; logged out
الرئيسية / قرار "العاصفة".. وسيناريوهات الاستقرار في الخليج والنظام العربي

قرار "العاصفة".. وسيناريوهات الاستقرار في الخليج والنظام العربي

الأربعاء، 01 تموز/يوليو 2015

ليس من قبيل المبالغة القول بأن نتائج وانعكاسات حرب عاصفة الحزم سوف تحدد العديد من قواعد ومبادئ النظام العربي الجديد وموازين القوى الإقليمية ومستقبل الاستقرار في منطقة الخليج والعالم العربي. فهذه الحرب هي الوحيدة في التاريخ العربي الحديث التي تعتبر حربا من قبل النظام العربي أو التكتل الرئيسي والمركزي فيه بهدف إعادة أوضاع الاستقرار في إحدى دوله، وهو ما يشير إلى بدء مرحلة يحزم فيها النظام العربي أمره بيده. ولقد تشكل هذا التكتل الحالي للقوة من مجموعة دول عربية رئيسية قررت مباشرة مسؤوليتها التاريخية إزاء اليمن ومن أجل مصلحة عربية بحتة مهما وقع الاختلاف بشأنها، وبهدف استرداد اليمن من مثلث هيمنة مركب ومعقد من التسلط الطائفي الحوثي – مع أنصار علي صالح والنظام القديم – وباختراق ودعم إيراني، وهي أول تجربة حرب عربية منذ ما يزيد على 40 عاما (منذ حرب 1973) بعيدة عن أي تحالفات دولية اعتادت المنطقة خوض الحروب من خلالها، كما أن هذه الحرب تجري بموافقة من الشرعية الدولية، وبقرارات من الجامعة العربية والقمة العربية في القاهرة في مارس 2015. وهي حرب عربية ضد مشروع طائفي أرادت إيران جر المنطقة إليه، ومن خلال الحرب تؤكد المنطقة قدرتها على الدفاع عن مصالحها الرئيسية في إبقاء دولة عربية تحت سلطان النظام العربي، وتحت سلطان الحكم الوطني وليس الحكم الطائفي -المعزّز بهيمنة إيرانية.
إن هذا التوصيف بالغ الأهمية، لأنه الأساس الذي يضمن ألا تضيع بوصلة التفكير، وألا يجري نسيان الأسباب الأولى لانطلاق الحرب. فمهما كانت النتيجة وما إن كانت الحرب ستنتهي بسرعة أم ستأخذ وقتا، وما إذا كانت ستتكلف المزيد من التكاليف والخسائر، فإن أخذ هذه الاعتبارات الأولى في الحسبان هو الذي يضمن احتفاظ الذاكرة بالسياق الظرفي الخاص الذي نشأت فيه الحرب، وهو ما يشير إلى أنه كان من الصعب تجنبها في ظل الحسابات الخاصة بالنظام العربي، والحسابات الخاصة بأمن منطقة الخليج والجزيرة وأيضا بأمن الدولة السعودية ومستقبل الدولة الوطنية في اليمن.

أولا: تشريح قرار حرب العاصفة:
لم يكن القرار بحرب "العاصفة" مبالغا فيه، ولم يتحرك بنوازع ذاتية أو مصالح ترتبط بالدولة السعودية فقط، فلم يكن هناك مشكلة في استمرار الوضع الداخلي المضطرب في اليمن لا للسعودية أو لغيرها من دول العالم العربي، طالما ظلت مشكلاته منحصرة في نطاقها الجغرافي، وطالما بقيت تفاعلات عدم الاستقرار الداخلي عند حدود الدولة اليمنية دون أن تتعداها لتهدد الجوار، أو أن تسعى طوائف أو فصائل داخلية لإشراك قوى خارجية في إعادة ترتيب الوضع الداخلي عبر قوة خارجية تحقق لها الغلبة على باقي الفصائل، على نحو ما سعى إليه الحوثيون. ولا يمكن مقارنة إيران بالسعودية في هذه الحالة، فهناك مجال جوي وجوار جغرافي للدول من حقها أن تضمن أمنها في هذا المجال من قبل قوى معادية بالأساس، وهو أمر انتهكته ميليشيات الحوثي وأنصار صالح، حيث جلبا إيران إلى مربع نفوذ مهدد للسعودية لم يكن هناك أي مبرر لاستقدام إيران إليه إلا من باب النكاية في المملكة. والأمر هنا أشبه بسعي سعودي مثلا للتمدد على جوار إيران المباشر عبر إنشاء ودعم ميليشيات عسكرية تثير مشكلات للدولة الإيرانية في جوارها الشرقي أو الشمالي أو الغربي، وهو أمر من الصعب على إيران القبول به. على الرغم من عدم إمكان المقارنة بين مستوى تهديد الجوار الجغرافي لإيران ومستوى تهديد الجوار اليمني للمملكة في باب المندب والبحر الأحمر والقرن الأفريقي، وفي منطقة تمثل خاصرة الجزيرة والخليج.



وتبدو خطورة الوضع في اليمن خاصة بالنسبة للسعودية من أنه شكل على الدوام جبهة جوار حدودي آمنة ومستقرة للمملكة العربية السعودية من غير دول مجلس التعاون الخليجي، حيث قامت إيران وعلى مدى العقد السابق بتلغيم جوار المملكة في كل الجبهات، ولم يعد للمملكة سوى جبهة واحدة آمنة بشكل شبه كامل غير اليمن. وأكمل انفتاح الحوثيين على إيران حلقة نفوذ إيراني اصطلح على تسميته الهلال الشيعي الذي أصبح واقعا، وهو في الحقيقة هلال للنفوذ السياسي المتلحف بغطاء مذهبي لكنه بعيد تماما عن أن يكون تجسيدا لصراع مذهبي تاريخي، ولكنه عمل –من ناحية إيران- على استنفار العداء المذهبي واستغلاله وتوظيفه. ولم يأت القرار السعودي بشن عاصفة الحزم فقط في ظل هلال النفوذ الإيراني الذي طوق السعودية من الشمال والشرق والجنوب، وإنما ترافق ذلك مع مصادر تهديد جديدة تمثلت في قوى سنية سلفية جهادية جاهلة تلاقت مع الهلال الشيعي في العداء لحالة الاستقرار العربية، وانخرطت في مشروعات لهدم الدولة الوطنية في المنطقة، وتلاقت وتقاطعت مع مشروعات لا وطنية ولا قومية.

أتى قرار عاصفة الحزم أيضا في ظل ثلاثة مستجدات مهمة ساعدت على التحرك نحو اتخاذه دون أدنى تردد وفي التوقيت الخاص به، وليس في توقيت تال، وهذه المستجدات الثلاثة هي: قرب التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، والتحركات العسكرية لميليشيات الحوثيين وأنصار صالح وتوغلهم داخل اليمن، والترتيبات الجديدة في بيت الحكم في المملكة.
فقد تزامن قرار "العاصفة" مع قرب التوصل إلى اتفاق نووي غربي مع إيران، كان من شأنه تسكين مخاوف الغرب من طهران وإعلاء مخاوف دول الخليج منها، فلم يأخذ الاتفاق النووي هواجس ومخاوف دول الخليج في الاعتبار، وإنما ركز على معالجة المخاوف الغربية والأمريكية خاصة، وهو ما كان يعني أن عصر التحالف الذهبي الأمريكي مع دول الخليج يتعرض لأخطر امتحان له على مدى العقود، وقد أشعر ذلك دول الخليج والمملكة بالأساس وكأن الولايات المتحدة طعنتها في الظهر، حيث ظهر الأمر وكأن الولايات المتحدة قد تخلت عن دول المجلس بمجرد أن لاحت أمامها فرصة لاستعادة علاقتها مع إيران. وجاء التغلغل الإيراني في اليمن من خلال الحوثيين في وقت كانت فيه أجهزة الاستشعار السعودية تجاه إيران في أقصى درجاتها من الحذر والنشاط، بعد أن بلغ الوجود الإيراني في العراق وسوريا مستوى جعل إيران في حالة اكتساح لمنظومة العمل العربي ومعرقلا رئيسيا لخروج العرب من مأزق انهيار الدولة وتكريس دول الطوائف العربية الممالئة للجمهورية الإيرانية. وكان من شأن نجاح هذا السيناريو في اليمن أن يؤسس لـ "يمن إيراني" وليس لـ"يمن عربي"، وهو ما يعني سلخ اليمن، وزيادة أنصار المعسكر الإيراني في العالم العربي عبر استقطاع دولة عربية مركزية شديدة الأهمية للأمن العربي وأمن الخليج.

كما تزامن القرار مع اكتساحات حوثية لأقاليم ومحافظات ومدن اليمن الشمالية والجنوبية، وسقوط هياكل ومؤسسات الدولة ورضوخها للحكم الحوثي، وبدء عملية سياسية قائمة على الاستحواذ الحوثي على الحكم والإقصاء للقوى السياسية الأخرى، وإعادة نظام علي عبدالله صالح. وكان ذلك يعني خسارة خليجية كبيرة في اليمن بعد قيام دول المجلس بدور أساسي فيه منذ ثورة 2011، عبر المبادرة الخليجية التي شكلت الأساس الذي استندت إليه عملية انتقال الحكم. وكانت توليفة الحكم القائمة على الحوثي - صالح لتشكل بيئة اضطراب مزمنة لفترة طويلة للمملكة العربية السعودية، فمن شأن هذه التوليفة أن تسعى بعد فترة إلى ابتزاز المملكة من خلال توفير بيئة حاضنة للنفوذ الإيراني في اليمن، ومن ثم معاودة الرئيس السابق ممارسة هوايته القديمة بتأليب القوى الإقليمية وإذكاء التنافس بينها، وهو ما كان يشكل عنصر إقلاق إقليمي كبير للمملكة. لذلك جاء القرار السعودي وقرار التحالف العربي في وقته.

وأخيرا، جاء قرار حرب عاصفة الحزم في ظل قيادة سياسية وعسكرية جديدة في المملكة، أعقبت مرحلة طويلة من تجريب سياسات التقارب مع إيران، وهي السياسة التي لم تؤت ثمارها، فطوال عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز عملت المملكة على فتح باب التقارب مع طهران، بهدف اجتذاب إيران إلى سياسات أكثر اعتدالا، لكن هذه السياسات ، وبعد سنوات من محاولات التهدئة، تبين أن التغيرات الفعلية على الجانب الإيراني قليلة، وهو ما انتبه إليه صانع القرار السعودي، وكان جرس الإنذار فجا حين دق الخطر الإيراني على أبواب أكثر المناطق حيوية للأمن القومي للمملكة، وهي اليمن. و اتضح تطويق الخطر الإيراني حول المملكة من كل جانب، وكان الأمر شديد السوء حين برزت التمددات الحوثية المدعومة إيرانيا في اليمن.

ثانيا: التقييم الاستراتيجي للقرار:
في ضوء ما سبق، وفي سياق ظروفه، فقد اتخذ القرار السعودي بالحرب في توقيت خاص، كان في وقت اتخاذه هو الخيار الأساسي، وربما الوحيد لمواجهة تمدد الحوثيين. وإذا أردنا عمل جرد حساب بمكاسب القرار بأثر رجعي، فإنه يمكن رصدها على النحو التالي:
فلقد أعادت دول المجلس بحرب العاصفة تأكيد مسؤوليتها عن اليمن واستقرار الدولة اليمنية، وأدت الحرب إلى عودة السعودية ودول مجلس التعاون إلى تحمل مسؤوليتها إزاء الأمن القومي الخليجي والعربي في منطقة حساسة في جنوب البحر الأحمر وعند ملتقى ممرات دولية هامة، وبالحرب انخرطت دول المجلس بشكل كامل ونهائي في الشأن اليمني، وهي من الآن لم تعد حرة في ترك اليمن لمستقبله، كما أنها قد حسمت خيارها فيما يتعلق بمستقبل اليمن ضمن الدائرة الخليجية والعربية، وهذا هو الوعد الاستراتيجي الأكبر لليمنيين من قبل دول مجلس التعاون. ويعني ذلك ان المسألة التي كانت مطلبا مهما لليمنيين وجزءا مهما من تفكير قيادات دول مجلس التعاون على مدى العقود قد قطعت ربما نحو 60% من خطواتها بالحرب، وهي مسألة ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، وهو أمر تحتمه المسؤولية الخليجية التاريخية إزاء اليمن في الفترة المقبلة. وإذا تراءى هذا الوعد لليمنيين أكثر فربما يصبح أكبر عنصر إغراء وقوة في يد دول المجلس يمكنها من كسب الحرب، حيث أن انتشال اليمنيين من الفقر، وإدخالهم ضمن الدائرة الاقتصادية والسياسية المزدهرة لدول المجلس يمكن أن يمثل عامل جذب لهم للخروج على أوضاعهم البائسة والتمرد على الحوثيين وصالح. ومن ناحية الوضع الداخلي، قدمت الحرب لليمنيين براهين كافية على وجود دعم عربي لثورتهم، وأنهم إذا قرروا التغيير فإنهم لن يكونوا وحدهم، ومن ثم فإن بإمكانهم الانقلاب على هيمنة الحوثيين، وأن حكم الحوثيين والخضوع لعلي صالح ليس قدرا.



وعلى مستوى المنطقة، أكدت الحرب قدرة المجلس الخليجي على اتخاذ أخطر القرارات، وهو قرار خوض حرب كبيرة وقيادتها عبر تحالف واسع، وليس فقط عبر عملية عسكرية مختصرة وصغيرة من قبل قوات درع الجزيرة كما حدث في البحرين، كما أكدت قدرة دول المجلس على خوض حرب بقرار مستقل عن الإرادة الدولية، والدفاع عن مصالحها التي بدأت تتباين والمصالح الأمريكية، بل وضمان تأييد سياسي دولي واسع لعملياتها وإجراءاتها العسكرية بقرارات من مجلس أمن المنظمة الدولية. ومن المؤكد أن هذه المعاني سوف تقرأها إيران جيدا. ولعل المعاني السياسية والعسكرية لاشتراك خمس من دول المجلس مع قوى عربية حليفة أخرى، قد أعادت الروح إلى إرادة الفعل العربية التي تراجعت على مدى السنين. وصحيح أن دول المجلس لم تتمكن من كسب الحرب أو تحقيق انتصار عسكري كبير بما يعني هزيمة الحوثيين وأنصار صالح وتحقيق الأهداف الرئيسية حتى الآن، ولكنها على الأقل فوتت الفرصة على الحوثيين وعرقلت تقدمهم واستفرادهم بالدولة، ومن ثم عطلت الخيار الإيراني في اليمن. ومن ثم فإنه لا يجب النظر إلى نتائج حرب اليمن من منظور خسائر ونتائج وأهداف الحروب العادية التي تعني طرفا منتصرا وآخر منهزما، فالنتيجة الرئيسية هي إلحاق أضرار وأذى بالطرف المتقدم على الأرض على نحو يفرض عليه خسائر مستمرة إذا حاول التحرك في أي جانب، سواء قرر التحالف مع إيران أو استمرار التحالف مع علي صالح أو قرر المضي في استراتيجيته المستقلة. وإذا اقتصر هدف التحالف العربي على الإضرار باستراتيجية الحوثي ووقف تقدمه فهو هدف قد تحقق بنسبة كبيرة، وجرى تعطيل خياره الإقليمي وحكمه الداخلي، حيث لا يستطيع الاستمرار في الحكم في ظل أوضاع التردي في البنية التحتية، وفي النهاية سيكون في حاجة إلى دول الخليج طال الزمن أم قصر، وإذا قرر المضي في طريقه الخاص فسيكون اليمن عبئا على الاستراتيجية الإيرانية. وبقرار الحرب أكدت دول المجلس أنه لم يعد هناك تبعية خليجية لهذه القوة الدولية أو تلك، فالدول التي تمكنت من استقدام الحليف الفرنسي بعد ساعات من تراجع الحليف الأمريكي، ليعلن(الأول) أن أمن الخليج جزء من أمن فرنسا، والدول التي بيدها قلب التحالفات واستمالة روسيا بعد أيام من تراجع الحليف الأمريكي تستطيع أن تضمن شبكة من التحالفات التي تمكنها من الفوز بالقرار الدولي حينما تريد.

وعلى المستوى العربي، فإن الحرب أتت في ظل أقصى درجات التردي والضعف في بنيان النظام العربي، وبعد سنوات أربع من جهود دول المجلس للدفاع عن النظام وسعيا لاستعادته بيد القوى الرسمية النظامية بعد اختطاف أجزاء كبيرة منه من قبل القوى غير الرسمية وغير النظامية. وبقرار دول المجلس خوض الحرب من خلال اصطفاف وتحالف عربي فإنها عملت على استنهاض طاقات التماسك الكبرى في النظام واستيعابها وتوظيفها في جوانب تلاقي مصالح النظام العربي ومواجهة الخطر الداهم عليه من قبل قوى ما دون الدولة التي تمثلها في الحالة اليمنية قوات الحوثيين وأنصار علي صالح.

وتعتبر حرب اليمن من المرات النادرة في التاريخ العربي التي تلتقي فيها مصالح هذا القدر من الدول العربية لأجل استقرار واستعادة دولة عربية أخرى. ولو كانت هناك قوى يمنية رشيدة تسعى للارتقاء ببلادها لاستغلت الفرصة التي يتيحها لهم الآن الوضع العربي، فهذه الحرب ليست حربا ضاغطة على كبرياء اليمنيين، لأن من قام بالعمل العسكري هم أشقاء ودول عربية تبتغي مصلحة اليمن، وإذا لم تكن الدول العربية قد قامت بذلك لوقع اليمن أسير التجاهل والنسيان. فلم تعد هناك حوافز لدى الدول للتدخل في الدول الأخرى، وإذا وجدت أطراف لديها مصالح في استقرار الدولة اليمنية وإعادتها إلى مسارها فقد كان من المفترض أن يساند عموم اليمنيين هذا التحرك، لأنه من دول عربية ولمصلحتهم. فهو ليس تدخلا استعماريا أو احتلاليا ولا يجسد أيا من أنواع التدخلات العسكرية المعروفة في تاريخ الامبراطوريات الاستعمارية، وإنما هو تدخل حميد من قبل قوى تبغي الخير لليمن.

هكذا يشكل قرار التدخل العسكري في جانب منه قرارا بإعادة لملمة وتماسك النظام العربي حول قضية مركزية وهي استعادة دول منهارة منه إلى حضن النظام العربي الرسمي. ولو نجح سيناريو اليمن فمن المؤكد أنه سيكون بادئة جيدة لمساع تالية من النظام العربي لاستعادة باقي دول النظام التي تمزقت وسيطرت عليها جماعات إرهابية على مدى السنوات الماضية، فالمعركة الراهنة هي معركة بين النظام العربي والقوى التي تسعى لهدم هذا النظام وتتحارب معه، ومن المهم أن يخرج النظام العربي منتصرا في حرب اليمن، ليس بالضرورة في ساحات المعارك أو من خلال معارك عسكرية وانتصارات وهزائم، وإنما عبر عملية سياسية تحقق الأهداف الرئيسية التي بدأت الحرب لأجلها.

وأخيرا، تشكل نتائج الحرب على إيران أهم النتائج على الإطلاق، ولعل ذلك ما أشار إليه تصريح الجنرال ديفيد بتريوس قائد القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية السابق، منذ أيام في حوار له مع صحيفة الشرق الأوسط (20 يونيو 2015)، أكد فيه وجود مستشارين من قوات "فيلق القدس" الإيراني في اليمن، مشيرًا إلى أن "إيران تريد تحويل الهلال الشيعي إلى نصف قمر بهدف السيطرة على المنطقة"، فلقد شن التحالف العربي الحرب في ظل ذروة الإحساس الإيراني بنشوة الانتصار والاختراق للنظام العربي، وهو ما جسدته تصريحات صدرت من أكثر من قيادة سياسية وعسكرية إيرانية في الأشهر الأخيرة، حيث بدت أوضاع التردي العربية تتويجا لجولات وصولات إيرانية منذ فترة طويلة في المنطقة العربية، حتى انتهت إلى حالة كانت شبه ميؤوس منها. وكان قرار الحرب إعلانا عربيا بمواجهة إيران في توقيت حساس وحاسم، وإعلانا بضرورة إنهاء مرحلة التمدد الإيراني. فأغلب مناطق ومسارح التمدد الإيراني في العالم العربي كان من الممكن إيجاد أسباب أو مبررات داخلية لها، لكن اتجاه إيران إلى اليمن ترافق بمعنى بالغ الدلالة والخطر على الأمن العربي والخليجي.

فليس لإيران مصالح مباشرة في اليمن ولم يكن اليمن مطلقا حلقة أساسية ومهمة ضمن حلقات الاستراتيجية الإيرانية الإقليمية، وهو ما عنى أن مدخل إيران إلى اليمن لم يكن يستهدف مصالح إيرانية بقدر ما استهدف الإضرار بمصالح أطراف عربية. فمن السهل معرفة وحساب الفوائد الإيرانية من النفوذ في العراق سواء لاعتبارات جغرافية أو مذهبية، كما يمكن تلمس بعض أسباب الموقف الإيراني في كل من لبنان وسوريا، على أساس التساند النظامي والمذهبي وعلى أساس إدارة الحرب مع القوى الكبرى، لكن أبعاد المصالح المحددة للموقف الإيراني في اليمن ليست بنفس القدر من الوضوح، فلا يمكن التعرف إلى مصالح إيرانية كبيرة في اليمن، خصوصا في ظل الوضع الإيراني المتعثر في سوريا، وفي ظل تمدد النفوذ الإيراني عن قدرة إيران على استيعابه وتلافي مخاطره. لذلك فإن التفسير الأرجح للتمدد الإيراني في اليمن لم يكن إلا لمناكفة السعودية ودول الخليج والدخول إلى قلب العالم العربي والإمساك برقبة مصر. في سياق كل ذلك يمكن فهم تصريح الجنرال بتريوس.
لكل ذلك، فإنه على الرغم من كل عقبات وعراقيل المواجهة الراهنة في اليمن، يبقى قرار الدخول في حرب عاصفة الحزم هو الخيار الأصح والأنسب في سياق لحظة اتخاذه، ومقارنة بالنتائج المتوقعة أو المتصورة لاتباع أي من الخيارات الأخرى التي كانت متوافرة والتي منها قرار تجاهل التمددات الحوثية والنفوذ الإيراني، حيث أن أيا من هذه القرارات كان سيعد قرارا غير مسؤول بحسابات المصالح العربية والخليجية واليمنية على حد سواء.

ثالثا: النظام العربي وسيناريوهات الحرب:
ترتبط نتائج حرب عاصفة الحزم بمستقبل النظام العربي بشكل وثيق، وربما ليس ثمة قضية يمكنها أن تؤثر في مستقبل النظام العربي ومستقبل توازن القوى في منطقة الخليج مثلما يمكن أن تؤثر به نتيجة هذه الحرب التي سيتوقف طبقا لها تحديد مراكز القوى الإقليمية، وسياسات إيران في المنطقة، وأيضا قدرة النظام العربي على استعادة الحالة النظامية ومواجهة قوى ما دون الدولة وعوامل الانهيار بالدول العربية القائمة. ويمكن تصور المستقبلات العربية في ضوء سيناريوهات أربعة للحرب على النحو التالي:
الأول: إستمرار الإيقاع الراهن: أحد الاحتمالات الممكنة للحرب الراهنة في اليمن هو استمرار الأمر على ما هو عليه لفترة قد تطول، في ظل التباين الحاد في مواقف الجانبين، فحتى الآن لم تقنع نتائج الحرب الحوثيين وأنصار صالح بالتراجع عن خطهم الصدامي، وعكس تصلب مواقفهم في مؤتمر جنيف أنهم لا يزالون يعتقدون بأن بإمكانهم الاستمرار في المواجهة وإلحاق خسائر بقوات التحالف. ويعني هذا السيناريو أن تستمر المواجهات بإيقاعاتها الراهنة، دون إقدام التحالف العربي على توسيع نطاقها أو الدخول في حرب برية، ومع استمرار المواجهات مع الحوثيين بالمحافظات والمدن من خلال طائرات التحالف وقوات المقاومة الشعبية، ودون إقدام الحوثيين على توسيع عملياتهم بالأراضي السعودية. وهو ما يعني أن الحرب يمكنها الاستمرار لفترة عند وضعها الراهن دون مخاوف اتساعها أو مفاجأتها لأطرافها بأوضاع غير محسوبة.

وهذا هو السيناريو الأمثل بالنسبة للحوثيين وأنصار صالح، حيث أنهم الآن في موقع القوى غير الشرعية التي لا تتحمل مسؤولية الحكم، ولا تقع على عاتقهم مسؤوليات الدول أمام شعوبها، بل إنه كلما ارتهن اليمنيون للحصار والجوع والفقر، ولأشكال متعددة من المعاناة، فإن ذلك يوفر حالة تمكنهم من المتاجرة بها في الداخل والخارج ضد دول التحالف، ويمكنهم استمرار الوضع الحالي للحرب من الادعاء بإجهاض أهداف التحالف من الحرب وإبقائها عند مستوى عدم جني الثمار أو المكاسب التي استهدفها التحالف منذ البداية، ومن ثم تسويق ادعاء فشل التحالف وعاصفة الحزم. ويعني هذا السيناريو خسارة الحوثيين وأنصار صالح في محصلة القوة الشاملة، ولكن مع زيادة مساحة التعاطف معهم داخل اليمن، حيث أن استمرار الأوضاع الداخلية السيئة من الممكن استثماره للتشكيك في قدرة التحالف على تحقيق الانتصار، ومن ثم محاولة التشكيك في صواب قرار عاصفة الحزم منذ البداية. كما يعني خسارة التحالف العربي تدريجيا للدعم والتأييد الذي حققه عند انطلاق العملية.

ومن زاوية التقييم العسكري والأداء الحربي العربي، فإن تعثر خطوات الحرب، سوف تكون له نتائج سلبية على قدرة التحالف العربي على شن حروب جديدة في المنطقة ضد هجمات قوى الإرهاب وجماعات ما دون الدولة، ومن ثم يصبح الواقع العربي أسيرا لصراعات قوى خارجة ومتمردة على حالة الاستقرار، إذ من المرجح أن يفرض تباطؤ إيقاع الحرب حالة من الفشل العربي في الانطلاق نحو أهداف جديدة ضد داعش أو النصرة أو القاعدة.. أو غيرها، ومن ثم تصبح عملية عاصفة الحزم أول وآخر تجربة للتدخل العسكري العربي في دول عربية عبر تحالف إقليمي، ويترتب على ذلك أن تفقد المنطقة ثقتها بقدرتها على بناء تحالفات المهمة والهدف، وتعود حاجتها مجددا إلى الضمانات الأمنية الأجنبية، ويتم إجهاض تجربة الأمن الذاتي العربي، ومشروع القوة العسكرية المشتركة.

وعلى صعيد منطقة الخليج، فإن بقاء الأوضاع في اليمن عند وضعها الحالي لفترة أطول، سوف يمكن من ترويج آلة الدعاية الإيرانية وأنصارها في المنطقة، بفشل مهمة التحالف العربي، وسوف يمكن إيران من تسويق دعايتها بأنها هي من تقدم الدعم لليمنيين، وبأنه أصبح لها اليد الطولى في بلد عربي جديد هو اليمن، وهو ما من شأنه توثيق علاقة إيران بالحوثي وصالح. كما أنه من المرجح أن يتجه الحوثيون إلى الإبقاء على مستوى التهديد الذي يطرحونه بين الحين والآخر على مدن وبلدات جنوب المملكة (جازان ونجران)، من أجل تأكيد إمتلاك قدرات الهجوم وتهديد المملكة في العمق، والتأثير على الوضع الداخلي بالسعودية. وبشكل عام، فإن طول أمد الحرب، فضلا عما يشكله من مردود وانعكاس سلبي على دول التحالف، فإنه أيضا يزيد من قدرات الحوثيين وصالح، ويوسع دائرة تحالفاتهم والمراهنين عليهم بين اليمنيين في الداخل.

الثاني: تدخل بري استهدافي/ إنتقائي: على الرغم من أن هناك محاذير ومخاوف كثيرة من جراء خوض قوات التحالف حربا برية ضد ميليشيات عصابية، مع أوضاع وظروف الحرب اللامتماثلة، والتي تشكل في الأغلب مستنقعا للجيوش النظامية، إلا أن هذا الخيار لم يستبعد تماما على الصعيد الرسمي لحكومات دول التحالف العربي، وعلى الرغم من الاقتناع بصعوبة المهمة، إلا أنه عند الاضطرار، وإذا تعرضت مهمة قوات التحالف للفشل التام، فقد تندفع دوله لحرب برية خصوصا إذا استمرت الهجمات الحوثية على مناطق ومدن جنوب المملكة، وإذا تكثف ذلك على نحو ينال من هيبة الدولة السعودية، وهو احتمال يعيه الحوثيون وحلفاؤهم جيدا. وفي هذه الحالة فإن احتمال الغزو البري الشامل لن يكون مرجحا، وإنما الأجدر أن يحدث تدخل عسكري بري انتقائي في مناطق ومدن بها وجود قوي لأنصار الحكومة الشرعية اليمنية والمقاومة الشعبية، مع الإسناد القبلي.

وعلى الرغم من أن هذا التدخل البري "النوعي" "الانتقائي" قد لا يكون حاسما في إدخال تغيير أساسي على معادلات وتوازنات الحرب، إلا أنه على الأقل يجبر الحوثيين وقوات أنصار الرئيس السابق على إعادة التفكير باستراتيجياتهم الأساسية، ويحرمهم من ميزة الحرب البرية الشاملة التي يمكن أن يلحقوا فيها خسائر بقوات التحالف، وهنا تستفيد دول التحالف من ميزة الحرب البرية دون أن تتحمل خسائرها الباهظة التكاليف من ناحية الخسائر البشرية.

مع ذلك ففي ظل هذا السيناريو أيضا لن تتغير معادلات الواقع الراهن كثيرا، بل من المرجح أن يظل إيقاع الحرب مستمرا، يتزايد قليلا في بعض الأوقات والجبهات، ويتناقص قليلا في جبهات وأوقات أخرى. لكن من المرجح أن تزداد فرص الاحتكاك والمواجهات المباشرة بين الطرفين في بقاع ومساحات مختلفة، وأن تصبح الأراضي المحررة أو المعلنة مناطق نفوذ لقوات التحالف محلا لضربات وهجمات الحوثيين، كما سوف تسعى قوات التحالف الموجودة على الأرض في البقاع والمساحات التي تتمكن من السيطرة عليها والإنزال فيها لتوسيع دائرة انتشارها تدريجيا. وعلى الرغم من خسائر هذا السيناريو، إلا أنه من المرجح أن يكون هو السيناريو المطروح والمفروض على دول التحالف بشكل مستمر، كلما واجهت التعنت الحوثي، حيث قد يفرض عليها هذا السيناريو فرضا، في مواجهة التعثر في تحقيق أي من أهدافها الأساسية.

ويمكن لمثل هذا السيناريو أن يتطور إلى شكلين أساسيين، وهما الشكل السلمي والشكل الاستنزافي طويل المدى، ففي ظل حرب يجري خوضها اضطرارا فإنها قد تتطور لتصبح وسيلة وأداة مطلوبة بحد ذاتها لإجبار الحوثيين وقوات صالح على التنازل في المفاوضات، كما قد تستمر الحرب من جانب التحالف انطلاقا من قاعدة أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، خصوصا إذا استمرت اعتداءات الحوثيين على جنوب المملكة، ومن ثم يكون هدفها حينئذ إكمال العملية السلمية ودفع الأطراف المستعصية على الاقتناع حينما تزداد خسائرها على جبهات القتال. ومن ثم تصبح الحرب هنا حربا قصيرة يتحكم بها وبتوقيت إنهائها الطرف المتضرر الذي يستشعر بمآسيها وخسائرها أكثر من الآخر. ومن ثم فإن هدف التدخلات البرية في هذه الحالة هو إجبار الطرف الآخر على تقديم تنازلات في التفاوض، وإجباره على الخيار السلمي(وبالتأكيد أن تلك هي استراتيحية التحالف العربي بالأساس).

أما الشكل الثاني فهو نمط التفكير الذي من المرجح أن يتملك الحوثيين وقوات صالح، وهو فرض نمط حرب استنزاف طويلة على دول التحالف، من خلال إغراق عملية التدخل البري التي تفترض قوات التحالف أن تكون سريعة وخاطفة في مستنقع يمني طويل على غرار تجارب حروب الاستنزاف الكلاسيكية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في فيتنام والاتحاد السوفييتي في أفغانستان. ومن المرجح أن يكون ذلك هو الخيار المثالي لإيران، حيث أنها تتمكن من خلال ذلك من فتح جبهة جديدة على دول التحالف العربي، وتنتهي الحرب ربما بنموذج أو نماذج مستنسخة متعددة من تجربة حزب الله اللبناني على الأراضي اليمنية، وربما بوجود مباشر من قوات الحرس الثوري الإيراني.

ويعني هذا السيناريو - في شقه الأول (السلمي)- انتصار النظام العربي من خلال نجاح سيناريو التدخل البري في إجبار الحوثيين على التنازل على مائدة التفاوض، بينما يعني في جانبه الصدامي (الإستنزافي) مخاطر إستراتيجية للنظام العربي ودخوله نفقا على مدى سنوات، وتغيير في قضاياه الحيوية وفي خريطة القوى والتوازنات بالمنطقة، وفي ظل ذلك قد تزدهر علاقات وتحالفات جماعات ما دون الدولة في المنطقة، وتتأسس دول الطوائف وأنصاف الدول. فعلى الأرجح يعني تطور حرب اليمن إلى حرب استنزافية إنخراط دول الخليج في حرب طويلة تستنزف طاقاتها وقدراتها، وبدلا من انشغالها بالتنافس الاستراتيجي الإقليمي مع إيران والتنافس الاستراتيجي في مجالات الحياة على المسرح الدولي في الفضاء والعلم والمجال النووي والاقتصاد والبيئة، تنشغل بفض صراعها وتفكيك أياديها من مزيد من التورط في الحرب. وهذه استراتيجية قد تتبناها إيران، لإجبار دول المجلس على الالتفات للمواجهة معها بعيدا عن ساحة المواجهة المباشرة في الخليج إلى ساحات تشكل بالنسبة لها "طعنات من الظهر" لدول الخليج. تشغلها عن تطوير قدراتها ومنافسة إيران في القضايا الاستراتيجية في الخليج والإقليم، حيث أن من شأن تركيز دول التحالف العربي الخليجية تحديدا على جبهة اليمن إضعاف قدراتها الاستراتيجية قبالة إيران في ساحات التنافس الأصلية والأساسية وإضعاف مقومات قدراتها الشاملة في العمق والداخل، ومن ثم تبديد طاقات الدول الخليجية في معارك هامشية مع أيادي النفوذ الإيراني تشغلها عن معركتها الأصلية مع إيران الأم.

الثالث: "دولة الجنوب العربي" وخصخصة الحرب: ويعني هذا السيناريو أن ينتهي التفكير الأساسي لدول التحالف إلى تقليص وتخفيف الحمولة عن الذات، فبدلا من التركيز على استعادة اليمن كله من الحوثيين وأنصار صالح، تنتهي دول التحالف إلى تغليب استراتيجية جديدة تعكس استدارة كبرى في التفكير الاستراتيجي، وتركز من خلالها على تكريس نفوذها في بقعة محددة من اليمن الحيوي وهي المناطق بالجنوب المؤهلة لتحقيق ذلك ( دولة الجنوب العربي)، أي استعادة الجزء الحيوي والأساسي من اليمن شديد الأهمية للتحالف، والذي يشكل اقتطاعه بمثابة خلع لأنياب الحوثيين وأنصار صالح، وهو بالنسبة لدول التحالف محافظات ومدن الجنوب اليمني، وترك الجزء الشمالي مهملا لسنوات، وعقاب الشمال باقتطاع الجنوب، وتعزيز تجربة التنمية في الجنوب، وهو ما يمكن في النهاية أن يخلق حوافز شمالية للمقارنة مع أوضاع الجنوب، وحتى تتطور مقاومة شمالية قادرة على التخلص من حكم الحوثيين. وبالطبع فإن هذا السيناريو ليس هو الأمثل يمنيا أو خليجيا أو عربيا، ولكنه على الأقل يمكن أن يصبح السيناريو الرئيسي حتى يعود الحوثيون وأنصار صالح عن مواقفهم تدريجيا. وعلى الرغم من أن مثل هذا السيناريو ليس مرحبا به عربيا إلا أنه أشبه بعملية جراحية لبتر العضو الفاسد، وعلاجه خارج الجسد ثم إعادة تركيبه في الجسد ثانية بعد أن يشفى. ومن خلال ذلك يسعى النظام العربي إلى عقاب القوى المتمردة والخارجة فيه وعزلها عن باقي الجسد حتى لا تفسده، ثم إعادة تركيبها في الجسد بعد أن تبرأ من العطب.

ويمكن التوافق على هذا السيناريو مع قوى الجنوب، والتأكيد بأنه سيناريو مؤقت حتى تتوافر أوضاع وشروط تمكن ثانية من استعادة وحدة الدولة اليمنية. وبالتأكيد أن هذا السيناريو سيكون محل ترحاب جنوبي على وقع الحراك الانفصالي المتنامي منذ سنوات، لذلك ينبغي التأكيد عى قوى الجنوب بأنه ليس حلا نهائيا ولا يعني دعما عربيا لشرعية انفصال الجنوب عن الشمال، وإنما هو خيار وسيناريو مؤقت ووظيفي يستهدف حفز قوى العصيان والتمرد في الشمال على الحوثيين وصالح، وإنضاج بديل مسؤول في اليمن الشمالي من شأنه مواجهة الحوثيين، وتخليق بديل مدني/ قبلي/ عسكري/ تجاري يمني شمالي جديد يكون مستعدا للدخول في توافقات وشراكات من أجل التغيير السياسي وإنهاء سطوة الحوثيين، وتفكيك تركيبة الحكم والأنقاض المتبقية من حكم صالح. بذلك يتم إبعاد الجنوب عن السيناريوهات الكارثية التي يريد الشمال توريطه فيها. وفي ظل هذ السيناريو من المتوقع أن يخفف الشماليون من مساعيهم لإيذاء جنوب المملكة بالصواريخ أو الهجمات الفجائية، وإنما سوف ينشغلون في المواجهة مع دولة الجنوب وفي السيطرة على مناطقها.

وإذا تمكنت دول التحالف العربي من دعم وتعزيز دولة الجنوب كنموذج للتطوير مقارنة بأوضاع الحرب والفساد في الشمال، فإنها يمكن أن تعكس وضعية الحرب لتكون أشبه بحرب استنزاف بالمقلوب على الحوثيين وقوات صالح في سياق استراتيجية طويلة النفس، كما يمكنها أن تجعل الجنوب منطقة جذب للشماليين المدنيين المسالمين، والرهان على تطوير خيار مدني وطني مقاوم للحوثيين وصالح، وتعزيز الخيار المقاوم في الجنوب، بحيث تبتعد دول التحالف ذاتها تدريجيا عن الانخراط المباشر في الداخل اليمني، وتنفض عن كاهلها جبهة اليمن لتتفرغ أكثر إلى المشروع الإيراني الأصلي.
وبالتأكيد إنه لن تكون هناك ضمانة لقبول الجنوبيين ثانية إعادتهم إلى الجسد اليمني، ولكن من المؤكد إمكان حدوث ذلك في ظل صيغة فيدرالية عصرية، وأيضا في ظل ضمانات خليجية وعربية وأممية، وفي ظل الوعد الخليجي الأكبر لليمن، بإدخاله عضوا في مجلس التعاون الخليجي.

رابعا: التصدع المفاجئ في جبهة الحوثي - صالح: يبقى هناك مجال لسيناريو يتوقع الانهيار الفجائي أو الانشقاق والتصدع الكبير في جبهة الحوثي - صالح في ظل تطورات محددة للحرب، أو في ظل موقف عربي ودولي أكثر شدة وصرامة من الطرفين. ففي كثير من الأحيان ترسم أطراف الصراع لذاتها أوضاعا من القوة الطاغية لكنها تظهر مع الأيام أنها لم تكن سوى ديناصورات من ورق. وهو ما تكشف مرارا في ظل المواجهات الأمريكية مع عراق صدام حسبن أو طالبان أفغانستان أو قذافي ليبيا، وقد تخور قوى الأطراف فجأة لعوامل لا تبدو واضحة وجلية للمحللين من الخارج، لكن المؤكد أن تحالف الحوثي - صالح ليس قويا أو عقيديا أو مبدئيا، وإنما هو تحالف مصلحي ظرفي من المؤكد انتهاؤه وانهياره بمجرد زوال الأخطار والتهديدات المشتركة على الجانبين.
وتمكن هذه الحالة قوى التحالف إذا أحسنت اللعب بالأوراق اليمنية، وتقليب خياراتها ثانية من فرصة قوية لتفكيك هذا التحالف، أو على الأقل تبني استراتيجية لتفتيت تحالفات القيادة بين الجانبين وداخل كل منهما. ويحتاج التحالف بين الحوثيين وصالح للتفكير فيه وتحليل طبيعته لاستغلال نقاط الضعف في هذا التحالف، كما يحتاج لدراسة جيدة للقيادات والرؤوس المشكلة داخل كل منها من أجل اجتذاب الرموز والأطراف التي تمتلك نوازع للاختلاف والتباين مع القيادة، ومن ثم يمكن فض وتفكيك تحالفات القيادة، عبر تبني استراتيجيات وتكتيكات تفتيتية، تستهدف القيادات الكبرى والوسيطة عبر توظيف عناصر الإغراء والوعد والوعيد، وغير ذلك.

وفي مسار متواز مع ذلك يمكن لدول التحالف أيضا العمل على تفكيك الشراكات والتقاطعات الداخلية الإقليمية والدولية لجبهتي الحوثي – صالح، عبر اجتذاب روسيا أكثر إلى الخيار الخليجي العربي، وهناك الكثير من الحوافز التي يمكن اجتذاب روسيا من خلالها. ويترافق مع ذلك مشروع مارشال خليجي وعربي، يستهدف طمأنة اليمنيين من مدخل عروبي تصالحي أصيل، يعيد تجديد وإحياء الهدف العربي من الحرب، والتأكيد على أنها لا تستهدف إلا مصلحة اليمنيين وإعادة تأكيد العروبة في اليمن. فبالنظر إلى خضوع اليمنيين لدعاية الحوثي – صالح على مدى أشهر من المرجح أن تكون قوى مجتمعية كثيرة قد استنامت أو خضعت لتأثير ودعاية الجانبين، وهو أمر ينبغي التعامل معه بحكمة. وينبغي التأكيد على أنه لا مشكلة إطلاقا في يمن بحكم حوثي أو إسلامي أو قومي أو ديمقراطي طالما أنه لا يشكل تهديدا لجواره الخليجي أو للأمن القومي العربي، وأن المشكلة الأساسية للحرب كانت هي إيران، لأنه في الأغلب فإن هذا الأمر لم يجر إعلام اليمنيين بخطورته جيدا.

 

مقالات لنفس الكاتب