array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

عقيدة الواحد في المائة

الثلاثاء، 01 آب/أغسطس 2006

المؤلف: رون ساسكند
يأتي هذا الكتاب الذي احتل المرتبة الثالثة في قائمة الـ (نيويورك تايمز) للكتب الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة. وأولت له الـ (نيويورك تايمز) عدة أعداد لنشر أجزاء منه على صفحاتها برؤية جديدة لأحداث تعتبر محورية في تاريخ الدولة الأمريكية. فالكاتب رون ساسكند اجتذب انتباه الإعلام والرأي العام ليس بسبب نشره تفاصيل لم يسمع بها من قبل، جرت داخل أسوار البيت الأبيض والاستخبارات المركزية فقط، وإنّما بسبب أسلوبه السلس الجذاب، الأقرب منه إلى القصصي من الوثائقي. فالكاتب حاك كتابه كرحلة شبه روائية ليس ليبقي القارئ مشدوداً بصفحاته فقط، بل لكي يوسع قاعدة قرائه قدر المستطاع لتشمل شريحة أكبر من مجرد المثقفين أو السياسيين؛ فهدف ساسكند الأساسي هو كشف حقائق وخبايا السياسة الأمريكية في تلك الفترة الحساسة، لذا احتاج إلى أسلوب روائي شائق سلس لكي يشمل المواطن الأمريكي العادي في قاعدة قرائه بهدف إطلاعه على حقيقة رجال القرار في الإدارة الأمريكية وطرق وأساليب اتخاذ القرارات فيها.
ويتناول ساسكند في كتابه ديناميكية اتخاذ القرار في حكومة بوش في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر 2001، مسلّطاً الضوء على عقليات متّخذي القرار. ولم يبذل ساسكند جهداً لإخفاء تهكمه على بعض رجالات الدولة الأمريكية، وعلى رأسهم الرئيس جورج بوش لدرجة أنّه يتراءى للقارئ أنه - أي الكاتب - هدفه الأساسي انتقاد الرئيس الجمهوري ومحيطه. فساسكند جعل من شخصيات هؤلاء المسؤولين وتفاعلهم الاجتماعي بين بعضهم البعض محوراً أساسياً من محاور كتابه.
ثم يتطرّق الكاتب إلى مجموعة من علامات التنبيه لوحظت قبل وبعد 11 سبتمبر. فيفضح ساسكند إهمال الرئيس ونائبه التحذيرات الواضحة من مديري الاستخبارات الأمريكية وغير الأمريكية، التي توقعت الهجمات! ثم ينتقل بعد ذلك ليتناول مشكلة عانى منها العالم بشكل عام وليس الولايات متحدة فقط، ألا وهي صدمة ولادة عدو ذي تركيبة تختلف عن أي خطر استراتيجي سبقه. فتنظيم القاعدة لاعبٌ جديد ذو خصائص لم يسبق لأية دولة أو منظمة مواجهة مثلها. هذه الخاصية أربكت الولايات المتحدة والعالم علي حد سواء، وكانت السبب بالفشل على القبض على ابن لادن وأيمن الظواهري من وجهة نظر ساسكند. فما قبل الحادي عشر من سبتمبر كان مرحلة مختلفة تمام الاختلاف عمّا يواجهه العالم بعد الهجمات، إلا أن المؤسسات الأمريكية لم تتأقلم مع هذا التغير في طبيعة التحديات الأمنية في الساحة الدولية. ويشير ساسكند إلى أن الأجهزة الاستخبارية لم تكن مجهزة لهذا النوع الجديد من الحروب، مستعرضاً محاولات مستشار الأمن الوطني (Scowcroff) قبل الهجمات وبعدها بين التحذير والنصح واقتراح إعادة هيكلة شاملة للمؤسسات الاستخبارية. كانت تلك محاولات حرص الكاتب أن ينقل لنا تجاهلها من قبل الرئيس ومستشاره.
فضلاً عن ذلك يطرح الكاتب موضوع عدم تأقلم نظم العالم الاستخبارية والدفاعية مع نوع الخطر الحديث، وتناول هذا الموضوع عبر الإشارة إلى استخفاف وكالة الاستخبارات المركزية بمقدرة ابن لادن على أن يكون صعب المنال. وهذا الاستخفاف لم يكن ناتجاً عن استهتار بل هو عدم فهم لطبيعة هذا (اللاعب) الجديد على الساحة الدولية، ألا وهو التنظيم ذو الانتماء الأيديولوجي (لا الوطني) الأجندة الدولية.
وينتقل ساسكند بعد ذلك ليطرح معضلة أخلاقية تؤرق المجتمع الأمريكي؛ وتتجسد بتساؤلات بدأت تعلو مثل: هل بدأت حكومته بالابتعاد عن مبادئ وأسس المجتمع الأمريكي؟ وهل نسيت الإدارة الأمريكية حرّيات أساسية في سياق زعمها (الدفاع) عن تلك الحريات؟ ويتناول الكاتب هذا الموضوع من خلال الإشارة إلى مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) الذي انتهجه بعض رجالات الإدارة الأمريكية. وفي خضم معركتهم مع متحديهم العنيد (ابن لادن)، داسوا على أخلاقيات يعتبرها المواطن الأمريكي غير قابلة للنقاش، كالحريات المدنية والشخصية. بل إنهم اعتدوا على حريات المواطن الأمريكي نفسه، هذا عدا بالطبع عن التجاوزات التي ترتكب بحق الشعوب باسم تلك الحريات.
وينتقل ساسكند بعد ذلك لينوه بثقة الاستخبارات المركزية في الأشهر الأولى بعد الاعتداءات بمقدرة الولايات المتحدة على (اصطياد) عدوها الجديد المسمى بـ (الإرهاب الأصولي) والمتمثل بابن لادن وأيمن الظواهري.
بالإضافة إلى ذلك، يلقي الكاتب الضوء على أسئلة جالت في أذهان العالم حول سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية، وأسس اتخاذها لقرارات غيّرت المعالم السياسية في العالم. فقد سخّر الكاتب صلته الوثيقة بالعديد من المسؤولين بالإدارة الأمريكية ليروي تعطش القرّاء لإجاباتٍ عن تساؤلات فشلت الحكومة الأمريكية نفسها بالإجابة عنها؛ ليطرح بعد ذلك قضايا مثيرة للجدل كحقيقة علاقات رجال السياسة الأمريكية بنظرائهم في دول العام الثالث، هذا العالم نفسه الذي احتضن الحركات والمنظمات المتطرفة (الوطنية والدينية على حد سواء) التي بدورها تحترف الآن إرهاب الشعوب، ومدى مقدرة الإدارة، الحقيقية، على التغلب على عدو يتميز بصبر وثقةٍ مدعومين بأيديولوجية لم يسبق للدولة الأمريكية مواجهة مثيل لها. ويناقش الكاتب هذه القضايا وأخرى أكثر حساسية من خلال نقل دقيق لسلسلة أحداث جرت بعيداً عن أعين العامة، وتعكس صراعات داخلية في الإدارة الأمريكية بين فرق تمثّل تيارات الفكر السياسي الأمريكية من جهة، ومناورات أجهزة الاستخبارات ووزارة الدفاع لتفادي الكونجرس ومجلس الشيوخ الأمريكي من جهة أخرى.
وباختصار نقول إن الكاتب فتح عبر سطور هذا الكتاب أبواب قضايا كثيرة تحرص الإدارة الأمريكية على إبقائها في ملفاتها السرية، وحقائق قادرة على إثارة موجات من الهلع بين شعوب العالم، وملفات تتناول تحقيقات حول امتلاك منظمات إرهابية المقدرة على صنع أسلحة نووية، كما ناقش كيفية تعامل وكالة الاستخبارات المركزية مع هذه التهديدات والقرارات التي اتخذت بغير علم الشعب الأمريكي في هذا السياق.
لقد أراد رون ساسكند إيصال صورة واقعية لشخصيات كانت مسؤولة عن الحروب التي خاضتها القوة العظمى في أقاصي الأرض بحثاً عن رؤوس منظمة ممتدة كأخطبوط متناهي الأذرع.

مجلة آراء حول الخليج