; logged out
الرئيسية / "مداولات في الاقتصاد السياسي الجديد"

"مداولات في الاقتصاد السياسي الجديد"

الخميس، 01 آذار/مارس 2007

المحرر: أنتوني باين
أكسفورد: دار روتليدج للنشر - 2006
صدر كتاب (مداولات في الاقتصاد السياسي الجديد) محتوياً على مجموعة من ثمانية مقالات، في اطار إحياء الذكرى العاشرة لصدور مجلة (الاقتصاد السياسي الجديد) ومناقشتها. وتبحث هذه المجلة في أربعة مجالات رئيسية من الاقتصاد السياسي، هي: الاقتصاد السياسي المقارن والاقتصاد السياسي البيئي والاقتصاد السياسي التنموي والاقتصاد السياسي الدولي.
يضم هذا الكتاب مواضيع تناقش هذه المجالات الأربعة، في كل من السياقين الفكري والسياسي اللذين ساهما في بروزها، كما يحتوي الكتاب على بعض مؤشرات التوجهات المستقبلية لدراسة الاقتصاد السياسي. وتتناول بعض المواضيع التي تمت تغطيتها في هذا الكتاب نماذج الرأسمالية والعولمة والبيئة والتحول التقني وقضايا الذكورة والأنوثة والأرض والفضاء والسيادة والإقليمية والتعددية الإقليمية وسياسات التطوير. ويطلع الكتاب القارىء بشكل أساسي على آخر ما يدور من نقاشات معاصرة حول الاقتصاد السياسي.
كتب المقال الأول أنتوني باين (Anthony Payne)، وهو بعنوان (جذور الاقتصاد السياسي الجديد)، ويصف فيه المساهمات البارزة التي ظهرت في مجلة أكاديمية جديدة صدرت في 1996 باسم (الاقتصاد السياسي الجديد). وتهدف هذه المجلة إلى (إقامة منتدى للنشاطات التي تسعى إلى ردم الهوة الناجمة عن الانقسام الحاصل بين التوجهين التجريبي والتصوري، وهو الانقسام الذي كان صفة مميزة لحقل الاقتصاد السياسي في الماضي). وتبحث هذه المجلة في أربعة مجالات رئيسية من الاقتصاد السياسي، هي: الاقتصاد السياسي المقارن، الاقتصاد السياسي البيئي، الاقتصاد السياسي التنموي، والاقتصاد السياسي الدولي. وتشجع المجلة الجديدة على إقامة (حوارات وتبادل أفكار وخبرات عبر حدود الدول، والتي كان ينظر إليها في أغلب الأحيان في الماضي على أنها أمور غير ضرورية). ويثني أنتوني باين في مقاله على المداولات الفكرية الرئيسية التي انفردت بنشرها مجلة (الاقتصاد السياسي الجديد) خلال السنوات العشر الماضية.
أما كولن كروش (Colin Crouch)، فيبدأ مقاله، الذي يحمل عنوان (نماذج الرأسمالية)، باثنين من المداولات الأساسية في حقل الاقتصاد السياسي الجديد، يتناولان (نماذج الرأسمالية) و(العولمة). ويعرض كروش في مقاله ما نشر في الماضي حول هذين الموضوعين، معتبراً أن الكثير من أدبيات المؤسساتية الجديدة المتعلقة بالتنوع الرأسمالي حققت الكثير من الإنجازات، خاصة البديل أو المقابل الذي قدمته إلى النقاشات المبسطة التي تتوقع حصول تقارب بين الاقتصاديات السياسية الوطنية الأقوى في العالم. كما أن النظرة غير المؤسساتية للتنوع قدمت حججاً نظرية وبعض الإثباتات التجريبية لتستنتج بأن هذا قد يكون إفراطاً كبيراً في تبسيط الأمور. إلا أن كروش يعتقد بأن هناك حاجة ملحة لتحليل العموميات التي تعتبرها المؤسساتية الجديدة أموراً بديهية وتكتشف عناصرها المكونة في حال كانت هناك ضرورة للقيام بدراسة أكثر موضوعية لتنوع المؤسسات الاقتصادية. كما أنه ينتقد هذه الأدبيات كونها تتبنى نمطاً تعريفياً يسعى إلى ربط كل نموذج من النماذج الرأسمالية منفرداً بنظرية محددة، كما أنه يطرح وبقوة استبدال ذلك النهج بنهج تحليلي جديد يتنبأ بـ ( الرأسمالية الموحدة)، ويأخذ بالاعتبار إلى أي مدى يمكن لأي من النماذج أن يساهم في حالة معينة.
وتحمل الورقة الثالثة عنوان (انعكاسات على بعض الدروس المستفادة من دراسات حول عقد من زمن العولمة)، وهي من تأليف مارك روبرت (Mark Rupert)، ويعتبر فيها أن العولمة هي مشروع سياسي جوهري مرتبط بشكل متكامل بعملية التطور الاجتماعي الرأسمالي عبر التاريخ. وهو يفضل الحديث عن عولمة الرأسمالية بدلاً من اعتبار العولمة كظاهرة فريدة. ولهذا، فإنه يقر بمرونة أشكال السياسة الحكومية في إعادة إنتاج البُنى الرئيسية لعولمة الرأسمالية، ويعترف بشكل خاص بالأهمية الجديدة للحجج القديمة حول قوة الامبريالية. ويظل روبرت ملتزماً بنظرية مهمة حول السياسة العالمية تركز على العلاقات الاجتماعية التاريخية التي يقوم الناس من خلالها بالتوالد والتكاثر وإعادة صياغة حياتهم الاجتماعية. ويتوصل روبرت إلى استنتاجات يتكهن من خلالها إلى أن دعاة العولمة سيقومون خلال العقد المقبل بتطوير تعابير ومصطلحات تصورية تهدف إلى فهم ودعم أفضل لسياسة التضامن في عالم القوة الامبريالية، وكذلك إلى عولمة الرأسمالية التي تعتبر، عالماً من التعددية. ويشير جيمس ميدوكروفت (James Meadowcroft) في مقاله الذي يحمل عنوان (الاقتصاد السياسي البيئي.. التحولات التقنية ونظام الدولة)، إلى الكيفية التي تم بها احتواء المخاوف والهواجس البيئية في إطار الروتين الإداري في كل من الدولة والشركات، حتى لو أدى ذلك إلى زيادة مستمرة في العبء العام الذي يحمله الناس للبيئة العالمية. ويعرض الكاتب النطاق الواسع للقضايا التي تم ضمها إلى الاقتصاد السياسي البيئي، ويأخذ في الاعتبار التوجهات النظرية ذات العلاقة، مثل (التحديث البيئي) و(إدارة الجموع البشرية)، قبل أن يلجأ إلى الإجابة المفصلة عن السؤال الحرج ضمن الاقتصاد السياسي البيئي المعاصر حول إمكانية السعي إلى توجيه التحول التقني الاجتماعي إلى مساره المطلوب. ويستنتج بأن هذا النوع من (الإدارة الانتقالية)، رغم عدم وجود صعوبات يلمح اليها، يسير في الاتجاه الصحيح، كونه على الأقل يتعاطى علناً مع مستقبل التقنيات، ويخصص دوراً فعالاً ونشيطاً لأنظمة الدول في أي محاولة جدية للقبول بالضغوط البيئية. فما هو متوقع في العقود المقبلة، في الحقيقة، هو أن تصبح النزاعات السياسية حول نوع مستقبل التقنيات التي يطمح المجتمع للوصول إليها أكثر شدة. فالهدف هو الوصول إلى فهم أعمق لعمليات التحول، في الوقت الذي تسعى فيه المجتمعات إلى تحسين أدائها البيئي مع الحفاظ على تطلعاتها وطموحاتها الاجتماعية الأخرى.
أما مقال ﭬـي. سبايك بيترسون (V. Spike Peterson ) الذي يحمل عنوان (كيف تؤثر قضايا الذكورة والأنوثة في الاقتصاد السياسي)، فإنه يتبين المدى الذي وصلت إليه التدخلات المستمرة المطالبة بالمساواة بين الجنسين في الاقتصاد السياسي، ويكشف كم تتراوح هذه التدخلات من مجرد (إضافة النساء)، إلى نوع النظرية التحليلية التي تعتنقها كاتبة المقال والتي يفهم فيها جنس الشخص على أنه العنصر الذي يتحكم ليس بالطريقة التي نفكر فيها فقط، بل بما يفترض بنا أن نعرفه. وتعرض الكاتبة، وبأسلوب غني جداً، (إعادة صياغة) للعديد من سمات العولمة الليبرالية المحدثة، بأبعادها المختلفة، الإنتاجية والتكاثرية والافتراضية، التي تعرض تأثير عنصر الثقافة في المساواة بين الجنسين، وهي بذلك تعرض المفاهيم العميقة التي يمكن استخلاصها من عملية تمييز تامة بين الجنسين في الاقتصاد السياسي. وتعالج الكاتبة قضية إستغلال كل أولئك الذين أدت عملية تأنيث الوظائف إلى النيل من هوياتهم وأعمالهم ونمط حياتهم، وتقدم مشروعاً حرجاً لتفسير الكيفية التي تتقاطع بها مرتبات الانتماء العرقي والجنس (ذكر/أنثى) والطبقة وبلد المنشأ. وتطرح الكاتبة، عموماً، أن نشاطات المساواة بين الجنسين ليست خروجاً على الحسابات التقليدية، ولا ملحقاً لها، إنها بالأحرى توجه ضروري لتقدم كل من نظرية وممارسة الاقتصاد السياسي.
وتساهم ساسكيا ساسن ( Saskia Sassen) بمقال بعنوان (عندما تتحول أرض الوطن إلى وطن للعالم.. من الحدود القديمة إلى الحدود الجديدة)، تعكس بعض القضايا التي عملت عليها في الماضي وتطورها، مثل الأرض والسلطة والحقوق. وتقول في مقالها إنه ينظر في العادة إلى السيادة الرسمية على أنها احتكار للسلطة على أرض معينة. أما اليوم، فقد بات واضحاً أن الأراضي الوطنية قد تبقى محددة بنفس خطوط الحدود الجغرافية القديمة، لكن الأنواع المبتكرة من الحدود الناجمة عن العولمة تكرس نفسها بازدياد داخل الأراضي الوطنية نفسها. فالسيادة تبقى ملكية عامة وشاملة، لكن قدرتها على تشريع واستيعاب السلطة التي تمنح الشرعية أصبحت غير مستقرة. فقد أصبحت سياسة السيادة المعاصرة أكثر تعقيداً من مجرد فكرة أراض مشتركة. وتنظم الكاتبة ما تطرحه بشأن الادعاء بأننا بصدد رؤية قيام نوع من تكريس الحدود والممارسات الرسمية التي تتعلق بالأرض وتستلزم على الأقل (خصخصة جزئية لما تم بناؤه تاريخياً على أنه عام ووطني). وترى الكاتبة أن هناك الكثير من عمليات العولمة التي تحدث على المستويات الوطنية الفرعية، مما يؤدي إلى تعقيد، وحتى إلى تقويض التحليلات التقليدية التي تصر على الخصوصية المتبادلة لما هو وطني وما هو عالمي.
أما المقال السابع، فهو لـبيورن هتن (Björn Hettne )، ويحمل عنوان (ما بعد الإقليمية الجديدة). وتسعى هذه المقالة إلى الخروج على ما ألفت عليه الأدبيات الحالية في حديثها عن دور (الإقليمية الجديدة) في الاقتصاد السياسي، بالتأكيد على أوجه الاستمرارية والتغيير في الدور المستمر للبعد الإقليمي في التحول العالمي. ويرى الكاتب أن الإقليمية، تحديداً، يمكنها فعلياً أن تشكل النظام العالمي الجديد المتكشف، وتكرس تميزاً مدهشا بين النتائج الإقليمية لما يعتبره على أنه صراع حالي بين نموذجين متناقضين للنظام العالمي، يتمثلان في الولايات المتحدة (على الأقل تحت رئاسة جورج دبليو بوش) والاتحاد الأوروبي. فهو يرى أن النموذج الأول ما هو إلا نظام عالمي جديد ولكنه يلتزم بروح اتفاقية (ويستفاليا) ويستند إلى تنسيق عالمي بين القوى الإقليمية؛ أما النموذج الثاني فهو نظام عالمي لما بعد (ويستفاليا) مبني على مفهوم وممارسة التعددية الإقليمية.
ونأتي إلى المقال الأخير الذي حمل عنوان (السياسة في موقع القيادة.. دراسات تطويرية وإعادة اكتشاف علم الاجتماع) لمؤلفه أدريان لفتويتش Adrian Leftwich، ويستعرض فيه التاريخ الحديث لدراسة التطور الحاصل في اطار الاقتصاد السياسي. ويرى الكاتب أن الإعلان عن موت هذه الدراسة سابق لأوانه، (فإذا كانت الدراسات التي تتناول عملية التطور ميتة، في الحقيقة، فإن علم الاجتماع سيكون ميتاً أيضاً). ويبين الكاتب في مقاله كيف أن تحليل التطور قد أعيد ببطء، ولكن بثبات، إلى تقاليد علماء الاجتماع العظماء السابقين، حيث كان هناك افتراض تلقائي بأن المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تفاعلت فيما بينها بمرور الوقت، بالإضافة إلى أنه يمكن فهمها جيداً لمجرد كونها تشكل أرضية صلبة لعملية التفاعل. ويعبر الكاتب عن سعادته برؤية السياسة والاقتصاد السياسي وقد عادا إلى مركز (القيادة)، رغم الإقرار بأن فهم الأفكار السياسية والمصالح والممارسات التي تشكل المؤسسات، يتطلب الانفتاح على كل من هو حضاري وعقائدي. وباختصار، يبين الكاتب في مقاله كيف أن دراسة التطور، إذا فهمت كعملية تحدث في كل المجتمعات على اختلاف أنواعها، يمكن لها أن تكون في صلب أي عمل مستقبلي في مجال الاقتصاد السياسي الجديد. ويخلص الكاتب إلى القول إن المطلوب هو وجود تحليلات معمقة تتناول أي موضوع حالة بحالة، وتتبنى توجهات علم الاجتماع الواسعة وصاحبة التاريخ العريق، والتي يفهم من خلالها بأن سياسة التطور هي تطور السياسة. ولكل هذه الأسباب يجب أن يكون واضحاً أن السياسة تأتي دائماً في الطليعة والقيادة.

مجلة آراء حول الخليج