array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

فرصة اليابان في بناء "معبر السلام" بالشرق الأوسط

الثلاثاء، 01 أيار 2007

عندما تولى شينـزو آبـي منصب رئيس وزراء اليابان خلفاً لجونيتشيرو كويزومي في أواخر العام الماضي، كان من المتوقع على نطاق واسع أن يقدم بياناً عن السياسة الخارجية لبلاده، ومن ضمنه جزء رئيسي يتعلق بسياسة طوكيو إزاء منطقة الشرق الأوسط. غير أننا لا نبالغ إذا قلنا إن جولة رئيس الوزراء الياباني في المنطقة، التي اصطحب فيها وفداً يضم مائة من كبار رجال الأعمال في اليابان كانت أفضل أسلوب لإيصال الرسالة اليابانية.
إن استقرار السياسة الخارجية للحكومة اليابانية وجديتها بشأن المنطقة اتضحا بجلاء في خطاب لوزير الخارجية الياباني تارو آسو في فبراير الماضي، الذي قدم فيه تفصيلاً موسعاً لتصريحاته التي أدلى بها قبل أشهر قليلة وتحدث فيها عن فكرة "معبر السلام والازدهار". وطرح الوزير الياباني ثلاثة أسباب تبرز أهمية الشرق الأوسط، ومن ضمنها أهمية دول مجلس التعاون الخليجي في توفير النفط لليابان، والتحول الاقتصادي الذي يفتح فرص استثمار ذات عوائد كبيرة، وأخيراً أهمية استقرار منطقة الشرق الأوسط للسلم العالمي.
لقد كانت اليابان في عام 2006 تعتمد على منطقة الشرق الأوسط للحصول على 89.2 في المائة من واردات النفط الخام، تساهم دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 76.4 في المائة منها. ومن المفهوم تماماً في اليابان، كما هو الحال في معظم أجزاء آسيا التي تشهد طفرة اقتصادية متجددة، أن سوق النفط سوف تتحول بصورة متزايدة إلى سوق تتحكم بها الدول المصدّرة. وبوصفها مستهلكاً رئيسياً للنفط، تدرك طوكيو أهمية الحفاظ على حضور ملموس في منطقة الشرق الأوسط. وقد قال وزير الخارجية آسو، في معرض توضيحه للأسباب التي دعت اليابان إلى تعزيز انخراطها السياسي واهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط، إن بلاده تسعى لتسخير الموارد الاقتصادية والفكرية والدبلوماسية ضمن "جهد ياباني شامل".
وفي الواقع، تُعَد العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان علاقة مصالح مشتركة واحترام متبادل، فالمنطقة تتطلع لليابان، ليس كمجرد دولة مستوردة لنفطها فحسب، وإنما كمصدر كبير للاستثمارات ومستودع زاخر بالخبرات. ونتيجة لارتفاع أسعار النفط، بالإضافة إلى التوسع والتطور الاقتصادي الذي شهدته منطقة الخليج والانتعاش الاقتصادي الكبير في اليابان، ارتفع حجم التجارة بين الطرفين بمعدل 39.1 في المائة خلال عام 2005 ليصل إلى 88.5 مليار دولار، وهو الأمر الذي جعل اليابان أحد أكبر الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون الخليجي. وتمثل واردات النفط الخام نحو 85 في المائة من تجارة اليابان مع المنطقة، حيث تستورد نحو 1.2 مليار برميل من النفط الخام من دول المنطقة، وكانت صادرات اليابان لدول المنطقة قد زادت بنحو 15 في المائة لتصل إلى ثلاثة عشر مليار دولار. ومثلت المكائن والمعدات أكبر حصة، حيث بلغت نحو عشرة مليارات دولار؛ ومن ضمن هذا المبلغ، وصلت حصة آليات النقل إلى نحو سبعة مليارات دولار. وتُعَد دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر سوق لليابان في المنطقة، حيث تساهم بنحو 37 في المائة، أي ما يعادل خمسة مليارات دولار من تجارة اليابان مع دول المنطقة.
ومن المتوقع أن تكتسب هذه العلاقة الاقتصادية زخماً عندما تصل المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان، التي بدأت في سبتمبر 2006 بتركيز على قطاعي الزراعة والسلع، إلى خاتمة منطقية تتلاءم مع حجم هذه العلاقات. بالإضافة إلى ذلك، فإن خطط التنويع الاقتصادي التي يجري تنفيذها حالياً في دول المنطقة تتطلب استثمارات ضخمة وخبرات كبيرة، وكلاهما متوفر في اليابان.
ومن بين المشروعات الرئيسية التي دخلت حيز التنفيذ الفعلي حالياً، والتي تجدر الإشارة إليها، مصنع المواد البتروكيميائية في مدينة ينبع، وهو مشروع مشترك بقيمة 9.8 مليار دولار بين شركتـي أرامكو وسوميتومو للكيميائيات؛ هذا بالإضافة إلى حصة في مشروع (رأس غاز) بدولة قطر تملكها مؤسسة الغاز الطبيعي المسال اليابانية، ومشروع مترو دبي الذي يضم اتحاد شركات برئاسة شركة ميتسوبيشي، وتسويق مشروع ألمنيوم البحرين (ألبا) من قبل شركة سوجيتـز.
ويُعَد تطوير الموارد البشرية من مجالات التعاون التي ستكون لها انعكاسات واسعة النطاق. ومع تزايد إدراك دول المنطقة للحاجة إلى تشجيع مجتمع المعرفة، أصبح من المهم تسريع الخطى لتجاوز الترتيبات والأنماط السائدة حالياً، ومن أمثلة ذلك التعاون بين الحكومة السعودية ومؤسسات مثل الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) لتقديم منح دراسية في اليابان وإيفاد الدارسين للحصول على دورات في الهندسة أو مبادرة مركز التعاون الياباني للشرق الأوسط التي تعمل على نقل برمجيات في المناهج التعليمية ومهارات الإدارة والتقنية المتطورة إلى مؤسسات بحرينية أو قيام هذا المركز الياباني بمساعدة القطريين في مجال اكتساب مهارات تطوير الإنتاج.
وينبغي لليابان أن تسعى مستقبلاً لتشجيع إجراء مباحثات حول منشآت التخزين اللازمة للتغلب على الأزمات، وذلك عن طريق استكشاف وتطوير قدرات منطقة الخليج على التحول إلى طرف يوفر حلول الطاقة، بالإضافة إلى بحث قضية إدارة المخزون الاستراتيجي من موارد الطاقة. وسوف تستفيد دول مجلس التعاون كثيراً من خبرة اليابان في التنويع الاقتصادي والاهتمام بالصناعات البتروكيميائية وغيرها من الصناعات الثقيلة الأخرى، وخاصة الألمنيوم والحديد الصلب.وما من شك في أن النفط والتجارة يمثلان العاملين الرئيسيين في صياغة وتغيير نمط العلاقات القائمة بين اليابان ودول الخليج، غير أن تحليل هذه العلاقة من هذه الزاوية وحدها يُعَد تبسيطاً مفرطاً لها، فهناك كثير من القضايا الإقليمية والدولية المتداخلة معها أيضاً.
فهناك تناغم في مواقف دول مجلس التعاون الخليجي واليابان بشأن الصراع الفلسطينـي ـ الإسرائيلي، حيث ظلت طوكيو تحث الأسرة الدولية على المساعدة على إيجاد تسوية سلمية عادلة وشاملة لهذا الصراع على أساس قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 و338. وكانت اليابان إحدى الدول القلائل التي اعترفت بالحكومة الفلسطينية التي ألفتها حركة حماس بعد فوز الأخيرة في الانتخابات الديمقراطية التي أُجريت في مطلع العام الماضي.
وبينما لا تزال المنطقة والعالم عموماً يبذلان جهوداً حثيثة لتحقيق الاستقرار في العراق، يجدر بنا أن نثنـي على المساهمة اليابانية المقدرة في هذا الصدد. ففي عام 2005، قامت اليابان بإلغاء نحو سبعة مليارات دولار من ديونها المستحقة على العراق، ويعادل هذا المبلغ نحو 80 في المائة من إجمالي ديونها المستحقة على هذا البلد. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت اليابان بتقديم دعم يبلغ خمسة مليارات دولار لمجهود إعمار العراق. وخلال الأسبوع الأول من شهر إبريل 2007، قدمت اليابان قرضاً بقيمة 850 مليون دولار لحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أثناء زيارته إليها، وذلك بنسبة فائدة منخفضة للمساعدة على تمويل بناء منشآت النفط في البصرة. وستقوم اليابان كذلك بتمويل مصنع للأسمدة ومصفاة لتكرير النفط، كما تساعد على تحسين توليد الطاقة الكهربائية.
وفي مقابلة لرئيس الوزراء الياباني شينـزو آبـي مع مجلة "نيوزويك" قبيل زيارته إلى الولايات المتحدة، قال: "إن اليابان تتمتع اليوم بعلاقات جيدة مع إيران، وهي ترغب في ممارسة أي نفوذ لديها للتأثير في مواقف الإيرانيين ومحاولة العمل من أجل التوصل إلى حل سلمي لقضية الملف النووي".
وقد يكون من الأجدى على المدى الطويل أن تفكر اليابان في دراسة إمكان تأسيس مجموعة ثلاثية (ترويكا) مع المملكة العربية السعودية وتركيا لإقناع إيران بالتراجع عن حافة الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي. وبينما تملك المملكة العربية السعودية مصلحة مباشرة، إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، في حث إيران على التخلي عن محاولات امتلاك قدرات نووية، فإن نجاح مثل هذا الجهد سيؤدي إلى تغيير نظرة أعضاء الاتحاد الأوروبي لتركيا التي تبذل مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وخاصة إذا تمكنت من المساهمة بصورة إيجابية في التغلب على الأزمة الحالية بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وتملك اليابان المؤهلات الملائمة للقيام بهذا الدور، وذلك على عكس الترويكا الأوروبية التي ظلت منهمكة في مفاوضات دبلوماسية غير مثمرة مع إيران، وهو الأمر الذي أدى إلى حالة المواجهة الحالية. وإلى جانب الاستفادة من دروس التاريخ في هيروشيما وناغازاكي، تملك اليابان سجلاً حافلاً في مجال تعزيز وتشجيع عدم التسلح النووي ومنع انتشار الأسلحة النووية. وأهم من ذلك، أننا إذا أخذنا في الحسبان أن إيران توفر أكثر من 15 في المائة من النفط الذي تحتاج إليه اليابان، وهو ما يجعل الأولى أكبر مصدر للنفط لليابان، فإن الدولتين تملكان مستوى ممتازاً من التعاون الاقتصادي الذي يمكن ترجمته وتحويله إلى رصيد سياسي مفيد في هذا الخصوص.
إن جولة رئيس الوزراء الياباني الحالية في دول المنطقة سوف تساعد على تفهم مخاوف دول مجلس التعاون في ما يتعلق بقضية الملف النووي الإيراني، وما قد ينجم عنها من صراع محتمل، وهي مخاوف تنسجم مع المخاوف اليابانية بخصوص احتمالات توسع دائرة التسلح النووي التي قد تصل إلى تخوم محيطها المباشر. إن طوكيو مؤهلة تماماً لإسداء النصح لطهران حول مزايا قبول نظام تفتيش يشمل تطبيق ضمانات شاملة، وهو النظام الذي ظلت اليابان ملتزمة به على مدى عقود طويلة.
وإذا كانت اليابان ترغب في تحقيق رؤيتها لإنشاء "معبر للسلام والازدهار.. يمتد عبر مسار يبدأ من الضفة الغربية، عبر الأردن وما وراءها، لينتهي عند دول الخليج"، فلا بد أن تمثل إيران جزءاً كبيراً من هذه المعادلة.

مجلة آراء حول الخليج