; logged out
الرئيسية / التحديات الفعلية التي تواجهها قوات النظام السوري

العدد 98

التحديات الفعلية التي تواجهها قوات النظام السوري

السبت، 01 آب/أغسطس 2015

نتيجة لاستمرار الثورة واستمرار العمليات العسكرية في جميع أنحاء البلاد ، ونتيجة لوتيرة الاستنزاف العالية نسبيا للعناصر البشرية التابعة للنظام (من أفراد القوات النظامية ومليشيات غير نظامية)، واجه النظام  وبعد أشهر من اندلاع العمليات العسكرية ضد الثوار أزمة حقيقية في شحالعنصر البشري المقاتل, ونتيجة للانشقاق السياسي والطائفي القائم في سوريا واجه النظام مشكلة الاعتماد بشكل حصري على من يصنف أنه من "العناصر الآمنة" ، أي التي تدين بالولاء للنظام بدافع الانتماء الطائفي أو المصلحي أو غيرها من الدوافع أو الانتماآت التي تضمن الولاء, وتمثل العناصر التي تكون مستعدة للتضحية والبذل دفاعا عن النظام (ودفاعا عن نفسها ومصالحها الذاتية).

في أبريل 2014 م, قامت قوات الحرس الجمهوري بحملة منظمة من أجل تجنيد عناصر جديدة في صفوفها ، بعد مواجه قوات الحرس نقصا خطيرا في موجودها البشري نتيجة لعوامل متعددة, لذلك  قامت قيادة قوات الحرس الجمهوري بحملة لحث أبناء الطائفة العلوية، وطوائف الأقليات الأخرى وخاصة الأقلية المسيحية من أجل الانخراط والتطوع في الخدمة ضمن وحدات الحرس الجمهوري, وكانت حملة الترويج للتطوع توظف اللغة الطائفية – الدينية مناديا " أحفاد الكرار" و "أبناء عيسى" للتطوع للدفاع عن الوطن , وتم توزيع مطبوعات الحملة الترويجية في مناطق الأقليات العلوية والمسيحية ، حيث عثرت عناصر المعارضة على هذه المطبوعات في منطقة تشالما بعد تحريرها. وكانت وسيلة الإغراء الأخرى هي التلويح بدفع رواتب عالية وامتيازات مالية كبيرة للمتطوعين الجدد تبلغ أربعين ألف ليرة سورية شهريا، وعقود عمل مضمونة لمدة سنتين، ولكن من المعتقد أن هذه الحملات الترويجية لم تواجه النجاح المطلوب  ولازالت قوات النظام تعاني من مشكلة شح العنصر البشري المقاتل.

وتعود مشكلة شح العنصر البشري المقاتل إلى بروز عوامل متعددة ساهمت بشكل فعال في تعميق المشكلة التي يواجهها النظام ومنها:

نسبة الاستنزاف البشري العالية نسبيا ضمن قوات النظام

هذه الظاهرة شهدت تصاعداً كبيراً في فترات زمنية محددة نتيجة لتوسع رقعة العمليات العسكرية أو تعدد الجبهات القتالية في وقت متزامن مما أدى إلى حدوث حالات من الاستنزاف الكبيرة للقوة القتالية البشرية التابعة للنظام,  فاستنادا لمضمون تقرير نشره "المرصد السوري لحقوق الإنسان" في مطلع شهر سبتمبر 2014 م, أشار إلى مقتل 2366 عنصرا من قوات النظام خلال فترة شهرين فقط(الفترة الزمنية الممتدة من بداية شهر تموز / يوليو وحتى نهاية شهر آب / أغسطس)، بينهم أكثر من 800 قتلوا في المواجهات العسكرية المباشرة مع قوات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أو قضوا "إعداما أو ذبحا" على يد التنظيم في حمص والرقة. في الوقت نفسه لا يزال مصير مئات المفقودين من الجنود مجهولا منذ سقوط مطار الطبقة العسكري التابع للنظام خلال الفترة الزمنية ذاتها وهي أعداد من المفترض أنها لم تدخل في احصائيات القتلى من قوات النظام إلى حين التيقن من مصيرهم.

وهذا التقرير لا يمثل إلا عينة لما يجري على أرض الواقع ، ولا يعكس إلا جزءً صغيراً من صورة كبيرة لما يواجه قوات النظام من تحديات في قضية الخسائر البشرية الكبيرة في صفوف قواته, ولا توجد حتى اليوم احصائيات دقيقة ، أو تقارير يمكن الاعتماد عليها تعكس الحجم الحقيقي لخسائر العنصر البشري التي مُنيت بها قوات النظام منذ اندلاع الثورة السورية المسلحة في أوائل عام 2011م, وفي نهاية شهر آب / أغسطس اصدر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" معلومات نسبها إلى مصادر موثوقة وصفت بكونها من "ضباط في شعبة  التنظيم والإدارة، في الجيش والقوات المسلحة التابعة للنظام" تشير إلى أن خسائر قوات النظام حتى منتصف عام 2014 م, بلغت أكثر من 110 ألف قتيل ، منهم 75 ألفا من صفوف القوات النظامية التابعة للنظام ، يضاف إليها حجم خسائر قوات الدفاع الوطني، واللجان الشعبية المسلحة الموالية للنظام، والتي تعرف بـ " الشبيحة"، والتي تقدر بنحو 40 ألف قتيل، ليكون المجموع الكلي يتجاوز 110 آلاف من القتلى، وأضعاف هذا الرقم من الجرحى والمصابين الذين تم اخراجهم من الخدمة العسكرية الفعلية لأسباب مرضية.

ظاهرة الهروب من الخدمة العسكرية تهدد الجيش السوري وتعرضه للانهيار

ظاهرة الانشقاقات ضمن المؤسسة العسكرية

قادت عددا كبيرا من العناصر العسكرية وعلى جميع المستويات والرتب  إلى التمرد على النظام والانضمامإلى قوات الثوار, حيث كانت هذه الظاهرة منتشرة بشكل واسع في الأشهر والسنوات الأولى من اندلاع الثورة  رغم انخفاضها الملحوظ مع استمرار الثورة  وعجزها على الانتصار أو الحسم مما أدى إلى انخفاض الروح المعنوية بين داعمي مشروع الثورة ، وحدوث ظاهرة التردد في الانشقاق  خوفا من عقاب النظام وأجهزته الأمنية، أو خوفا من عدم قدرة الثورة في تحقيق الانتصار النهائي على النظام مما قد يقود لعودة القدرة الانتقامية للنظام من معارضيه, ولا توجد احصائيات دقيقة لعدد العناصر السورية التي انشقت عن المؤسسة العسكرية للنظام  لكون العناصر المنشقة موزعة بشكل عشوائي وغير ثابت بين البقاء داخل سوريا أو الفرار إلى  دول الجوار، وانتشرت معلومات عام 2011 م, مفادها انشقاق أكثر عشرة آلاف عن المؤسسة العسكرية السورية, وفي نهاية عام 2011  م, قدر النقيب عمار الواوي قائد كتيبة أبابيل في حلب عدد المنشقين من القوات المسلحة بأكثر من 25 ألفا من كافة الرتب العسكرية,  وفي بداية عام 2013 م,  قدر مصدر أردني وجود أكثر من سته آلاف من المراتب العسكرية التي أعلنت انشقاقها عن النظام على الأراضي الأردنية فقط. 

ظاهرة الهروب من الخدمة الميدانية الفعلية

قادت هذه الظاهرة عددا كبيرا من عناصر القوات المسلحة التابعة للنظام إلى الهروب من المواقع العسكرية والاختفاء عن،أنظار السلطة، فالكثير من جنود الجيش السوري هم اليوم في وضع «الاحتفاظ»، وهو إجراء تتخذه قيادة القوات المسلحة عادةً في الأوضاع الاستثنائية ومنها حالات الحرب ويعني الاستمرار في الخدمة العسكرية بعد انتهاء موعدها القانوني. ومنذ اندلاع الثورة السورية في أوائل عام 2011 م، لم يتم تسريح معظم المجندين الذين مكثوا فترة إضافية تجاوزت حتى الآن خمس سنوات.

لذلك فإن أغلب حالات الفرار ناتجة عن استمرار الخدمة الإلزامية لفترة أطول من الفترة المقررة قانونا (24 – 36 شهرا)، وإغلاق أبواب التسريح من الخدمة العسكرية إلى أجل غير مسمى، وارتفاع مخاطر الموت أو الأسر خلال العمليات القتالية، وصعوبة ظروف العمل والمعيشة، وعدم الإيمان بأهداف النظام أو حتى التعاطف مع أهداف الثوار. لذلك شهدت وحدات القوات المسلحة التابعة للنظام ظاهرة اختفاء العناصر الذين ذهب معظمهم إلى مدنهم الأصلية، ومنهم من انضم إلى موجات النازحين لخارج القطر (الأردن أو تركيا)، ومعظم أفراد هذه الفئة لم ينضموا إلى قوات الثوار واكتفوا بالهروب من الوحدات العسكرية التابعة للنظام، وقد ظهر مؤخراً مصطلح عن حالات تسمّى في الجيش «تشكيل فرار»، وتعني هروب المجنّد من مكان خدمته، غالباً إلى مناطق تقع خارج سيطرة الدولة، وأحياناً إلى خارج البلاد.

ظاهرة الهروب من نظام التجنيد الاجباري (الخدمة العسكرية الإلزامية)

هي ظاهرة أخرى ساهمت بشكل كبير في إضعاف البنية العسكرية للنظام، فنظام التجنيد الاجباري (الخدمة العسكرية الإلزامية) أصبح شبه منهار، فالمناطق التي خرجت عن سيطرة النظام (وتمثل أكثر من نصف البلاد) لم يعد يوجد فيها نظام تجنيد بأي شكل من الأشكال، والمناطق التي لازالت خاضعة لسيطرة النظام شهدت انخفاضا قارب نسبة 85% في عدد المكلفين للخدمة الذين انضموا إلى الخدمة العسكرية الفعلية، والمدن الوحيدة التي لازالت تطبق نظام التجنيد الإلزامي هي مدن الساحل السوري (أي مناطق تمركز الأقلية العلوية).

وعلى ما يبدو أن النظام وأجهزته الأمنية تقف عاجزة عن التعامل مع هذه الظواهر الثلاث التي أدت إلى حدوث شح خطير في العنصر البشري المقاتل (الانشقاق، الفرار الميداني، رفض الخدمة العسكرية)، والوسيلة الوحيدة المتبقية هي إما تقديم الاغراءات المالية لجذب مزيدا من المتطوعين، أو الاستنجاد بالحس الطائفي للمواطن السوري، خاصة ضمن أبناء الأقليات المذهبية، وخاصة الأقلية العلوية

تشكيل قوات برية جديدة للمعارضة غير وارد قريبا ولا يمكن الاعتماد على هذا السيناريو

التدخل العسكري الخارجي ضد "الإرهاب"

برز خلال شهر تموز / يوليو اختيار جديد يقوم على التدخل الخارجي المقيد بقيود متعددة تحت مضلة "التحالف ضد الإرهاب". وكان اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) لمحافظة الموصل العراقية يوم 6 حزيران 2014 الأثر الكبير في تأسيس التحالف الدولي الجديد. وجاء هذا العمل التدخلي مقيدا بالقيود التالية:

1)    هو عمل تدخلي مقتصر بشكل حصري على سلاح الجو (استبعاد استخدام القوات البرية)

2)    يعتمد العمل الجوي افتراضا على الأطراف المحلية في سوريا لتقديم الاسناد الأرضي

3)    إن هدف العمل التدخلي هو محدد بمحاربة الإرهاب (الجماعات المتطرفة) ، وليس اسقاط النظام السوري.

4)    إنه عمل يشمل ساحتي العمليات السورية والعراقية بالتزامن (انطلاقا من هدف مكافحة الإرهاب)

5)    إنه عمل لا حدودية زمنية واضحة له، لذا يفترض أنه عمل عسكري مستمر لفترة طويلة. ويحمل مثل هذا العمل توقعات سلبية وإيجابية. فعدم وجود "إطار زمني" للعملية العسكرية يعني أنها قد تستمر فترة طويلة، في نفس الوقت فإن عدم وجود "إطار زمني" يعني أن هذه العملية من الممكن أن تتوقف في أي لحظة تحددها الدولة الرئيسية في التحالف.

6)    إن النية لتشكيل قوات برية جديدة من قوى المعارضة السورية تقوم بمهمة الاسناد الأرضي تحت غطاء الحماية الجوية، هو مشروع طويل الأمد، ولا يمكن الاعتماد عليه في هذه المرحلة. ففكرة تجنيد عدة آلاف من المقاتلين وتدريبهم خارج سوريا ثم  إدخالهم إلى البلاد من أجل المساعدة في الضغط على النظام هي فكرة لازالت نظرية. وترجمتها إلى واقع عملي مؤثر ميدانيا ستستغرق وقتا طويلا.

تحديات ونتائج التدخل الجوي المقيد المحتملة

1)    العمل الجوي المنفرد لا يتجاوز كونه "عمل اسنادي" وليس "عمل تحريري"، أي أن هدف التدخل الجوي الخارجي هو توفير الغطاء الجوي للعمليات العسكرية الجارية على الأرض. ولكن التحدي الحقيقي الذي يجعل هذا التدخل ذو تأثيرات محدودة هو انعدام التنسيق بين القيادة التي تقوم بالعمليات الجوية (التحالف العسكري العربي – الغربي) من جهة، والقيادات الميدانية على الأرض من جهة أخرى، ومعظمها من فصائل المعارضة السورية المسلحة. فعلى ما يبدو إن العمل الجوي لا يستند على خطة موحدة ومنسقة هدفها تحرير الأرض من سيطرة الجماعات المتطرفة (الجماعات الإرهابية).

2)    يبدو من قائمة الأهداف التي تعرضت للهجمات الجوية لقوى التحالف، أن أحد أهداف العمل الجوي الأساسية هو مهاجمة وتدمير "البنى التحتية " للجماعات الإرهابية داخل الأراضي السورية. لذا شملت قائمة الأهداف التي تم مهاجمتها مواقع يفترض كونها مواقع قيادة وسيطرة للجماعات الإرهابية، معسكرات ومراكز التدريب، مواقع تخزين الأسلحة والأعتدة، والمواقع ذات المنافع الاقتصادية وعلى رأسها حقول النفط والغاز بجانب مصافي النفط المفترضة. ولكن المجموعات المتطرفة لا تمتلك بنية تحتية واسعة، لذا فان العمل العسكري الجوي له محدودية في التأثير.  

3)    كان من المفترض أن العمل الجوي العربي – الغربي المشترك للتحالف الجديد في المجال الجوي السوري أن يفرز "منطقة حظر طيران" فعلية، تمنع طائرات النظام من التحليق في الأجواء السورية. فالمفترض أن الطائرات الغربية وخاصة الأمريكية لن تتواجد في الأجواء السورية بجانب طائرات النظام، لكون هذا الأمر يشكل تهديدا محتملا لهذه الطائرات، خاصة في ظل إعلان النظام السوري عن عدم الموافقة على هذا النوع من التدخل الجوي الخارجي، وإصدار التهديدات بالتعامل مع أي خرق للمجال الجوي السوري. ولكن المعلومات المتوفرة منذ بداية الحملة الجوية تشير إلى استمرار استخدام النظام لطائراته، وخاصة طائرات الهليكوبتر، واستخدام الطائرات المقاتلة في عمليات الجبهة الجنوبية، رغم وجود انخفاض ملحوظ في عدد طائرات النظام وعدد الغارات التي يقوم بها ضد مواقع الثوار. ومن الممكن الاستنتاج أن الولايات المتحدة، عبر عدم الاعتراض على عمليات سلاح طيران النظام المتزامنة من عمليات التحالف، قد أسست قواعد الصراع والتي مفادها أن عمليات التحالف العربي – الغربي في المجال الجوي السوري لا تشمل قرار إعلان "منطقة حظر طيران" لذا فإن سلاح الجو التابع للنظام لازال فعالا ولو بشكل محدود وبدرجة عالية من الحذر، ولكنه لم يخرج من المعركة كما كان متوقعا. 

 

مجلة آراء حول الخليج