; logged out
الرئيسية / الموت في سبيل الانتصار: المنطق الاستراتيجي للإرهاب الانتحاري

الموت في سبيل الانتصار: المنطق الاستراتيجي للإرهاب الانتحاري

السبت، 01 أيار 2010

المؤلف: روبرت بيب
الناشر: Random House Publishing Group _ 2006
إعداد: كليدا مولاج
باحثة في مركز الخليج للأبحاث
يقدم روبرت بيب في هذا الكتاب ما توصل إليه من استنتاجات بعد دراسة مستفيضة تناولت كافة العمليات الانتحارية التي وقعت بين عامي (1980-2003). ويؤكد بيب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، أن التفسيرات الغربية التقليدية للعمليات الانتحارية، والتي تركز على الأصولية الإسلامية والأوضاع الاقتصادية المزرية أو المتاعب النفسية، هي إما تفسيرات لم تجد طريقها إلى الحقيقة أو أنها تجانبها كلية. فهذه النظريات لا تعدو كونها عاملاً يساعد الغرب على التعامل مع ثنائية الإرهاب وقتل المدنيين عن طريق وصف الإرهاب الانتحاري بأنه عمل متطرف وينافي العقل والمنطق. فاختلاف الأديان، قد يكون أحد العوامل المساعدة، لكنه حتماً ليس السبب الرئيسي. فالطريقة الفضلى لفهم الإرهاب الانتحاري هو أن ننظر إليه على أنه استراتيجية تهدف إلى مكافحة الهيمنة العسكرية التي تمارسها الدول الديمقراطية على ما يعده الإرهابيون موطنهم. وتأسيساً على ذلك، فإن الاحتلال العسكري يجب ألاّ يكون الأساس الذي تقوم عليه السياسة الأمريكية الخارجية التي تتسم بروح المسؤولية تجاه دول منطقة الشرق الأوسط. وعوضاً من ذلك، على الولايات المتحدة الأمريكية أن تنتهج استراتيجية تقوم على توازن القوى الإقليمية حتى تضمن استمرار تدفق النفط إلى أمريكا والاقتصاد العالمي من دون عقبات.
إن أهم ما توصل إليه الكتاب هو بمنزلة (نظرية وطنية) للإرهاب الانتحاري. فمن بين العمليات الانتحارية الثلاثمائة والخمس عشرة التي نُفذت بين عامي (1980-2003)، توجد 301 عملية يمكن تحديدها بأنها جزء من حملة عسكرية أو سياسة منهجية تهدف إلى إجبار الدول المحتلة على سحب قواتها العسكرية من الأراضي التي يعدها الإرهابيون جزءاً من وطنهم. فما حدث في لبنان وسريلانكا والشيشان وفلسطين وكشمير، حتى بالنسبة إلى القاعدة في ما يتعلق بالوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج، ينضوي تحت هذا المفهوم ولا يخرج عن هذا الإطار. وتبقى الدول الديمقراطية عرضة للأذى بصورة استثنائية: فالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والهند وروسيا وسريلانكا وتركيا كلها دول ديمقراطية تعرضت لعمليات انتحارية. فالإرهابيون ينظرون إلى الدول الديمقراطية على أنها تتأثر كثيراً حين يتعرض المدنيون فيها للأذى، من ناحية، وأنها أكثر انضباطاً من الدول الاستبدادية.
كجزء من حملات التحرر الوطني، تهدف العمليات الانتحارية إلى إيقاع أكبر عدد من القتلى والجرحى في صفوف الخصم والحصول في الوقت نفسه على الدعم الجماهيري للقضية التي يتبناها الإرهابيون. فالجماعات التي تلجأ إلى استخدام العمليات الإرهابية ضعيفة وتفتقر إلى المقدرات والموارد التي تمكّنها من إلحاق الهزيمة بالخصم عن طريق المواجهة العسكرية المباشرة مع قواته المسلحة. أضف إلى ذلك أنه يتم اختيار العمليات الإرهابية لأنها الوسيلة المتوافرة الأكثر فاعلية لدى الإرهابيين. فليس هناك من حاجة إلى تأمين طريق أو وسيلة للانسحاب، ويمكن إخفاء القنابل بسهولة في الجسم. أما تكلفة الهجوم في حد ذاتها فترسل إشارات واضحة تتعلق بإصرار هذه الجماعات على الاستمرار في مقارعة الخصم. كما تسمح هذه العمليات للجماعات الإرهابية بتصوير الإرهابيين الانتحاريين بوصفهم شهداء، الأمر الذي يساعدهم على حشد المزيد من الدعم والتأييد لقضيتهم.
ومن الأمور التي تثير القلق لدى بيب أن الإرهابيين توصلوا إلى قناعة مفادها أن العمليات الانتحارية تؤتي ثمارها. وما يعزز هذا الاعتقاد لدى الإرهابيين أن التنازلات التي حصلوا عليها نتيجة القيام بعمليات إرهابية تبقى أكبر كثيراً مما حققوه بالوسيلة البديلة الأخرى. فالجماعات التي لجأت إلى استخدام العلميات الإرهابية لتحقيق أهدافها، بدأت في أول الأمر بتنفيذ عمليات فدائية تقليدية. ويحدد بيب في هذا السياق سبع حالات أدت فيها العمليات الانتحارية إلى تقديم تنازلات من الدول المستهدفة، وهي نسبة عالية إذا ما قوبلت بالعمليات العسكرية التقليدية مثل فرض العقوبات الاقتصادية أو قيام سلاح الجو بتوجيه ضربات لمواقع محددة. إضافة إلى ذلك، تؤكد الدراسات التي أُجريت تراجع وتيرة العمليات الإرهابية بعد حصول الجماعات التي تنفذها على تنازلات من الدول أو الجهة المستهدفة. ومن الغريب في الأمر أن هذه التوجهات والتصرفات على أرض الواقع لا تتوافق مع التعصب الأعمى أو الجنون وغيرها من الصفات التي يحاول البعض إلصاقها بمنفذي العمليات الانتحارية.
ويتوقف بيب مطولاً أمام من يحاولون ربط العمليات الإرهابية بالإسلام الأصولي. فنمور التاميل مجموعة علمانية. أما القاعدة وحماس وحزب الله، التي يعتقد البعض أنها تحركها المفاهيم المتطرفة ذاتها، لا يتعاون عناصرها بقوة بعضهم مع بعض، ولا يهاجمون دولاً لا تحتل أجزاءً من وطنهم. اختلاف الأديان وليس الدين بحد ذاته هو المهم.
ويقول بيب في معرض محاولته شرح هذا الأمر، إن المعتقد الديني للمحتل إذا كان مختلفاً عن المعتقد الديني لمن يقعون تحت الاحتلال، فإنه سيكون مصدر تهديد لحضارته وتقاليده السائدة بين شعوب المنطقة المحتلة. أضف إلى ذلك أن اختلاف الأديان يستخدم أيضاً لتشويه صورة المحتل ويضفي صفة الشرعية على الاستشهاد.
وعلى الرغم من أن الإرهاب الانتحاري يُعزى في الأغلب إلى اضطرابات نفسية، فإن بيب يؤكد أنه ليس هناك من شواهد على ذلك. فالأبحاث التي يجريها الصحافيون حول حياة الأشخاص الذين ينفذون عمليات انتحارية تفشل في الأغلب في تحديد (السبب) وراء القيام بمثل هذه الأعمال. إن السبب وراء ذلك هو أن هذه العمليات الانتحارية ليست عمليات انتحار (أنانية) أو محاولة للهرب من ظروف حياتية لا تُطاق، لكن هذه العمليات هي في حقيقة الأمر انتحار (إيثاري) يضحي فيه الشخص بحياته بهدف تحقيق الخير للمجتمع الذي ينتمي إليه منفذ العملية. وما استعداد العشرات للتضحية بأنفسهم في مثل هذه العمليات إلاّ دليل قاطع على روح الإيثار التي يتمتعون بها. كما أن المعلومات المتوافرة حول منفذي العمليات الانتحارية من تنظيمات القاعدة ونمور التاميل وحماس تؤكد ذلك.
ويجب أن تُلحِق السياسة الأمريكية في مواجهة الإرهاب الانتحاري الهزيمة بالجماعات الإرهابية القائمة الآن وتمنع في الوقت نفسه ظهور إرهابيين أو جماعات إرهابية جديدة. وعلى الدول التي تتعرض للعمليات الانتحارية الإرهابية أن تقدم تنازلات من شأنها أن تخفف من معاناة السواد الأعظم من أفراد المجتمعات التي تنطلق منها هذه العمليات. ربما لا تتوقف هذه الاعتداءات على الفور، وخصوصاً أن الإرهابيين سيزدادون قناعة بفاعلية وجدوى هذه العمليات، إلاّ أن الدعم الجماهيري لهذه العلميات سيشهد تراجعاً ملحوظاً. كما يجب تشديد قوانين الهجرة والرقابة على المهاجرين. وكاستراتيجية عامة ينبغي على الولايات المتحدة العودة إلى سياسات الحرب الباردة التي أثبتت نجاحها، وتتمثل في تحقيق التوازن (الخارجي)، الذي يقوم أساساً على المحافظة على الحلفاء الأقوياء والقدرة على نشر قوات أمريكية في حال تعرض مصادر النفط للخطر أو عدم الاستقرار. ويضيف بيب إن التحول إلى الديمقراطية قادم لا محالة، لكن على الولايات المتحدة أن تقدم المساعدة، لكن من دون تدخل مباشر. فالاحتلال العسكري، حتى لو كان مدفوعاً بأحسن النيات، هو أحد الأسباب الرئيسية للإرهاب الانتحاري على المدى البعيد. وكما تؤكد الأوضاع القائمة في العراق، لا يمكن للاحتلال أن يضمن الاستقرار ولو على المدى القصير أيضاً. وبالتالي فإن الإرهاب الانتحاري هو عبارة عن استراتيجية تهدف إلى إجبار دولة ديمقراطية على التخلي عن سيطرتها وهيمنتها على ما يعده الإرهابيون موطنهم. وتأسيساً على ذلك، فإن السياسة الخارجية التي تسعى إلى مكافحة الإرهاب الانتحاري لا يمكن أن تعتمد على الاحتلال العسكري. وبما أن النفط يُعد حيوياً للاقتصادين الأمريكي والعالمي، فإن على الولايات المتحدة المحافظة على وجود حلفاء في الخليج، وأن تبقى في الوقت نفسه على أهبة الاستعداد للتدخل عسكرياً إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك.

مجلة آراء حول الخليج