array(1) { [0]=> object(stdClass)#12958 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الانتخابات العراقية: الحسابات الخاطئة والنتائج غير المتوقعة

السبت، 01 أيار 2010

من الممكن القول إن الوضع السياسي في العراق شهد تطوراً واضحاً وملموساً وخاصة خلال الأعوام الخمسة الماضية. وهذا القول ينبع من ملاحظة التغيرات الجذرية الذي شهدتها عملية الانتخابات النيابية التي جرت في العراق مؤخراً.
ومما لا شك فيه أن هناك تغيراً جذرياً حدث في طبيعة الانتخابات التي تعد نتيجة للممارسة السياسية وانعكاساً للتغيرات التي طرأت على طبيعة ومواقف الناخب العراقي نفسه. فقبل إجراء العملية الانتخابية زادت وتيرة التوقعات والتخمينات، وارتفع سقف الآمال والحسابات الخاطئة. وكان رئيس الوزراء نوري المالكي وائتلاف (دولة القانون) التابع له أول من أخطأ في هذه الحسابات، فقد كانت تخمينات حزب رئيس الوزراء تتوقع حصول الائتلاف الذي يقوده على عدد كبير من المقاعد قد يقارب الرقم السحري المطلوب وهو 164 مقعداً بما يمكنه من تشكيل الوزارة واحتفاظ نوري المالكي بمنصبه.
وكانت هذه التوقعات بمثابة حسابات الحقل التي لم تتطابق مع حسابات البيدر، حيث توقع ائتلاف المالكي أنه سيحصل على مقاعد تقارب أو حتى تفوق الـ 150 مقعداً مما يستوجب التحالف مع عدد قليل من النواب لا يتجاوز خمسة عشر نائباً ممن سيمنحون امتيازات ثانوية لضمان تشكيل ائتلاف (دولة القانون) للحكومة المقبلة وبقاء المالكي على سدة القيادة لسنوات مقبلة.
لكن جاءت نتيجة الانتخابات مغايرة للتوقعات، حيث حصل ائتلاف (دولة القانون) على 89 مقعداً فقط، مما جعل احتمال عودة الائتلاف إلى موقع السلطة أمراً مشكوكاً فيه، وحتى في حالة عودته فإنه لن يكون في موضع القيادة بمفرده، بل عليه تقاسم السلطة ومناصبها مع أحزاب وتكتلات سياسية متعددة. وانعكست خيبة أمل تحالف (دولة القانون) وقيادته في الإصرار على كون نتائج الانتخابات لم تكن عادلة والادعاء بحدوث تزوير واسع أدى إلى حرمان التحالف من عدد كبير من الأصوات والمقاعد البرلمانية. وكان من الغريب تقديم ادعاءات مثل هذه من حكومة تسيطر على زمام الأمور في البلاد. لذلك فإن مطلب ائتلاف (دولة القانون) بإعادة تعداد جديد للأصوات في كافة أنحاء العراق تم رفضه، وانتهى الأمر بقبول حل وسط يقوم على إعادة فحص أو فرز جزئي للبطاقات الانتخابية في محافظة بغداد فقط.
وكانت حسابات التحالف الكردي أيضاً لا تقل خطأ عن حسابات ائتلاف دولة القانون، بل كانت أكثر خطورة وتناقضاً من أخطاء التكتلات السياسية الأخرى، وخاصة في ما يتعلق بحسابات الموقف في (المناطق المتنازع عليها) بين السيطرة العربية والسيطرة الكردية. بمعنى آخر فإن (النزاع) يدور حول تحديد خضوع هذه المناطق لسيطرة الحكومة المركزية في بغداد أو ذهابها لسيطرة حكومة إقليم كردستان. وبسبب خصوصية (المناطق المتنازع عليها) كان هناك اتجاه يدعو إلى استثناء هذه المناطق من عملية الانتخابات البرلمانية إلى حين حسم أمر عائديتها النهائية. فوجوب إجراء الانتخابات في محافظة كركوك ومناطق محددة عائدة لمحافظتي الموصل وديالى كان شرطاً أساسياً دفع به، وأصر عليه الائتلاف الكردستاني. وكانت حسابات الأحزاب الكردية في فرض مطلب وجوب شمول الانتخابات كافة المناطق ومن ضمنها (المناطق المتنازع عليها) تقوم على حسابات أثبتت خطأها لاحقاً. فقد أيقنت القيادة الكردية أن سيطرتها على هذه المناطق خلال الأعوام السبعة الماضية أمست شبه تامة، وخاصة أنها قامت بعملية (تنظيف عرقي) مبرمجة شملت إجراءات توطين أعداد كبيرة من أبناء القومية الكردية جُلبوا من مناطق أخرى إلى داخل حدود المحافظة لغرض الاستيطان، ومحاولة إجبار العناصر العربية والتركمانية على مغادرة المحافظة. وطبقاً للحسابات الكردية فإن هذه الإجراءات تجعل الأحزاب الكردية تمتلك زمام السلطة الإدارية والسياسية والأمنية وبشكل تام وقسري وتحديداً في أرجاء محافظة كركوك، مما يؤهل لعملية سياسية تمنح الشرعية القانونية لهذا النوع من سيطرة الأمر الواقع. وكان أمل القيادة الكردية أن التحالف الكردي سيحصد ـ على الأقل ـ ثلثي المقاعد النيابية المخصصة لمحافظة كركوك، لكن جاءت الصدمة التي لم تكن تقل عن صدمة تحالف (دولة القانون)، حين كشفت النتائج أن التحالف الكردي لم يحصل على أكثر من نصف المقاعد المخصصة لمحافظة كركوك، حيث كان قد تم تخصيص 12 مقعداً للمحافظة (زائد مقعد واحد للأقليات) بناءً على حساب نسبة السكان المسجلين، وحصل التحالف الكردي بكل أطيافه على ستة مقاعد فقط، وذهبت المقاعد الستة الأخرى إلى ائتلاف (القائمة العراقية) بقيادة إياد علاوي.
وفي قراءة سياسية لهذه النتيجة اكتشفت القيادة الكردية أن أكثر من نصف سكان محافظة كركوك صوتوا عملياً ضد فرض السيطرة الكردية على المحافظة. والأدهى من هذا أن عدد المصوتين للقائمة العراقية كان حسابياً أكبر من عدد الأصوات التي ذهبت إلى القائمة الكردية. وتكرر الدرس في بقية أرجاء (المناطق المتنازع عليها) في محافظتي الموصل وديالى اللتين لم تحصل القائمة الكردية فيهما إلا على جزء مما كان متوقعاً وخاصة في محافظة ديالى، حيث حصلت على مقعد واحد فقط من مجموع 13 مقعداً.
وواجهت جبهة التوافق السنية التي مثّلت الطيف السني خلال السنوات الخمس الماضية هزيمة كبيرة، حيث لم تحصل إلا على ستة مقاعد فقط في عموم البلاد. كما شملت رياح الهزيمة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (المجلس الإسلامي الأعلى) تحت قيادة عمار الحكيم الذي لم يحصل على أكثر من 19 مقعداً من مجموع 70 مقعداً ضمنها تحالف الائتلاف العراقي، حيث برز التيار الصدري في قيادة الائتلاف بما يقارب الـ 40 مقعداً من المجموع الكلي.
وعلى مستوى القيادات، فإن الصورة كانت لا تقل غرابةً عما حدث للتكتلات السياسية، فقد صوّت الناخب العراقي عملياً ضد ممارسات (هيئة اجتثاث البعث) التي استبدل اسمها لاحقاً بـ (هيئة المساءلة والعدالة) من دون حدوث تغيير في سياستها، عندما حصل مديرها التنفيذي على 703 أصوات فقط، وحصل مستشار الأمن القومي السابق موفق الربيعي على 1315 صوتاً، وشخصيات أخرى لعبت دوراً مؤثراً في السنوات الماضية لم تتمكن من تجاوز حاجز الـ 10 آلاف صوت المطلوبة لحصولها على مقعد في البرلمان. وبالمقارنة فقد حصل نوري المالكي على 622 ألف صوت، وإياد علاوي على 407 آلاف صوت.
ورغم كل الانتقادات التي وجهت للعملية الانتخابية قبل بدايتها وبعد إجرائها، فإن النتائج التي أفرزتها على أرض الواقع تدل على حدوث تغيرات ربما تكون جذرية في الساحة السياسية العراقية وفي اتجاهات الناخب العراقي. وعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات كانت واضحةً وجليةً من ناحية تحديد المنتصر والمهزوم، فإن مردودها على الوضع السياسي والأمني في العراق سيبقى غير محدد المعالم لفترة زمنية مقبلة قد تطول كثيراً، وكذلك مردودها على موقع العراق الإقليمي والدولي، خاصة قضية علاقات الدولة العراقية مع دول الجوار. فالحكومة المقبلة سيكون من مسؤوليتها الأساسية تحديد (هوية) العراق التي أضاعها احتلال الدولة في السنوات السبع الماضية، والتي أسهمت في تدميرها أيضاً مجموعات وقيادات سياسية داخلية ذات مصالح وارتباطات خارجية أسهمت في إيجاد وتعميق أزمة الهوية للعراق.
وما نأمله في الفترة الحالية هو عودة العراق كدولة عربية أصيلة، كما كان العراق دائماً، دولة قادرة على نفض غبار الاحتلال وجرائمه رغم محاولات سلخها من حاضنتها العربية.
هذه أسئلة ستبقى تنتظر التطورات التي ستحدث في داخل العراق وخصوصاً تحديد هوية الفئة التي ستقبض على عملية صناعة القرار في الدولة.

مجلة آراء حول الخليج