; logged out
الرئيسية / البيان الختامي لقمة كامب ديفيد .. بين التعهد والالتزام - العلاقات الخليجية ـ الأمريكية .. شراكة أم تحالف استراتيجي ؟!

العدد 96

البيان الختامي لقمة كامب ديفيد .. بين التعهد والالتزام - العلاقات الخليجية ـ الأمريكية .. شراكة أم تحالف استراتيجي ؟!

الإثنين، 01 حزيران/يونيو 2015

alani

جاء في البيان الختامي لقمة كامب ديفيد العديد من الفقرات التي تستوقف المهتم بالعلاقات الخليجية ـ الأمريكية ومنها ما يتعلق بإعلان إعادة تأكيد وتعميق reaffirm and deepen علاقة "الشراكة الاستراتيجية" القائمة بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة، وهي أقل بكثير من مصطلح "التحالف الاستراتيجي" القائم مثلا بين الولايات المتحدة وإسرائيل منذ عقود طويلة. كما أن مصطلح "الشراكة الاستراتيجية" هو مصطلح تقليدي استخدم لوصف طبيعة العلاقات الأمريكية – الخليجية منذ أعوام السبعينيات، ولا يوجد شيء جديد في هذا الأمر.

ما حوته وثيقة البيان الختامي هو "تعهدات" وليس "التزامات". أي أن ما جاء في الوثيقة حول استعداد الولايات المتحدة للدفاع عن دول المجلس في حالة قيام "عدوان أو التهديد بالعدوان" الخارجي، هو "تعهد سياسي" وليس "تعهد قانوني" ملزم (كما هو قائم مثلا في المادة 5 من ميثاق حلف شمال الأطلسي/ الناتو).

والتعهد السياسي يخضع دوما لاعتبارات سياسية متغيرة، ولتفسيرات الطرف الآخر، ولمصالحه الذاتية ومواقف قياداته السياسية المتغيرة حول "مفهوم وقوع عدوان"، ومن ثم لا يوجد جديد في وثيقة البيان الختامي ماعدا تكرار لمواقف الولايات المتحدة التقليدي، وتعهدها "ذو الصفة العامة / المبدئية" بالدفاع عن دول المجلس في حالة وقوع عدوان خارجي عليها. وهو ما جاء في وثائق تقليدية دولية كالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تلزم دول المجتمع الدولي "بالدفاع عن أي دولة تتعرض لعدوان خارجي". كذلك في الوثائق التي صدرت عن الإدارات الأمريكية السابقة حول الشرق الاوسط ومنطقة الخليج مثل: مبدأ ايزنهاور، مبدأ نيكسون، مبدأ كارتر.. 

وهناك إشارة خاصة ومهمة في البيان لعملية "عاصفة الحزم" في اليمن، حيث أشار البيان إلى "وجوب قيام دول مجلس التعاون بالتشاور مع الولايات المتحدة عندما تخطط للقيام بعمل عسكري يقع خارج حدود دول المجلس الجغرافية، خاصة عندما تكون مساعدة الولايات المتحدة مطلوبة بهذا الشأن."

أي أن دخول دول المجلس في عمليات عسكرية خارج الحدود الجغرافية لمجلس التعاون الخليجي كعملية "عاصفة الحزم" القائمة في اليمن، تستوجب التشاور "المسبق" مع الولايات المتحدة حين يتم التخطيط لهذا النوع من العمليات (وجاء هذا البند كرد فعل لتجاهل القيادة السعودية إبلاغ القيادة الأمريكية مسبقا بموعد العملية العسكرية في اليمن). أي أن هذه المادة تشير إلى أن الولايات المتحدة تتعهد بالدفاع عن دول المجلس في حالة تعرض "أراضي دول المجلس" لعدوان خارجي، ولكنها لا تتعهد بدعم مبدأ " التدخل الخارجي لحماية المصالح" أو دعم ممارسة دول المجلس لمبدأ "التدخل الوقائي" أو "التدخل الاستباقي" لمنع قيام تهديد حتمي لأمن واستقرار دول المجلس.

وعلى صعيد التعاون العسكري والأمني، دعا البيان إلى العمل على تعزيز الشركة الاستراتيجية من أجل تحسين التعاون الأمني، خاصة في عمليات التسليم السريع للسلاح، ومجال مكافحة الإرهاب، والأمن البحري، وأمن المعلومات الالكترونية، ومجال صواريخ الدفاع البالستية.

وهي مجالات تشهد تعاون وتنسيق خليجي – أمريكي منذ سنوات عدة. وخلال السنوات الخمس الاولى من رئاسة الرئيس اوباما قامت دول المجلس بشراء أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 65 مليار دولار (تمثل مشتريات المملكة السعودية ثلث هذا المبلغ) وخلال العام السادس من الرئاسة 2014 – 2015م، تم شراء أسلحة بقيمة 15 مليار دولار. أي أن منذ تولي اوباما الرئاسة اشترت دول المجلس أسلحة ومعدات عسكرية قيمتها 80 مليار دولار أمريكي. وبخصوص نظام الدفاع الصاروخي (منظومة صواريخ ثد THAAD) فقد عرض هذا النظام على بعض دول المجلس (السعودية، الامارات، قطر، والكويت) أول مرة عام 2008م، ثم إعادة عرضه عام 2012م، مع العلم ان هذا النظام لازال في مرحلة التطوير والاختبار، وقد تم نصب منظومة واحدة فقط منه حتى الآن في مايو 2008 م، في فورت بلس بالولايات المتحدة. ويعتقد أن دولة قطر قد وقعت عام 2012 م، على عقد لتزويدها بهذا النظام بقيمة ستة ونصف مليار دولار.

وحول الموقف من إيران فقد تم تناول السياسة الإيرانية من خلال ملفين منفصلين: الأول قضية الملف النووي الإيراني، حيث ضمن الرئيس الأمريكي تعهد دول المجلس بدعم "اتفاق شامل وقابل للتحقق والمراقبة" لكونه سيصب في مصلحة دول مجلس التعاون (كما هو في مصلحة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي).

والثاني نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار الإقليمي، حيث أكد البيان العمل المشترك بين الطرفين الأمريكي والخليجي لمقاومة السياسة الإيرانية التدخلية ووجوب احترام سيادة دول الجوار، والالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية دون الإشارة إلى أي مواقف أو وسائل محددة لتطبيق هذا المطلب.

في الفقرة المتعلقة بمكافحة الإرهاب، ذكر البيان وجوب العمل على مكافحة التنظيمات الإرهابية: داعش، القاعدة، وجبهة النصرة، في المواد الخاصة باليمن، العراق، سوريا، ولبنان. وذكر هذه المنظمات الارهابية بالاسم وبشكل متكرر عبر البيان.

لم يذكر أبدا بالمقابل أخطار المنظمات الإرهابية الشيعية المرتبطة بإيران كحزب الله، والمليشيات الطائفية العراقية، ولم يتطرق البيان لأي منها، لا بالاسم ولا بالإيحاء.

وفيما يتعلق باليمن فقد أشار البيان إلى التزام جميع الأطراف بمحاربة نشاطات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، في حين لم يشير البيان إلى "عاصفة الحزم" بشكل مباشر، بل أشار إلى الجهود السياسية لتسوية الأزمة اليمنية وتحويل الجهد العسكري إلى جهد سياسي من خلال مؤتمر الرياض تحت رعاية مجلس التعاون ومنظمة الأمم المتحدة، وعلى أن تستند مرجعيته إلى مبادرة مجلس التعاون، مخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وذكر البيان جماعة الحوثي في موقع واحد فقط ، وهو خلال الإشارة إلى التزام الولايات المتحدة بعدم السماح لجماعة الحوثي وحلفائها باستلام السلاح وذلك تطبيقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم  2216 (أي ان الالتزام جاء بناءً على قرار مجلس الأمن).

وحول العراق، أشار البيان إلى التزام دول مجلس التعاون والولايات المتحدة بتقديم العون للحكومة العراقية والتحالف الدولي لمقاتلة داعش، وأكد على أهمية وجوب تقوية العلاقات بين دول المجلس والحكومة العراقية التي يجب أن تستند إلى مبادئ حسن الجوار، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام السيادة.  

والبيان يلزم دول الخليج بوجوب "عدم التدخل في الشؤون الداخلية العراقية، واحترام السيادة العراقية ". ولم يتحدث البيان عن التدخلات الإيرانية السافرة في الشؤون الداخلية للعراق، وممارسات إيران في انتهاك السيادة العراقية، وحرمة أراضي الدولة بشكل متكرر، وتواجد قيادات وعناصر الحرس الثوري الإيراني داخل الأراضي العراقية وبشكل علني.

وفي فقرة العراق أشار البيان: التأكيد على أن تكون جميع "الجماعات المسلحة" تعمل تحت سيطرة كاملة من قبل الحكومة العراقية، وهذه إشارة للمليشيات الطائفية الشيعية، فالبيان لم يطلب حلها أو اعتبارها تنظيمات مسلحة غير شرعية، كل ما طالب به هو وضعها تحت إشراف الحكومة العراقية، وهذا الأمر هو قائم الآن فعليا. ففي حزيران العام الماضي (2014) قرر رئيس الوزراء السابق نوري المالكي تأسيس هيأة رسمية للقيام بمهمة التواصل والتنسيق بين الحكومة والمليشيات الشيعية. وأنشئت هذه الهيئة تحت اسم "هيأة الحشد الشعبي" وهي مرتبطة بمكتب رئيس الوزراء. ومهمتها الأساسية ليست السيطرة على سلوك المليشيات الشيعية (المرتبطة بإيران) بل مهمتها دفع الرواتب والمعونات المالية لعناصر المليشيات الشيعية من ميزانية الدولة، وتزويد المليشيات بالأسلحة والاعتدة والمعونات المادية واللوجستية. 

وفيما يخص الشأن السوري، أكد البيان عدم حدوث أي تغيرات في الموقف الأمريكي من الصراع في سوريا، وعدم وجود أي التزام أمريكي بدعم العمل لإسقاط النظام السوري. فقد أعلن الجانبان التزامهم بالعمل على تسوية سياسية للصراع السوري وانهاء الحرب القائمة وتأسيس حكومة تضم جميع الفئات وتعمل على حماية حقوق الأقليات والمحافظة على مؤسسات الدولة.

وأكد البيان على أن الرئيس بشار الأسد قد فقد شرعيته ولن يكون له دور في مستقبل سوريا. والتأكيد على وجوب تعزيز الجهود للقضاء على داعش في سوريا، وحذر من نفوذ الجماعات المتطرفة الأخرى مثل جماعة النصرة. ومن الملاحظ هنا أن البيان أشار إلى فقدان "الأسد" الشرعية ولم يشر إلى "النظام". 

 وعلى صعيد الوضع في لبنان، لم يذكر البيان أسم حزب الله بأي صفة، وأشار إلى ضرورة التعجيل في انتخاب البرلمان اللبناني لمنصب رئيس الجمهورية الشاغر، ولم يشر إلى الدور المعطل الذي يمارسه حزب الله في هذا المجال.

وأشار إلى مخاطر وتهديدات داعش وجماعة النصرة للأمن والاستقرار في لبنان ووجوب تقديم الدعم للحكومة اللبنانية في مقاومة هذا الخطر، ولم يشر البيان إلى تورط مليشيات حزب الله في القتال في سوريا الذي كان السبب الأساسي في عمليات داعش / النصرة وتمددها داخل الأراضي اللبنانية.

في حين أشار البيان في فقرات أخرى إلى الوضع في ليبيا، وقضية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، دون وجود أي التزامات أو أفكار جديدة.

مقالات لنفس الكاتب