; logged out
الرئيسية / اتفاقيات التجارة الحرة: الفرص والتحديات

اتفاقيات التجارة الحرة: الفرص والتحديات

الخميس، 01 كانون1/ديسمبر 2005

لقد أدت الأحداث والمتغيرات المتسارعة التي يشهدها عالم اليوم إلى الانتقال من الاتفاقيات الثنائية التقليدية إلى اتفاقيات التجارة الحرة التي تكرس التكامل الاقتصادي العالمي، وخاصة بعد نشوء التكتلات الدولية والإقليمية، وذلك بهدف تحرير التجارة وإزالة جميع القيود أمام انتقال البضائع والخدمات ورؤوس الأموال. وعلى الرغم من أن دول الشمال تحاول جاهدة أن تسلط الضوء على إيجابيات اتفاقيات التجارة الحرة والفرص التي توفرها مثل زيادة حجم التبادل التجاري، ورفع معدلات النمو الاقتصادي، وضمان شفافية تداول المعلومات التجارية، وتحقيق سيادة القانون ومحاربة الفساد وحماية الملكية الفكرية، ودعم جهود الإصلاح والتكامل الاقتصادي وغير ذلك مما تتفتح عنه قريحة خبراء الاقتصاد، فإن هذا كله يجب ألاّ يلهينا عن النظر إلى التحديات والمخاطر التي قد تترتب على توقيع مثل هذه الاتفاقيات وخصوصاً بالنسبة للقطاع الخاص ورجال الأعمال. إن أهمية اتفاقيات التجارة الحرة تكمن في أنها تلبي المتطلبات التي تفرضها المتغيرات الإقليمية والعالمية الجديدة. فليس هناك من دولة مهما بلغت قوتها الاقتصادية أو سطوتها العسكرية أو هيمنتها التقنية يمكن أن تدّعي قدرتها على الاكتفاء الذاتي، وبالتالي فإنها لا بد أن تقيم علاقات، وتبرم اتفاقيات تتكامل من خلالها الاقتصادات الإقليمية والعالمية.

بحلول الحادي عشر من ديسمبر 2005، يكون قد مضى على توقيع وثائق انضمام المملكة العربية السعودية لمنظمة التجارة العالمية ثلاثون يوماً. وعند هذا التاريخ ستنال المملكة العضوية الكاملة في هذه المنظمة، لتبدأ انطلاقة اقتصادية جديدة. وبهذا الانضمام تكون دول مجلس التعاون الخليجي كلها قد دخلت في هذه الاتفاقية الدولية.

وبامتلاكها ربع الاحتياطيات العالمية المؤكدة من النفط، إلى جانب ما تتمتع من وزن إقليمي ودولي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، فإن انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية يُعـَـد حدثاً بارزاً سيكون له ما بعده.

وأمام العراقيل التي لا تزال تحول دون إبرام اتفاقية لإقامة منطقة للتجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، فإن هناك إشارات مبشّرة ظهرت في الآونة الأخيرة تدل على ازدياد تصميم الجانبين على التوصل إلى الاتفاق على إقامة هذه المنطقة. ومن المؤكد أن إبرام الاتفاق النهائي بين دول المجلس والاتحاد الأوروبي سوف يفتح الباب لإقامة مشروعات مشتركة مختلفة يبدو أن موضوع الطاقة سيكون الحاضر الأبرز فيها.

ولا ننسى هنا كذلك الاتفاقيات التي أبرمتها بعض الدول الخليجية مع الولايات المتحدة بشكل منفرد، والتي كان بودنا أن تتم في إطار جماعي يشمل الدول الخليجية مجتمعة.

ومهما يكن، فإنه لا بد من الاعتراف بميزات هذه الاتفاقيات ودورها في رفع معدلات النمو الاقتصادي، وضمان شفافية تداول المعلومات التجارية، وتحقيق سيادة القانون، ومحاربة الفساد، وحماية الملكية الفكرية، ودعم جهود التكامل الاقتصادي، فهي ستفتح بلا شك آفاقاً جديدة وواعدة للتعاون الاقتصادي، وستدعم برنامج الإصلاحات الاقتصادية الطموحة التي تضطلع بها بعض دول المنطقة، وبالتالي فإنها ستعمل على تغيير وجه المنطقة وخارطتها الاقتصادية بشكل كامل.

لكن هذه التغييرات قد بدأت تحدث دون مشاركة من المعنيين مباشرة بالشأن الاقتصادي، ونعني بذلك رجال الأعمال والقطاع الخاص. وتبقى هذه النقطة إحدى السلبيات التي اعترت توقيع هذه الاتفاقيات، حيث إن دول المنطقة لم تقم بإشراك الفاعلين الاقتصاديين في المفاوضات، مما كان له أن يوفر ـ لو تم ـ فرصة لهذا القطاع للمساهمة في تحديد مسار المباحثات، وربما تهيئتها لنجاح أكبر.

ومع مساسها المباشر بمصالحه الحيوية، فإن نصوص وبنود وشروط وقيود هذه الاتفاقيات تكاد تكون مجهولة بالنسبة للقطاع الخاص الذي ربما يكون هو المعني الأول بها.

الآن، وقد تم توقيع هذه الاتفاقيات، فإن الجهات الرسمية تتحمل مسؤولية تعريف القطاع الخاص بجميع فئاته ومكوناته بحيثيات هذه الاتفاقيات. ويمثل تنظيم المحاضرات والندوات وإعداد ونشر الدراسات مجالاًً لإتاحة هذه النصوص وتسهيل الاطلاع عليها حتى يتمكن القطاع الخاص من التهيؤ والتحضير للاستفادة من الفرص والمغانم ومعرفة كيفية مواجهة التحديات والمخاطر، وذلك حتى لا يخسر هذا القطاع دوره في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية ويحتفظ بقدرته على المنافسة. إن ذلك سيمثل بالنسبة لهذا القطاع فرصة حقيقية لتعظيم المكاسب، والحد من التبعات السلبية المحتملة تأكيداً على حرص الجهات الرسمية على حماية مصالح ومكتسبات هذا القطاع، والعمل على ضمان استمرارية دوره الذي ينبغي أن يتعزز في المستقبل.

 

مقالات لنفس الكاتب