات التجارية لدول مجلس التعاون

تستورد دول مجلس التعاون الخليجي سنوياً ما يزيد على‏150‏ ملياردولار‏، وتحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى في الاستيرادتليها دولة الإمارات العربية المتحدة‏.‏ ويصل مجمل الاستيراد لدول المجلس إلى عشرات الملايين من الأطنان سنوياً معظمها يصل عن طريق البحر‏.‏ ولا بد منالإشارة إلى أهمية تجارة إعادة التصدير، حيث تعد دول مجلس التعاون الخليجيوالدول العربية وإيران من أهم الأسواق التي تتجه إليها البضائع المعادتصديرها‏.‏

وتعتبر السوق الأوروبية المشتركة الشريك التجاري الأوللدول مجلس التعاون‏، وتنمو باطراد التجارة البينية بين دول مجلس التعاونوالمجموعة الأوروبية‏، ما جعل المجموعة الأوروبية أكبر شريك تجاريلدول المجلس‏.‏ وقد أكد ابرهارد راين مدير شؤون دول الشرق الأوسط لدى السوقالأوروبية المشتركة في بروكسل أن مجلس التعاون الخليجي يعتبر أهم الشركاءالتجاريين للمجموعة الأوروبية‏.‏

وتحتل الولايات المتحدة الأمريكيةالمرتبة الثانية من حيث حجم المبادلات التجارية مع دول مجلس التعاونالخليجي‏، ومن المتوقع أن يزداد حجم الواردات الأمريكية من نفط دول مجلسالتعاون‏.‏

والملاحظ أن دول الخليج تعمل منذ فترة طويلة لتصبحاقتصاداتها أكثر اعتماداً على النفس بدلاً من الاعتماد الرئيسي على مواردالنفط‏.‏ وهي بذلك تسعى إلى تنويع الأنشطة الاقتصادية وجذب رؤوس الأموالوالتكنولوجيا إلى المنطقة بصورة متواصلة‏.‏

وبذلك فإن دول الخليج تعملعلى القيام بدور جديد في التجارة الدولية في ظل هذه المتغيرات‏، وتسعىلتصبح مركزاً رئيسياً للتجارة الدولية في المنطقة‏، وعلى وجه الخصوص في مجالالتجارة بين شرق آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية‏.‏   كما أن الوضع الجغرافي المميزللخليج يمنح هذه الدول فرصاً كبيرة لتحقيق ذلك‏.‏

السوق الخليجيةالمشتركة

يأتي الإعلان عن إنشاء السوق الخليجية المشتركة‏، في قمة دولمجلس التعاون في العاصمة القطرية الدوحة ‏2007، خطوة مهمة على طريق تفعيلالتكامل الاقتصادي المنشود بين دول مجلس التعاون، لاسيما أن تحقيق حلم السوقالمشتركة على أرض الواقع يلبي تطلعات وآمال دول المجلس المتعلقة بتفعيلالمواطنة الخليجية سواء في التنقل أو العمل أو التعليم أو الخدمات الاجتماعية،فضلاً عن أن إنشاء السوق المشتركة من شأنه أن يعزز دور مجلس التعاون وقدراتهالتفاوضية‏، في ظل التطورات والتكتلات الاقتصادية العالمية‏، بما يعودبالنفع على مواطني دول المجلس مستفيدين من حجم النتائج الإيجابية التيتحققت‏، وخاصة ارتفاع حجم التجارة البينية بين دول المجلس من‏12.215‏ ملياردولار في عام ‏1980‏ إلى نحو ‏33.943‏ مليار دولار عام ‏2005.‏

تدابيروخطوات لتهيئة الأمور من أجل إنشاء السوق

كانت دول مجلس التعاونقد اتخذت خلال السنوات الماضية العديد من التدابير والخطوات لتهيئة الأمور منأجل إنشاء السوق المشتركة‏، ومن أبرزها السماح لجميع مواطني الدول الأعضاءفي المجلس بتملك العقار والأسهم ومزاولة الأنشطة التجارية واتباع الدولالأعضاء في المجلس السياسات والأنظمة الموحدة في المجالات الاقتصاديةوالتجارية والصناعية والمالية والنقدية، فضلاً عن بدء العمل بالاتحاد الجمركيلدول مجلس التعاون اعتباراً من مارس ‏2005‏ بعد أن قامت دول المجلس بتعديلالرسوم الجمركية الحالية تدريجياً أو دفعة واحدة لتصبح بواقع ‏5.5 في المائة‏ على السلعالأساسية و‏7.5 في المائة‏ على بقية السلع وذلك طبقاً لتصنيف السلع‏. كما اعتمد المجلسالأعلى النظام الموحد للجمارك لدول المجلس والعمل به بشكل استرشادي لمدة عامعلى أن تتم مراجعة النظام في ضوء ملاحظات الدول الأعضاء عليه تمهيداً للعملبه بشكل إلزامي كافة إدارات الجمارك في الدول الأعضاء‏.‏

واتخذالمجلس عدداً من الإجراءات لتفعيل مشروع العملة الموحدة في ظل الارتباط المباشربين تحقيق السوق المشتركة وإقامة الاتحاد النقدي‏، إذ وجّه المجلس الأعلىلمجلس التعاون لدول الخليج العربية في القمة التي عرفت باسم (قمة جابر) بالرياض في ديسمبر2006‏باستكمال خطوات إقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة وفق البرنامجالزمني المقر في قمة مسقط عام ‏2001، كما وجّه بتكثيف الجهود للوصول إلى اتفاقعلى الأنظمة والوثائق اللازمة لإقامته في موعده المحدد‏.‏

إنالإنجازات التي حققها مجلس التعاون الخليجي خلال مسيرته التيانطلقت منذ ما يزيد على ربع قرن قد أرست قواعد وأسساً متينة للمجلس تؤهلهللانطلاق نحو استكمال المسيرة وتحقيق طموحات وتطلعات مواطني دول المجلس فيمختلف المجالات، الأمر الذي يعطي قدراً كبيراً من التفاؤل بتفعيل التكاملالاقتصادي الخليجي على أسس واقعية وتحقيق السوق الخليجية المشتركة التي تعدأحد أهم الطموحات التي يسعى إلى تحقيقها المجلس، في الوقت ذاته الذي يشكل مثل هذا المسعى هدفاً يصبو إليه مواطنو بلدان الدول الأعضاء في مجلس التعاون‏. وبطبيعة الحال فإن السوق الخليجية المشتركة سوف تكون بمثابة المدماك الأول في تأسيس اتحاد خليجي واعد نأمل بأن يكون التجربة الأنجح في مسيرة العمل العربي المشترك.

مجلة آراء حول الخليج