; logged out
الرئيسية / تقرير (مجموعة دراسة وضع العراق) والسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط

تقرير (مجموعة دراسة وضع العراق) والسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط

الخميس، 01 آذار/مارس 2007

كشفت مجموعة دراسة وضع العراق في الأيام الأخيرة من العام 2006 عن (النهج الجديد) الذي ستتبعه السياسة الأمريكية تجاه العراق. ومن بين التوصيات الكثيرة التي خرجت بها تلك المجموعة، تعرضت توصيتان منها للنقد المباشر، هما (الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من العراق) و(البدء بمحادثات مع كل من إيران وسوريا).
إن المقترح الذي غفل الناس عنه وسط الضجة الكبيرة التي أثارها النقاش الذي دار حول هاتين التوصيتين، وهو مقترح مثير للجدل ولا يقل أهمية عنهما، هو أن تتم معالجة المشكلة العراقية باعتبارها انعكاساً لحالة انعدام الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط. وناقش هذا المقال أهمية ذلك التقرير بغض النظر عن أخذ الإدارة الأمريكية بتوصياته أم لا. فقد اعتبر التقرير علامة فارقة كونه أقر بأهمية البعد الإقليمي لانعدام الأمن في كل من الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي، ولكونه يدعو إلى وضع (استراتيجية شاملة) بشأن العراق والمنطقة.
وقوبل التقرير، الذي أصدرته مجموعة دراسة وضع العراق في السادس من ديسمبر 2006، بانتقادات فورية. فقد انتقد أولئك الذين ما زالوا يعتقدون بإمكانية تحقيق (نصر) في العراق، انتقدوا توصيته الأساسية بـ (التعجيل بسحب القوات الأمريكية من العراق ووقف الدعم عنها) بالإضافة إلى توصيته ببدء محادثات مع إيران وسوريا.أما الآخرون الذين لم يعودوا يعتقدون بامكانية تحقيق (نصر) في العراق، فقد أبدوا تشاؤماً إزاء خشيتهم من تطبيق الإدارة الأمريكية لتوصيات ذلك التقرير. وما ساعد على توجيه المجموعة الأخيرة لانتقاداتها للتقرير أيضاً، هو شعورها بأن توصيات التقريرلم تأت بشيء جديد.
وكان المنتقدون محقين في الانتقادات التي وجههوها لتلك التوصيات، فعدا عن كونها سربت قبل موعد إصدار التقرير، فإن بعضاً من تلك المقترحات كانت قد عرضته بعض الدوائر القريبة من الإدارة الأمريكية في خطوة اعتبرها البعض استباقاً لتوصيات مجموعة دراسة وضع العراق، خاصة أن إدارة الرئيس جورج بوش مولعة باستراتيجية أخذ زمام المبادرة واستباق الأمور. وحتى لو لم تكن تلك التوصيات جديدة كليّاً، فإن صدورها عن مجموعة ينتمي أعضاؤها إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي يجعلها تلقى آذاناً صاغية من الشعب الأمريكي أكثر من توصيات أي شخص أو جهة أخرى. يضاف الى ذلك أن مثل هذه الانتقادات تستند إلى فرضية امكانية إيجاد صيغة (جديدة) لحلّ كل مشكلات الشعبين الأمريكي والعراقي، لكن مجموعة دراسة وضع العراق لم تأت بمثل تلك الصيغة. فمن أتى بها إذن؟
ورغم أن الوضع الحالي للولايات المتحدة في العراق لا يعتبر بمثابة أفضل نقطة للبدء منها، إلا أن المطلوب هو بداية جديدة. ولهذا توصي مجموعة دراسة وضع العراق بتبنّي توجه بديل يستند الى فهم (شامل) للعلاقات المتبادلة التي تربط بين حالة انعدام الأمن والأمان في كل من الولايات المتحدة والعراق وعلى المستوى الإقليمي.
إن أهم نقطة إيجابية في التقرير هي أن المجموعة التي أعدته تتبنى توجهاً (شاملاً) للشأن الأمني، وسيكون هذا التوجه مهماً ومفيداً حتى لو لم يطبّق بالكامل. ويعود السبب في ذلك إلى الإقرار بأهمية العلاقة التي تربط بين الأبعاد المتعددة لحالات انعدام الأمن والأمان لدى مختلف الشعوب والدول. ولا شك أن مثل هذا الإقرار مهم جداً للمصالح الأمنية الأمريكية في المنطقة، لأنه يقر بوجود مشكلة حتى مع سياسات الإدارة الأمريكية السابقة تجاه الشرق الأوسط. ويعتبر ذلك أمراً مهماً لجميع أفراد شعوب هذه المنطقة من العالم، لأن ما ينادون به، وطوال سنوات عديدة، هو أنه (لا يشعر أي شخص بالأمان طالما لا يشعر به أي أخ عربي أو مسلم أو أخت عربية أو مسلمة). وسواء وافقناهم الرأي في ذلك أولم نوافقهم، فإن ذلك، في الحقيقة، هو ما تشعر به تلك الشعوب. وأدت السياسات التي تتجاهل مثل هذه المشاعركلياً إلى تفاقم حالات عدم الشعور بالأمن والأمان لدى شعوب المنطقة (ولدى الشعب الأمريكي أيضاً بعد الحادي عشر من سبتمبر)، وأن أولئك الذين يتظاهرون بالأمن والأمان نسبياً هم بعض الزعماء الإقليميين الذين عجزوا في الغالب عن تأمين الأمن والأمان لمواطنيهم. كما كانت بعض الإدارات الأمريكية السابقة متواطئة أيضاً في التسبب بتفاقم حالات انعدام الأمن والأمان لدى شعوب المنطقة. ولا يمكن لأحد أن يبالغ في أهمية التقرير طالما أنه يشير الى ظهور إقرار، وعلى أعلى المستويات، بالعوامل التي تؤدي إلى انعدام الأمن والأمان في منطقة الشرق الأوسط.
إن الاقرار بوجود روابط بين مختلف حالات انعدام الأمن والأمان في الشرق الأوسط لا يمكن حصره بإلقاء اللائمة على إسرائيل، وهو ما قام به بعض النقّاد، كما أن إهمال مثل هذه الروابط لا يحول دون ظهور (جبهة موحدة) ضدّ سياسات الولايات المتّحدة (أو إسرائيل). وعلى ما يبدو أن تلك الجبهة تشكلت بالفعل، بشكل رئيسي نتيجة لفشل السياسة الأمريكية في العراق (ويشمل ذلك قضية سجن أبو غريب) ولإطلاق يد اسرائيل في لبنان في صيف 2006. إنها مثل هذه السياسات المتخبطة التي تتجاهل مخاوف زعماء وشعوب المنطقة، فتساعد على تشكيل (جبهة موحدة) ضدّ إسرائيل و/ أو الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي أصبحت فيه أحداث الحادي عشر من سبتمبر (نافذتنا على المستقبل)، بات التشاؤم يسيطر على الطريقة التي نفكر فيها ونكتب بها عن مستقبل الأمن العالمي عموما وأمن منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص. وحتى ما قبل الحادي عشر من سبتمبر، فإن النظرة الى وجود (عالمين)، بالإشارة إلى الإختلافات بين ديناميكية الأمن وتطلعاته في المناطق المتطورة من العالم من جهة، وفي المناطق النامية منه من جهة أخرى، قد صنفت منطقة الشرق الأوسط لتكون في قلب (منطقة النزاع)، ما أدى إلى تقليل فرص السلام والأمن في هذه المنطقة من العالم.
كما ساهمت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بشكل كبير قي تعزيز هذه الفرضيات السائدة حول مستقبل الأمن في الشرق الأوسط. فمنذ تلك (الأحداث)، بات النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني أكثر عنفاً، كما تدخلت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق. ومن هنا يبدو أنه مقدر لمنطقة الشرق الأوسط، وأكثر من أي وقت مضى، أن تعيش ماضيها ثانية، وهو ماض حافل بالحروب والنزاعات. ولهذا، يعتبر تقرير مجموعة دراسة وضع العراق بمثابة فرصة سانحة ستسمح، في حال اغتنامها، باعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية بما يتوافق مع تطلعات دول وشعوب المنطقة وخارجها. وأخيراً فإن التقرير بانتظار من يقرؤه بتمعن ويعمل بما جاء فيه.

مجلة آراء حول الخليج