; logged out
الرئيسية / اللغز السعودي ـ نظرة تاريخية

اللغز السعودي ـ نظرة تاريخية

السبت، 01 تموز/يوليو 2006

المؤلف: باسكال مينوغيتتمتع المملكة العربية السعودية بمكانة دولية وإقليمية بارزة، وذلك لعوامل عدة، لعل أبرزها موقعها الجغرافي المتميز ولكونها تحتضن حوالي ربع احتياطيات النفط في العالم، هذا بالإضافة إلى مكانتها الروحية السامية لأنها مهد الإسلام إلى جانب وجود مدينتي الإسلام المقدستين مكة والمدينة على ترابها.إلا أنها رغم كل هذا، أضحت في الفترة الأخيرة وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 عرضة لحملة منظمة من الانتقادات والضغوط الداخلية والخارجية هدفت إلى تشويه صورتها وزعزعة الثقة في ثوابتها، قامت بها بعض الجهات المشبوهة والأقلام المأجورة، كان نتاجها نشر كتابات عن المملكة العربية السعودية السعودية لا تمت للحقيقة بصلة فيها الكثير من التشويش والتجنِّي، ما أدى إلى إحداث نوع من البلبلة والإرباك على الكثير من المراقبين سواء كانوا عرباً أو غربيين مسلمين أو مسيحيين، وساعد على إذكاء زخم هذه الحملة عدم وجود كتابات جادة وعلمية عن السعودية مبنية على المعلومات الموثقة والإحصائيات عن الاقتصاد السعودي وتركيبة السلطة ونفوذ الطبقات الاجتماعية داخل الدولة والتركيبة الإثنية والاجتماعية للمدن الكبيرة، ذلك إذا استثنينا كتابات الدكتورة مي يماني وهيلين لاكتر، إلى أن جاءت دراسة باسكال مينوغي، والتي نحن بصددها، جديدة في منهجها ومقاربتها وجريئة في طرحها إلا أنها في الوقت نفسه تتسم بالموضوعية لتساعد على فك طلاسم اللغز السعودي مستخدمة أدوات العلوم الاجتماعية الصارمة لتحليل مجتمع حديث يتغير بوتيرة متسارعة، فكاتبها باحث متخصص في الشؤون العربية بشكل عام والسعودية بشكل خاص، وهو علاوة على ذلك ذو دراية وفهم عميقين للمجتمع السعودي نظراً لبقائه في الرياض العاصمة السعودية لفترة ليست بالقصيرة مكنته من معايشة ومعرفة المجتمع السعودي عن كثب وله العديد من الإصدارات باللغة الفرنسية عن السياسة والمجتمع في السعودية وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 ويتكوَّن الكتاب من ثلاثة أجزاء وخاتمة.يقدم الكاتب في القسمين الأول والثاني من الكتاب عرضاً مثيراً الا أنه في الوقت نفسه مقنع عن تاريخ قيام المملكة العربية السعودية، مشيراً إلى أن تأسيس المملكة في حد ذاته جاء على حساب إضعاف القوى القبلية وذلك لتقوية مفاصل الدولة، وأن الكيفية التي استطاعت بها الدولة تشكيل الهوية السعودية تتناقض مع مبدأ التنوع والتعدد داخل البلاد، كما أن إشارته إلى دور الاستعمار في تشكيل الدولة قد لا تكون مقنعة للكثيرين إلا أن عرضه عن الكيفية التي تم بها إنتاج الدولة والمجتمع في السعودية يمكن اعتباره أحسن ما كُتب عن المملكة حتى الآن.والمملكة العربية السعودية في نظر الكاتب دولة حديثة تم تكوينها في السنوات الأخيرة وتحديداً في العشرينات من القرن الماضي، إلا أنها تحوَّلت بعد ذلك الى دولة عصرية نتيجة للمداخيل النفطية، واستفادت من مساندة الولايات المتحدة لها، وفعلت في هذه المرحلة ما تفعله كل الدول وتحديداً تقوية مركزية السلطة وتطوير أيديولوجية وطنية.وفى اشارته لدور الإسلام في عمل الدولة يرى الكاتب أنه تمت إساءة استخدام مفهوم الإسلام كآلية يمكن بها تفسير الكيفية التي تعمل بها الدولة في الواقع، ويذهب الكاتب أبعد من ذلك في تحدّيه للمفهوم التقليدي الذي يعتقد أن النظام السعودي هو نتاج تحالف بين الصفوة من آل سعود والمحاربين المتمركزين في نجد والمتدينين المتشددين المتحدِّرين من المصلح محمد بن عبدالوهاب، ويجادل الكاتب بأن محور النظام الحالي حتى الآن على الأقل مبني على التحالف بين آل سعود والمحاربين المتمركزين في نجد وتجار الحجاز.ويرجع الكاتب التوترات التي حدثت في السعودية في العقد الماضي إلى تزايد عدد السكان ونشأة المدن الكبيرة ، ما أدى إلى نشوء حالة من المعارضة، وهي ليست بالضرورة المعارضة بشكلها المعروف في الكثير من الدول، حيث اتخذت شكل التساؤل عن الكثير من القضايا والمسائل التي يبحث السعوديون عن إجابات شافية عنها، وذلك على مستوى السياسات الداخلية والخارجية، حيث جاءت الإجابات من الصفوة الحاكمة في شكل إصلاحات متقطعة ووعود بالانفتاح الاقتصادي على العالم الخارجي والقطاع الخاص اتسمت بالجمود والتراجع.وفي خضم هذا الاحتقان، ظهرت (القاعدة) والأزمة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث تزايدت وتيرة الانتقادات والضغوط الخارجية على الدولة على المستوى الدولي، وفي الوقت نفسه قامت المعارضة المسلحة بشنّ سلسلة من الهجمات المتقطعة والمخططة تخطيطاً دقيقاً ضد بعض الأهداف الحيوية الوطنية والأجنبية داخل البلاد، وتزامنت هذه الأحداث مع التطورات الحادثة في البيئة الإقليمية مثل الانتفاضة الشعبية في فلسطين والحرب على العراق وتدهور العلاقات بين الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية. ولا يعفي الكاتب الدول الغربية والشركات البترولية الضخمة والمقاولين والمتعاقدين الجشعين من مسؤولية إيجاد هذا الواقع.وفي القسم الثالث للكتاب يعرض الكاتب لمواضيع مختلفة تتعلق بالاقتصاد والمجتمع مثل النمو المستورد والتنمية الصناعية وتنويع الاقتصاد. وعلى مستوى المجتمع، يعطي الكاتب فكرة عن نمو الثقافة الحضرية وظهور النساء في المجتمع و يعرج الكاتب لموضوع الأزمة التي يعيشها جيل حرب الخليج والذي يمثل غالبية السكان. وفي تناوله لمسالة النظام التعليمي في السعودية يتساءل الكاتب عن حقيقة أن النظام التعليمي في السعودية يمثل نواه لتكوين الإرهابيين ويبحث الكاتب في الكيفية التي يتم بها إصلاح التعليم في السعودية.وتصل الدراسة إلى أنه رغم كل هذا التشويه والغموض الذي يُنظر به إلى السعودية، فالمملكة السعودية في نواحٍ أخرى هو دولة عصرية، وأن المجتمع فيها، مثله مثل المجتمعات في الشرق الأوسط وأماكن أخرى في العالم، يتفاعل مع الدولة والبيئة الدولية بطرق تتغير مع الزمن. ورغم الضغوط التي تُمارس على المملكة، فإن مينوغي يعتقد أنه لا يجب ترك البلاد وحدها لتشق طريقها عبر هذه الأزمة، ولا بد للدول من مساعدتها لتجاوز هذا المنعطف التاريخي الخطير الذي تمرّ به.ويؤكد مينوغي أن الذين يعرفون السعودية يعتقدون أن سعودية منصلحة هي لكل واحد إذا كان سعودياً أو غيره أفضل بكثير من سعودية منقسمة وغير منظمة.

مجلة آراء حول الخليج