; logged out
الرئيسية / الدور الروسي في الأزمة السورية

العدد 98

الدور الروسي في الأزمة السورية

السبت، 01 آب/أغسطس 2015

تمثل الحالة السورية خروجاً عن الخط العام في السياسة الروسية والذي يتميز بقدر كبير من الحذر والتحفظ، حيث كانت موسكو أكثر سرعة فى الاستجابة وحسماً فى مواقفها من سوريا. ورأت أن ما يحدث فى سوريا هو "نزاع داخلى مسلح" أو حرب أهلية، وأن بشار الأسد لا يتحمل وحده مسؤولية العنف وإنما يتحمل الطرفان، السلطة والمعارضة، مسؤولية ما يحدث فى ظل العنف المتبادل بينهما. كما أكدت على دور "الطرف الثالث"، وأن النزاع ليس فقط بين النظام السورى والمعارضة وأن هناك ما يسمى "القوة الثالثة" وهي تنظيمات إرهابية تنامى نشاطها على نحو ملحوظ يهدد ليس فقط سوريا وإنما الأمن الإقليمي.
فى هذا السياق رفضت موسكو الدعوة إلى تنحي بشار، مع التأكيد على أن روسيا لا تدعمه كشخص ولكنها تحافظ على كيان الدولة السورية حتى لا تتكرر مأساة ليبيا ومن قبلها العراق. كما رفضت رفضاً قاطعاً أى تدخل خارجى مباشر أو غير مباشر، إنطلاقاً من حتمية الحل السلمي وجلوس كل الأطراف المعنية على طاولة المفاوضات. ووجهت موسكو انتقادات حادة لدعم المعارضة المسلحة واعتبرته تدخلا خارجيا غير مباشر لا يمكن قبوله ويؤدى إلى زعزعة الاستقرار فى سوريا والمنطقة بأسرها. وأنه "عدوان عسكري خارجي مبطن يحق للحكومة السورية أن تقضي عليه".
وقد اتخذ الدعم الروسي للنظام السوري ثلاثة أبعاد أساسية. أولها، الدعم الدبلوماسي والسياسي فى المحافل الدولية المختلفة. فقد فشلت المساعي الغربية المتكررة لإصدار قرار من مجلس الأمن يدين السلطات السورية بسبب معارضة روسيا واستخدامها الفيتو أربع مرات فى 5 أكتوبر 2011، و5 فبراير 2012، و19 يوليو2012، و22 مايو 2014.
كما قامت روسيا بالاعتراض على قرار الجمعية العامة بشأن سوريا الصادر فى 3 أغسطس 2012، الذي أعدت مشروعه المملكة العربية السعودية وتضمن إدانة استخدام العنف من قبل الحكومة السورية، وتسريع عملية الانتقال السياسي للسلطة. وانتقدت قرار جامعة الدول العربية الصادر في 22 يوليو2012 الذي يدعو إلى تنحي بشار الأسد وتشكيل حكومة انتقالية ورأت أنه لا يساهم فى تسوية الأزمة ويغلق الباب أمام أي حديث عن الإصلاح السياسي. وصوتت موسكو ضد قرارات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن سوريا، لرفضها استخدام الآليات الحقوقية من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وعارضت إحالة الملف النووي السوري إلى مجلس الأمن، فى اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى يونيو 2011، ولكن تم تمرير القرار بالأغلبية.
ثانيها، الوساطة ومحاولة الدفع بالتسوية السلمية للأزمة السورية. فمنذ بدايات الأزمة حاولت روسيا لعب دور الوسيط بين النظام والمعارضة، واستقبلت وفد المجلس الوطني السوري برئاسة برهان غليون مرات عدة. وكان للدبلوماسية الروسية الدور الرئيسي فى التوصل لخطة كوفى أنان للتسوية فى سوريا. وهي صاحبة مبادرة عقد مؤتمر جنيف الدولي للتسوية فى سوريا تحت رعاية الامم المتحدة، وأكدت على ضرورة إشراك الفاعلين الإقليميين ذوي التأثير وفى مقدمتهم إيران والسعودية. وقاطعت مؤتمرات مجموعة "أصدقاء سوريا"، لكونها مضرة، وتقتصر أعمالها على إيجاد مختلف الذرائع للاطاحة بالحكومة السورية الحالية، ودعم المعارضة الخارجية فقط، من وجهة النظر الروسية. كما طرحت روسيا مبادرة تدمير الأسلحة الكيماوية السورية مقابل وقف الضربة العسكرية الأمريكية لسوريا وعقد مؤتمر جنيف2، وتدعو الآن لعقد جنيف 3 . واستضافت موسكو مفاوضات بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة، ومنذ مطلع العام الجاري استضافت لقائين تشاوريين بين الجانبين فى يناير وأبريل وتسعى لعقد اللقاء الثالث.
ثالثها، الدعم الاقتصادي والعسكرى للنظام السوري. فقد أكدت روسيا رفضها للعقوبات الأمريكية والأوربية على سوريا ورأت أن فرض العقوبات، لابد وأن يكون من قبل مجلس الأمن الدولي، وفي حالات الضرورة القصوى فقط. واستمرت في علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع دمشق وقامت بدعمها فى مواجهة العقوبات الأمريكية والأوربية والعربية. وتم الاتفاق فى أغسطس 2012 على أن تقوم موسكو بتقديم قرض لسوريا وكمية من العملة الصعبة والاستمرار في تصدير النفط ومشتقاته إلى دمشق. كما تم طبع أوراقاً نقدية سورية جديدة في روسيا لاستبدال الأوراق المهترئة ودفع المرتبات والنفقات الحكومية بعد أن رفضت الشركة التابعة للبنك المركزي النمساوي الطبع منذ فرض عقوبات الاتحاد الأوربي على سوريا عام 2011.
هذا إلى جانب استمرار التعاون العسكرى بين البلدين، فهناك عدد من الخبراء العسكريين الروس فى دمشق، وفى مواجهة التهديد الأمريكى بضرب سوريا اتجهت عدد من السفن الحربية الروسية إلى ميناء طرطوس، الأمر الذي جعل توجيه ضربة ضد سوريا بمثابة مواجهة مع روسيا. كما تواصل مؤسسة "روس اوبورون اكسبورت" الروسية توريد السلاح إلى سوريا بموجب العقود الموقعة سابقا. وإن كانت روسيا قد أكدت فى أكثر من مناسبة أن كل الأسلحة التي تقوم بتصديرها إلى سوريا ذات طابع دفاعي، ومن غير المحتمل استخدامها ضد أهداف مدنية لأنها مخصصة لصد المدرعات والأهداف الجوية فى حال تعرض سوريا لعدوان خارجى. وأن موسكو لا تريد تكرار السيناريو الليبى حين أوقفت روسيا توريد الأسلحة إلى ليبيا بينما استمرت الدول الغربية فى إمداد المعارضة بالأسلحة فى خرق واضح لقرارات مجلس الأمن.

ويكمن وراء هذا الموقف الروسي جملة من العوامل. أولها، خصوصية العلاقة بين موسكو ودمشق. فمنذ وصول حافظ الأسد للسلطة مطلع السبعينات وعلى مدى ما يزيد عن أربع عقود توطدت العلاقة بين موسكو ودمشق، وأصبحت الأخيرة هي ركيزة السياسة الروسية فى المنطقة خاصة بعد تدهور العلاقات بين موسكو والقاهرة واتجاه الأخيرة للتحالف مع واشنطن من ناحية، وتطور العلاقات بين موسكو وطهران التي تعتبر الشريك الأساسى للنظام السورى من ناحية أخرى. فى ضوء ذلك ترى موسكو أن فقدان سوريا يعنى فقدان حليفها الحقيقى الوحيد في العالم العربي. وهذا بدوره يعني أن روسيا ستخسر منطقة الشرق الأوسط برمتها، وأن النفوذ الأمريكي في المنطقة سينتشر بلا حسيب أو رقيب من وجهة النظر الروسية. كما إن سوريا هى امتداد جغرافي للحدود الجنوبية الروسية، ومن ثم فإن سقوط النظام السوري يعني أن جبهة المواجهة مع الغرب سوف تقترب من الحدود الروسية في منطقة القوقاز، وجمهوريات آسيا الوسطى التى تعتبر مجال حيوى طبيعى لروسيا. ويمّكن الولايات المتحدة من إحكام الطوق حول روسيا، ومواصلة خططها الرامية لنشر الفوضى فى محيطها.
ثانيها: المصالح الروسية فى سوريا، ويأتى فى مقدمتها القاعدة العسكرية الروسية في ميناء طرطوس والمخصصة لخدمة سلاح البحرية الروسية، وخدمة السفن الروسية التي تؤدي مهمات عسكرية في منطقة البحر المتوسط وخليج عدن وتتيح لها التزود بما تحتاجه من الوقود والمؤن والمياه، وأعمال الصيانة. وللوجود الروسى فى البحر المتوسط أهمية كبرى حيث أن أى قوة كبرى تحتاج إلى منافذ آمنة على المياة الدفيئة والبحار المفتوحة والمحيطات، ولايمكن تصور قوة كبرى دون قوة بحرية وأسطول قوى، وانفتاح على العالم يكفل علاقات اقتصادية وتجارية متنامية. ورغم إمتداد السواحل الروسية إلا إن موانيها غير صالحة للملاحة معظم أشهر السنة نظراً لتجمدها. ومن ثم فإن الوصول إلى المياه الدفيئة فى الخليج العربى والبحر المتوسط عبر البحر الأسود مثل أهمية استراتيجية عظمى لروسيا. ومن ثم يمثل روسيا اهتماماً كبيراً بمنطقة الشرق الأوسط منذ العهد القيصري، ومازال لهذا ظلاله على السياسة الروسية حتى اللحظة.
يضاف إلى هذا مبيعات الأسلحة إلى سوريا حيث تعتمد سوريا في المرتبة الأولى على التسلح الروسي، ومنذ العام 2005 تم إبرام صفقات كبرى لإمداد الجيش السوري بالصواريخ الروسية ومنها صفقة إس300.
كما إن هناك استثمارات روسية هامة في قطاع الطاقة السوري، إلى جانب التبادل التجارى والتعاون الاقتصادي والتقني بين البلدين، ورعايا روسيا في سوريا الذين يبلغ عددهم حوالي 30 ألف من الزوجات الروسيات وأبناء الزيجات المختلطة، وتعتبر الأقلية الشركسية في سوريا داعمة للنظام السورى، ولهذه الأقلية إمتدادها فى روسيا.
ثالثها، مكافحة الإرهاب، فروسيا عانت طويلاً من الإرهاب واجتاحتها موجات عنيفة من عدم الاستقرار فى منطقة القوقاز الروسى طوال التسعينات، ومازال الإرهاب جرح يدمى القوقاز وروسيا. وقد زادت المخاوف الروسية فى الآونة الأخيرة مع تسلل التهديد "الداعشى" إليها، وتنامى صلات التنظيم مع نظرائه فى القوقاز الروسي خاصة وأن هناك حوالي ألفي من أبناء هذه المنطقة يقاتلون في صفوف المسلحين في سوريا والعراق. وتسعى روسيا جاهدة لمكافحة الارهاب والقضاء على التطرف داخل روسيا وفى جوارها ومنه منطقة الشرق الأوسط خاصة سوريا. وترى موسكو أن النظام السورى الحالي، على علاته، هو الوحيد القادر على ضبط هذه الأمور وعدم السماح للإرهابيين باتخاذ البلاد منطلقا لأعمالهم، وأنه حائط الصد الذي يحميها وعواصم عربية أخرى ستتوجه إليه "داعش" حال سقوط النظام السوري.
رابعها، العوامل الاستراتيجية حيث ترى موسكو أن الولايات المتحدة تسعى إلى إحكام قبضتها على المنطقة ووضع حد للشراكة العربية المتنامية مع القوى الآسيوية الصاعدة وفى مقدمتها روسيا والصين، وذلك من خلال إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط جغرافياً وسياسياً، وإضعاف القوى الإقليمية الهامة العربية وغير العربية الكبرى وخلق كيانات ضعيفة يسهل توجيهها ولا تمثل خطرا على مصالحها فى المنطقة. وأن ما تشهده الدول العربية هو صورة أخرى للثورات الملونة التى حاولت الولايات المتحدة من خلالها إحداث تغييرات عميقة فى دول الكومنولث التى تمثل المجال الحيوى لروسيا. وتعتبر سوريا بموقعها الجغرافي المتميز وتحالفاتها الإقليمية مع إيران وحزب الله منطلقا مثاليا لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. ذلك أن سقوط النظام السوري، يفتح الباب أمام تصفية الحسابات القديمة بين الولايات المتحدة وإيران وكسر شوكة طهران.
خامسها، أزمة الثقة بين روسيا والولايات المتحدة، فموسكو ترى أن واشنطن مازالت عازمة على تأجيج الصراع المسلح فى سوريا وتشكك في النوايا الأمريكية بشأن التسوية السلمية في سوريا خاصة بعد أن خصصت مؤخراً مبلغ مليار دولار لدعم "المعارضة المعتدلة" وأقامت أحد عشر مركزاً لتدريبهم فى الأردن وحدها إلى جانب تلك فى تركيا. كما إن الخبرة الروسية السابقة في تعاملها مع الولايات المتحدة والغرب أوضحت أن التفاهمات تطيح عادة بمصالحها، ولا تحترم واشنطن وعودها وتعهداتها. وتعتقد موسكو أن واشنطن وحلفاءها تجاوزوا نص القرار بشأن ليبيا وطبقوه وفق أهوائهم، وقد أثر ذلك على الموقف الروسى من سوريا، وأدى إلى حذر موسكو ورفض تكرار سيناريو التدخل الأمريكى تحت أى مظلة فى الحالة السورية. كما إن انتهاك الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى لاتفاق عام 1997 بين الجانبين والذي يلزم الحلف بعدم نشر قواته على أراضي شرق أوروبا بشكل دائم وتعزيز الوجود العسكرى الأمريكى فى شرق أوربا ومحاولة ضم أوكرانيا وجورجيا إلى الحلف أدى إلى تعميق الشكوك الروسية تجاه واشنطن وتصاعد التوتر فى العلاقة بين البلدين ووصولها حد التأزم منذ أواخر عام 2013 على خلفية الأزمة الأوكرانية.

في ضوء خصوصية العلاقات الروسية السورية ومصالح روسيا الحيوية فى سوريا، وغياب البديل المطمئن لموسكو، وفقدانها الثقة فى أى تعهدات غربية وأمريكية، فإنه ليس من المنتظر أن يشهد الموقف الروسي من الأزمة السورية تغييرا ملموسا، ولن تثق روسيا فى أى ضمانات يقدمها الغرب. وقد أعاد الرئيس بوتين التأكيد على ثوابت السياسة الروسية تجاه سوريا فى كلمته التي ألقاها يوم 19 يونيو الماضي أمام "منتدى بطرسبورج الاقتصادي الدولي"، ثم خلال زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم لموسكو أواخر شهر يونيو الماضي بقوله إن "سياستنا الرامية إلى دعم سوريا والقيادة السورية والشعب السوري، ستبقى دون تغيير".
إن روسيا أيقنت من الدرس الليبى، وقبله العراق وإيران، أن عائد التفاهم مع الولايات المتحدة وإبرام صفقات خاصة بالمواقف الروسية داخل الأمم المتحدة، أو خارجها لا يتناسب أبداً مع حجم الخسائر التى تلحق بها من جراء التدخل الأمريكى السافر فى هذه الملفات، ويتضمن ذلك الخسائر الاستراتيجية المتعلقة بمكانة روسيا ودورها فى المنطقة والنيل من صورتها ومصداقيتها كحليف أو شريك يعول عليه، والخسائر الاقتصادية المباشرة نتيجة إلغاء العقود المبرمة. ولذا فإنها عازمة على الثبات على موقفها فى الحالة السورية، خاصة وأن روسيا قد استعادت مكانتها كقوة كبرى وتستطيع مقاومة الضغوط الأمريكية ورفض الإنصياع للإرادة الأمريكية، بل والوقوف بحسم فى وجه مخططات واشنطن كما حدث فى أزمة أوسيتيا الجنوبية عام 2008 والأزمة الأوكرانية.
فى هذا الإطار سوف يتركز التحرك الروسى المستقبلى فى محورين. الأول: الدفع نحو إجراء انتخابات برلمانية حرة في سوريا، والمقرر لها العام القادم، وتشكيل حكومة ثقة وطنية، على النحو الذي يكون تمثيل المعارضة فى البرلمان والحكومة أوسع نطاقاً. دون ما حديث عن رحيل الأسد حيث تخشى روسيا الإصطدام بالنظام السورى فى حال مجرد بحث تنحى بشار، نظراً لإلتفاف أجهزة الدولة والنخبة الحاكمة والمؤثرة حول الأخير، وعدم قدرة المعارضة على تقديم بديل مطمئن لروسيا.
الثانى: العمل على تحقيق "مصالحة ما" بين الأطراف الإقليمية للأزمة السورية. وترى موسكو أن التحديات الخطيرة التى تتهددها جميعاً قد تمثل حافزاً لإعادة إطلاق العلاقات فيما بينها. وفى هذا الإطار طرح الرئيس بوتين مبادرة تهدف الى جمع الرياض ودمشق في تحالف رباعى يضم أيضا تركيا والأردن ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، التي أصبح تمددها المتواصل خطراً حقيقياً يهدد دول المنطقة كلها وروسيا، وهو ما أطلق عليه وليد المعلم "معجزة بوتين الشرق أوسطية" إذا تمت، وأبدى استعداد سوريا الدخول فى أي تحالف تقوده وترعاه روسيا. ويظل الأمر رهناً بمدى قدرة الأطراف الإقليمية الأخرى على تجاوز الماضي والقبول بنظام الأسد ولو مؤقتاً.

مجلة آراء حول الخليج