; logged out
الرئيسية / الناتج المحلي للاقتصادات الخليجية.. بين الثبات وفرص التنوع

العدد 87

الناتج المحلي للاقتصادات الخليجية.. بين الثبات وفرص التنوع

الخميس، 01 كانون1/ديسمبر 2011

قبل عصر النفط كانت منطقة الخليج العربي تعتمد على النشاط التجاري نظراً إلى موقعها الاستراتيجي كحلقة بين الشرق والغرب، واعتمدت حينها على الصادرات التي مصدرها ما يستخرج من البحر والمنتجات الزراعية البسيطة من الواحات المنتشرة هنا وهناك، أما بعد اكتشاف النفط الخام والغاز الطبيعي في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن المنصرم فقد تغيرت الحالة بشكل مطلق في طبيعة الهياكل الاقتصادية لدول مجلس التعاون.

تأسيساً على ذلك وجدت هذه المجموعة العربية نفسها أمام وضع اقتصادي مكنها أن تكون المصدر الرئيسي للطاقة في العالم، بل جعل من المملكة العربية السعودية (أحد أعضائها) المنتج الرئيسي والقائد السعري للنفط الخام على صعيد منظمة أوبك بطاقة إنتاجية تبلغ نحو أحد عشر مليون برميل يومياً، ووفق هذه المعطيات المتوافرة لديها فإنها تستطيع وطبقاً للنظرية الاقتصادية أن تسمح أو لا تسمح للمنتجين الثانويين بالدخول إلى سوق الطاقة العالمية، ناهيك عما تمثله دولة قطر في هذه السوق في مجال الغاز الطبيعي باحتياطيات تبلغ 13.6 في المائة من الاحتياطي العالمي وبالطبع لا تقل أهمية من ذلك كل من دولة الإمارات العربية ودولة الكويت.

تعاني منطقة الخليج العربي من الظروف المحلية السيئة المتمثلة في الأحوال المناخية وندرة المياه

وأمام هذا الدور الريادي في مجال الطاقة على صعيد العالم لم يخف على المسؤولين مسألة السعي والتخطيط لبناء اقتصاداتها والعمل على تنويع قاعدتها الإنتاجية عن طريق الاستغلال الأمثل لحصائلها المالية، وكانت الانطلاقة من تحسين معدل الدخل المحلي وانعكاس ذلك على العديد من المؤشرات الاجتماعية من أبرزها ارتفاع معدل العمر المتوقع والذي بلغ (73.3 – 77.9) عاماً وانخفاض معدلات الأمية وارتفاع نسبة الحاصلين على مياه الشرب والصرف الصحي وحقق معظم الأعضاء نسبة 100 في المائة في المؤشرات المذكورة حسب مؤشرات سنة 2010.

وللوقوف على مسيرة تطوير هيكل الناتج المحلي الإجمالي التجميعي لدول مجلس التعاون الخليجي نسوق الجدول (1) والشكل البياني (1) ونتناولهما كما يأتي:

جدول رقم 1: ملامح هيكل الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون حسب القطاعات الاقتصادية للسنوات (1979، 1989، 1999 و2009)

                  السنوات

القطاعات

1979

1989

1999

2009

القطاعات السلعية منها:

62.4

56.5

55.8

57.8

الزراعة والصيد والغابات

3.1

8.4

8.4

2.9

الصناعات الاستخراجية

66.4

58.3

57.9

65.8

الصناعات التحويلية

11.0

16.2

18.5

18.9

التشييد

18.0

15.4

13.9

10.2

الكهرباء والغاز والماء

1.5

1.3

1.3

2.2

القطاعات الخدمية الإنتاجية: منها

18.6

22.4

20.7

20.9

التجارة والمطاعم والفنادق

44.9

40.9

43.2

49.3

النقل والمواصلات والتخزين

25.3

27.9

32.2

27.2

التمويل والتأمين والمصارف

29.8

31.2

24.6

23.5

القطاعات الخدمية الاجتماعية: منها

19.0

21.1

23.5

21.3

الإسكان والمرافق

19.0

6.2

14.1

30.1

الخدمات الحكومية

58.0

70.6

64.3

57.4

الخدمات الأخرى

23.0

23.2

21.6

12.5

المجموع

100 %

100 %

100 %

100 %

المصدر: التقرير الاقتصادي العربي الموحد - أعداد مختلفة.

* القطاعات السلعية: الملاحظة الأولى على هذه القطاعات أن القطاع الاستخراجي يمثل الركيزة الأساسية لهذه الاقتصادات، ففي عام 1979 مثل هذا القطاع نحو 66.4 في المائة من مساهمة القطاعات السلعية في الناتج المحلي والبالغة 62.4 في المائة ومعنى ذلك أن معظم النسبة الأخيرة تعود إلى هذا القطاع، إلى جانب الثورة في قطاع التشييد التي بدأتها في السبعينات من القرن المنصرم، وفي السنوات (1989) و(1999) شهدت تراجعاً في مساهمة القطاع الاستخراجي، ويعود ذلك إلى انخفاض أسعار النفط الخام والذي بلغ نحو (10 – 15) دولاراً للبرميل الواحد في النصف الأول من الثمانينات، وهو ما يسمح بتصاعد الأهمية النسبية إلى قطاع الزراعة بعد محاولات جادة وناجحة من قبل السعودية في سعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب وفي مقدمتها القمح والبيض والدجاج والحليب والخضار، على الرغم من أن منطقة الخليج العربي تعاني من الظروف المحلية السيئة المتمثلة في الأحوال المناخية وندرة المياه إلى جانب ضآلة الأراضي الصالحة للزراعة، أما المشاهدة الثانية فيلاحظ التحسين في نسبة مساهمة الصناعات التحويلية في هيكل الناتج المحلي الإجمالي بشكل متواتر من 11 في المائة عام 1979 إلى 18.9 في المائة عام 2009، ويعود ذلك إلى إنشاء شركات صناعية متطورة وقادرة على المنافسة عالمياً مثل شركة (سابك) في السعودية والصناعات البتروكيماوية المستخدمة لأحدث التكنولوجيا في هذا المجال، بالإضافة إلى تطور صناعات الاسمنت والسيراميك في الإمارات وصناعة الألبان في عُمان وصناعة الحديد والصلب في دولة قطر، أما البيانات الفرعية عن حجم مساهمة الصناعات التحويلية في القطاعات السلعية في دول مجلس التعاون الخليجي فقد سجلت نحو (30.4 في المائة، 35.9 في المائة، 17.0 في المائة، 16.8 في المائة، 12.6 في المائة و9.8 في المائة) في الإمارات، البحرين، السعودية، عمان، قطر والكويت في عام 2009 على التوالي.(1)

ومن الجدير بالذكر أن العام الأخير شهد تغيراً في نسبة مساهمة القطاعات السلعية في تكوين النواتج المحلية للاقتصادات الخليجية على الصعيدين التجميعي أو الانفرادي على الرغم من تداعيات الأزمة المالية العالمية عام 2008.

أعطت الدول الخليجية أهمية كبيرة للقطاعات الخدمية الاجتماعية التي تلامس المواطن المحلي مباشرة

* القطاعات الخدمية الإنتاجية: يلاحظ من الجدول السابق تفوق قطاع التجارة والمطاعم والفنادق على حساب القطاعين الآخرين ضمن هذه القطاعات وهما قطاع النقل والمواصلات والتخزين وقطاع التمويل والتأمين والمصارف، ويعود ذلك إلى ما تشهده منطقة الخليج العربي من حركة تجارية كبيرة واحتضانها للمؤتمرات والبطولات الرياضية الإقليمية والعالمية، وهو ما أنعش كثيراً السياحة، وعلى هذا الأساس سجل القطاع الأول نسبة بلغت 49.3 في المائة ما انعكس على تحسن مساهمة هذه القطاعات في الناتج المحلي التجميعي في سنة 2009 بعد انخفاض هذه النسبة سنة 1999.

* القطاعات الخدمية الاجتماعية: أعطت الدول الخليجية العربية أهمية كبيرة إلى هذه القطاعات التي تلامس المواطن المحلي مباشرة وعليه عملت الحكومات على توفير أفضل الخدمات الاجتماعية بالإضافة إلى توفير الأمن الاجتماعي والتعليم والصحة والسكان والوظائف العامة، ويستدل على هذه الأهمية من نسبة مساهمة هذه القطاعات إلى الناتج المحلي الإجمالي المتسمة بالثبات النسبي تقريباً خلال سنوات (الجدول السابق)، ويعود ذلك إلى الاهتمام بالسياسة المالية كأداة لتحقيق التنمية المستدامة من خلال الحجم الكبير للنفقات الحكومية لأغراض اجتماعية والتي سجلت نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي في هذه المجموعات العربية نحو (15.8 في المائة، 16.9 في المائة، 22.1 في المائة، 11.2 في المائة، 10.7 في المائة و17.9 في المائة) في (الإمارات، البحرين، السعودية، عمان، قطر والكويت) سنة 2009 على التوالي (2)، وقد انعكس هذا الاهتمام الاستثنائي بالقطاعات الخدمية الإنتاجية على تغير البيئة الاجتماعية للسكان التي يشير إليها الجدول رقم (2) للسنوات (1985) و(2008). ويلاحظ تغير الحالة لصالح الحضر على حساب الريف، وبلغت النسبة في السنة الأخيرة (100 في المائة) في كل من قطر والكويت، والسبب في ذلك صغر حجم هاتين الدولتين، إذ تبلغ نسبة مساهمتها نحو 1.1 في المائة من مساحة هذه المجموعة العربية البالغة (2.673.052) كم 2.

جدول رقم (2): البيئة الاجتماعية لدول مجلس التعاون الخليجي للسنوات (1985) - (2008)

                البيان

الدولة

1985

2008

الحضر

الريف

المجموع

الحضر

الريف

المجموع

الإمارات

77.8

22.2

100 %

81

19

100 %

البحرين

81.7

18.3

100 %

89

11

100 %

السعودية

73

27

100 %

81

19

100 %

عمان

8.8

91.2

100 %

72

28

100 %

قطر

88

12

100 %

100

-

100 %

الكويت

93.7

6.3

100 %

100

-

100 %

المصدر: التقرير الاقتصادي العربي الموحد للسنوات (1986 - 2010).

جملة القول لقد وقفت عملية تنويع القاعدة الإنتاجية معضلة حقيقية أمام دول الخليج العربية في ظل هيمنة القطاع الاستخراجي على اقتصاداتها وهو ما جعلها ريعية بامتياز من جهة. وفي المقابل أن هذا الواقع لم يترك من دون محاولة جادة لتنويع مساهمة القطاعات الاقتصادية الأخرى وخصوصاً الصناعات التحويلية، ونلمس ذلك من ارتفاع نسبة تكوين رأس المال الثابت الإجمالي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ نحو (31 في المائة، 18.9 في المائة، 19.3 في المائة، 30 في المائة و20.4 في المائة) في (البحرين، الكويت، السعودية، قطر والإمارات) لسنة 2008 وعلى التوالي (3).

وأعطتنا البيانات أن كلاً من (البحرين وعمان والسعودية) تمتلك تنوعاً في مساهمة القطاعات السلعية في تكوين نواتجها المحلية أكثر من (الإمارات والكويت وقطر) وفي سياق الإدراك لهذه الحالة أضافت هذه المجموعة العربية إنجازات أخرى في سعيها إلى تحقيق التنمية المستدامة وذلك بالتوجه نحو الاستثمار الزراعي في الدول العربية الزراعية مثل السودان والدول الصديقة ذات الإمكانات الزراعية (أوكرانيا، الهند، تايلاند وفيتنام).

ومن دون شك هو اتجاه لابد منه في ظل المعطيات الاقتصادية والجغرافية الثابتة لدول مجلس التعاون الخليجي وفي الوقت نفسه يمثل خياراً استراتيجياً لتحقيق الأمن الوطني والغذائي باستخدام مواردها المالية التي أنعم بها الله على مواطنيها.

الشكل البياني (1): هيكل الناتج المحلي الإجمالي حسب القطاعات الرئيسية لدول مجلس التعاون الخليجي للسنوات (1979-1989-1999-2009)

المصدر: الجدول رقم (1)

 

الهوامش:

(1)- مصادر الجدول (1)

(2)- كذلك.

(3)- تقرير التنمية البشرية 2010، الجدول (15)، ص 206.

 

مقالات لنفس الكاتب