; logged out
الرئيسية / آفاق العلاقات الخليجية ـ الباكستانية

آفاق العلاقات الخليجية ـ الباكستانية

الأحد، 01 تموز/يوليو 2007

إن العلاقات بين دول الخليج العربية وباكستان غنية عن التعريف، فهي علاقات تتميز برسوخ جذورها التاريخية. غير أن آخر التطورات التي شهدتها منطقة الخليج أضفت على هذه العلاقات مزيداً من الأهمية الاستراتيجية، وهو ما يوجب على الجانبين تعزيز التعاون وتوسيع نطاق العمل المشترك، لطالما اتسمت العلاقات بين دول الخليج العربية وباكستان بتعدد أبعادها. وليس القرب الجغرافي سوى أحد العوامل التي ساهمت في توطيد هذه العلاقات. غير أن هذه العلاقات اتخذت صورتها الحالية نتيجةً لعوامل ثقافية ودينية وتاريخية، ناهيك عن قيامها على أساس المصالح السياسية والأمنية المشتركة والعلاقات الاقتصادية المتنامية.
ومن الأمثلة الواضحة على عمق العلاقات الخليجية - الباكستانية ما يأخذنا إلى الحرب العربية - الإسرائيلية في عام 1967، إذ تعدى موقف الجنرال أيوب خان، الرئيس الباكستاني حينذاك، على نحو لافت كل عبارات المجاملات الدبلوماسية المعروفة ليبلغ الملك فيصل، ملك المملكة العربية السعودية، في حينه، بأن باكستان على استعداد لإرسال قواتها الجوية لحماية المملكة من أي عدوان إسرائيلي محتمل. وفي الحقيقة، كان إعلان وقف إطلاق النار السبب الوحيد الذي منع باكستان من المشاركة في تلك الحرب ضد إسرائيل. ليس هذا فحسب، بل لقد كانت هناك شراكة استراتيجية بين دول الخليج وباكستان لمواجهة الغزو والاحتلال السوفييتيين لأفغانستان.
ولم تقتصر العلاقات بين الجانبين على المستوى الرسمي. فعلى سبيل المثال، وإلى جانب تحرك دول المنطقة، هبت شعوب دول الخليج إثر الزلزال المدمر الذي ضرب باكستان في أكتوبر 2005، وتم جمع التبرعات لمساعدة باكستان والوقوف إلى جانبها في تلك الفترة العصيبة. وفي ضوء هذه الخلفية ونظراًً إلى أهمية العلاقات الاستراتيجية القائمة بين باكستان ودول الخليج العربية، بات من الضروري معالجة النقص في البحث المنهجي المعمّق لهذه العلاقات. ولا شك في أن التوصل إلى فهم أفضل للهموم المشتركة يمثل الخطوة الأولى على هذا الطريق. ففي سياق التطورات الراهنة، يمكن لباكستان أن تضطلع بدور فاعل على صعيد أزمتين تثيران عميق القلق لدى دول مجلس التعاون الخليجي، هما:
أولاً، تفاقم ظاهرتي الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي في أفغانستان، وهو ما ينطوي على تداعيات سلبية قد تطال المنطقة برمتها. وثانياً، التهديد المحتمل المرتبط بالنشاطات النووية الإيرانية.
ومن الواضح أن هاتين المسألتين تهددان الأمن والاستقرار في المنطقة. وفي كلتا الحالتين، يمثل موقع باكستان الجيو - استراتيجي عنصراً محورياً. وفي ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، ترى دول مجلس التعاون أنه يتعين على إيران التخلي عن طموحاتها النووية حتى وإن انسحبت من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ويمكن لباكستان في هذا المجال الاضطلاع بدور دبلوماسي فاعل لثني إيران عن مواصلة برنامجها النووي.
أما إعادة الاستقرار إلى أفغانستان ومنع تصاعد الإرهاب في المنطقة، فإنهما يمثلان مسألتين ملحتين بالنسبة لكلا الجانبين. ولقد شاركت باكستان في الجهود المخلصة لمكافحة الإرهاب على الصعيدين المحلي والدولي. ونحن ندرك حجم الصعوبات التي تنطوي عليها هذه المهمة، لأن دول الخليج تواجه مشكلةً مماثلةً. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن باكستان ودول الخليج اتخذتا خطوات جادةً لمكافحة الإرهاب واحتواء التهديد الذي تمثله الجريمة المنظمة.
لقد أعربت دول الخليج عن سعادتها بالمبادرة التي أطلقها الرئيس برويز مشرف لحث الدول الإسلامية على العمل من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط وأفغانستان، والعمل على إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، كما أن دول الخليج رحبت بهذه المبادرة أثناء اجتماع وزراء الخارجية الذي استضافته إسلام آباد في فبراير الماضي. وانبثقت هذه المبادرة الجديدة في منطقة الشرق الأوسط من الفكرة القائلة بضرورة تحرك الدول الإسلامية، بما فيها إيران، بصورة جماعية لإيجاد حلول عادلة ونهائية للنزاعات الدائرة في المنطقة.
ونحن على يقين بأن دول الخليج وباكستان بحاجة إلى توسيع آفاق ومجالات تعاونهما في مجال مكافحة الإرهاب، كما أنه من الضروري وضع استراتيجية مشتركة تقضي بتطبيق مجموعة أوسع من السياسات المستدامة في المدى البعيد تبدأ على مستوى شعوب الجانبين؛ كما أنه من الممكن تطوير مناهج دراسية شاملة للمدارس والمؤسسات الدينية بهدف غرس التعاليم الإسلامية الصحيحة. لكن لا بد لسياسات مكافحة التطرف أن تأخذ قيم شعوبنا وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها في الحسبان. ولذلك، فإن مكافحة الإرهاب والتعاون في المجالات الأمنية والعسكرية هي مجالات ثلاثة يمكن فيها للتعاون وآليات الأمن الجماعي أن تحقق نتائج طيبة، ولا سيما أن هناك حاجةً إلى معالجة هذه القضايا على نطاق إقليمي؛ كما أن بإمكان المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى الاضطلاع بدور إيجابي عبر المساهمة في إيجاد حل سلمي للنزاع حول كشمير، لأن هذه الدول تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من باكستان والهند.وعلى الصعيد الاقتصادي، شهدت العلاقات الاقتصادية القوية بين دول المجلس وباكستان مؤخراً مزيداً من الزخم عبر الاستثمارات الجديدة الضخمة لدول الخليج في باكستان. ويعود هذا التنامي في حجم الاستثمارات الخليجية إلى الجهود المكثفة التي بذلتها باكستان لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول الخليج. لكن هذه الجهود تكللت بالنجاح بفضل الإنجازات الرائعة التي سجّلها الاقتصاد الباكستاني في السنوات الأخيرة. ومثلت دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في باكستان خلال عام 2006، إذ بلغ حجم استثماراتها 1.42 مليار دولار. ومن المتوقع أن يزداد الاستثمار الإماراتي في باكستان مستقبلاً، شأنه شأن استثمارات بقية دول المنطقة. وتشير التوقعات إلى أن حجم التبادل التجاري بين دولة الإمارات العربية المتحدة وباكستان خلال العام الجاري سيتجاوز عتبة خمسة مليارات دولار، واستثمرت الكويت وقطر مبالغ ضخمةً في قطاعي الطاقة والبنية التحتية في باكستان، كما أعلنتا خططاً لتوسيع استثماراتهما هناك، لكن أحدث الاستثمارات الخليجية ركزت على القطاعات الباكستانية الرئيسية، كالاتصالات وتطوير البنية التحتية والعقارات والطاقة والفولاذ والشحن البحري.
وربما يمثل تطوير مشروع مرفأ غوادار (Gwadar) إلى مرفق إقليمي للطاقة والنشاط التجاري أحد المشروعات الرئيسية التي قد تعود بالفائدة على الجانبين. ومن الممكن استخدام مرفأ غوادار كبوابة إقليمية ونقطة ربط بين جمهوريات آسيا الوسطى وبلدان مجاورة أخرى، وكنقطة عبور للسلع التجارية وموارد الطاقة المتجهة إلى الصين ودول آسيا الوسطى وحتى الهند.
كما يمكن لباكستان أن تتحول إلى نقطة عبور مهمة على الطريق التجاري الذي يربط الصين وأفغانستان وآسيا الوسطى والشرق الأقصى. فهناك مشروعان حيويان للطاقة تشارك فيهما إسلام آباد، ومن شأنهما أن يؤثرا بصورة عميقة في التعاون الإقليمي، هما: خط الأنابيب الذي يربط بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان وخط الغاز الممتد من قطر إلى باكستان، وهما مشروعان قادران على جعل بلوشستان مرفقاً لنشاطات نقل الغاز؛ وهو الأمر الذي قد يمكّنها من استقطاب دول الجوار، بينما سيتم ربط باكستان وإيران والهند وأفغانستان وتركمانستان وقطر عبر شبكة مشتركة. وهذا من شأنه أيضاً أن يعزز العلاقات بين دول جنوب ووسط آسيا، لاسيما عندما يعمل مرفأ غوادار بكامل طاقته ويصبح منفذاً بحرياً لكل من أفغانستان وغرب الصين ودول آسيا الوسطى.
علاوةً على ما تقدم، تستضيف دول مجلس التعاون أعداداً كبيرةً من العمالة الباكستانية على امتداد المنطقة، يصل عددها الإجمالي إلى نحو 1.7 مليون شخص. وبينما تأتي الجالية الهندية في المرتبة الأولى من حيث العمالة الوافدة في منطقة الخليج، تحتل الجالية الباكستانية المرتبة الثانية، وتضم أخصائيين ورجال أعمال وحرفيين وفنيين وعمالاً، وساهمت هذه الجالية بصورة كبيرة في تطوير الاقتصاد والبنية التحتية في المنطقة، كما أنها مصدر مهم للنقد الأجنبي بالنسبة لباكستان. وقد ساهم الشرق الأوسط بنحو 2.1 مليار دولار من إجمالي الحوالات المالية الخارجية إلى باكستان في السنة المالية 2005 - 2006، والبالغ نحو 4.6 مليار دولار.
أضف إلى ذلك أن دول المجلس وباكستان تتمتع بعلاقات أمنية ودفاعية قوية؛ فقد ساهمت باكستان بصورة كبيرة في تدريب وتأهيل ضباط في القوات المسلحة ومؤسسات قوى الأمن الداخلي في دول المجلس، كما أن هناك الكثير من العسكريين الباكستانيين الذين خدموا في دول الخليج، ونظم الجانبان مناورات عسكريةً مشتركةً، بالإضافة إلى تنامي حجم تجارة الأسلحة بينهما والتطوير المتواصل لأنظمتهما الدفاعية. وفي ظل الظروف الراهنة التي تشهد نقاشاً حاداً حول إقامة هيكلية أمنية جماعية لحماية مصالح دول المنطقة وشركائها، ترغب دول مجلس التعاون في النظر بجدية في إمكانية اضطلاع باكستان بدور أمني فاعل يقوم على أساس إشراك قواتها المسلحة في الدفاع عن المنطقة في حال تعرضها لأي تهديد خارجي.
خلاصة القول إن هناك الكثير من الفرص الحقيقية التي تتيح للجانبين خلال السنوات المقبلة العمل على تعزيز وتوطيد علاقاتهما الاستراتيجية لحماية مصالحهما المشتركة؛ لكن لا بد للطرفين من تحديد ومناقشة وتأطير الجوانب التي يرغبان في تطويرها لتوفير الفرص المعقولة لتحويلها من طور الأمنيات إلى واقع على الأرض.

مجلة آراء حول الخليج