; logged out
الرئيسية / الإصلاح السياسي وإمكانية التحول الديمقراطي في منطقة الخليج

الإصلاح السياسي وإمكانية التحول الديمقراطي في منطقة الخليج

السبت، 01 تموز/يوليو 2006

المؤلفة: جيل كريستال
الناشر: مؤسسة العلاقات الدولية والحوار الخارجي - مدريد
تاريخ النشر: 2005
تحاول هذه الدراسة التي أعدتها جيل كريستال، أستاذة العلوم السياسية ومديرة برنامج الدكتوراه في جامعة آوبورن، ونشرتها مؤسسة العلاقات الدولية والحوار الخارجي (مدريد)، الإجابة عن جملة تساؤلات تتعلق بمسارات الإصلاح السياسي التي تشهدها بلدان الخليج العربية، وآفاق الانتقال نحو الديمقراطية في ضوء التحولات التي تعرفها المنطقة والاستراتيجيات الدولية المتعلقة بها، كما تقدم عدة توصيات سياسية تعتبرها أساسية للإسهام في إنجاح عملية الإصلاح وتيسير الانتقال نحو الديمقراطية.
تلاحظ الباحثة أن معظم بلدان الخليج عاشت منذ العقد الماضي تجارب انفتاح متفاوتة الأهمية، ميزها إدخال إصلاحات دستورية وتشريعية تضمنت توسيع نطاق الحقوق المدنية والسياسية، وسمحت بإحياء تجارب برلمانية كانت معطلة واستحداث مجالس استشارية، فضلاً عن تنظيم انتخابات محلية في أكثر من بلد.
ولكن هذه التجارب يؤخذ عليها أنها تعاني حتى الآن من نواقص جوهرية، وتخضع لقيود عديدة تحد من فاعلية الإصلاحات المستحدثة، فبعض البلدان لا تزال تمارس أنواعاً مختلفة من الإقصاء والتهميش في حق فئات من المواطنين على أسس طائفية أوعشائرية؛ كما تخضع حركة المجتمع المدني للتقييد خصوصاً في ما يتعلق بحرية التعبير والتجمع، ناهيك عن استمرار حظر الأحزاب السياسية وضعف ضمانات استقلالية الجهاز القضائي، وإن كان تأثير هذه النواقص والقيود على مسارات الإصلاح يختلف من بلد لآخر تبعاً لمستوى تطور التجربة السياسية ومدى إرادة الانفتاح.
وتعتبر الكاتبة أن الضغط الخارجي الأساسي في اتجاه تسريع عملية الإصلاحات في عموم المنطقة العربية، بما فيها بلدان الخليج، يعود الآن إلى التزام الولايات المتحدة المعلن منذ الحادي عشر من سبتمبر بإعادة صياغة أوضاع المنطقة، باعتبارها مسؤولة، في نظر الإدارة الأمريكية، عن نشأة الإرهاب. لذلك فإن الحماس الذي تظهره إدارة بوش لإدخال الديمقراطية وفرض الليبرالية والانفتاح في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جعل الدعوات الأوروبية التقليدية في هذا الاتجاه تبدو متجاوزة وغير ذات تأثير.
بيد أن السياسة الخارجية الأمريكية بهذا الخصوص تشهد تجاذباً للمواقف بين خط المدرسة الواقعية التقليدي المتحفظ والحذر وبين اندفاع المحافظين الجدد الذين تحركهم اعتبارات أيديولوجية ويعتمدون سياسات (ثورية).
إن النزعة التبشيرية والروح القتالية لدى هؤلاء تدفعهم إلى العمل على تغيير واقع المنطقة وإعادة صياغة أوضاعها ولو بالقوة، في حين يدعو الاتجاه الواقعي إلى الالتزام بخط (محافظ) في السياسة الخارجية يأخذ جانب الحذر، ويتجنب إحداث هزات عنيفة قد لا يمكن التحكم بالنتائج التي تترتب عليها.
ومن هذا المنطلق يدافع أنصار المدرسة الواقعية عن الاستراتيجيات التقليدية للسياسة الأمريكية في المنطقة والتي تقوم على ضمان استمرار تدفق النفط وتأمين تعاون البلدان المعنية في ميدان مكافحة الإرهاب والحيلولة دون وصول قوى غير صديقة للولايات المتحدة إلى السلطة. ولذلك يبدو هذا التيار متحفظاً إزاء مبادرات بوش المتعلقة بإدخال الديمقراطية إلى المنطقة.
ونتيجة لهذا التجاذب فإن زعماء الخليج يتلقون، بشأن الإصلاحات، ضغوطاً في اتجاهات متناقضة: من المهم أن تنفتحوا، لكن من واجبكم أن تساعدوا على سحق الإرهاب بأية طريقة، وعليكم أن تسمحوا بحرية التعبير لكن ليس أكثر مما يجب، لا سيما إذا كانت هذه الحرية تعني حق انتقاد السياسة الأمريكية.
ويبقى القول إن الضغوط الخارجية في سبيل الإصلاح السياسي لا تأتي فقط من القوى الغربية، بل تأتي أيضاً من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، حيث يوجد تأثير متبادل في ما يتعلق بالانفتاح السياسي واتجاهات الإصلاح المؤسسي. ويعود هذا التفاعل الإيجابي إلى تشابه البنى المجتمعية وعلاقات السلطة من جهة، ووجود تنافس ضمني بين أنظمة الحكم المختلفة من جهة أخرى؛ فمن دون أخذ هذين العاملين في الاعتبار يصعب تفسير تتابع التجارب الإصلاحية على النحو الذي تم خلال السنوات الأخيرة، وتجلى خصوصاً من خلال تعميم المجالس التمثيلية وتوسيع نطاق المشاركة وانفتاح الفضاء الإعلامي.
وبالطبع لم يكن مواطنو دول الخليج يختلفون عن سكان العالم الآخرين في الرغبة في التأثير في القرارات الحكومية ذات الصلة بأوضاعهم، لكن الذي اختلف هو أن أنظمة الحكم أصبحت الآن تستجيب أكثر لمطالبهم وتتفاعل بشكل أفضل مع تطلعاتهم. لذلك فإن العوامل الداخلية ــ الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية ــ الضاغطة في اتجاه إنجاح مبادرات الانفتاح والإصلاح وتحقيق المقومات الأساسية للديمقراطية سيطرد تأثيرها مستقبلا.
صحيح أن علاقة الارتباط بين درجة النمو الاقتصادي وفرص تحقيق الديمقراطية تقوم على اعتبارات حدسية أساساً، ولا يمكن الجزم بأن مستوى الثروة له تأثير حاسم في نمط نظام الحكم، ربما لأن تحقيق الديمقراطية يرتبط باستراتيجية معينة للتنمية أكثر مما يرتبط بمستوى الثروة في حد ذاته، لكن ذلك لا يلغي تماماً تأثير العوامل الاقتصادية على الأوضاع السياسية والمؤسسية.
يمكن القول بوجه عام إن العوامل الإقتصادية في بلدان الخليج تميل الآن في الغالب إلى ترجيح اتجاهات الانفتاح، فقد أدى ارتفاع أسعار البترول إلى تحسن معدلات الناتج الداخلي الخام التي لم تكن سيئة أصلاً. وخلافاً لما حصل في حالات سابقة لم يؤد هذا الارتفاع إلى تعطيل جهود تنويع مصادر الدخل القومي، وهو مؤشر إيجابي جداً، كما لم يؤثر سلباً في توجهات الانفتاح الاقتصادي، فجميع بلدان المنطقة تتحرك الآن في اتجاه تحرير السوق، وتسعى إلى اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر خاصة في مجال الطاقة، كما تواصل بعض البلدان جهودها للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
وعلى مستوى العوامل البنيوية الاجتماعية، هناك من يعتبر أن وجود طبقة وسطى بما تمثله من قيم ومصالح وفرص للصراع والتنافس يمثل شرطاً أساسياً للوصول إلى الديمقراطية التي تم فرضها في كل التجارب التاريخية بإرادة الطبقة الوسطى وليس من خلال الضغط الشعبي.
ولكن يوجد في المقابل من يستند إلى النموذج الأوروبي ليؤكد أن توسيع المشاركة وتكريس الديمقراطية تحقق تحديداً بفضل تراجع نفوذ طبقة كبار ملاك الأراضي وظهور طبقة عاملة حضرية تمكنت من تنظيم نفسها من خلال أحزاب اليسار وتحالفت مع بعض أطراف الطبقة الوسطى في سبيل فرض مطالبها.
وهناك أيضاً من يرى أن الانفتاح السياسي والتنافس الديمقراطي السلس يتطلبان أن يتوفر لدى أطراف الجماعة السياسية شعور مشترك بالانتماء إلى وطن واحد، وهو ما يعني أن إرساء الديمقراطية يلزم التمهيد له بترسيخ الهوية الوطنية.
أخيراً، هناك من يجادل بأن نجاح الديمقراطية يستلزم وجود مجتمع مدني حي وناشط، يمثل فضاء وسيطاً بين العائلة والدولة وإطاراً للتداول حول الشأن العام وطرح وتمحيص الأفكار السياسية.
إن الأخذ بأي من هذه الطروحات حرفياً قد لا يبدو مبشراً على مستقبل الديمقراطية في الخليج: فطبقة التجار المحليين ضعيفة الوزن محدودة التأثير، ربما باستثناء الحالة في الكويت ودبي، وباستثناء البحرين، فإن الطبقة العاملة هي أجنبية غالباً، ومن ثم فهي غير معنية بالشأن السياسي؛ وعلى المستوى الاجتماعي لا يزال التنوع المذهبي وتداخل التركيبة القبلية عبر الحدود سبباً للتوتر في أكثر من بلد، أما المجتمع المدني فلا يزال عطاؤه محدوداً لأن الأنظمة الحاكمة ظلت تحرص على منع ظهور منظمات مستقلة فعلاً.
ولكن مؤشرات المستقبل، رغم ذلك، ليست في غاية السوء؛ فتراكم رأس المال في بلدان ذات تقاليد تجارية عريقة، وسياسات إحلال المواطنين محل العمال الأجانب خلال السنوات الأخيرة، ووحدة المشاعر الوطنية في مواجهة الخطر الذي تتعرض له الهوية الثقافية نتيجة لوجود أعداد هائلة من الأجانب، وتزايد دور الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية، كل ذلك يفتح آفاقا أفضل لا سيما إذا أنجزت الإصلاحات المؤسسية المنتظرة.
وفي ما يخص العوامل المؤسسية تتأكد أهمية وجود مؤسسات تمثيلية منتخبة بشكل دوري وذات صلاحيات تشريعية فعلية، وفاعلية الجهاز القضائي واستقلاله عن السلطة التنفيذية، حرصاً على تحقيق العدالة ووضع حد للتعسف وتشجيع الاستثمار المباشر الأجنبي، كما يلزم إصلاح أجهزة الأمن الداخلي وتجاوز النظرة الأمنية للقوى السياسية والاجتماعية. ومن الضروري أن يسبق ذلك كله إدخال إصلاحات دستورية تضمن انسجام مجموع مكونات النظام القانوني بما يتفق مع متطلبات الانفتاح ويكفل احترام نظام القيم والمبادئ السائد.
وتشير الباحثة، في هذا السياق، إلى أن المنطقة تمتاز عن كثير من مناطق العالم الأخرى بوجود نظام قانوني محلي عريق أسهم تاريخياً في الحد من تسلط الحكام وتعسفهم، وأنتج ثقافة اجتماعية تقوم على احترام القانون بشكل يفوق ما كان معروفاً في أنحاء أخرى من العالم. لذلك فإن ثمة إجماعاً من دعاة الإصلاح ــ ليبراليين وإسلاميين على السواء ــ على ضرورة توظيف هذا التراث لوضع نظام قانوني ناجع ومستقل يمنع التعسف، ويمنح الطمأنينة القانونية الضرورية لإرساء دولة القانون، بما يسد الخلل الذي ترتب على إضعاف القوى الاستعمارية والاستبداد المحلي للدور التنظيمي التقليدي الذي كانت تضطلع به قواعد الشريعة الإسلامية.
وتفترض الباحثة أن الحكام يهتمون بالإصلاحات فقط من وجهة نظر مصالحهم، وليس لأنهم ديمقراطيون، بل لأنهم يرون فيها استراتيجية فعالة للتعامل مع الضغوط الخارجية ووسيلة لاحتواء مطالب الداخل، لكنها تعتبر أن الإصلاحات تظل مفيدة لأنها في النهاية ستفتح الطريق أمام الديمقراطية، لذلك تنصح الحكومات وجماعات الضغط الغربية باعتماد إجراءات من شأنها أن تدعم التوجه نحو مزيد من الانفتاح السياسي في بلدان الخليج بدل الوقوع في أخطاء قد تؤدي إلى عرقلته. وتقدم لهذا الغرض جملة من التوصيات:
* (أقل الواجب هو تجنب كل ما من شأنه أن يعيق عملية الإصلاح) وهو تنبيه ينصرف خاصة إلى الولايات المتحدة التي يتعين عليها الحذر من كل تصرف يمكن أن يفسر على أنه تدخل في الشأن المحلي، لأن دعمها لقوى الإصلاح بشكل معين قد يسيء إلى الإصلاحات أكثر مما يخدمها.
* الاهتمام بالتغييرات البنيوية الكبرى بدل الانشغال بالتفكير في النتائج التي قد تترتب على هذه التغييرات أو التركيز على القيم المؤسسة لها. ويعني ذلك، من جهة، تجاوز الخوف المرضي من وصول القوى الإسلامية الموصوفة بأنها غير ديمقراطية إلى السلطة، ومن جهة أخرى عدم المبالغة في الاهتمام بالقضايا الجزئية التي ينحصر فيها عادة اهتمام الدوائر الغربية كالإصلاحات التربوية وحقوق المرأة.
* الارتياب في وعود الإصلاح عندما تأتي من حكام متسلطين يروجون لإصلاحات شكلية من دون ضمانات لجديتها، خاصة أولئك الذين يكررون أن المشاركة في الشأن العام تتعارض مع تقاليد بلدانهم، فالتقاليد الحقيقية تفرض نفسها عبر الإقناع وليست بحاجة لأن تفرض بواسطة الإكراه.
* اختيار التجارب المؤسسية التي يتم نقلها بعناية، فقد دأبت الولايات المتحدة، في ما يتعلق بدعم الإصلاح ببلدان أخرى، على تكرار الأخطاء نفسه
- السعي إلى فرض نظام رئاسي، حتى عندما يكون ذلك غير ضروري وغير ملائم: فانتخاب الحكام بشكل مباشر ليس من ضرورات الديمقراطية ، وهو بالتأكيد غير ملائم لبلدان الخليج التي بدأت تتبلور فيها ملامح نظام برلماني ناشئ.
- السعي إلى فرض نظام قضائي قائم على القانون العرفي: صحيح أن ثمة حاجة لإصلاح النظم القضائية ببلدان الخليج، لكن هذه البلدان لها ثقافة قانونية عريقة ولديها تقاليد قضائية راسخة تختلف عن النموذج الأمريكي، وتتطلب مقاربة مختلفة لتطويرها.
- السعي إلى فرض أنماط لا مركزية في الحكم: لا سيما بخصوص إصلاح أجهزة الشرطة، وهو نموذج قد لا يكون قابلا للتطبيق خارج أمريكا، ناهيك عن كونه غير ضروري لبلدان صغيرة كدول الخليج.
- السعي إلى فرض النموذج الأمريكي لحرية السوق: فعلاً ينبغي أن تحد بلدان الخليج من التدخل الحكومي ومن الإفراط في دعم القطاع الخاص، كما ينبغي أن تسعى إلى جلب استثمارات أجنبية مباشرة، لكن من الواضح أن نموذج الرفاه الاجتماعي أكثر ملاءمة لهذه البلدان من النموذج الفردي الأمريكي القائم على حرية السوق.
- تجنب الربط بين دعم الديمقراطية والولاء لأمريكا: حيث من المعلوم أن الديمقراطية قد تؤدي إلى انتخاب شخصيات وصعود تيارات تختلف مع السياسة الأمريكية وتنشط في معارضتها. وعلى الولايات المتحدة ألا تسهم في تغذية المخاوف من صعود الإسلاميين أو تهتم كثيراً بوجود نزعة معادية لأمريكا في المنطقة؛ فالاختلاف مع السياسة الأمريكية لا ينبغي أن تتخذ منه الإدارة الأمريكية ذريعة لتعطيل الإصلاحات، خاصة أنه ليس جديداً عليها التعامل مع معارضة حكام الخليج لجوانب محددة من سياساتها، لا سيما تلك المتعلقة بالمواقف من القضية الفلسطينية.
- دعم المؤسسات الديمقراطية: بدأ بالحرص على إصلاح أجهزة الأمن لتكون قوة تضمن احترام القانون وتفرض النظام العام، وليس جهازاً قمعياً في خدمة نظام معين، وانتهاء بتشجيع وجود هيئات تنتخب بشفافية وانتظام وتتمتع بسلطات فعلية ومروراً بالتأكيد على ضرورة إصلاح القضاء حتى يكون ملتزماً بالشرعية مستقلاً وفعالاً، وترقية المجتمع المدني وتشجيع تعدد وتنوع المجموعات المكونة له بما فيها تلك الإسلامية.
لقد وفقت الباحثة إلى حد كبير في تجنب الأخطاء الشائعة في كتابات الباحثين الغربيين عن المنطقة، وتحررت في الأغلب من التصورات النمطية التقليدية، كما ابتعدت عن أحكام القيمة التي تفضح مشاعر الاستعلاء الثقافي ومنطق الوصاية. وتوخى عملها عموماً الإنصاف والتوازن سواء عند مقاربة واقع الإصلاح في المنطقة أو لدى استشراف آفاق التحول الديمقراطي. ويسجل لها بشكل خاص موازنتها بين الانتباه للجوانب الإيجابية في التجربة والاهتمام بانتقاد نواقصها، وعنايتها بإبراز دور العوامل الداخلية في إحداث التحولات المطلوبة، فضلاً عن الإشارة إلى أهمية أن يقتصر الدور الخارجي على المساعدة في تيسير الأمور بدل التركيز على المصالح الأجنبية أو الإلحاح على فرض قيم معينة مصادمة لخصوصيات المنطقة.

مجلة آراء حول الخليج