; logged out
الرئيسية / التلوث البيئي في منطقة الخليج العربي.. حقائق ومؤشرات

العدد 90

التلوث البيئي في منطقة الخليج العربي.. حقائق ومؤشرات

الخميس، 01 آذار/مارس 2012

تحاول هذه الورقة الكشف عن أهم التحديات التي تواجه الأمن البيئي في منطقة الخليج العربي ومدى تأثير المشكلات والتحديات البيئية على الوضع السياسي في منطقة الخليج وتأثيرها على نوع العلاقات وطبيعتها بين دول مجلس التعاون والدول المجاورة.

لقد ظهر مفهوم الأمن البيئي خلال العقد الأخير من القرن العشرين وكان يعكس وإلى حدٍ كبير الاهتمام الكبير بالإشكاليات التي تتركها قضايا التلوث وما يمكن أن تنعكس على الأمن القومي لأي بلد من البلدان. وظهر خلال هذه الحقبة اتجاهان أساسيان لتعريف مفهوم الأمن البيئي وأول هذين الاتجاهين يشير إلى أن مفهوم الأمن البيئي يتبلور في حالة وجود تقاطعات بين قضايا البيئة في بلد ما وبين قضايا الأمن الاستراتيجي، وبحسب هذا التعريف فإن القضايا والإشكاليات التي يثيرها الأمن البيئي لا يمكن أن تُحل عن طريق تدخل خبراء في مجال البيئة فحسب بل تستلزم إيجاد خطة قومية شاملة لمعالجتها، لا سيما أن القضايا التي بدأ يثيرها الأمن البيئي أضحت تفوق التأثير الذي يمكن أن تتركه قضايا مثل التهديد العسكري، وبالتالي فإن القضايا البيئية يُفترض أن تكون في الذروة من اهتمامات صانع القرار وينبغي ربطها باستراتيجية الأمن القومي، وبحسب هذا التعريف فإن الأمن البيئي يرتبط وبشكل كبير بثلاثة محاور هي:

1- يترك الأمن البيئي تأثيرات كبيرة على حجم ونوع العلاقات بين الدول المتجاورة وبالتالي قد يكون سبباً في إثارة الحروب والنزاعات.

2- يؤثر الأمن البيئي في الوجود الإنساني والموارد الطبيعية وبالتالي في مصير ومستقبل الوجود الإنساني في بقعة ما.

3- وأخيراً هنالك تأثيرات كبيرة للحروب والنزاعات المسلحة على الأمن البيئي. وعلى أساس هذا التعريف فقد ظهر مفهوم الأمن البيئي وأصبح جزءاً من استراتيجيات الأمن القومي.

أما المفهوم الثاني فيستند إلى (تأمين البيئة) ويقوم على اتخاذ جملة من الخطوات والتي ترمي للحفاظ على النظام البيئي أي السعي لإيجاد قاعدة أمنية ترمي للحفاظ على البيئة وعناصرها وليس من خلال ربط البيئة بالأمن القومي بالشكل الذي يفترضه التعريف السابق. وينطلق التعريف الأخير من أن الحفاظ على النظام البيئي مسألة جوهرية بالنسبة للإنسان والمجتمع، وبالتالي فإن الحفاظ على البيئة هو في واقع الأمر حفاظ على الوجود الإنساني والصحة الإنسانية، وعلى هذا الأساس فإن من الأفضل أن يدرج موضوع البيئة ضمن مستلزمات الحفاظ على التنمية وتعزيز مقوماتها بدلاً من إدراجها ضمن قضايا الصراعات العسكرية أو مفهوم الأمن القومي. وطبقاً لهذا التعريف يصبح مفهوم الأمن البيئي والحفاظ على البيئة مفهومين مترادفين. وهنا يكون الأمن البيئي جزءاً من مفهوم أشمل وأوسع هو الأمن الإنساني ولا يقتصر مفهوم الأمن على بعد واحد وهو البعد العسكري الذي ساد في الدراسات التقليدية المختصة بمفهوم الأمن.

وفي المنطقة العربية بدأ الاهتمام بمفهوم الأمن البيئي في عقد الثمانينات من القرن المنصرم، وكانت حصيلةً لتظافر جهود محلية وإقليمية كانت ترمي إلى إدخال مفهوم الأمن البيئي في إطار مفهوم الأمن القومي الشامل، كما كانت نتيجة لوجود جملة من المخاطر البيئية التي نجمت عن اندلاع حروب إقليمية أثرت على البيئة في أكثر من منطقة عربية ولا سيما منطقة الخليج، ولم يكن بدعاً بعد ذلك أن تظهر أولى الأدبيات الخاصة بالأمن البيئي في واحدة من دول الخليج ألا وهي المملكة العربية السعودية وكذلك في البحرين، ولقد تمحورت الكتب والدراسات الخاصة بالأمن البيئي في الخليج حول التمسك بالتعريف الثاني الذي تحدثنا عنه آنفاً والذي يستند إلى ضرورة إيجاد آليات ووسائل تكنولوجية ترمي للحفاظ على البيئة، وعدم إيجاد قاعدة للربط بين البيئة وأمنها والأمن العسكري أو الاستراتيجي.

ولا بد من التذكير بحقيقة أساسية وهي أن مياه الخليج العربي تعد أكثر الممرات المائية وأشدها تلوثاً إذ تستخرج من الآبار المجاورة لمياهه ملايين من براميل النفط يومياً وتشحن فيه الناقلات كميات كبيرة من النفط، مما زاد من مشكلة التلوث في الخليج حرب الثماني سنوات التي دارت بين العراق وإيران (1980-1988) والتي أدت إلى ما يُعرف باسم (حرب الناقلات) وإلى تسرب كميات كبيرة من النفط لمياه الخليج، كما أدت بطبيعة الحال إلى جملة من المخاطر البيئية والتي تركت أثرها على نوع المياه في الخليج وعلى الحياة الموجودة فيه. كما تركت حرب الخليج الثانية في عام 1991 تأثيرات مدمرة على بيئة الخليج لا سيما بعد أن قام نظام صدام حسين بتدمير قسم من آبار النفط عقب اندحار جيش نظامه في الكويت.

ولقد لاحظ المسؤولون عن قطاع المياه في واحدة من دول الخليج أن المياه التي تسحب من البحر لتقطيرها واستخدامها كمياه للشرب قد تلوثت بنسبة كبيرة من النفط على الرغم من أن المنطقة التي كان يجري تقطير مياه البحر فيها كانت خالية وبشكلٍ تام من أي أثر من آثار النفط أو وجود بقعٍ زيتية فيه واتضح فيما بعد أن مستحلباً تكون من النفط ومياه البحر، وأن كثافة هذا المستحلب قد غدت مساوية لكثافة مياه الخليج ولهذا فإن هذا المستحلب لم يطف على مياه البحر، ولكنه كون طبقة بقيت معلقة بالماء على عمقٍ غير قليل من هذا السطح، ولهذا بدا أن سطح الماء وظهر نظيفاً خالياً من آثار النفط في حين كانت الطبقات التي تقبع تحت السطح قد تلوثت بالكامل بمياه هذا المستحلب.

ومما لا شك فيه أن التلوث ببقع النفط يُمثل خطورة كبيرة على كل الكائنات الحية بما فيها الإنسان في منطقة الخليج لا سيما أن النفط يحتوي على كثير من المركبات العضوية التي يختلف أثرها من حالةٍ إلى أخرى ومن أمثلتها المركبات الأروماتية مثل النفتالين والفنانثرين، والمركبات المحتوية على الكبريت مثل الثيوفين والثيوكحولات، والمركبات المحتوية على النتروجين مثل البيرول والبيريدين، وبعض هذه المركبات تسبب الأورام خصوصاً بعض الهيدروكربونات مثل البنزبايرين.

وتتجمع هذه المواد والهيدروكربونات في بعض الأنسجة الحية مثل الأنسجة الدهنية، وأنسجة الكبد والبنكرياس، وبعض أنسجة العصاب، ويؤدي ذلك إلى حدوث كثير من الاضطرابات في حياة الكائن الحي.

ولا بد من التأكيد على حقيقة أساسية وهي أن الخليج العربي مخنوق بمضيق هرمز وهو أكثر استلاماً للتلوث القادم إليه من خليج عمان، ومحاطُ بدولٍ نفطية أخذ التطور فيها ينمو بشكل انفجاري ومتسارع، ويزداد فيه عملياً حفر الآبار النفطية سواء على اليابسة أو داخل مياه الخليج، وازدياد التلوث النفطي وتلوث الجو بمحروقات النفط الذي يسقط على مياه الخليج مطراً حامضياً أو رطوبة مترسبة وتزايد ناقلات النفط والسفن وفضلات التطور المدني الاستهلاكي والصناعي.

ويمكن بالنسبة للمتتبع أو المشاهد لمياه الخليج العربي أن يلاحظ في حالة تدقيقه أن المياه أضحت تتغير من اللون الغريني من جهة مصب شط العرب ثم تبدأ فتزداد زرقة يختلط فيها اللون الأسود وتطفو فيه بقع الزيت الخفيف، ولقد أضحى هذا اللون هو السائد في مياه الخليج العربي، مما يؤشر إلى ازدياد نسبة البواخر وناقلات النفط وأيضاً ازدياد عمليات استخراج النفط.

وفي دولة الإمارات العربيه المتحدة التي تشهد حركة تقدم متسارعة متنامية وعمليات بناء تسير باتجاه داخل مياه الخليج لبناء مئات الجزر الاصطناعية والمدن السياحية، مما يؤدي إلى تخريب بيئة القاع البحرية بدلاً من أن تمتد حركة التقدم والتطوير بنفس السرعة والروح باتجاه عمق الصحراء ليتم إحياؤها وتعميرها. ولقد أدت عمليات التنقيب المستمرة واستخراج النفط من مياه الخليج إلى بروز جملة من النتائج لعل أهمها:

أولاً: تخريب بيئة القاع البحرية في الخليج: وبيئة القاع هذه تمثل موطن الأحياء البحرية وتكاثرها والملجـأ لها، حيث تنمو الحشائش والنباتات البحرية وقواقع القاع والمفصليات ودقائق البلانكتون والأماكن التي تلجأ إليها الأسماك والإخلال بالتوازن الأحيائي هناك ونفوق الأسماك بموجات جماعية وفي فترات منتظمة.

ثانياً: ارتفاع نسبة التلوث من وقود البواخر والسفن: المتنامية العدد والأصناف وتسرب النفط من عمليات التنقيب عن النفط، أو المتسرب من ناقلات النفط. وهذا النفط يطفو على سطح الماء فيمنع الحصول على النسب الثابتة من الأوكسجين للأحياء وكذلك تسرب الماء الحار.

ثالثاً: ارتفاع نسبة التلوث المتأتي من ناتج إفرازات التطور المدني والتجاري والصناعي لدول الخليج.

رابعاً: تلوث جو الخليج ومدنه: لقد تركت مداخن السفن والمعامل والغاز وتكرير النفط ومشاريع إنتاج الطاقة وكذلك الارتفاع في نسبة الرطوبة في جو الخليج جملة من النتائج التي أفضت إلى ارتفاع نسبة الحموضة في مياه الخليج. ويمكن ملاحظة هذا التلوث بارتفاع نسبة حالات الربو بين السكان هناك.

آثار التلوث:

1- موجات ظهور السمك النافق.

2- اختفاء أو ندرة محار اللؤلؤ الذي كان يصدّره الخليج باعتباره أجود أنواع اللؤلؤ في العالم.

3- ترسب التلوث (المعادن الثقيلة والرصاص والزئبق) في لحوم الأحياء البحرية لأنها تتغذى على حشائش القاع المترسب فيها التلوث، وتشكّل خطورة على الاستهلاك البشري.

4- ارتفاع نسبة أمراض الربو والحساسية بين سكان المناطق المتاخمة لسواحل الخليج.

الدفق البحري وتلوث مياه الخليج العربي:

من المعروف أن مياه المحيطات لها حركة تتأثر بعوامل عدّة وهذه الحركة تسمى الدفق البحري وهي بشكل عام كما يلي:

1- شمال خط الاستواء: تتحرك مياه المحيطات نحو الشرق باتجاه عقرب الساعة، أما جنوب خط الاستواء فالمياه تتحرك نحو الشرق باتجاه عقرب الساعة وأما مياه المحيطات عند خط الاستواء الدفقي فتبتعد متضادة باتجاه الشمال والأخرى باتجاه الجنوب، وتشير الدراسات أن هناك نهراً عملاقاً من الماء العذب في المحيط الأطلسي، يجري بين جدارين من الماء المالح الأجاج من دون أن يختلط فيهما.

وهذا النوع من الدفق البحري يعمل على إحداث تيار لنقل الماء الدافىء نحو القطبين والماء البارد منهما، فيعمل على إحداث توازن حراري لمياه البحار وهذا الدفق يعمل على نقل الأجسام والتلوث نحو الشاطىء والقطبين.

ويتأثر بحر العرب، وخليج عمان والمحيط الهندي بحركة هذا الدفق، فهو يدخل مضيق هرمز ويصطدم بالشاطىء الإيراني وينزلق بمحاذاته ثم ليعود قسم من هذا الدفق باتجاه شاطىء الإمارات وينزلق بمحاذاته ليدور نحو بحر (السنات) ولسان شبه جزيرة قطر وهو هنا يجرف معه التلوث من مضيق هرمز والشاطىء الإيراني باتجاه شواطىء دولة الإمارات.

2- الدفق البحري من حركتي المد والجزر: من المعروف أن المد والجزر يحدثان نتيجةً لجاذبيتي الشمس والقمر فعند ارتفاعه في هذا البحر ينخفض في داخل الخليج العربي وعند حدوث المد في بحر العرب يتجه دفق التيار ليصطدم باتجاه مضيق هرمز ويتجه نحو الشاطىء الإيراني وبالحركة السابقة نفسها ويؤدي إلى النتيجة نفسها. وهناك تيار ضعيف يتجه إلى داخل الخليج. وعند حدوث المد داخل الخليج يتجه التيار كذلك باتجاه سواحل دولة الإمارات، وهو هنا يجرف معه المواد السامة والملوثات.

3- الدفق البحري القادم من المحيط الهادي وجنوب شرقي آسيا: يتأثر الخليج العربي بالأعاصير وثورات البراكين البحرية في منطقة جنوب شرق آسيا وما تحدثه من اندفاع موجات موجية عديدة ومستمرة مثل (تسونامي)، إضافةً إلى أعاصير (النينو) وتؤدي إلى دخول أمواج البحر إلى الخليج العربي كما تؤدي إلى التأثير نفسه.

4- الدفق البحري المتولد داخل الخليج ومن أجل تحديد مساره نلاحظ كما يلي:

آ- عند دخول مياه شط العرب إلى مياه الخليج واتجاهها إلى الداخل فإن مياه شط العرب تكوّن دفقاً بحرياً الأول محاذياً للساحل الإيراني يدور باتجاه مصب شط العرب، والثاني يسير محاذياً للساحل الكويتي وعكس اتجاه شط العرب ومصبه ليدور مع تياره عند أعلى الخليج من جهة إيران ومن جهة الكويت ويعود مع مياه شط العرب، حيث تتجمع أعلى نسبة من الملوثات وتسير بمحاذاة شواطىء الخليج العربي.

ب – الدفق البحري بسبب الريح التي تهب وتصطدم بالسلسلة الجبلية الإيرانية ثم تنساب منزلقة مع السفح الجبلي الإيراني لتعود تنساب ملتوية نحو مياه الخليج باتجاه الشواطىء العربية مكونةً دفقاً بحرياً جارفةً معها الملوثات.

ونستنتج مما سبق أن التلوث يبقى يدور داخل الخليج، إضافةً إلى ذلك يأتيه تلوث آخر من خليج عمان بسبب الدفق البحري، وهذه الملوثات يتركز معظمها على شاطىء دولة الإمارات وعلى الأكثر في دائرة الحوض الممتد من دولة الإمارات وامتداد لسان شبه جزيرة دولة قطر. ومن التلوث ما يسير مع الساحل السعودي والكويتي في حين أن الشواطىء الإيرانية تكون أقل تلوثاً لذلك تكثر الأسماك في هذه الشواطىء أكثر منها في الشواطىء العربية، إضافةً إلى وجود أنواع من الحياة البحرية الأخرى.

ولهذه الأسباب التي أدت إلى تدمير بيئة القاع البحرية، فإن الملاحظ أن موجات نفوق الأسماك تتكرر أو ترافقها ظاهرة تناقص الأسماك للصيد، وعدم صلاحية هذه الأسماك للاستهلاك البشري.

ويفترض أن تكون هنالك جملة من الإجراءات والآليات التي ترمي إلى تحسين الواقع البيئي في منطقة الخليج العربي لما لهذا المفصل الحيوي من أهمية وتأثير على حياة الأجيال الحالية ومستقبل الأجيال اللاحقة.

 

مقالات لنفس الكاتب