; logged out
الرئيسية / "عندما تنهار الدول" الأسباب والنتائج

"عندما تنهار الدول" الأسباب والنتائج

الأحد، 01 نيسان/أبريل 2007

يبدأ كتاب (عندما تنهار الدول) بفرضية مفادها أن صعود وانهيار الدول القومية ليس بالأمر الجديد، بل إن ما حصل في العصر الحديث، هو أنه عندما باتت الدول القومية تمثل أساس النظام العالمي، أصبح التفكك الفظيع لبعض الدول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية يُعَد تهديداً لذلك الأساس نفسه.
يحتوي الكتاب على قسمين، هما: (أسباب الانهيار ومنع حدوثه) و(انتعاش الدول القومية في فترة ما بعد الانهيار). وهو يبحث في طبيعة فشل وانهيار الدول القومية في العالم النامي، ويدرس إمكانية إنعاش الدول المتعثرة أو المحطَّمة، وإلى أي مدى يمكن تحقيق ذلك. كما يحلل الكتاب طبيعة ضعف الدول، ويعرض الأسباب التي تدفع بعض الدول الضعيفة إلى الاستسلام للفشل أو للانهيار، وأسباب بقاء دول أخرى ضعيفة وفي خطر، ولكن من دون أن تنهار، على الرغم من أنها تمر بالظروف القاهرة نفسها، بل ربما كانت ظروفاً أصعب.
ويفصل روبرت روتبيرغ في الفصل التمهيدي من الكتاب، المعايير المستخدمة لتمييز (الانهيار) و(الفشل) عن الضعف العام أو المحن الظاهرة، وللتمييز بين (الانهيار) و(الفشل). وتُعَد مساهمته قيّمة جداً، وخاصة أن ظاهرة انهيار الدول هي من بين الموضوعات التي لم تحظَ باهتمام كافٍ من الباحثين حتى الآن، عدا عما نجده في المراجع، من تعاريف غير دقيقة حول الموضوع. يُضاف إلى ذلك أن العمل على تعريف وتحديد الدول الضعيفة والمنهارة هو جهد مهم، لأن الفهم الدقيق لأسباب انزلاق الدول الضعيفة نحو الانهيار سيساعد صنّاع السياسة على ابتكار طرق لمنع الفشل والانهيار، وفي حالة الدول الفاشلة (أو المنهارة)، لإنعاشها ومساعدتها في جهود إعادة إعمارها كدول قومية.
ويرى روتبيرغ أن الدول القومية تفشل عندما ينهكها العنف الداخلي، وتتوقف عن أداء دور سياسي إيجابي يعود بالمنفعة على شعوبها. فتفقد حكوماتها مصداقيتها، وتصبح طبيعة استمرارها كدولة قومية تحديداً عُرضة للشك، ومسألة غير شرعية في نظر مواطنيها.
وتتميز الدول (الفاشلة) بتوتر أوضاعها وعمق تناقضاتها وخطورتها وتنازع الأطراف المتناحرة وبقوة عليها. وتواجه السلطات الرسمية في أكثر الدول الفاشلة درجات متفاوتة من الاضطراب المدني، في ظل قيام القوات الحكومية بمحاربة المجموعات المتمردة المسلحة التي يقودها واحد أو أكثر من الأطراف المتناحرة. وعلى النقيض من الدول القوية، فإن الدول الفاشلة لا تستطيع السيطرة على مناطقها البعيدة والنائية، خاصة تلك المناطق التي تحتلها مجموعات خارجية، فتفقد السلطة والسيطرة على أجزاء واسعة من أراضيها. وتنحصر سلطة الدولة في أغلب الأحيان، في العاصمة، وفي منطقة واحدة ذات طابع عرقي معين أو أكثر.
ويشير مصطلحا (المنهارة) و(الفاشلة) إلى نتائج وتبعات عملية الانحطاط في وضع الدول القومية. ويرجع الانتقال من حالة الضعف إلى حالة الفشل، إلى الرغبة وإلى الإهمال أيضاً. فليس من الضرورة أن تنـزلق الدول القومية الضعيفة نحو الفشل. ويرى نيلسون كاسفير، في الفصل الخاص به من الكتاب، أن الفوضى والمشكلات الأمنية وعمليات السلب والنهب تتكاتف كلها لدفع دولة ضعيفة إلى حافة الفشل. لكن القيام بإجراءات وقائية، وفي عدة مراحل من عملية الانزلاق نحو الفشل، يمكن له أن يوقف هذه العملية. لكنه عندما تكون لبعض الأطراف غير الحكومية مصلحة في العملية، وخاصة مع وجود أسلحة بين يديها، فإن وقف عجلة الفشل سيصبح أمراً صعباً جداً. ولا يبقى لدى الزعماء والأنظمة، المتورطين في التسبب بعملية الانهيار هذه، سوى مستوى ضعيف جداً من الصدقية، بالإضافة إلى عدد قليل من الموارد والقدرات التي تمكّنهم من استعادة الثقة وإنقاذ الدولة من الوصول إلى حافة الهاوية.
وتتمثل إحدى الأفكار الرئيسية الواردة في هذا الكتاب بأن فشل الأنظمة والدول لا يأتي في الأغلب إلاّ من صُنع الإنسان نفسه، ولا يكون حدثاً عرضياً. فالثقافة لها علاقة بالموضوع، لكنها لا تكفي وحدها لتوضيح وتفسير أخطاء الزعامات والقيادات. وبصورة مماثلة، فإن هشاشة المؤسسات وأوجه النقص التي تعتري بنية الدولة تساهمان في عملية الفشل، وهو الرأي الذي يتبناه فان دو وال في الفصل الخاص به من الكتاب. لكن أوجه القصور والنقص تلك ترجع إلى القرارات أو الإجراءات التي يتخذها الرجال عادة (والنساء نادراً).
وهناك مدرسة فكرية تتمثل بهذا الكتاب في ما يطرحه كريستوفر كلافام وجيفري هربست في الفصلين المخصصين لهما، وهي ترى أن فشل الأنظمة والدول يعكس ضروباً من السيادة في غير موضعها الصحيح. ويرى كلافام أن ما يحصل في بعض مناطق العالم هو أن وجود بعض الدول ما هو إلاّ مجرد مظهر. وفي رأيه، فإن السيادة الكاملة كما نصت عليها معاهدة ويستفاليا ما كان لها أن تُمنَح لكيانات ما بعد الاستعمار الهشة، والتي لم يكن لها تاريخ أو تجربة في الأداء والتنظيم كدولة. ففي إحدى الحالات، قد يكون ما عجل في فشل وانهيار دولة ما هو فرض مستويات من سيطرة الدولة على المجتمعات البدائية غير القادرة على التعاطي مع معايير الدولة، ومع مثل هذه المستويات من السلطة. فبعد نيل بعض الدول استقلالها الذي تلى حقبة من الاستعمار، كانت مجتمات تلك الدول، وبكل بساطة، بدائية جداً ومقدَّراً لها بالتالي أن تفشل وتنهار. وفي حقيقة الأمر، فإن الدول الحديثة كان لها أداء أفضل في العالم المتقدم، حيث كانت لدى مجتمعاتها خلفية ثقافة سياسية تقليدية لمفهوم الدولة.
ويؤكد كل من كلافام وهربست، في الحقيقة، أن فشل وانهيار الدول لا ينبثقان من وجود الحدود الاصطناعية أو الأخطاء الاستعمارية أو الاستغلال الاستعماري، أو الوصاية غير الكافية أو الموضوعة في غير مكانها الصحيح، بل من عملية تسلم الوحدات الإدارية الامبريالية السابقة، وعلى نحو آلي وغير ناضج بعد، لمسؤوليات رسمية شبيهة بالدولة، وغير قابلة للاستمرار.ويذهب هربست في أطروحاته بعيداً ليوصي بأنه يجب على الدول التي تتوقف عن بسط سيطرتها على أجزاء من أراضيها، أن تفقد سيادتها وشرعيتها، أي أن يُسحَب اعتراف الآخرين بها، وأن تفقد سيادتها وشرعيتها أيضاً إذا أخفقت في فرض سلطتها، أو أخفقت في توفير الخدمات الأساسية خارج نطاق عاصمتها أو خارج نطاق عدد قليل من المدن الكبيرة فيها. فإذا لم تكن قادرة على أداء دورها كدولة، وإذا لم تكن قادرة أيضاً على أداء دور سياسي نافع، فيجب شطبها من قائمة دول العالم. إذ إن عضوية الجمعية العامة للأمم المتحدة يجب ألاّ تكون بالضرورة عضوية أبدية.
وتصحب فشلَ الأنظمة والدول عادة أحداثُ عنف داخلي، وبروز زعماء من خارج الحكومة، وخطورة متزايدة من الأسلحة المستخدمة في الحروب الهجومية والدفاعية، وسوق سوداء للمتاجرة بالأسلحة الخفيفة، وتجارة متبادلة في المعادن المستخرجة والمصدّرة بطريقة غير مشروعة، وكذلك تجارة غير قانونية تشمل الأخشاب والمخدرات والنساء والأطفال، وذلك لتسديد ثمن الأسلحة والذخيرة المطلوبة. ويعرض مايكل كلير، في الفصل المخصص له، الطبيعة العالمية للتجارتين المشروعة والمحظورة، اللتين تشملان الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وكيف أن التجارتين سوف تتلاشيان في حال فشل وانهيار الدول. فعندما يكون سباق التسلح الداخلي قد بدأ، تكون فرص السلام قد نفدت، وتكون احتمالات الفشل والانهيار السريع، بالتالي قد زادت.
ويتلخص أحد الموضوعات الرئيسية التي يتطرق إليها هذا الكتاب في أن الحد من حوادث فشل وانهيار دول العالم هو أمر ضروري لتحقيق السلام فيه، ولإنقاذ أولئك الفقراء والمساكين الذين يعيشون في المناطق الملتهبة، من الخراب والدمار والبؤس والحرمان، وكذلك لمكافحة الإرهاب. فـ (درهم وقاية خير من قنطار علاج). وبدا هذا الأمر واضحاً وصريحاً في الفصل الذي كتبه ديفيد كارمنت، وكذلك في الفصلين المخصصين لكل من جينـز مايرهينريخ وسوزان روز آكرمان.
ويبين الفصل، الذي كتبه نات كوليتا وآخرون، أنه ما لم يتم حل المجموعات المسلحة ونـزع أسلحتها، وتتم كذلك إعادة تكامل واندماج المجتمع مع انتهاء الخصومات والأعمال العدوانية، يظل احتمال عودة التناحر والقتال من جديد أمراً قائماً، وعندها ستكون أي جهود لإعادة إعمار البلاد صعبة، بل مستحيلة. ويؤيد كوليتا وآخرون تسريح المتحاربين السابقين من معسكراتهم سواء كان ذلك عاجلاً أو آجلاً، وذلك كي لا يمثلوا أي تهديد على أمن البلد. كما يذكّرنا هؤلاء الكـتّـاب بأن تعزيز التماسك الاجتماعي بين صفوف المتحاربين السابقين أمر مهم وفائق الحساسية، ولا سيما تأسيس علاقات اجتماعية قوية بينهم وبناء الثقة بين مختلِف الأطراف المتنازعة في فترة ما بعد الحرب. ومن أفضل ما تقوم به الحكومات الجديدة، في هذا الصدد هو تبني إنشاء مؤسسات وجمعيات تطوعية من المتحاربين السابقين.
أما الفصلان المخصصان لجينيفر ويدنر ودانيال بوسنر، فإنهما يتناولان بالشرح والتحليل أيضاً أهمية إعادة دمج المجتمع أو إنشاء مجتمع جديد قوي في فترة ما بعد الصراع. وترى ويدنر أن العمل مع المسؤولين المحليين على إنعاش التفاؤل، وإعادة الأمل عند الناس وضمان أمنهم، وتحسين قدرات القيادة عند المسؤولين وأيضاً وتحسين الخدمات الأساسية، هي من بين الضرورات الأساسية لعملية إعادة الإعمار الفعالة في فترة ما بعد الصراع، وترى أن أهم شيء لتشجيع وتعزيز التزام المواطنين مع حكومتهم هو الثقة بها. وليس من المفاجئ في شيء أن تشير نتائج الاستبيان، الذي أجرته ويدنر، إلى أن الثقة تنمو وتزداد نتيجة للحد من الجريمة وتعزيز حكم القانون.
من جانبه يشير بوسنر في فصله إلى أن فشل الدول وانهيارها قد يؤديان إلى تشجيع نشاطات الجمعيات في ظل ظروف معينة. فعندما تنهار دولة ما، كالصومال مثلاً، فإن المجتمع المدني قد يزدهر وينتعش. ويمكن للأطراف الخارجية أن تساعد على معالجة المشكلة ودعم البنية التحتية للاتصالات في المجتمع المدني.
وهناك علاج ناجع شائع جداً، وهو أنه عندما تتمكن الإدارة الانتقالية أو الحكومة الجديدة من ضمان الأمن في المدن والريف، وتنـزع سلاح المتحاربين وتسرّحهم، وتعمل على تطبيق القانون واستقرار الاقتصاد وإعادة الخدمات الأساسية الضرورية، عندها يمكن لها أو لزعماء البلاد، من الموالاة والمعارضة، التفكير في إجراء انتخابات في البلاد. لكن حقيقة الأمر تشير، على الرغم من ذلك، إلى أن الانتخابات يجب أن تُستغَل أحياناً كأداة لإنهاء الحرب (كما حصل في ليبيريا). وقد يكون إجراء انتخابات سريعة، في بعض الحالات، أمراً ضرورياً إذا كانت العودة إلى التناحر والاقتتال من جديد هي البديل المحتمل. وكما يشير إلى ذلك تيرينس ليون في الفصل الذي كتبه، فإن السجلات الانتخابية ستكون مختلطة، لأن كل جولة اقتراع تخدم أهدافاً متعددة ومتناقضة. وتُعَد الانتخابات ضرورية دائماً لإطلاق العملية الديمقراطية في فترة ما بعد الصراع، لكنها قد تفاقم من المنافسة والتخاصم أيضاً، مؤدية إلى انقسام في مجتمعات ممزقة أصلاً، ومكرسة عدم توازن القوى، وقد تعيق أو تدفع بعملية الانتقال من الحرب والفشل إلى الانتعاش والحكم الرشيد. ويؤكد ليونـز أهمية وجود ممارسات سياسية سلمية وبعيدة من الاحتكام إلى السلاح، وإنشاء مؤسسات سياسية قوية، وذلك قبل أن يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع؛ وإلا سيكون الأوان قد فات على الفائدة المرجوة من الانتخابات.
لقد باتت ظاهرة فشل الدول وانهيارها مشكلة مهمة في عدة مناطق من إفريقيا، كما أصبحت تمثل تهديداً حقيقياً لبعض الدول في وسط وجنوب شرق آسيا، وفي أمريكا اللاتينية. وأدى ذلك الفشل في الماضي إلى عواقب وتبعات أقل على السلام والأمن في العالم، نظراً إلى وجود إمكانية لعزل ضعف دولة ما وفشلها عن محيطها، وإبقاء تأثير ذلك بعيداً عن بقية دول العالم. أما الآن، فإن من يعاني الأمر ليس مواطني تلك الدولة فحسب، بل إن ذلك الفشل أو الانهيار يمثل أخطاراً هائلة خارج حدود تلك الدولة أيضاً. وقد غدا الحد من إمكانية الفشل والانهيار عن طريق تعزيز قدرات الدول القومية في العالم النامي أحد أهم البنود في استراتيجيات القرن الحادي والعشرين، وأولوياته الأخلاقية. من هنا، يأتي تقديرنا لهذا الكتاب وترحيبنا به كمساهمة تعالج قضايا سياسية مستعجلة تخص الألفية الجديدة.

مجلة آراء حول الخليج