; logged out
الرئيسية / التوليفة العجيبة: كيف استطاع التجّار والوعّاظ والمغامرون والمحاربون تشكيل العولمة؟

التوليفة العجيبة: كيف استطاع التجّار والوعّاظ والمغامرون والمحاربون تشكيل العولمة؟

الخميس، 01 نيسان/أبريل 2010

المؤلف: نيان تشاندا
الناشر: مطبعة جامعة يال - 2007
إعداد: د. إكارت وورتز
مدير البرنامج الاقتصادي في مركز الخليج للأبحاث

في كتابه المعنون (التوليفة العجيبة: كيف استطاع التجّار والوعّاظ والمغامرون والمحاربون تشكيل العولمة؟)، يقدّم نيان تشاندا مقاربةً رائعةً للعولمة. فهو لا ينظر إليها كظاهرة برزت في الماضي القريب، بل يعتبرها عملية بدأت في الماضي البعيد: إذ يرى أنّ موجة العولمة الأولى تمثّلت في انتشار البشر في شتى أرجاء المعمورة وبدأت مع الهجرة إلى خارج إفريقيا قبل خمسين ألف سنة، وانتهت عندما وصل البشر إلى الجزء الجنوبي من أمريكا قبل ميلاد المسيح باثنتي عشرة سنة. ثم غاص المؤلف في تاريخ بناء الإمبراطوريات وتوسيع التجارة العالمية على مدى العصور قبل أنْ يتطرّق إلى الآثار السلبية للعولمة وقضاياها المثيرة للجدل، مثل استغلال العمّال أو التلوّث البيئي.

ويرى تشاندا أنّ التجّار والوعّاظ والمغامرين والمحاربين يمثّلون القوى الدافعة للعولمة وناقش كلّ واحدة من هذه القوى في فصل مستقل. وبمساعدة عدد من الوقائع التي يسردها بأسلوب ساخر، يوضح تشاندا كيف أسهمت الاتصالات والابتكارات اللوجستية الحديثة، مثل سُفن الحاويات أو الطائرات الضخمة من طراز (بوينغ 777)، في توسيع التجارة العالمية. وبدوره، أدى تعزيز التبادل التجاري عبر الحدود إلى ظهور منتجات جديدة، من (الكپُّتشينو) إلى حاسبات الجيب. ومن خلال التحليل المفصّل لتاريخ القطن والبن والأجهزة الإلكترونية الرقميّة، يُلخّص المؤلّف مختلف التداعيات السياسية والثقافية لهذه العملية. أما القالب اللغوي الذي وُضعت فيه هذه التبادلات المعولمة، فقد جعلت قراءة الكتاب متعةً فكرية، سواءٌ عندما عرض المؤلّف لأصل اسم (الدولار) الذي يعود إلى بلدة ألمانية صغيرة اشتهرت بمناجم الفضة في القرن السادس عشر، أو عندما تحدّث عن عالم الرياضيات العربي الخوارزمي؛ وهو أبو (الخوارزميات) (أو اللوغاريثمات) التي لا يمكن الاستغناء عنها اليوم في صناعة البرمجيّات.

من ناحية أخرى، وفّر الوعّاظ ميداناً للتبادل الثقافي لأنّ (عقيدتهم لا تدعو إلى عبادة أي أوثانٍ أو آلهة محليّة تناسب حياة التجّار الكثيري الترحال). وبخصوص الديانات المسيحية والإسلامية والبوذية، وهي ديانات عالمية دعويّة شكّلت مع الديانات التي سبقتها جزءاً من الهويّات الثقافية الجماعية، يرى المؤلّف أنها أسهمت في تشجيع التبادل الثقافي من خلال الترجمات والدراسات العديدة التي تجاوزت حدود المجال الديني. ولأنّ فكرة الإنسانية العالمية التي تعبد الإله الواحد تنطوي على أوجه تشابه مع فكرة حقوق الإنسان، أو الهواجس البيئيّة التي تهم البشرية بأسرها؛ وُصف المدافعون الحديثون عن حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية أو منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومان رايتس وتش)، بأنهم (دعاة الديانات العلمانية) (Elie Wiesel).

وخلق المغامرون والمحاربون مناطق جديدة في عالمنا المعولم، وكانوا سبب ظهور صِيغ إدارية محدّدة، مثل بعض القوانين. لكنّ تشاندا لا ينكر الآثار السلبية لعملية العولمة التي تتراوح من العبودية والاستغلال إلى عمليات نشر الجراثيم والأوبئة. ففي أحد فصول كتابه، يتناول تشاندا المظاهر الحديثة للعولمة، مثل استغلال العمالة الرخيصة في دول العالم الثالث أو محنة العمّال المهاجرين أو أساليب الالتفاف على المعايير البيئية. ومع أنه منح معارضي العولمة، مثل (أتاك)، بعض النقاط عندما أجرى دراسة تحليلية لمقارباتهم غير الناضجة والمتغيرة أحياناً، إلا أنه، بوجه عام، يتفق مع رأي إجماع واشنطن القائل بأن العولمة والتجارة تعززان الرفاه وأنهما أمران حتميّان لأنهما (ينبعان من حاجة الإنسان الأساسية إلى السعي لتحقيق حياة أفضل وأكثر نجاحاً).

ويُمثّل الإطار الواسع نقطتيِّ ضعف وقوّة الكتاب في آنٍ معاً. فمن ناحية، يقدّم الكتاب سرداً مثيراً يوضح كيف يمكن تعقّب جذور الهجرة البشرية في جيناتنا، وكيف أن محصولاً مثل البن تحوّل إلى سلعة عالمية، وكيف أن مفهوم الصفر الذي اخترعه الهنود وطوّره العرب أسس للصناعة الإلكترونية الرقميّة الراهنة. ومن ناحية أخرى، يستخدم المؤلف مقاربة أكبر مما ينبغي لرسم حقائق تجريبية وفيرة بدت غير مترابطة بسبب استخدام أداة تحليلية غامضة، بالأحرى، هي (العولمة).

ويبدو أن تشاندا أدرك هذه المشكلة لأنه خصص فصلاً كاملاً لمناقشة مفهوم العولمة وكيف تطوّر بين عامي (1995-2001)، من مجرّد مفهوم للتعبير عن تدويل المعايير أو التعريفات إلى عبارة رنّانة ترمز إلى تدويل النشاط الاقتصادي والتعبير الثقافي. وبعد عام 2001، تراجع استخدام عبارة العولمة لصالح التعبير الجديد المتمثّل في (الاستعانة بالقدرات والموارد الطبيعية والبشرية الخارجية) الذي بدأ يفضله الصحفيون والأكاديميون.

فهل مفهوم (العولمة) هو الأنسب لوصف مرحلة التطور الرأسمالي التي امتازت بتدويل مجموعات من القيم والميول الثقافية، وينبغي عدم استخدامه لوصف تاريخ البشرية منذ القدم؟ هنا، يعترف شاندا بأن (الاختلافات الكبيرة بين السنوات الأولى والأخيرة من تاريخ العولمة تكمن في سرعة انتقال المنتجات والأفكار والأعداد المتزايدة للمستهلكين والمنتجات وأنواعها، وما نتج عن ذلك من وضوح مرئيٍّ ومتزايد لعملية العولمة). ومن المؤكّد أن مثل هذا التطور الكمي يؤدي إلى نوعية مختلفة أيضاً؛ وهو ما يمكن إدراكه بسهولة عبر مقارنة العولمة بظهور الزراعة الرأسمالية في القرن السادس عشر أو الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. ومع أن مقاربة العولمة كعمليةٍ بدأت منذ العصر الحجري تنطوي على فسيفساء تجريبية ساحرة، إلا أن هذه المقاربة تعني أحياناً الإفراط في تعميم الحقائق.

 

مجلة آراء حول الخليج