; logged out
الرئيسية / النفط والمحافظة على البيئة

النفط والمحافظة على البيئة

الجمعة، 01 آب/أغسطس 2008

تتمتع منطقة الخليج بثروة من الموارد، لكنها تكدِّس في الوقت ذاته ركاماً من المخلّفات والنفايات، ويعود ذلك جزئياً إلى تعرض الطبيعة للإهمال في غمرة السعي نحو التنمية. ومن العناصر التي تسبب قلقاً متزايداً تفاقم نقص المياه وزيادة معدلات إفراز القمامة والنفايات وتصاعد التلوث الجوي والبري والبحري والتبعات الناجمة عن التوسع المدني السريع.

ويُضاف إلى ذلك أن القضايا البيئية في المنطقة ذات صلة قوية بأعمال إنتاج ومعالجة ونقل النفط والغاز الطبيعي. ويبلغ إسهام منطقة الخليج في إجمالي الإنتاج العالمي من النفط نحو 30 ٪، أي 22 مليون برميل يومياً. ويتعين على المنطقة زيادة حصتها في الإنتاج العالمي، إذ إن إجمالي الطلب سوف يزداد بنسبة 50٪ ليبلغ 100 مليون برميل يومياً خلال الأعوام العشرين المقبلة. ويعني هذا جعل البيئة أكثر هشاشة أمام عوامل التلويث. وتسيطر دول الخليج حالياً على نحو 40٪ من إجمالي احتياطيات الغاز المؤكدة في العالم، ومن الأكيد أن حصتها الحالية من الإنتاج العالمي والبالغة 10٪ سوف تزداد مستقبلاً، وذلك استجابة لحقيقة أن الغاز سيكون «وقود المستقبل»، وتجتمع هذه العناصر كلها لكي تبرز الحقيقة الساطعة، وهي أننا أمام تحدٍ بيئي كبير.

يرتبط التلوث البحري بالنفط المستخرج من الحقول البحرية وبالصادرات وما يتسرب من السفن، عدا عن أن ازدياد مساحات وسكان المدن يؤدي إلى إلقاء نفايات ومخلّفات ضارة ومواد كيميائية سامة في الماء من النفط المستخرج من المنصات البحرية. وتشير التقديرات المتحفظة إلى أن 1.5 مليون برميل من النفط تتسرب سنوياً في مياه الخليج، وتوضح أن تنظيف كل سبعة براميل منها يكلف 1400 دولار. كما أن مياه الفضلات المحمّلة بالأملاح التي تـُـضَـخّ في الخليج أثناء عملية استخراج النفط تسهم في زيادة ملوحة مياهه، وتمثل تهديداً جاداً للحياة البشرية والبحرية.

وهناك من المبررات ما يدعو إلى التسليم بهذه التقديرات، لأن 45٪ من تجارة النفط الخام البحرية في العالم تمر عبر هذه المنطقة. وتبحر في مياه الخليج يومياً نحو 100 ناقلة نفط تتخلص سنوياً من ثمانية ملايين طن من الرواسب النفطية خلال إبحارها. إلى جانب إفراغ الماء الممتزج بالنفط، فإن عدداً من هذه الناقلات تغسل خزاناتها أيضاً وهي في الخليج، وتقذف بمياه الغسيل القذرة في البحر أو على الشواطئ.

وهذا ما يجعل من غير المستغرب أن يُصنَّف الخليج في المرتبة الرابعة بين «المناطق الساخنة»، وذلك في ما يتعلق بالتسربات والبقع البترولية التي تجاوز عددها 110 بقع منذ عام 1960.

وقد أحدثت البقع النفطية تدميراً عميقاً في الحياة البحرية بما في ذلك الأحياء البحرية وغابات أشجار القرم، وبلغ من قوة وكثافة هذا التدمير أن تسبب في إلحاق الضرر بصناعة صيد الأسماك في بعض الدول وهلاك القسم الأعظم من أنواع عدة من الطيور. ومن المعلوم أن نحو 125 صنفاً من الطيور تمضي الشتاء في منطقة الخليج، بينما يمر 113 صنفاً آخر بالمنطقة خلال الهجرات الموسمية، وقد أكدت الفحوص الطبية أن الطيور المستهلكة للزيت يمكن أن تسبب السرطان وأمراضاً قاتلة أخرى للبشر.

وبينما يُعتبر الواقع الجغرافي ذاته مشكلة من حيث المياه المالحة والضحلة وقلة الأمطار وعدم توفير الموارد المائية العذبة، فإن تدخل العناصر البشرية لا يكفي لإنقاذ ما تبقى من البيئة أو تغيير الاتجاه المتدهور الراهن.
وقد قطعت التقنيات الصناعية الحديثة شوطاً بعيداً في ضمان التعامل مع النفايات والمخلّفات بأساليب رفيقة بالبيئة، ويتم حالياً تطبيق أنظمة متقدمة لمراقبة وتقليل الأضرار باستخدام مراصد الأقمار الصناعية وتشغيل الناقلات الحديثة التي تتمتع بالإمكانات اللازمة لفصل الماء والزيت كل على حدة، لكن عدداً كبيراً من شركات النفط لم تطبق بعد هذه التقنيات في أعمالها. وعلى الرغم من أن التشريعات الخاصة بذلك تدخل حيز التنفيذ الصارم سريعاً، فإن الوعي والالتزام بتطبيق الأنظمة يُعتبران عنصرين حيويين في هذه المهمة. ومن الجوانب المهمة أيضاً الاستعداد البشري والخطط الموجهة بهدف تحويل التيار باتجاه تحقيق مصالح أكبر للبيئة. ومن أجل ضمان التوصل إلى نتائج حاسمة، فإننا نحتاج إلى وضع برامج وخطط لتقليص ومنع ترسب الملوّثات النفطية في القطاع الصناعي، ويمكن تحقيق أفضل النتائج إذا ما تعاونت القطاعات الخاصة والمواطنون أيضاً.

وفي ظل عراقيل عدة تقف أمام تقدير حجم الأضرار اللاحقة بالبيئة، وذلك بسبب عدم توفر المعلومات اللازمة، وهو ما يعوق وضع وتطبيق الحلول، فقد قام مركز الخليج للأبحاث(GRC) بمبادرة متواضعة للتعامل مع هذه المسألة، من خلال إطلاق مشروع يحمل اسم «الخليج الأخضر» يعد بمثابة محاولة علمية لدراسة ومعالجة عدد من المشكلات التي تهدد البيئة في منطقة الخليج.

يهدف هذا المشروع إلى ترويج وتبني وتشجيع التفكير بقضايا البيئة في المنطقة، وذلك عبر تحديد القضايا واقتراح الحلول في مجالات الطاقة والبيئة والتنمية المستدامة، وتتمثل الخطوة الأولى نحو تحقيق هذه الرؤية المشتركة في دراسة «الخليج الأخضر»، وهي عمل ميداني يُـنـفَّـذ حالياً لوضع تقرير أولي يركز على الموارد الطبيعية للمنطقة وأوضاع البيئة فيها.

ويهدف هذا المشروع أيضاً إلى نشر الوعي بين العامة، ويستعين ببرنامج للبحث وحلقات دراسية والمشاركة الفعّالة لخبراء البيئة الإقليميين، وذلك في محاولة للإجابة عن الأسئلة التالية:

1- ما هي الاتجاهات والأنماط الرئيسية التي سادت استخدام المصادر الطبيعية بما فيها الطاقة خلال الأعوام القليلة الماضية؟

2- ما هي أهم الأسباب لهذه الاتجاهات والأنماط، بما فيها العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟

3- ما هي المبادرات الرئيسية التي تم اتخاذها لمواجهة بعض الأمور المثيرة للقلق؟

4- ما هي العراقيل التي تقف دون الإصلاح والاستراتيجيات المطلوبة للتغلب عليها؟

ونهدف أيضاً إلى مخاطبة العقول الشابة وإلى تنمية الوعي البيئي ونشر التفكير بقضايا البيئة من خلال المناهج الدراسية الأكاديمية ونشر المعلومات، لأننا نؤمن بأن الأطفال هم العنصر المحفّز للتغيير. ويتضمن البرنامج تصميم موقع تثقيفي على شبكة الإنترنت، لكي ننشئ ونزرع في الأذهان الوعي بالقضايا البيئية وإعداد موضوعات للقراءة باللغة العربية وإجراء امتحانات سريعة لجذب اهتمام الطلبة.

إننا نأمل بإخلاص في مشاركات فكرية ومالية لدعم هذا المشروع وتحقيق أهدافه من جانب وزارات البيئة والتعليم وبلديات دول مجلس التعاون الخليجي والمؤسسات والشركات العاملة في المجالات ذات الصلة بالطاقة، وأنا على ثقة بأن هذا التجاوب يمكن أن يحقق لأطفالنا الازدهار والاطمئنان، وليس مجرد الصراع للبقاء على قيد الحياة.

مقالات لنفس الكاتب