; logged out
الرئيسية / الاقتصاد الإيراني ما بين اضطرابات المنطقة والعقوبات

العدد 99

الاقتصاد الإيراني ما بين اضطرابات المنطقة والعقوبات

الثلاثاء، 01 أيلول/سبتمبر 2015

لم تكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأعوام القليلة الماضية، بمنأى عن آثار الاضطرابات والعنف في المنطقة، بقدر ما لم تكن بعيدة عن التأثير في تفاقم عدد منها. فثورات الربيع العربي، وما صاحب عدداً منها من اقتتال داخلي وحرب أهلية قد أطلقت سلسلة من التفاعلات في الإقليم والساحة الدولية، لم يسلم منها بلد في الشرق الأوسط، ولم تكن إيران باستثناء هنا.

وجاءت الإضطرابات منذ نهاية 2010 في المنطقة، لتضيف أبعاداً وحسابات أخرى على الوضع الإيراني المعقد بالفعل نظراً للتوترات مع بلدان الجوار العربي والمجتمع الدولي، والعقوبات السياسية والاقتصادية المفروضة على هذه القوة الإقليمية النافذة بغرض عرقلة برنامجها النووي الطموح والمثير للقلق. ومع انفراج الملف النووي مؤخراً عبر توقيع إيران والقوى الدولية اتفاقاًمنتصف شهر يوليو الماضي، وما يعنيه ذلك من رفع العقوبات وإعادة دمج الاقتصاد الإيراني في السوق العالمي الرحب، فإن خليطاً واسعاً ومتضارباً من النتائج يلوح في الأفق، ويشير بمتغيرات مؤثرة على الداخل الإيراني، والشرق الأوسط برمته.

إيران ونصف عقد حافل

وقبل محاولة استشراف مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، فإن تقييم تأثير العقوبات – وكذلك اضطرابات المنطقة – على اقتصاد إيران في الفترة الأخيرة، سيكون أداة فاعلة لفهم أفضل للآفاق المحتملة لعودة الجمهورية الإيرانية إلى الساحة الدولية، وما إذا كانت نتائج الاتفاق ستحمل تأثيراً بقدر ما يشاع أم أن الواقع قد يكون مختلفاً.

وجدير بالذكر أولاً، أن العقوبات على إيران بدأت تأخذ بعداً اقتصادياً حاداً مع عام 2010، حيث تركزت قبل ذلك على وارداتها من السلاح، وعلى مؤسسات عسكرية بالأساس، كالحرس الثوري على سبيل المثال، والجهات المقربة أو الداعمة له. لكن منذ عام 2010 بدأ استهداف القطاعين المصرفي والنفطي الإيرانيين بالتدريج من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتوقيع عقوبات على الشركات الإيرانية، ومن يتعامل معها من شركات أو جهات خارج إيران. وتصاعد التوتر تدريجياً حيث وصل ذروته عام 2012 بتشديد الخناق على قطاع الطاقة الإيراني والمتعاملين معه، وتهديد إيران بغلق مضيق هرمز وتعطيل إمدادات النفط من منطقة الخليج العربي بأسرها.

ونظراً لكون إيران من كبرى البلدان النفطية في العالم، وصاحبة ثالث أكبر احتياطي مؤكد، بعد فنزويلا والمملكة العربية السعودية بـ 157.5 ألف مليون برميل، فإن تأثر الاقتصاد الإيراني بالمتغيرات الاقليمية والدولية لطالما كان بالأساس من بوابة قطاع الطاقة وأسعارها والطلب عليها. ففي عام 2010 ووفقاً لبيانات منظمة أوبك، بلغ نصيب صادرات النفط إلى إجمالي الصادرات الإيرانية 64%، وذلك انخفاضاً من 88.7% في عام 2008 قبيل الأزمة المالية العالمية وتراجع الطلب على النفط.

ومع قيام الثورات في المنطقة العربية في نهاية عام 2010، والنزاعات الداخلية المسلحة التي رافقتها في بعض البلدان، ومخاوف السوق العالمي من تأثر امدادات الطاقة من المنطقة، ارتفعت أسعار النفط من 77.5 دولاراً للبرميل (سعر سلة أوبك) في عام 2010، إلى 107.5 دولاراً في عام 2011، أى بزيادة 38.7% في عام واحد، وهي أكبر زيادة سنوية في أسعار النفط على مدى أكثر من عقد كامل. وبطبيعة الحال استفادات كافة البلدان المصدرة للنفط، ومنها إيران، بالأسعار الجديدة، حيث ارتفعت قيمة الصادرات النفطية الإيرانية من 72.2 مليار دولاراً في عام 2010، إلى 114.8 ملياراً في عام 2011، وهو ما قفز بنسبة الصادرات النفطية إلى الناتج المحلي الإجمالي من 15.6% إلى 20.3% بين العامين المذكورين، وذلك مع ارتفاع حجم الصادرات بشكل طفيف من 2.2 مليون برميل يومياً إلى 2.5 مليون برميل (بيانات منظمة أوبك).

ومع تشديد العقوبات في عام 2012 كما أشرنا، وبدء استهداف قطاع النفط بصورة خاصة، انعكس ذلك بصورة فورية على الاقتصاد الإيراني والأوضاع المعيشية في البلاد، حيث انخفضت صادرات إيران النفطية من 2.5 مليون برميل يومياً في عام 2011، إلى 2.1 مليوناً، في عام 2012، إلى 1.2 ثم 1.1 مليون برميلاً في عامي 2013 و2014 على التوالي، وهو ما نتج عنه بطبيعة الحال تراجع قيمة الصادرات، من 114.8 مليار دولاراً في 2011، وصولاً إلى 53.7 ملياراً فقط في عام 2014، أى تراجعها إلى أقل من النصف في ثلاثة أعوام (بيانات منظمة أوبك)، وهى الأعوام الأسوأ على الاقتصاد الإيراني في الفترة الأخيرة، والتي أسهمت إلى حد كبير في الوصول إلى الاتفاق النووي في نهاية المطاف سعياً لإيقاف التدهور الاقتصادي في البلاد.

فنتيجة للعقوبات وتراجع الصادرات النفطية، حقق الاقتصاد الإيراني وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، تراجعاً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.6% في عام 2012، حيث بلغ الناتج المحلي 418.9 مليار دولاراً، مقارنة بـ 564.5 ملياراً في العام السابق له 2011، كما استمر التراجع في عام 2013 بنسبة 1.9%، حيث بلغ الناتج المحلي 380.3 مليار دولاراً فقط، أى أن الناتج المحلي قد فقد ثلث حجمه في عامين فقط بسبب العقوبات، كما فقد الريال الإيراني 58.8% و58.9% من قيمته أمام الدولار واليورو على التوالي بين عامي 2011 و2014، وهو ما أدى إلى زيادة أسعار السلع والخدمات المستوردة، بالتزامن مع تخفيض إجمالي الواردات في تلك الفترة من 77.8 مليار دولاراً في عام 2011، وصولاً إلى 55.2% في عام 2014، وذلك لإنخفاض عائدات تصدير النفط المستخدمة لتمويل الواردات. ونتج عن ذلك نقص السلع في السوق الإيراني وارتفاع أسعارها، وهو ما انعكس على معدلات التضخم السنوية التي قفزت من 12.4% في عام 2010، إلى 34.7% في عام 2013، بما يعني تدهور القوة الشرائية للمواطنين وتراجع في مستويات الرفاهية العامة والأوضاع المعيشية.

المستقبل في ضوء المستجدات المتلاحقة

حملت السنوات القليلة الماضية إذاً، للاقتصاد الإيراني عدداً من التغيرات المتلاحقة تأثراً بالثورات والاضطرابات في المنطقة وتشديد العقوبات أكثر على اقتصادها وعلاقاتها بالعالم الخارجي. لكن المؤشرات جميعها تشير بأن السنوات المقبلة هي الأخرى، ستشهد عدداً من التحولات للجمهورية الإسلامية الإيرانية، فيما يخص اقتصادها، سياساتها الخارجية، دورها الإقليمي، وصولاً إلى توازنات الداخل الإيراني ذاته.

ففي النصف الثاني من العام الماضي 2014، وكأنما لم يكن من الكافي تراجع حجم صادرات النفط الإيراني إلى أقل من النصف في ثلاثة أعوام نتيجة العقوبات، فقد تلقى الاقتصاد الإيراني ضربة موجعة أخرى بإنهيار أسعار النفط العالمية (سعر سلة أوبك) من 105.6 دولاراً للبرميل في شهر يوليو 2014، إلى 44.4 دولاراً في شهر يناير 2015، والذي لم تتردد إيران في اتهام الولايات المتحدة الأمريكية، وبلدان الخليج العربية المصدرة للنفط، بتدبيره في محاولة لضرب الاقتصاد الإيراني وزعزعة استقرار نظام الحكم تحت وطأة سخط المواطنين من تدهور الأوضاع.

وقبل أشهر قليلة، وتحديداً في يوليو الماضي، وربما بدفع من هذا التراجع في أسعار النفط، ومن قبله تدهور حجم الصادرات في أعقاب تشديد العقوبات الاقتصادية، توصلت إيران والقوى الدولية الكبرى، بعد مفاوضات مضنية، إلى اتفاق بخصوص برنامجها النووي، من المفترض أن يتبعه رفع العقوبات عن الاقتصاد الإيراني وإعادة دمجه في الاقتصاد الدولي، وهو ما سيكون له آثار من الممكن توقع بعضها من خلال ما نتج عن هذه العقوبات في المقام الأول.

وسيكون أول ما تتحصل عليه إيران من وراء هذا الاتفاق، هو الإفراج عن أرصدتها في الخارج، والتي تم تجميدها في أعقاب تشديد الحصار على القطاع المصرفي الإيراني، وهي أرصدة تأتي في أغلبها كمقابل لصادرات نفطية، وتصل في بعض التقديرات إلى ما يفوق 100 مليار دولار، أى رُبع الناتج المحلي الإجمالي الإيراني في العام الماضي، كما يقدره صندوق النقد الدولي، وهو ما سيسهم بشكل فوري في تحفيز الاقتصاد المحلي من خلال زيادة الإنفاق العام، وتوفير التمويل اللازم لزيادة الواردات وإشباع السوق الداخلي من السلع الاستهلاكية والرأسمالية على السواء.

ومع انفتاح الاقتصاد الإيراني على العالم وانتعاش التبادل التجاري مع بلدانه، بالاضافة لتدفق النقد الأجنبي وزيادة المعروض منه مع الإفراج عن الأرصدة المجمدة كما أشرنا، فإن الريال الإيراني سيشهد تحسناً كبيراً في قيمته أمام العملات الرئيسية، وهو ما سيخفض من أسعار الواردات الأجنبية ويحجم بالتالي معدلات التضخم ويعزز من القوة الشرائية والدخول الحقيقية للمواطنين، وما سيعنيه ذلك من تحسن في شعبية الإدارة الإيرانية الحالية. لكن في الوقت ذاته فإن ارتفاع قيمة الريال أمام العملات الأجنبية، سيقلص من تنافسية الصادرات غير النفطية والطلب الخارجي عليها، وهي التي بلغت في عام 2014 وفقاً لبيانات الأوبك، 45.3 مليار دولاراً، أى 45.8% من إجمالي الصادرات في هذا العام، لكن هذا التأثير السلبي قد يوازنه انفتاح عدد أكبر من الأسواق أمام الصادرات الإيرانية مع إزالة القيود على تجارتها مع العالم.

تراجع الناتج المحلي الإجمالي الإيراني 6.6% عام 2002 ليصل إلى 418.9 مليار دولار ثم إلى 380.3 مليار عام 2013 

كما من المتوقع مع إزالة العقوبات التي أقرتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الاستثمار في الجمهورية الإيرانية سواء من شركاتها أو الشركات التابعة لأى جنسية، أن يبدأ رأس المال والشركات العابرة للجنسيات، خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في التزاحم لدخول السوق الإيراني المحمل بفرص الربح نظراً لحرمانه على مدى سنوات من السوق العالمي، بل ويُشار إلى أن مفاوضات عقود الاستثمار الكبرى في مجال النفط والبنية التحتية والخدمات، قد سبقت التوصل للإتفاق النووي بأشهر، وتمت بسرية قصوى في أغلب الأحيان وبشكل ثنائي مع أطراف أمريكية بالأساس بمعزل عن القوى الدولية الكبرى الأخرى المشاركة في الاتفاق النووي، بغرض تأمين نصيب الشركات الأمريكية من العقود الخارجية الكبرى المتوقعة بعد إزالة العقوبات، واحتكار قطاعات بعينها وتجنب منافسة محتملة من الشركات الأجنبية الأخرى. لكن وعلى أي حال، وبغض النظر عن جنسية الشركات التي ستتمكن من العمل في السوق الإيراني مستقبلاً، فإن تدفق الاستثمار الأجنبي، سيؤدى إلى مزيد من النمو الاقتصادي في إيران، وخلق فرص عمل تخفف من معدلات البطالة التى تتذبذب بين 10.5% و13.5% على مدى السنوات الخمس الماضية (بيانات صندوق النقد الدولي).

ويبقى في نهاية المطاف تأثير إزالة العقوبات على القطاع النفطي الإيراني، هو الأهم والمُنتظر بسبب ثقل القطاع في الاقتصاد الإيراني والإيرادات الحكومية. ويحمل هذا الجانب نتائج واسعة الأثر سواء على الاقتصاد الإيراني، أو اقتصادات بلدان الخليج النفطية، أو السوق العالمي بأسره مستهلكين ومنتجين. فمع السماح بعودة تصدير إيران للنفط، وللشركات العالمية في الاستثمار في الاحتياطي الإيراني النفطي العملاق لزيادة الإنتاج وتطوير بنيته التحتية، فإن العائدات الإيرانية من النفط ستنمو مجدداً لتدفع نحو المزيد من نمو الناتج المحلي والموارد الحكومية، لكن وعلى الجانب الآخر، فإن زيادة المعروض في السوق العالمي سواء فوراً بإزالة الحواجز أمام الصادرات، أو مستقبلاً مع زيادة إنتاج القطاع النفطي، سيؤدي لمزيد من التراجع في أسعار النفط عن أسعارها الحالية التي بلغت في متوسط الستة أشهرالأولى من العام الحالي، 55.1 دولاراً للبرميل، وهو أقل سعر منذ 10 أعوام. مما سيؤدي إلى تراجع إيرادات البلدان النفطية كافة، ومنها إيرادات إيران ذاتها قبل تطبيق العقوبات وانهيار صادراتها.

القدرات الاقتصادية والنفوذ الإيراني 

تحمل تلك الآفاق ما يتخطى الحدود الإيرانية من تحولات، فالاتفاق النووي ونتائجه الاقتصادية على إيران، سيكون لهما حتماً تبعات على المنطقة من خلال التأثير على الدور الإيراني في التوازنات والصراعات الدائرة في عدد من البلدان العربية المضطربة، وهي التبعات التي من غير الممكن الجزم بتوجهاتها في الوقت الحالي، بل على الأغلب ستتضح أكثر مع بيان مدى التزام إيران بالانفتاح الفعلي على العالم الخارجي، وما يتطلبه ذلك من خطوات أدرجت في الاتفاق وأخرى ضمنية.

100 مليار دولار إجمالي الأرصدة الإيرانية المجمدة بالخارج ومع الإفراج عنها يعود ربع الناتج الإجمالي المحلي في عام 

فمن ناحية، قد تتيح الانفراجة الاقتصادية الفورية لإيران، والطفرة في الموارد المالية تحت تصرفها في أعقاب الاتفاق، التوسع في سياساتها الخارجية الراهنة في المنطقة، من دعم مادي، لوجيستي، استخباراتي، وحتى عسكري لأطراف مختلفة في النزاعات الأهلية الدائرة حالياً في عدد من بلدان المنطقة، وعلى رأسها سوريا، العراق، اليمن، ولبنان.

فمن الثابت، وفقاً لتصريحات جهات رسمية سورية، أن إيران قد أمدت حكومة الأسد بدعم يصل إلى 4.6 مليار دولارفي صورة نقدية أو كمساعدات نفطية وغيرها. لكن عدداً من التقديرات يشير إلى أن الجمهورية الإيرانية قد أمدت نظام الأسد بمساعدات متنوعة منذ قيام الثورة السورية، قد تتخطى "سنويا" الرقم السابق، وهو ما يعني مساعدات إجمالية تتراوح ما بين 15 إلى 20 مليار دولار إذا صح ذلك؛ ناهيك عن التكاليف غير المباشرة لدعم الأسد، في صورة تدريب مقاتليه، وإرسال قوات خاصة إيرانية للمشاركة في دعم نظامه، وهو ما تكشف بوضوح بعد ثبوت أسر عدد منهم ومقتل آخر في معارك بمناطق مختلفة من سوريا.

وكذلك تدعم الجمهورية الإيرانية الحوثيين في اليمن بصورة غير واضحة الأبعاد حتى الآن، حيث يصعب تقدير حجم المساعدات أو صورتها بدقة لفارق الجهة المتلقية للدعم في اليمن وسوريا، ففي حين تتلقى الدولة السورية ذاتها العون الإيراني بما يسهل إلى حد ما تقدير الفجوات التي يسدها التمويل الإيراني، وكذلك قنوات إيصاله، فإن الصفة غير النظامية للحوثيين في اليمن تجعل من الصعب تقدير أنشطتهم والدعم المقدم لهم. لكن أيا كان حجمه في السابق، فإن إتاحة قدرات تمويلية إضافية لإيران قد يعني قدرة أكبر على تمويل حلفائها في اليمن كما في خارجها.

وفي العراق، مسرح النفوذ الإيراني الأبرز في الشرق الأوسط، فإن تواجد الجمهورية الإيرانية قد صار طاغياً منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، وشهد صعوداً مع المحطات المختلفة، كانسحاب القوات الأمريكية، وصولاً إلى تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي سهل التدخل الإيراني لحماية مصالحها ووقف المذابح الطائفية التي ينفذها التنظيم، مع غض المجتمع الدولي طرفه بغية عرقلة التوسع المخيف لتنظيم الدولة أياً كانت الآلية والحلفاء في ذلك. ومع اشتداد الذراع الاقتصادي لإيران فإن قدراً أكبر من الدعم سيصبح متاحاً أمام الأطراف السياسية الحليفة في العراق لمساعدتها في الاستحقاقات الشرعية مستقبلاً، وكذلك أمام الميليشيات والأطراف المسلحة في النزاعات والاقتتال الداخلي.

لكن ومن ناحية أخرى، فإن طرحاً بديلاً قد لا يبدو مستبعداً؛ فالاتفاق النووي وما يتبعه من انفتاح وتوسع في العلاقات الغربية الإيرانية، قد يُحدث بالتدريج تحولات في السياسة الخارجية الإيرانية لتصبح أقل عداءً للتوجهات الغربية في المنطقة تحت ضغط المصالح المشتركة، كأن يؤدي ذلك إلى رفع الدعم الإيراني عن نظام الأسد على سبيل المثال، وإجراء مشابه مع الحوثيين في اليمن، وتنسيق للنفوذ الإيراني في العراق لخدمة أهداف الطرفين. لكن وفي حين قد يبدو أن بعض هذه التحولات قد يصب في مصلحة استقرار المنطقة مع الحد من التدخل الإيراني، إلا أن هذا سيكون رهناً بالحسابات الإيرانية-الغربية، وليس لفتح صفحة جديدة مع بلدان الجوار العربي، بمعنى أن تحولات مستقبلية أخرى عدائية تجاه بلدان المنطقة قد تكون واردة إذا تم التنسيق والتوافق مع القوى الغربية الشريكة.

الاحتمالات إذاً مفتوحة حول مآل الدور الإيراني في المنطقة بعد الاتفاق النووي، فبين تمدد السياسة الخارجية الراهنة أو تحول دفتها، تتوالى التكهنات والسيناريوهات المختلفة؛ لكن الأكيد هنا في أغلب الظن، أن الاتفاق النووي إذا تم تنفيذه والالتزام ببنوده من قبل إيران، ولم يكن فقط لكسب المزيد من الوقت للبرنامج النووي، ستتبعه انتعاشة مؤثرة للاقتصاد الإيراني تعزز من قدرات الجمهورية الإيرانية وتنوع مجموعة أدواتها، والأكيد كذلك أن توجهات السياسة الخارجية الإيرانية ستحددها توازنات إيران مع الغرب بالأساس، وأن على البلدان العربية بالتالي السعي لتأمين مصالحها بأدواتها الخاصة دون انتظار تساقط الأوراق في جعبتها.

 

مقالات لنفس الكاتب