; logged out
الرئيسية / دور الشباب الخليجي في تحقيق التنمية المستدامة

العدد 87

دور الشباب الخليجي في تحقيق التنمية المستدامة

الخميس، 01 كانون1/ديسمبر 2011

تحاول هذه الورقة التعرف إلى مفهوم التنمية المستدامة كمفهوم ظهر خلال العقد الأخير من القرن العشرين ودراسة أبعاد هذا المفهوم والكيفية التي يمكن من خلالها للمجتمعات التي تصنف تقليدياً بأنها جزء من العالم الثالث أو عالم الجنوب أو تستثمر هذا المفهوم بحيث تحقق قفزات نوعية في اقتصاداتها في الحاضر مع وجود تراكم للاستثمار في المستقبل.

تواجه دول الخليج العربية تحديات كبيرة على صعيد ترسيخ وتجذير هذا المفهوم على صعيد الممارسة العملية لا سيما أنها بلدان يتوفر فيها مصدر الطاقة الذي يشكل عصب الحياة الصناعية في عالم اليوم واحتمال نضوب هذا المصدر في العقود المقبلة أو إيجاد مصادر طاقة بديلة تحل محل النفط، الأمر الذي يلقي على عاتق بلدان الخليج عبئاً يتجلى بتأمين الرفاه للأجيال الحالية وضمان استمرار هذا الرفاه والنمو الاقتصادي مكسباً للأجيال القادمة، وغير مندوحة عن القول أن أفضل استثمار يمكن أن يضمن الرفاه للأجيال القادمة هو تعزيز دور الشباب وإعطاؤهم مركزاً وأولوية في رسم سياسات بلدانهم وفي التخطيط للسياسات الاقتصادية ذات المديات البعيدة والتي سوف تعطي ثمارها في العقود المقبلة.

واستحوذ مفهوم التنمية المستدامة على اهتمام الأوساط السياسية والاقتصادية منذ أن طرح في المؤتمر الذي رعته الأمم المتحدة والذي عرف باسم مؤتمر البيئة والتنمية في ريودي جانيرو عام (1992) أو ما عرف بقمة الأرض وقد أحدث ذلك نقلة نوعية في مفهوم العلاقة بين التنمية من جهة والاعتبارات البيئية من جهة أخرى كاستجابة طبيعية لتنامي الوعي البيئي العالمي الذي صار يعي حقيقة أن عملية التنمية ما لم تسترشد بالاعتبارات البيئية والاجتماعية والثقافية والاخلاقية فإن كثيراً منها سوف يأتي بنتائج غير مرغوبة أو يحقق فوائد قليلة أو ربما يفشل تماماً، بل إن التنمية غير القابلة للاستمرار ستعمل على تفاقم المشكلات البيئية الموجودة حالياً مما يوجب إدراك حقيقة محدودية الموارد وقدرات النظم البيئية.

وتتعدد المصطلحات التي تعبر عن مفهوم التنمية المستدامة، فالبعض يعبر عنها بالتنمية المتواصلة، ويطلق عليها البعض الآخر التنمية الموصولة، ويسميها آخرون التنمية القابلة للإدامة أو التنمية القابلة للاستمرار، ويقصد بالتنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر من دون الإخلال بقدرات الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها، لذلك فإنها عملية تغيير حيث يجري استغلال الموارد وتوجيه الاستثمارات وتكييف التنمية التقنية والتطوير المؤسسي بتناسق يعزز الإمكانات الحاضرة والمستقبلية في تلبية احتياجات البشر وتطلعاتهم.

ولقد أشار واحد من أكثر التعاريف شيوعاً لمفهوم التنمية المستدامة إلى كونها (التنمية التي تحقق حاجة الأجيال الحاضرة من دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تحقيق حاجاتها وتطلعاتها). ولقد تم تحديد ثلاثة عناصر أو ركائز أساسية يفترض أن تتم الموازنة بينها من أجل تحقيق التنمية المستدامة وهذه العناصر هي الإنسان والكوكب (الأرض) والربح، بمعنى أن الحافز نحو تحقيق الربح والمنفعة الاقتصادية ينبغي ألا يطغى على قيمة الإنسان أو يضر بالبيئة بحيث لا تجد الأجيال القادمة ما تنتفع به وما يكون بمثابة استثمار في المستقبل لها.

ويعكس مفهوم التنمية المستدامة التطور الحاصل في مفهوم التنمية وهو مفهوم شهد جدلاً واسعاً سواء على الصعيد الأكاديمي أو الصعيد العملي، ففي عقد التنمية الأول الذي تبنته الأمم المتحدة (1960-1970) اقترن مفهوم التنمية بالنمو الاقتصادي وفق مؤشرات تركز أغلبها على اعتبارات اقتصادية بحتة مثل الدخل القومي ودخل الفرد بحيث تركز مفهوم التنمية في زيادة دخل الفرد والمجتمع ممثلاً في الدولة، وفي العقد الثاني للتنمية (1970-1980) اكتسب مفهوم التنمية أبعاداً اجتماعية وسياسية وثقافية إلى جانب البعد الاقتصادي، فالتنمية الاقتصادية لا تعني النمو الاقتصادي فقط وإنما تشمل إحداث تغيرات هيكلية في المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تسود المجتمع، وخلال عقد التنمية الثالث (1980-1990) اكتسب مفهوم التنمية بعداً حقوقياً وديمقراطياً يتمثل في المشاركة السياسية والشعبية في اتخاذ القرارات التنموية من منطق أن الديمقراطية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوع الحكم الصالح الذي له تأثير في كل محاور ومجهودات التنمية وأن الديمقراطية تعني مشاركة الناس في اتخاذ القرارات والمشاركة هي أحد المتطلبات الأساسية للتنمية الناجحة، وقد شهد عقد التنمية الرابع 1990 نقلة نوعية في مفهوم التنمية حيث تأكد مفهوم التنمية المستدامة بشكل واضح في وثيقة الأرض التي صدرت في ريودي جانيرو عام 1992 والتي تضمنت سبعة وعشرين مبدأ تدعو إلى ضرورة تحقيق العدالة بين الأجيال المختلفة في توزيع الموارد الطبيعية ضماناً لتواصل عملية التنمية.

وانطلاقاً من التعريفات المتعددة للتنمية المستدامة التي تتمحور حول التنمية التي تقابل الاحتياجات الأساسية للجيل الحالي من دون أن يكون ذلك على حساب التضحية بقدرة الأجيال المستقبلية في مقابلة احتياجاتهم، يمكن القول إن التنمية المستدامة تتألف من ثلاثة عناصر رئيسية هي: أولاً العنصر الاقتصادي، ويستند إلى المبدأ الذي يقضي بزيادة رفاه المجتمع إلى أقصى حد والقضاء على الفقر من خلال الموارد الطبيعية على النمو الأمثل وبكفاءة، ويشير مفهوم الاحتياجات الأساسية إلى فقراء العالم الذين ينبغي إيلاؤهم الأولوية الأولى. ثانياً العنصر الاجتماعي، ويشير إلى العلاقة بين الطبيعة والبشر وإلى النهوض برفاه الناس وتحسين سبل الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية، والوفاء بالحد الأدنى من معايير الأمن واحترام حقوق الإنسان، كما يشير إلى تنمية الثقافات المختلفة والتنوع والتعددية والمشاركة الفعلية للقواعد الشعبية في صنع القرار. ثالثاً العنصر البيئي ويتعلق بالحفاظ على قاعدة الموارد المادية والبيولوجية وعلى النظم الأيكولوجية والنهوض بها.

التنمية المستدامة ودور الشباب الخليجي في تحقيقها

من الطبيعي أن الفئة التي يقع على عاتقها عبء ترسيخ وتجذير مفهوم التنمية المستدامة في مجتمعاتها هي فئة الشباب الذين يكونون همزة الوصل بين ما سوف يتحقق في حاضر الأيام وما سوف تجلو به قوادمها، ولقد لعب الشباب الخليجي في الواقع وفي أكثر من بلد من البلدان الأعضاء في مجلس التعاون دوراً بارزاً ومؤثراً في صياغة وبلورة مفاهيم التنمية المستدامة وفي إقامة ورش العمل والمنتديات التثقفية الخاصة بالتعريف بها وبمجالاتها وكيفية ترسيخ أبعادها في المجتمع، وتركز أغلب المنتديات وورش العمل التي أقيمت في عواصم خليجية عدة على تحقيق جملة من الأهداف لعل من أبرزها:

1- إطلاق الإبداعات الشبابية ودعمها من خلال توسيع ورش العمل المتكاملة والشاملة والمستمرة والتي تأخذ بعداً استراتيجياً، يتم من خلاله تعزيز دور الشباب في المجتمع.

2- إنشاء برامج خاصة يتم فيها إشراك الشباب في عملية الحوار وصنع القرار ودفعهم نحو وضع النقاط على أهم المشكلات التي تواجه المجتمع ومن ثم إيجاد الحلول المقترحة والمناسبة لهذه المشكلات.

3- العمل على دعم الأنشطة التي يبرز فيها دور الشباب كعاملٍ فاعل ورئيسي في العملية التنموية والبناء الاجتماعي الصائب وتلعب وسائل الإعلام دوراً بارزاً ومؤثراً في صيرورة هذه العملية الوظيفية.

4- تعزيز دور الشباب في تحقيق التنمية السياسية والاقتصادية من خلال إعادة بناء النظام التعليمي وفق منظور حديث وواع يتناول أهمية المشاركة السياسية والتنشئة الاجتماعية في عملية بناء الثقافة السياسية ذات المحتوى الإيجابي، والعمل على إعادة النظر في مخرجات التعليم وفق ما يعزز متطلبات السوق والبعد عن الاتكالية وبحث القضايا الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الخليجي وإيجاد حلول ناجعة لها.

كما سعت بعض البلدان الخليجية إلى تنشيط دور القطاع الخاص باعتباره القاعدة التي سوف تستوعب اختصاصات الشباب وتوفر فرص عمل مناسبة لهم، وسعت أيضاً إلى إعداد البرامج التدريبية المناسبة لهم، وذلك من خلال التنسيق مع منشآت الأعمال ومراكز التدريب المعتمدة، ودعم تمويل هذه البرامج من خلال صناديق التنمية البشرية.

وتسعى هذه البرامج التوظيفية كما ذكرنا آنفاً إلى تشجيع العمل الحر، ويتم ذلك من خلال بعدين أساسيين هما:

1- التعاون التام مع الجهات التي تقوم بإعداد جيل متميز من رجال أعمال المستقبل في مجالات الإبداع والابتكار ونشر مفهوم الفكر الريادي بين أوساط الشباب الخليجي من الجنسين في مجال اقتصاديات المعرفة التي تحتاجها برامج التنمية المستدامة في بلدان الخليج العربية.

2- العمل على تبني ومتابعة برامج تطوير الأنظمة واللوائح والإجراءات التي تنظم عمل المنشآت الصغيرة وذلك لتلافي الصعوبات التي تواجه تلك المنشآت في تأدية دورها في الاقتصاد وتسهيل إجراءات بدء المشاريع الجديدة، بالإضافة إلى تقديم حزمة متكاملة من الحوافز التي تساهم في تهيئة وتوفير بيئة مناسبة لتطوير أعمال تلك المنشآت.

ولابد من التأكيد في نهاية المطاف على حقيقة أساسية وهي بروز أهمية الشباب الخليجي كعنصر رئيسي في التنمية المستدامة من خلال الدفع نحو توجه اجتماعي واقتصادي وسياسي يساهم في إعادة التصور والنظر إلى المشكلات التي تواجه المجتمع بشكلٍ أكثر موضوعية والانطلاق نحو الخيارات الصائبة بعيداً عن القوى التقليدية الموجودة في المجتمع والدور السلبي الذي يمكن أن تلعبه قوى تحاول أن تكون بمثابة حجر عثرة في طريق تحقيق وتائر التطور والتنمية المستدامة في بلدان الخليج العربية.

 

مقالات لنفس الكاتب