array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

اتفاق المصالحة السودانية ـ التشادية..إنجاز آخر للدبلوماسية السعودية

الجمعة، 01 حزيران/يونيو 2007

في خطوة تؤكد قناعة المملكة العربية السعودية الراسخة بأن المشكلات التي تعانيها المنطقة العربية وما جاورها تحتاج إلى حلول نابعة من المنطقة نفسها، حققت المملكة إنجازاً آخر يضاف إلى رصيد نجاحاتها، وذلك بالتوسط في التوصل إلى اتفاق مصالحة بين السودان وتشاد يحول دون اندياح دائرة الصراع الناجم عن أزمة دارفور. وبينما سيتضح تأثير هذا الاتفاق خلال الأشهر المقبلة، فإن من المؤكد أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي ـ والذي يشجع هاتين الدولتين الجارتين في إفريقيا على منع الحركات المتمردة ومجموعات المعارضة من شن هجمات عبر الحدود المشتركة، ويدعم جهود الاتحاد الإفريقي لتحقيق الاستقرار في إقليم دارفور السوداني ـ يمثل فتحاً جديداً في هذه الأزمة الشائكة.
وكانت الحكومة السودانية قد وقّعت اتفاق سلام دارفور، الذي رعاه الاتحاد الإفريقي، مع الفصيل الرئيسي من حركة تحرير السودان في العاصمة النيجيرية أبوجا خلال شهر مايو من العام الماضي، غير أن العنف لم يتوقف في إقليم دارفور. ويعَد هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخراً في الرياض مهماً في هذا الصدد، لأن قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي تقول إن الصراع في دارفور لا يمكن حله حلاً شاملاً إلا بعد توقف الأعمال العدائية على الحدود بين السودان وتشاد.
وبعد سلسلة من الجهود الفاعلة لمعالجة الأزمات المستفحلة في المنطقة، ومنها الاقتتال الداخلي بين الفصائل الفلسطينية، والصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وملفات لبنان وسوريا والعراق وإيران، بادرت المملكة العربية السعودية إلى الاستفادة من فرصة مؤتمر القمة العربي، الذي عقد في الرياض خلال شهر مارس الماضي، لكي تحاول إيجاد حل للصراع على الطرف الآخر من البحر الأحمر، وأيضاً لكي تعمل على إيقاف التدخلات الليبية المتأرجحة في هذه المنطقة. وتدخّل الملك عبدالله بن عبدالعزيز ليدفع الحوار البنّاء بين فرقاء الأطراف المعنية، ومنهم الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره التشادي إدريس ديبـي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس المفوضية الإفريقية ألفا عمر كوناري، وذلك بهدف التوصل إلى آلية فاعلة لحل مشكلة دارفور.
بعد أسابيع قليلة، قالت الخرطوم إنها قبلت بالمرحلة الثانية من خطة الأمم المتحدة (حزم الدعم)، والتي تتضمن إرسال 3000 فرد من عناصر تابعة للأمم المتحدة بهدف توفير الإمدادات والاتصالات والمساعدات الفنية للطيران اللازمة لقوات الاتحاد الإفريقي ذات التجهيز الضعيف، والتي يبلغ عددها نحو 7 آلاف جندي، بعد أن ظلت عاجزة عن إحداث تحول حقيقي ينهي الاضطرابات والاقتتال الدموي في إقليم دارفور.
فبالإضافة إلى أن المملكة العربية السعودية تمثل القوة الاقتصادية الرئيسية في منطقة الخليج والشرق الأوسط، فإن توجهها نحو الإسهام الفاعل في جهود حل النـزاعات في العالم العربي ينبع من الرغبة الصادقة لقيادتها الحكيمة في محاولة المعالجة المتأنية لمشكلات العالم الإسلامي المتراكمة. وتأتي هذه المبادرات الدبلوماسية الأخيرة في وقت تبدو فيه الولايات المتحدة عاجزة عن التعامل الفاعل مع الأوضاع في العراق وإيران، وهي غير مهتمة بملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، هذا فضلاً عن فشلها في إيجاد الحلول الملائمة لكثير من المشكلات الأخرى التي تعانيها المنطقة.
وفي ما يتعلق بقضية دارفور، فإن المحاولات السعودية للتوسط في هذا الشأن تأتي كرد فعل لإثبات عدم صحة انتقادات الأطراف الأخرى، ومنها تشاد. ففي نوفمبر 2006، وجهت تشاد خطاباً إلى مجلس الأمن الدولي اتهمت فيه السودان ومجموعات معينة في المملكة العربية السعودية بالضلوع في المحاولات التي تبذلها مجموعات المعارضة التشادية لإسقاط حكومة الرئيس ديبـي في انجامينا. وأثبتت الرعاية السعودية للاتفاق الذي تم بين السودان وتشاد في الرياض سلامة الموقف السعودي، وأكدت أن دوافع المملكة العربية السعودية بنّاءة وإيجابية في هذا الخصوص.
علاوة على ذلك، فإن الاهتمام السعودي بالشأن السوداني يؤكد مؤازرة المملكة لدولة عربية شقيقة، مثل السودان الذي حظي بنعمة الثروة النفطية، غير أنه لايزال يعاني مصاعب اقتصادية جمة. وقد ارتفع الإنتاج وحجم الصادرات السودانية من النفط الخفيف النقي بصورة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية. وكان السودان قد بدأ تصدير النفط خلال عام 1999 فقط. وأصبح فعلاً ثالث أكبر منتج للنفط في دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتسبقه على رأس القائمة نيجيريا وأنغولا فقط، وسجلت الإحصائيات الصادرة عن وزارة الطاقة في السودان إنتاج نحو 500 ألف برميل من النفط يومياً خلال عام 2005، وذلك على الرغم من هذه الاضطرابات الداخلية - وطبقاً لما جاء في (مجلة النفط والغاز) الدولية - فإن السودان كان يملك احتياطيات تقليدية تبلغ 563 مليون برميل في يناير عام 2006، بينما تقول وزارة الطاقة السودانية إن إجمالي احتياطيات السودان من النفط يقدَّر بنحو خمسة مليارات برميل.
وطبقاً لتقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2006، يأتي السودان في المرتبة رقم 144 من بين 177 دولة شملها هذا التقرير. ومع وجود حقول نفطية ضخمة لم تستغَل أو تطوَّر حتى الآن، فإن من المتوقع أن تشهد صادرات السودان من النفط زيادة كبيرة إذا ما تحقق السلام، وساد الاستقرار أنحاء السودان، ليس بين الشمال والجنوب فقط، وإنما على امتداد أطراف البلاد وحدودها الإقليمية. ومن شأن ذلك أن يساعد كثيراً على ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي وازدهار الاقتصاد السوداني، وبذلك يتم التخفيف من حدة الفقر.
وكانت الرغبة السعودية في مساعدة السودان على الخروج من الوضع الذي أقعده طويلاً قد اتضحت عندما قال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، عادل الجبير خلال الشهر الماضي إن بلاده (سوف تتحمل مسؤولياتها للتخفيف من معاناة أشقائنا في السودان). وقد اتفق وزير الدولة السوداني للعلاقات الخارجية، علي كرتي، مع هذا التصريح عندما أقر بأن المملكة العربية السعودية سوف تكون الضامن لنجاح هذا الاتفاق. وعند سؤال علي كرتي عما إذا كانت المملكة ستعرض تقديم مساعدات مالية للطرفين لضمان نجاح الاتفاق، قال (لا يوجد نص صريح في الاتفاق، ولكن المفهوم أن المملكة درجت على مؤازرة السودان والمسلمين في كل مكان).
بالإضافة إلى الروابط التاريخية العريقة التي تناولها الباحثون، والتي كانت قائمة بين ممالك إقليم دارفور والمملكة العربية السعودية، هناك مصالح اقتصادية أيضاً. ففي ديسمبر عام 2005، تم توقيع اتفاق في جدة بين رجال أعمال سودانيين وسعوديين لتأسيس شركة قابضة للاستثمار. وبدأ هذا الاتفاق بتأسيس شركة مساهمة عامة قابضة برأسمال يبلغ عشرة مليارات دولار للاستثمار في مجال العقارات، وتم تشكيل لجنة من الجانبين للعمل على تنفيذ الاتفاق الذي يغطي أيضاً الاستثمار في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والنفط والطاقة الكهربائية والنقل، بالإضافة إلى قطاع الخدمات المصرفية.
غير أن السبب الرئيسي وراء هذا الجهد السعودي الدؤوب تجاه معالجة الأزمات المختلفة في المنطقة، ومن ضمنها دارفور، يكمن في قناعة المملكة الراسخة بالحاجة الماسة إلى تحقيق وحدة الصف وإنهاء الخلافات. وتدرك القيادة السعودية أن العالم العربي يواجه التفكك والانقسامات، وأن ظهور المزيد من القضايا المثيرة للانقسامات سيدخل المنطقة بأسرها في حالة من الفوضى التي سيصعب حلها لاحقاً.
إن هذا الاعتقاد الراسخ هو الذي شجّع المملكة العربية السعودية على المبادرة إلى جمع الفرقاء العراقيين وتسهيل التوصل إلى إعلان مكة في أكتوبر عام 2006، وذلك عندما التقى نحو 50 من الزعماء الدينيين العراقيين، ووافقوا على العمل من أجل إنهاء إراقة الدماء بسبب الاقتتال الطائفي في العراق الذي مزقته الحرب. وبعد ذلك، جاءت الرعاية السعودية التي حظيت بدعم وقبول إقليمي ودولي واسع لاتفاق تقاسم السلطة بين الفصائل الفلسطينية المتصارعة، وذلك خلال شهر فبراير من العام الحالي، ومن ثم جاء الإجراء الذي اتخذته القمة العربية التي عقدت في الرياض خلال شهر مارس الماضي بتبني أول (مبادرة عربية للسلام) في الشرق الأوسط وتأليف لجنة متابعة لتنفيذها.
وفي الواقع، فإن مؤتمر القمة العربية التاسع عشر، الذي ترأسه الملك عبدالله بن عبد العزيز، سعى إلى تحمل المسؤولية عن حالة الانقسام والتردد العربي، ثم العمل على استنهاض الجهود العربية وتفعيلها لحل الصراعات والانقسامات والأزمات القائمة في المنطقة. وكان الملك عبدالله بن عبدالعزيز صريحاً في تحديد أن العرب أنفسهم هم المسؤولون عن التدخلات الخارجية في المنطقة، نظراً لتقاعسهم عن القيام بواجباتهم تجاه حل مشكلاتهم. كما أكد أن الدول العربية لن تتـرَك للقوى الخارجية كي تقرر مستقبل المنطقة. وبذلك أعاد الملك عبدالله بن عبدالعزيز إحياء آمال جديدة تحتاج إلى جهد إقليمي جماعي لمواصلة تفعيل حالة الحراك الحيوي التي دبت فيها.

مجلة آراء حول الخليج