array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

وجهات نظر حول حروب المستقبل .. "قرن دموي آخر"

الجمعة، 01 أيلول/سبتمبر 2006

المؤلف: كولين اس. غراي
تشعبت الدراسات في مجال العلاقات الدولية إلى حد ينسى معه البعض أن المنهج الذي قامت عليه في المقام الأول كان لدراسة ظاهرة الحرب. ولكن الحدوث المتكرر للحرب يذكّر المرء دوماً بالمقولة القديمة: (إذا لم تكن راغباً في الحرب، فالحرب راغبة فيك). ويوفر هذا الكتاب الذي يحث على التفكير والتأمل والصادر في الوقت المناسب قراءة واقعية لحروب الماضي والحاضر (أي إدارة الحرب) مع رؤية لاستنباط النتائج حول مستقبل الحرب.
وخلافاً لأتباع المذهبين الثقافي والمادي الذين يرون أن لدور الأفكار والأسلحة على التوالي تأثيراً عميقاً في الحرب، فإن (غراي) يقول إن حروب المستقبل سوف تكون تاريخاً استراتيجياً كالمعتاد. وفي اعتقاده، فإن الدلائل تشير إلى أن الحرب ستظل نشاطاً مفضلاً بشكل كبير. وما يبدو جديداً في هذا المجال ما سيقابله من المزايا الخاصة التي تحدت اختبار الزمن على مر العصور. وإذا كان للأسلحة تأثير كبير في التكتيك، فإنها لا توجه العمليات أو الاستراتيجية أو السياسة على نحو آلي.
علاوة على ذلك، وبالرغم من تأثير الثقافة فيها، فإن الحرب تـُـدار أساساً لأسباب سياسية. ومن المؤكد أن الظروف السياسية والاجتماعية ـ الثقافية والتكنولوجية سوف تتغير، ولكن الحرب ستبقى تعني تطبيق العنف المنظم لتحقيق أهداف سياسية. وقد يوحي هذا بأن كثيراً من مستقبل التاريخ الاستراتيجي يشابه ماضيه على الأرجح. وثمة ثلاث مجموعات من الأسباب الداعمة المشتركة تضمن على وجه الخصوص أن للحرب مستقبلاً مزدهراً، بمعنى: الأعمال المألوفة للسياسة الدولية والداخلية، والجاذبية المتنوعة والواقعية للحرب للزعماء السياسيين، وبعض المقومات الثابتة من الطبيعة الإنسانية، بما في ذلك إمكانيتها لإظهار ولع شعبي بالقتال.
ولعل السائد في عالم اليوم هو أن نجد مقاربة للحروب المستقبلية من منظور الإرهاب ـ الذي يمثله تنظيم (القاعدة) ـ والتمرد باعتبارهما المصدرين الرئيسيين للتهديد. وعموماً، فإن (الحرب على الإرهاب) هي قضية الساعة وربما لعقد من الزمن أو ربما أطول من ذلك ذاتها بالصورة التي حظيت بها الحرب الثورية والنووية باهتمام واسع في الربع الثالث من القرن العشرين. ولكن كثيراً من ذلك الضوء المسلط على الإرهاب ربما يصبح بدعة عابرة.
وبالرغم من أن الحرب غير النظامية ربما تكون الأسلوب السائد في الحرب لسنوات مقبلة، فإن غراي يعتقد أن المستقبل الاستراتيجي لا ينتمي إليها. وتُعتبـَـر الأسباب التي تبقي استمرار الحرب النظامية بين الدول أمراً ممكناً مألوفة تماماً. فالقوى الصاعدة سوف تبحث عن مزيد من النفوذ في مناطقها، وهي عملية تثير القلق ـ إن لم يكن الحذر ـ في الخارج. وعلى سبيل المثال، فمن المتوقع أن تحاول الصين والهند وإيران اكتساب مزيد من الاحترام كلما تحسن موقفها الوطني نسبياً في الهرم الدولي. ومن هنا، فإن الدول التي تطمح إلى تعزيز دورها الإقليمي لديها استعداد لتغامر وتدخل في مواجهة مع أطراف إقليمية أو قوة عظمى مهيمنة مثل الولايات المتحدة حالياً.
ومن المرجح أن تهيمن جهود أمريكا للاحتفاظ بسيطرتها ومحاولات منافسيها للتعجيل بالانحطاط النسبي لأمريكا على البيئة السياسية للحرب في القرن الحادي والعشرين. ويزعم غراي أن من غير المتصور أن بقية العالم سوف تكون قانعة بالإذعان، وسوف تتمتع بفوائد نظام عالمي تحافظ على أمنه الولايات المتحدة. وفي اعتقاده أن إعلان المعارضة لذلك قد بدأ بالفعل، حيث جاهر المرتابون المألوفون (الصين وروسيا وفرنسا) بأنهم ليسوا قانعين بقبول حتمية أن يكون القرن الحادي والعشرون قرناً أمريكياً. وعلى وجه الخصوص، ربما يتشكل الآن محور قاري صيني ـ روسي، ويستقطب بحذر بعض الحلفاء الحاسمين، وذلك بهدف بناء كتلة من الدول وحشد مصادر قوتها (النفط بشكل خاص) بحيث تكون قادرة على تحدي السيطرة الأمريكية الحالية.
وكما في الماضي، فمن المرجح أن الحروب في المستقبل لن يتم خوضها لضمان مكاسب مطلقة بل بهدف تحقيق قوة ونفوذ نسبيين، وأن يشهد القرن الحادي والعشرون حرباً ضد الهيمنة من جانب القوى العظمى الصاعدة أو التي تحاول أن تستعيد أمجادها الغابرة. وبالرغم من أن التمييز المزدوج الملائم بين الحرب النظامية وغير النظامية سوف يكون ضبابياً وغير واضح، فسوف تكون هناك حرب واضحة المعالم بين الدول، ليس لأن لديها الكثير الذي تحارب من أجله على الإطلاق. وعلى سبيل المثال، فمن المرجح أن يحث تسارع في التغيير المناخي الضار بالصحة على التركيز مجدداً على قضايا إقليمية، حيث تتنافس الدول بقوة على السيطرة على الموارد الشحيحة إزاء التوسع الديموغرافي، وأكثر ما يهم في هذا السياق هو السيطرة على الشعوب والتحكم بالأراضي التي يقطنون بها.
ويبدو غراي على قناعة بأن عصر المعلومات لن يقلل من أهمية الجغرافيا كبعد ذي شأن للحرب. ففي اعتقاده بأن الحاسوب وكل شيء يجعله ممكناً سوف يشكل فارقاً ضئيلاً لحدوث الحرب ووقوعها. فتكنولوجيا المعلومات مجرد أداة. ومن المرجح أن أولئك الذين يحاولون أن يسردوا تاريخ الحرب كتاريخ للتطور والثورة التكنولوجية يخطئون أكثر مما يصيبون. ومن المرجح أيضاً أن يكون السياق السياسي والاجتماعي والثقافي والاستراتيجي للحرب أكثر أهمية من السياق التكنولوجي.
وسوف تُعـتـبـَـر القوة الإلكترونية والقوة الفضائية إضافة إلى القوة البرية والبحرية والجوية وتتكامل معها، وربما تقوم مجتمعة بتحويل خاصية بعض الحروب، ولكنها لن تقوم بتثوير الحرب ذاتها بطريقة تجعل المرء يبدأ بالحديث عن تغيير محتمل في الطبيعة الخاصة بالحرب. ويعتقد كثير من الناس اليوم بأن الحرب التي تـُـوقـِـع عدداً قليلاً من الإصابات أو تخلو تماماً من الإصابات تـُـعـَـد موضوعاً مهماً في سياق القصة الكلية للمستقبل. ولكن (الطريقة الأمريكية الجديدة للحرب)، وخصوصاً كما كـُـشـِـف النقاب عنها في أفغانستان (2001) والعراق (2003) لا توحي بثقة في مستقبل شبه خالٍ من الإصابات.
ويعتقد غراي بأن حروب المستقبل سوف تشمل حروباً في الفضاء والفضاء الإلكتروني، فقد ظل الفضاء الخارجي والفضاء الإلكتروني يشهدان (عسكرة) على نطاق واسع، ولكنهما لم يشهدا قتالاً أو معركة. ولكن ذلك سيتغير في ظل الإرهاب الذي يُمارَس في الفضاء الإلكتروني على مستوى متدنٍ ولأن الجهود في حرب الحصول على المعلومات تمثل نشاطاً يشهده العالم بشكل يومي.
وليس من الصعوبة التنبؤ بأهمية الفضاء في حروب المستقبل، فسوف تشمل حروب المستقبل حرباً في الفضاء، وهي حرب للقتال من أجل السيطرة على الفضاء على الأقل، لأن أنظمة الفضاء أصبحت مهمة على نحو حيوي للأداء العسكري بالنسبة للقوى العظمى، وخصوصاً الولايات المتحدة. ومنذ حرب الخليج في عام 1991، ظل إسهام الفضاء في الطريقة الأمريكية للحرب ـ في المهام الحيوية كالاستطلاع والمراقبة والملاحة والاتصالات والإنذار المبكر من الصواريخ والأرصاد الجوية والرصد البيئي ـ يتنامى. وأصبح الفضاء لاعباً في تخطيط وإدارة الحرب المشتركة.
ولا تعني دقة وبراعة التطورات الاستراتيجية كالقوة الفضائية والقوة الإلكترونية أنها توفر المفتاح الذهبي لتحقيق النجاح العسكري والسيطرة السياسية. وفي رأي غراي، فإن المحاولات لفهم حروب المستقبل يجب أن تتعامل مع الحرب من الفضاء وفيه وإليه في إطار الحرب ككل. إن كون الحرب الفضائية فكرة جديدة لا يعني بالضرورة أنه يمكن تقييمها أو فهمها بمعزل عن التطورات الأخرى. فسوف يكون لحرب الفضاء إطار سياسي واستراتيجي. ويجب عدم الخلط بين الأدوات والوسائل الجديدة للحرب والتحول الأساسي في طبيعة الحرب ذاتها.
وليس هناك من معلومات مهما بلغت أهميتها يمكن أن ترفع من الروح المعنوية المتدنية أو الانضباط الهزيل أو التدريب غير الملائم الذي لا يهيئ الجنود لخوض معارك جديدة. وبالمثل، فإن هيمنة المعلومات لن تنجي من مغامرة عسكرية سيئة الإعداد، وتمت إدارتها على نحو استراتيجي ولكن بغير كفاءة. كما أن للحرب صفات متميزة وأبعاداً متعددة بحيث يمكن اختزالها في حل حاسم بفضل تفوق المعلومات. وبالرغم من أن الحرب الإلكترونية سوف تعمل كمضاعف للقوة، فلا يمكنها أن تلحق الهزيمة أو تحقق النصر.
واتفاقاً مع كلاوزيفيتش الفيلسوف الأكبر للحرب، يعتقد غراي بأن الحرب عمل سياسي، إنها السياسة التي يتم انتهاجها بوسائل عنيفة. (فالحرب هي حول القوة والسلطة في أشكال عديدة. إنها استخدام القوة للتأثير في الآخرين، ولتحسين المحيط الأمني للدولة ونظام الحكم، ولتعزيز أو استعادة السمعة لتحقيق النجاح الذي يثمر مصدر قوة سياسية للمجد). علاوة على ذلك، (تعد الحرب جزءاً من الحالة الإنسانية، لأنها ليست مشكلة يمكن حلها، وذلك بالرغم من أن بعضاً من أسوأ صورها يمكن تخفيفه من خلال القانون والعادات والقيم والحرص على المصلحة الشخصية المحضة).
(قرن دموي آخر) كتاب يفيض بالرؤى الثرية حول حروب المستقبل. غير أن القارئ سوف يجد نفسه متسائلاً: لماذا يعتقد المؤلف بأن الحروب المستقبلية، التي تـُـضاف إلى التحديات التي تفرضها بعض جماعات المقاومة الإسلامية، لن تكون مدفوعة أو حتى متأثرة بالأيديولوجيات. هذا ادعاء ، وخصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن الحرب هي صراع يتعلق بالسياسة وأن الأفكار هي وسائل لصياغة السياسات. علاوة على ذلك، فإننا إذا سلمنا بأن التنبؤ بالأحداث هو أصعب مهمة في البحث الاجتماعي عن الظواهر، فإن القارئ قد يأمل في مزيد من التركيز حول الصلة الواضحة بين التوجهات الحالية واستنتاج التوجهات والتحولات المستقبلية. غير أن هذه الشكوك تتبدد وتفقد أهميتها أمام آراء المؤلف الثاقبة والجريئة. ولأن هذا الكتاب قدم رواية توعوية ومقنعة عن حروب المستقبل، فإنه يستحق أن تطلع عليه قاعدة عريضة من جمهور القراء.

مجلة آراء حول الخليج