; logged out
الرئيسية / الشعور المعادي للولايات المتحدة في العالم الإسلامي

الشعور المعادي للولايات المتحدة في العالم الإسلامي

الإثنين، 01 أيار 2006

إعداد: د.محمد يوسف الجعيلي
تأليف: سيجرد فاث
من المؤكد أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبروز الولايات المتحدة كقوة مؤثرة في الشؤون الدولية، بدأت ظاهرة العداء للولايات المتحدة في الظهور، حيث بدأت أعمال العنف ضد المؤسسات والرموز الأمريكية وبخاصة بعد انتهاء حرب فيتنام وسعي الولايات المتحدة إلى تأكيد وضعها في العالم، كما أن الهيمنة غير المحدودة للولايات المتحدة على الشؤون الدولية بعد نهاية الصراع بين الشرق والغرب، وانهيار الاتحاد السوفييتي، فاقما من حدة العداء. ولعل بعض النشاطات الأمريكية في التسعينات والتي أثارت المشاعر المعادية للولايات المتحدة على نطاق العالم قد كانت لها ردود أفعال عنيفة في مناطق معيّنة مثل شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث وصلت ذروتها في الهجمات الإرهابية التي استهدفت بعض المصالح والرموز الحيوية داخل الولايات المتحدة نفسها في الحادي عشر من سبتمبر 2001.
والكتاب الذي نحن بصدده، والصادر عن المعهد الألماني لدراسات الشرق في هامبورج، يرمي إلى سدّ النقص الذي برز في البحث عن الأسباب الكامنة وراء تنامي الشعور المعادي للولايات المتحدة في العالم بشكل عام والشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل خاص، وذلك من خلال برنامجه البحثي (مينافيشن 2010) والذي يتكوّن من وحدات بحثية فردية يشمل بعضها معاداة الولايات المتحدة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة. ولقد اشتركت في إعداد الكتاب مجموعة متميزة من الخبراء والباحثين في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قاموا بتناول ظاهرة العداء للولايات المتحدة في بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثل إيران والسعودية والسودان، ودول جنوب شرق آسيا مثل أندونيسيا وماليزيا.
في البداية يحاول (المحرر) أن يتتبع أولى المحاولات لدراسة هذا الموضوع والتي قام بها اثنان من أساتذة العلوم السياسية ينتميان إلى جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة عام 1985، حيث قاما بنشر مجموعة من الكتابات عن الشعور المعادي للولايات المتحدة في دول العالم الثالث بشكل عام، إلا أن الدراسة اشتملت على دراسة حالة من شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ويرى المحرر أن أحداثاً مثل احتلال السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز موظفيها كرهائن في عام 1979 قد تكون من الأسباب التي قادت إلى هذه الدراسة، بالإضافة إلى التظاهرات التي اندلعت ضد «الشيطان الأكبر» (الولايات المتحدة) منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران (فبراير 1979).
لقد جاءت دراستهم في خضم الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خلال حقبة الحرب الباردة، حيث كان للاتحاد السوفييتي تأثير كبير في دول العالم الثالث، إلا أن نتائج بحثهم توصلت إلى أن الدعاية الروسية كان لها دور متواضع ومحدود في إزكاء الشعور المعادي للولايات المتحدة، خاصة في الحالة الإيرانية والتي لا تحتاج الأصولية الإسلامية فيها لإلهام موسكو.
ولمعرفة الأسباب الكامنة وراء هذا الشعور المعادي للولايات المتحدة في دول العالم الثالث وضع الباحثان سياسة الولايات المتحدة في قلب تحليلهم، حيث توصلا إلى أن الشعور المعادي للولايات المتحدة كان نتيجة لا يمكن تفاديها، وذلك نظراً للشعور بالإحباط من سياسة الولايات المتحدة وأنشطتها الاقتصادية.
وذهب السفير الأمريكي الأسبق ريتشارد باركر، الذي عمل في الجزائر والمغرب ولبنان، في دراسته التي جاءت في أعقاب الدراسة الأولى في الاتجاه نفسه، حيث أكد أن الولايات المتحدة فعلت الكثير لكسب عداء شعوب هذه المنطقة، ونتيجة لسياستها غير المتوازنة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فإن استهداف المؤسسات والرموز الأمريكية سوف يتصاعد. ويرى السفير باركر أن العنف ضد الأمريكيين والرموز الأمريكية يمثل رد فعل للسياسة الأمريكية في الإقليم، والتي وصفها بالقصور وفقدان الاستراتيجية والتي عادة ما تشكِّلها المصالح الداخلية وتوازن القوى داخل الولايات المتحدة نفسها، هذا إلى جانب الضغوط التي تمارسها المؤسسة العسكرية الصناعية.
ويذكر المحرر أن الجهود الأكاديمية في بحث هذا الموضوع قد توقفت منذ ذلك الحين، إلا أن الموضوع برز إلى السطح بقوة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية على نيويورك وواشنطن. حيث قامت العديد من المؤسسات والمراكز البحثية مثل معهد (جالون) ومركز (يوي) بإجراء العديد من الاستفتاءات واستطلاعات الرأي حول هذا الموضوع على مستوى العالم. وجاءت النتائج تؤكد أن الشعور المعادي للولايات المتحدة كانت له الغلبة، ليس في الدول ذات الأغلبية المسلمة فقط، ولكن في دول غير إسلامية مثل إسبانيا والبرازيل.
ويعزو المحرر الأسباب الأساسية الكامنة وراء معاداة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للإجراءات التي تتبعها السياسة الخارجية الأمريكية والتي تؤثر في دول المنطقة. والعامل الآخر يتمثل في سلوك الولايات المتحدة تجاه الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وموقفها المؤيد لإسرائيل، كما أن الولايات المتحدة لم تساند الدول التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار في مساعيها للتحرُّر وتقرير المصير، مما جعل الدول حديثة الاستقلال وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتجه إلى الاتحاد السوفييتي السابق، وتتبنى الأطروحات الاشتراكية في السياسة والاقتصاد، مثل مصر إبَّان حقبة جمال عبدالناصر وسوريا والعراق.
وبالمحصلة يصل الكاتب إلى أن ثورة الاتصالات والمعلومات قد جعلت التعرُّف إلى هذه الظاهرة ميسوراً، وبخاصة في فترة التسعينات من القرن الماضي، حيث أتاحت الفرصة للمناهضين لسياسة الولايات المتحدة في العالم الاتصال مع بعضهم بعضاً ومخاطبة جمهور كبير وتبادل الأفكار وتنسيق نشاطاتهم، مما أدى إلى زيادة وتيرة العداء للولايات المتحدة منذ ذلك التاريخ، والذي جسَّدته الأعمال الإرهابية الفردية التي قام بها تنظيم «القاعدة» ضد أهداف حيوية أمريكية في واشنطن ونيويورك ودار السلام ونيروبي وضعت التيار العالمي المعادي للولايات المتحدة في قلب المسرح. وعزز هذا الشعور غزو العراق في مارس عام 2003 الذي أثار جدلاً عالمياً واسعاً لعدم استناده إلى تفويض من الأمم المتحدة.
وتوصلت الدراسة إلى أن الشعور السلبي والمعادي للولايات المتحدة يوجد بشكل كبير في الدول الإسلامية، لأن أغلب الهجمات التي شُنَّت في الآونة الأخيرة على أهداف ورموز أمريكية قام بها أفراد أو جماعات من دول تنتمي إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يؤكد أن هذه الدول ومجتمعاتها تختزن نزعات إرهابية وأيديولوجية ضد الولايات المتحدة مبنية على الرفض والكراهية. كما ترى الدراسة أن قوة التطرف الإسلامي وخطابه المعادي للغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص يجب ألا يُستهان به، لأن التطرُّف لا يزال يعيش في بيئة اجتماعية واقتصادية تساعد على ازدهاره وربما تكون تداعياته مؤذية وضارة بالمصالح الأوروبية والأمريكية في المستقبل.
ويخلص الكاتب في النهاية الى أن تخفيف حدة النقد المناهض للولايات المتحدة والغرب على السواء يتطلب في المقام الأول من الولايات المتحدة نفسها العمل على إعادة تقييم ومراجعة سياستها في الإقليم وأخذ النقد الموجه لها من تلك الدول وشعوبها بشكل جدِّي واتباع سياسة متوازنة في ما يتعلق بالصراع في الشرق الأوسط، وتقليل الوجود العسكري في المنطقة ما أمكن، والمعاملة المتساوية للدول في ما يتعلق بامتلاك أسلحة الدمار الشامل. كل هذه المطالب ينبغي التعامل معها بطريقة منفتحة وتعاونية ومن دون أدنى مواجهة.

مجلة آراء حول الخليج