; logged out
الرئيسية / اقتصاد الصين: سلاحها الأقوى أم نقطة ضعفها؟

العدد 92

اقتصاد الصين: سلاحها الأقوى أم نقطة ضعفها؟

الثلاثاء، 01 أيار 2012

خلال السنوات العشرين الماضية، بلغ متوسط النمو السنوي لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي الصيني 9.9 في المائة، ما حوّل اقتصاد الصين إلى أحد المحركات الرئيسية للنمو العالمي بعدما كان اقتصاداً هامشياً. وبين عامي 2000 و2009، نمت مساهمة اقتصاد الصين في إجمالي الناتج العالمي الاسمي (بالدولار الأمريكي) من 3.7 في المائة فقط إلى 8.1 في المائة.

يُتوقع أن ينخفض المعدل السنوي لنمو الاقتصاد الصيني خلال السنوات العشر المقبلة إلى مستوى معتدل قدره 7.5 في المائة، لكن هذا المعدل سيكفي لرفع مساهمة الصين في إجمالي الناتج العالمي إلى 14.9 في المائة، ما سيقربها من مساهمة الولايات المتحدة التي ستبلغ 19.4 في المائة فقط من إجمالي الناتج العالمي بحلول عام 2019م.

لكن حتى في حال تسجيل الصين معدلات نمو قوية على مدى السنوات العشر المقبلة، فإن متوسط نصيب الفرد الصيني من إجمالي الناتج المحلي الصيني سيبلغ 11644 دولاراً؛ أي ما يُعادل 20 في المائة من مستواه في الولايات المتحدة في عام 2019.

ففي عام 2009، كانت الصين أكبر مستثمر في العالم في شركات الطاقة وتوليد الكهرباء وثاني أكبر مستثمر في العالم في المواد الخام، حيث مثلت استثمارات الصين في هذه الموارد ثلثي صفقاتها الخارجية. ولا تزال الشركات الغربية من أكثر الشركات إغراءً للصين، ليس بسبب احتياطيات الموارد الطبيعية التي تستطيع توفيرها فقط، بل أيضاً بسبب الخبرات التي يمكن اكتسابها من خلال الاستحواذ عليها.

لكن محاولات الصين للاستحواذ على شركات أسترالية وأمريكية كبيرة لم تُحرز إلا نجاحاً محدوداً فقط، وذلك بسبب الاعتبارات السياسية وتلك المتعلقة بالأمن القومي. ونتيجةً لفشل شركة ( تشينالكو Chinalco) في الاستحواذ على شركة ( ريو تينتو RioTinto) الأسترالية لقاءَ تسعة عشر مليار دولار، اتجهت الصين نحو عمليات الاستحواذ الأصغر والأقل (تهديداً)، كعملية استحواذ شركة ( يانزهو Yanzhou) الصينية للفحم الحجري على شركة (فيليكس Felix) الأسترالية للموارد الطبيعية لقاء ثلاثة مليارات دولار. وبعدما مُنعت من القيام باستثمارات واسعة النطاق في العديد من شركات الموارد الطبيعية الغربية، بدأت الصين باستهداف الأسواق الناشئة بصورة متزايدة، لا سيما أسواق آسيا الوسطى وإفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى.

ولطالما اهتمت الصين بآسيا الوسطى لاعتبارات جيو - سياسية، وليس اقتصادية، إذ تخشى بكين من أن يتسلل الإسلام السياسي من آسيا الوسطى إلى مواطنيها الإيغوريين المسلمين الذين يعيشون في إقليم زينيانغ الواقع في أقصى غرب البلاد، والذي شهد اضطرابات شعبية واسعة في عام 2009. كما تخشى أن تقدم الجاليات الإيغورية في الشتات - في قرغيزيا وكازخستان - دعماً لوجستياً لأبناء جلدتهم في الصين. ولا ترغب بكين أيضاً في رؤية أي وجود عسكري أمريكي واسع في آسيا الوسطى لأنها تخشى أن يكون مثل هذا الوجود جزءاً من خطة أمريكية لتطويق الصين وتقديم الدعم السري للنشطاء الإيغوريين وتقليص النفوذ الصيني في المنطقة.

يُبين الشكل معدل نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي وتوقعاته بين عامي 2000 -2018، في الدول المتقدمة (الخط البياني العلوي) والصين (الخط البياني المتوسط) والدول المتقدمة ككل (الخط البياني السفلي)

ومنحت الصين مؤخراً كلاً من كازخستان وتركمانستان قروضاً ميسرة، واستثمرت مبالغ ضخمة في صناعات النفط والغاز وحتى اليورانيوم، القائمة في منطقة آسيا الوسطى. ومن شأن هذه الخطوات أن تساهم في تلبية احتياجات الصين من الموارد الطبيعية، إضافة إلى تعزيز علاقات دول المنطقة مع بكين. فعلى سبيل المثال، تزامن القرض البالغ أربعة مليارات دولار والذي منحته الصين إلى تركمانستان لتطوير حقل جنوب إيولوتان العملاق للغاز، مع بناء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من آسيا الوسطى إلى الصين يبلغ طوله 200 ألف كيلومتر، وتم تدشينه في ديسمبر 2009. هذا الخط سينقل ثلاثة عشر مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من تركمانستان إلى الصين في عام 2010. وهناك أيضاً خط آخر سيتم إنجازه بين عامي 2012 و2014م، وسيرفع الكمية الكلية لواردات الصين من الغاز الطبيعي القادم من تركمانستان وأوزبكستان وكازخستان إلى 40 مليار متر مكعب سنوياً.

علاوة على ذلك، طبقت الصين استراتيجيات مماثلة في منطقة إفريقيا جنوبي الصحراء. فقد أعلن رئيس الوزراء الصيني، وين جياباو ، أن بلاده ستُقرض دول المنطقة عشرة مليارات دولار أمريكي خلال السنوات الثلاث المقبلة ، وهو إجراءٌ مماثل للذي اتخذته الصين عندما أقرضت كازخستان عشرة مليارات دولار إبان أزمة قطاعها المصرفي، تمهيداً للاستثمار هناك. وفي الحقيقة، لوحظ أن بعض الصفقات المقترحة في هذه المنطقة أضخم من تلك التي أبرمتها الصين في آسيا الوسطى. إذ تُقدر تكلفة مشروع النفط الصيني في النيجر بحوالي خمسة مليارات دولار، بينما تتراوح قيمة الاستثمارات الصينية المقترحة في غينيا ما بين سبعة مليارات دولار وتسعة مليارات دولار.

وتُعتبر هذه الصفقات مُغرية لكلا الجانبين. فبالنسبة للدول الإفريقية تمثل الصين مصدراً للمساعدات والاستثمارات غير المشروطة بأي إصلاحات في أنظمة الحكم أو أي معايير سياسية أخرى. أما بالنسبة للصين، فإن الاستثمار يمثل مصلحة اقتصادية حيوية في المقام الأول، وأداةً تستخدمها الصين للترويج لموقفها الرافض للتدخل في الشؤون السيادية للدول الأخرى في المقام الثاني. ويُعتبر هذا التوجه منطقياً نظراً إلى حساسية الصين إزاء الوضع السياسي للتيبت وتايوان والحركة الانفصالية الإيغورية.

ولئن كانت هذه الصفقات مغرية لكلا الجانبين، إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت ستخدم مصالح الدول الإفريقية على المدى البعيد. إذ تفيد بعض التقارير بأن المستثمرين الصينيين بدأوا يُحجمون عن المشاركة في العديد من المشروعات الاستثمارية لدول إفريقيا جنوبي الصحراء، ناهيك عن التقدم البطيء نحو إنجاز مشروعات البنى التحتية الاستثمارية هناك.

لكن استثمارات الصين في الأسواق الناشئة لا تُلغي استثماراتها في الأسواق المتقدمة. وهناك سبيلان رئيسيان لدخول الصين إلى الأسواق الغربية:

يتمثل السبيل الأولِ في (دبلوماسية الدولار) التي لا تقتصر على الأسواق الناشئة بأي حال من الأحوال. ففي أواخر يناير 2010، ظهرت تكهنات بأن الصين ستمول عملية إنقاذ اليونان الضخمة؛ ومن شأن مثل هذه السياسة أن تعزز نفوذ الصين في الدول المتقدمة التي تعاني من صعوبات مالية، ليس من خلال ربطها بالقروض فقط، بل من خلال ربطها أيضاً باتفاقيات لبيع تقنيات متطورة أو أصول مالية أو أجزاء من البنى التحتية.

أما السبيل الثاني، فإنه يتمثل ببساطة بشراء الأصول الغربية التي ليست حساسةً جداً من الناحية السياسية، مثل تقنيات المعلومات والخدمات اللوجستية وشركات التجارة الداخلية.

يظهر الرسم البياني معدل حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة بين 2000-2018، والتوقعات في الدول المتقدمة في الخط الأعلى والصين في الخط الوسط، أما الدول الناشئة بشكل عام في الخط السفلي

 

هل ستزداد التوترات في المستقبل؟

من الواضح أن استثمارات الصين الخارجية - خصوصاً في إنتاج السلع الاستراتيجية وكذلك في الصناعات الاستهلاكية - ستواصل الاستحواذ على اهتمام الحكومات الأجنبية. ونظراً إلى استمرار الصين في رفض إعادة تقييم سعر صرف اليوان وأيضاً استمرار الفائض الهائل في ميزانها التجاري، فإنه من الوارد أن يتبنى الغرب سياسات تجارية حمائية إلى جانب الإجراءات المقيدة للاستثمارات. ومن شأن مثل هذا التطور أن يؤذي الصين التي تعتمد على التصدير، لأن سوقها المحلية لا تستطيع استيعاب إنتاجها في المرحلة الراهنة.

ولا يثير حضور الصين الدولي المتزايد اهتمام السياسيين الغربيين وحسب، بل دخل أيضاً في حسابات المخططين العسكريين الصينيين. فمع أن الامتداد الخارجي للقوة العسكرية الصينية لا يزال محدوداً، إلا أن طموحاتها المتزايدة في هذا الاتجاه حقيقةٌ لا يرقى إليها شك. ففي السنوات الأخيرة، أعرب المخططون العسكريون الأمريكيون عن قلقهم من أن تكون المساعدات الاقتصادية التي تقدمها الصين إلى ماينمار وبنغلاديش وسريلانكا وباكستان، جزءاً من (استراتيجية متدحرجة) غايتها إنشاء قواعد بحرية للسيطرة على شمال المحيط الهندي وممراته التجارية الرئيسية.

ومن الناحية المالية، يبدو أن الصين تمتلك الموارد الكافية لتحقيق هذه الطموحات نظراً إلى ميزانيتها الدفاعية المحدودة في المرحلة الراهنة. ففي عام 2009، بلغت القيمة الرسمية لهذه الميزانية 70.3 مليار دولار، أي ما يُعادل 1.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد. وحتى إذا كان هذا الرقم أقل من القيمة الحقيقية للميزانية الدفاعية الصينية بسبب الإنفاق العسكري السري والقوة الشرائية المختلفة، فإن النمو الاقتصادي وحده سيُمكن الصين من زيادة إنفاقها العسكري بشكل هائل. ففي حال بقاء ميزانية الصين الدفاعية عند 1.7 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي، سيُعزز النمو الاقتصادي هذه الميزانية بواقع 208 مليارات دولار سنوياً ابتداءً من عام 2019م.

إن هذه الموارد ستكون كافية لتمكين الصين مستقبلاً من الاعتداد بنفوذها العسكري الواسع، بدلاً من اعتدادها الحالي بنفوذها الدبلوماسي ودبلوماسية الدولار.

 

مقالات لنفس الكاتب