; logged out
الرئيسية / الاتفاق النووي الإيراني وأمن الخليج: التأثيرات والخيارات

العدد 99

الاتفاق النووي الإيراني وأمن الخليج: التأثيرات والخيارات

الثلاثاء، 01 أيلول/سبتمبر 2015

أثار توقيع خطة العمل المشترك الشاملة[1]، والمعروفة إعلاميًا بالاتفاق النووي الإيراني في 14 يوليو 2015 بين مجموعة الدول الست الكبرى ولإيران جدالات فكرية وسياسية عميقة بشأن تقييم هذا الاتفاق وتأثيراته الدولية والإقليمية. وتراوحت هذه التقييمات ما بين أنه "اتفاق تاريخي" يمثل أفضل ما كان يمكن تحقيقه – حسب تعبير الرئيس أوباما – وأنه انتصار لقوة الدبلوماسية والحلول الوسط، وأنه "بداية لصفحة جديدة من التاريخ" حسب وصف الرئيس حسن روحاني، وأنه يتسم بالتوازن حسب وصف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إلى كونه "خطأ تاريخي" بل وخطيئة حسب تعبيرات الساسة الإسرائيليين.

وبدون الدخول في تفاصيل الاتفاق يمكن القول أنه نموذج للمباريات غير الصفرية Non Zero Sum Game، أي تلك التي تحقق لكل أطراف المباراة قدرًا من أهدافهم بحيث لا يوجد فيها فائزون وخاسرون بل يمكن لكل منهم ادعاء الفوز. فجوهر الاتفاق يتمثل في المقايضة بين المطلب الأمريكي – الأوروبي بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، ووقف تجاربها في هذا المجال مع وضع الضوابط ونظم التفتيش والرقابة والتحقق اللازمة لتنفيذ الاتفاق. وذلك مقابل المطلب الإيراني بإنهاء العقوبات الاقتصادية – الجماعية والثنائية – المفروضة عليها، والإفراج عن أموالها المجمدة في البنوك الغربية.

ورغم تأكيد الولايات المتحدة وإيران على أن هدف هذا الاتفاق تقني بحت يتعلق بالبرنامج النووي وحسب، وأنه لا يتصل بالعلاقات الأمريكية ــ الإيرانية أو بسياسة إيران الإقليمية، فإن هذا الاتفاق يمثل وثيقة استراتيجية تضع الأساس لتوازن قوى ولتحالفات جديدة في منطقة الخليج والشرق الأوسط. ويرجع ذلك إلى أن الاتفاق يتضمن اعتراف العالم بالبرنامج النووي الإيراني، وأنه يعيد الاعتبار لإيران ويوفر لها الشرعية والقبول العالمي لدورها الدولي والإقليمي، فلم تعد إيران – في نظر الغرب – دولة مارقة أو طرفًا في محور الشر الذي تحدث عنه الأمريكيون كثيرًا. كما يشير الاتفاق إلى التغيير الذي حدث في إيران ونزوعها إلى الخروج من العزلة المفروضة عليها، وتصميمها على تحديث اقتصادها الوطني والانخراط في الاقتصاد العالمي والاستفادة من الفرص التي يتيحها لها. ولم تعد الولايات المتحدة هي "الشيطان الأكبر".

 ومع الإقرار بهذا التغيير في المواقف الغربية والإيرانية، فمن المبالغة استنتاج وجود "صفقة غير معلنة" بين الطرفين، أو أن واشنطن ضحت بمصالح حلفائها من الدول العربية لصالح إيران أو أنها تعد إيران لتصبح القوة الإقليمية في منطقة الخليج. فمن الأرجح أن هذا الاتفاق هو تعبير عن نقطة توازن راهنة في المصالح المتبادلة بين الطرفين.

التأثيرات والتداعيات

لا توجد حتميات في العلاقات بين الدول، فهناك دائمًا بدائل وخيارات، ويتوقف تأثير حدث ما على كيفية فهم الدول المختلفة له، وأنماط تفاعلاتها معه. وهذا الاتفاق له بالطبع أثار إيجابية وأخرى سلبية على منطقة الخليج والوطن العربي عمومًا، وسوف يتوقف مدى غلبة الأثار الإيجابية أو السلبية على السياسات التي سوف تنتهجها الدول العربية.

الاتفاق النووي وثيقة استراتيجية لوضع أسس توازن القوى والتحالفات الجديدة في منطقة الخليج والشرق الأوسط

 وبصفة عامة، انقسمت الآراء والتعليقات بشأن هذه التأثيرات إلى اتجاهين رئيسيين:

الاتجاه الأول: يرى أن الاتفاق يمثل خطرًا على أمن الدول العربية الخليجية، بما يتيحه من فرص للدولة الإيرانية. ينطلق هذا الرأي من الاعتقاد في وجود "مشروع قومي فارسي" أو "مشروع طائفي شيعي" تتبناه إيران، ويهدف إلى الهيمنة على الخليج وإلى زيادة دورها في الشرق الأوسط، وتزداد فرص تحقق هذا المشروع في ضوء الانقسامات والانهيارات العربية منذ 2011. وبغض النظر عن وجود هذا المشروع من عدمه، فالأمر المؤكد أن تصور إيران للمنطقة يختلف عن التصورات العربية المتداولة، وحسب رواية نبيل فهمي وزير خارجية مصر الأسبق في مقال له بجريدة الأهرام في 22 يوليو 2015، فإن أحد المقربين من دوائر صنع السياسة الإيرانية أخبره بأن مفهوم إيران عن الشرق الأوسط هو أنه منطقة جوهرها غير عربي، وأن المواطن العربي اليوم لم يعد يفكر في القومية العربية، وأن العالم العربي يتسم بالانقسام والتفتت، وأن الثقل السياسي والأمني والاقتصادي انتقل إلى إيد غير عربية.  

ويطرح أنصار هذا الاتجاه أسانيد متعددة لوجهة نظرهم:

فالاتفاق بما يترتب عليه من رفع للعقوبات الاقتصادية، وإتاحة الودائع الإيرانية المجمدة في البنوك الغربية والتي تقدر بمبلغ 150 مليار دولار أمريكي، واجتذاب رؤوس الأموال الغربية واستقبال التكنولوجيات المتقدمة سوف يدعم مصادر القوة الشاملة للدولة، خاصة وأن إيران ثاني أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، وأنها تمتلك رابع أكبر احتياطي نفط مؤكد، وثاني أكبر احتياطي غاز طبيعي مؤكد، وسوف تمكنها هذه الموارد من الاستمرار في التدخل في الشئون الداخلية للدول المجاورة، وإثارة الاضطرابات وتحريض المواطنين "الشيعة" فيها، ودعم الحلفاء والوكلاء. ووصل الأمر بالكاتب البريطاني روبرت فيسك إلى التنبؤ بأن الولايات المتحدة سوف تلقي بثقلها خلف إيران وسوف تدعم دورها "كشرطي أمريكي" في الخليج كما كانت في عهد الشاه.  

لم تعد إيران دولة مارقة أو طرفاً في محور الشر .. ولم تعد الولايات المتحدة الشيطان الأكبر

ويدعم هذا الرأي، ما ورد في الدستور الإيراني، فمع أنه لم يشر صراحة إلى مبدأ تصدير الثورة إلا أن بعض مواده تعطي للدولة أدواراً ومهاماً تتجاوز حدودها الجغرافية. فعلى سبيل المثال، فإن المادة (9) التي تتعلق بالجيش تشير إلى أن مسئولية الجيش وقوات حرس الثورة لا تنحصر في حماية الحدود بل أنها تتحمل أيضًا أعباء رسالتها الإلهية وهي الجهاد في سبيل الله والنضال من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم، وتشير المادة (11) إلى وحدة الأمة الإسلامية وأن على إيران إقامة سياستها العامة كلها على أساس تضامن الشعوب الإسلامية وأن تواصل سعيها من أجل وحدتها، أما المادة (154) فتشير إلى أن إيران تعتبر "سعادة الإنسانية في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها"، وعليه فإنها "تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية منطقة من العالم، وفي الوقت نفسه لا تتدخل في الشئون الداخلية للشعوب الأخرى". ويحتار الباحث في تفسير كيفية التوفيق بين الالتزامين الواردين في هذه المادة، مع ملاحظة أن الإشارة إلى عدم التدخل في الشئون الداخلية تنصرف إلى "الشعوب" وليس "الدول".

ويضيف أنصار هذا الرأي، أن الاتفاق لم يلغ قدرة إيران على إنتاج السلاح النووي، ولكنه أوقف هذا التطور لمدة تتراوح بين عشر وخمسة عشر عامًا. بل ويرى البعض أن إيران لم تسع فعلاً لامتلاك سلاح نووي وما كان لها أن تغامر بذلك في ضوء معرفتها بالعواقب الوخيمة لهذا السعي، وأنها استخدمت بمهارة أزمة برنامجها النووي للحصول على مكافأة كبرى دون دفع الثمن، ويري أخرون أن إيران غير جديرة بالثقة، وأنها مارست الغش بشأن منشأتها النووية من قبل، وأنها من الأرجح سوف تقوم بذلك مستقبلاً.

الاتجاه الثاني: ينطلق من أن السياسات الخارجية للدول تتطور وتتغير باختلاف الظروف والمصالح، وأن هناك تغيرات داخلية في إيران كشف عنها انتخاب روحاني رئيسًا للجمهورية في 2013 وفي توجهات السياسة الخارجية التي تبناها بمباركة من المرشد الأعلى، والتي أفضت إلى توقيع الاتفاق وأن هذه التغييرات يمكن التفاعل معها والبناء عليها وتوسيعها. وتأسيسًا على ذلك، يركز أنصار هذا الاتجاه على الأثار الإيجابية للاتفاق على الأمن والاستقرار في الخليج.

فقد أدى الاتفاق إلى تجنيب المنطقة مواجهة عسكرية كانت أثارها سوف تطول الدول الخليجية، وذلك لأن الفشل في الوصول إلى اتفاق دبلوماسي كان سوف يؤدي بالضرورة إلى استخدام القوة سواء من جانب الولايات المتحدة أو إسرائيل لتوجيه ضربة استباقية بهدف تدمير المنشآت النووية الإيرانية، وأشار أوباما بوضوح إلى هذا المعني بقوله إن على الأمريكيين الاختيار بين "الاتفاق أو الحرب"، وأن الذين يدعون إلى عدم موافقة الكونجرس على الاتفاق فإن عليهم الإعداد لحرب قادمة.

طهران استخدمت بمهارة أزمة البرنامج النووي للحصول على مكافأة كبرى مجاناً رغم أنها لم تسع إلى امتلاك السلاح النووي 

ويضيفون أن التهويل من الأثار الاقتصادية والسياسية لرفع العقوبات عن إيران هو أمر يجانب الصواب، فالاقتصاد الإيراني يواجه أزمات التضخم والبطالة والتخلف التكنولوجي، كما أن صناعة النفط الإيرانية تحتاج إلى تحديث تكنولوجي شامل، أضف إلى ذلك، تطلع المواطن الإيراني إلى رفع مستوى معيشته. وتمثل هذه الأمور محددات على أولويات السياسة الإيرانية ما يجعل اندفاعها إلى مغامرات خارجية أمر محفوف بالمخاطر. ويرد نفس التحفظ على التضخيم من القدرات العسكرية الإيرانية فباستثناء العنصر البشري الذي تتمتع فيه إيران بالتفوق البيّن، فإن ترسانتها العسكرية تحتاج أيضًا إلى تطوير وتحديث، وتكشف البيانات عن تفوق دول مجلس التعاون على إيران بشكل عام في المعدات العسكرية الحديثة من طائرات ودبابات وصواريخ، كما تفوقها في نظم الدفاع، وذلك إضافة إلى القواعد العسكرية الغربية الموجودة في المنطقة.   

ويؤكد ذلك إدراك النخبة الحاكمة الإيرانية أن بلادها سوف تكون تحت المجهر في السنوات القادمة، وأنها في مرحلة اختبار للتأكد من صدق نواياها والتزامها الكامل بالاتفاق. ولكي تحقق إيران أهدافها الاقتصادية التي دفعتها ابتداءً لتوقيع الاتفاق، فإن عليها طمأنة الدول الغربية حتى تستطيع جذب الاستثمارات والتكنولوجيا المتطورة.

ومن الأرجح أن هذا التطور سوف تعترضه صراعات في داخل النخبة الإيرانية بين المحافظين والإصلاحيين، وأن يسعى كل منهما إلى التأثير على مسار تنفيذ الاتفاق بما يخدم زيادة نفوذه، ومن أمثلة ذلك التباين الذي برز بين تعليق المرشد الأعلى والذي اتسم بالعداء والمواجهة مع الولايات المتحدة "المتغطرسة" وتأكيده على أن الاتفاق لن يغير من العلاقات بين البلدين وأن إيران لن تتوقف عن دعم أصدقائها، وبين خطاب روحاني الذي اتسم بلغة أكثر اعتدالاً وتوافقًا مشيرًا إلى أن الاتفاق يؤدي إلى تحسين العلاقات مع الدول المجاورة. كما يظهر ذلك في التحركات السياسية استعدادًا لانتخابات مجلس النواب الإيراني المقبلة في فبراير 2016.

ويجادل أنصار هذا الاتجاه بأن الاتفاق يوفر المناخ المناسب لتطوير حوار بناء بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران ينبني على العلاقات القائمة بين عدد من دول المجلس وإيران في المجالات السياسية والاقتصادية. يؤكد ذلك إعلان إيران بأنها ترغب أن يكون الاتفاق بداية لمرحلة جديدة من التفاهم وحسن الجوار مع الدول الخليجية، فحسب تعبير ظريف "أغلقنا الملف النووي ونتطلع إلى الحوار". وربما يؤدي ذلك إلى أن تصبح إيران طرفًا في حل بعض الأزمات الإقليمية الساخنة كالأزمة السورية.

وخلاصة هذا الرأي، أن الاتفاق يوجد الظروف التي تشجع إيران على أن تكون "دولة أمر واقع" وليس "دولة ثورية" بمعنى أن يصبح لإيران مجموعة من المصالح مع الدول الكبرى والإقليمية بحيث تعمل على استمرار الأوضاع القائمة حمايةً لهذه المصالح ولا تجد سببًا للعمل على تغييرها بأساليب الإثارة والتحريض.  

مصر والاتفاق

لم يصدر بيان أو تعقيب من رئاسة الجمهورية المصرية على الاتفاق، واتسمت التصريحات الصادرة من وزير الخارجية سامح شكري بالترحيب الحذر، فصرح في اليوم التالي للتوقيع بأنه "تطور مهم وإننا بصدد دراسة التفاصيل الخاصة به"، وأن مصر ترحب بكل ما من شأنه دعم الاستقرار الإقليمي، وتقف بقوة ضد أي تهديد للأمن القومي العربي، وأن أمن الخليج يعد جزءًا من الأمن المصري. ثم اتضحت تصريحاته بشكل أكبر في زيارته لسلطنة عمان في يوليو عندما أشار إلى أن مصر لا تنوي تغيير علاقاتها مع إيران، أي الإبقاء على الأوضاع الراهنة.  

على أن فهم هذه التصريحات ينبغي أن يكون في سياق متابعة الموقف المصري إزاء أزمة البرنامج النووي الإيراني على مدى سنوات، فمن ناحية، فإن مصر لم ترفض أو تتحفظ أبدًا على حق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، باعتبار ذلك حقًا مشروعًا لكل دول العالم وفقًا لاتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، وانصب اعتراضها على الاستخدام العسكري لهذه التكنولوجيا. ومن ناحية ثانية، كانت مصر وإيران رائدتين في اقتراح إعلان منطقة الشرق الأوسط خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل. ومن ناحية ثالثة، فإن الخطاب المصري الرسمي لا يتضمن تصريحات عدائية مباشرة ضد إيران، ولا يعتبرها الخطر الأول على الأمن القومي العربي، إذ تعطي القيادة المصرية الأولوية لخطر الإرهاب. ومن ناحية رابعة، شارك في عام 2015 وفد إعلامي وعدد من ممثلي مراكز البحوث المصرية في احتفالات إيران بذكرى الثورة.

وهكذا، فإن الموقف المصري يتسم بالغموض، فرغم عدم تبني القاهرة لمواقف عدائية أو شنها لحملات إعلامية ضد إيران فمازال التبادل الدبلوماسي بين البلدين على مستوى "مكتب رعاية المصالح"، ولم يتم توجيه الدعوة إلى إيران لحضور حفل افتتاح مشروع قناة السويس في 6 أغسطس 2015.

أما بالنسبة لموقف إيران تجاه مصر، فقد اتسم بقدر أكبر من المبادرة، ففي فبراير 2013 ألغت إيران شرط حصول المصريين على تأشيرة دخول لها، واستمر ذلك حتى الآن. وفي يونيو 2015 أشار ظريف إلى وجود اتصالات مع مصر، واستعداد إيران لمناقشة القضايا الخلافية بين البلدين، ودعا مصر للقيام بدور بنّاء في المنطقة.

المصري من إيران يتسم بالغموض وعدم تغير السياسات .. ومواقف طهران من القاهرة تتصف بعدد أكبر من المبادرة

خيارات ما بعد التوقيع

يبدو أن التفاعلات السياسية في المنطقة اتجهت نحو سيناريو إعطاء الاتفاق فرصة للتنفيذ حتى تتبلور أثاره.

فقد سارعت الولايات المتحدة لطمأنة الدول الخليجية وتأكيد استمرار "الشراكة الاستراتيجية" بين الطرفين، وتجديد التزامها بالدفاع عنها ضد أي عدوان، وهو ما تمثل في زيارة كل من وزير الدفاع ووزير الخارجية الأمريكي للمنطقة. كما بدأ تطلع الشركات الأمريكية للاستفادة من الاتفاق، وأُعلن عن إنشاء غرفة التجارة الأمريكية الإيرانية.  

وسارع الاتحاد الأوروبي بالترحيب بالاتفاق والبدء في تخفيف بعض العقوبات، وقام وزير الخارجية الفرنسي بزيارة لطهران ووصفها بأنها "مفيدة رغم التباينات في الآراء"، وتم توجيه دعوة إلى الرئيس روحاني لزيارة فرنسا، وشجعت الخارجية البريطانية مواطنيها على زيارة إيران، وتعددت زيارات وفود رجال الأعمال الفرنسيين والألمانيين إليها من أجل التجارة والاستثمار.

كما سارعت إيران بتأكيد التزامها بسياسة حسن الجوار مع الدول الخليجية، وكما فعلت في أعقاب توقيع الاتفاق الإطاري المرحلي الأول في نوفمبر 2013 عندما قام وزير خارجيتها بزيارة الكويت والإمارات وسلطنة عمان وقطر، فقد قام في أغسطس 2015 بزيارة كل من الكويت وقطر.

ومن جانبها قامت دول مجلس التعاون الخليجي بالإعلان عن تأييدها للاتفاق، كما برز في أعقاب اجتماع وزير الخارجية الأمريكي بوزراء خارجية دول المجلس في 3 أغسطس 2015، وإعلان وزير خارجية قطر بأن الاتفاق هو أفضل حل للمشكلة من خلال الحوار.

فما هي الخيارات والاحتمالات الممكنة؟       

من الأرجح أن الاتفاق النووي الإيراني يمثل نقطة نهاية لمرحلة وبداية لمرحلة أخرى في علاقات إيران الإقليمية والعالمية، فهو نقطة نهاية لمرحلة أزمة البرنامج النووي على الأقل في فترة العشر سنوات القادمة، وللحرب الباردة بين إيران والولايات المتحدة – والغرب عمومًا -التي استمرت منذ عام 1979. وهو نقطة بداية لمرحلة جديدة تتوقف ملامحها على ما سوف يقوم به مختلف الأطراف، ومن الأرجح أن التحول من سمات العلاقات العربية الإيرانية اليوم إلى سمات جديدة لن يحدث فجأة أو بسرعة بل يتطلب حوار ووقتًا حتى يتم بناء الثقة والتوافق على قواعد المرحلة الجديدة.

ويتوقف مسار أي حوار على توازن القوى بين أطرافه، وحُسن استخدامهم للموارد المتاحة، والشعور المتبادل بالندية. لقد نبعت قوة المفاوض الإيراني في المباحثات التي أدت إلى توقيع الاتفاق من قوة الدولة الإيرانية والمجتمع الإيراني. ومؤدى ذلك أن أي حوار خليجي/ عربي – إيراني سوف يمثل بالضرورة الأوضاع العربية الراهنة وتوازن القوى بين الأطراف. ومن الأرجح أن إيران لن تأخذ وجهات النظر العربية مأخذ الجد والاحترام ما لم تدرك أن هذه الآراء تساندها وتدعمها مجتمعات حية ونظم سياسية عفية. ويتطلب تحقيق ذلك تبني الدول الخليجية والعربية عددًا من التوجهات.

  1. إعلاء دولة المواطنة وحكم القانون، ففي سياق المناخ الطائفي المقيت الذي يجتاح العالم العربي وانتشار الأفكار الطائفية التي تقسم أبناء الوطن الواحد على أساس الدين أو المذهب، فإنه من الضروري تأكيد مبدأ المواطنة التي تقوم على المساواة وعدم التمييز بين جميع المواطنين، ومن الخطأ البالغ مواجهة الأفكار الطائفية بأفكار طائفية مقابلة، ومن يفعل ذلك فإنه ينزلق بمجتمعه إلى مهاوي التفكك والانقسام.
  2. تحديث المؤسسات السياسية، بما يستجيب للتغيرات الاجتماعية واسعة النطاق التي حدثت في المجتمعات العربية، وذلك بهدف زيادة المشاركة الشعبية، وإدماج القوى الاجتماعية، وزيادة كفاءة أجهزة الحكم والإدارة.
  3. الاتحاد الخليجي، فكلما اهتمت دول مجلس التعاون بتطوير علاقاتها والارتقاء بها من مرحلة التعاون والتنسيق إلى مرحلة التكامل والتوحيد كلما زاد إجمالي القوة الخليجية، وذلك لأن حصيلة التكامل ليست مجرد حاصل جمع القدرات القائمة، وإنما يؤدي تفاعلها إلى خلق مصادر قوة جديدة.
  4. التضامن العربي وتكوين القوة العربية المشتركة،إذا كانت الدول الخليجية العربية هي خط التماس الأول مع إيران بحكم حقائق الجغرافيا والتاريخ فإن عددًا من الدول العربية يرتبط أمنها واستقرارها بشكل وثيق بأمن الخليج. لذلك، فإن تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين الدول العربية يضع الأساس للأمن القومي العربي.

                                                                                                                       

 

[1] The Joint Comprehensive plan of action (JCPOA)   

مجلة آراء حول الخليج