; logged out
الرئيسية / ما بعد الانسحاب الأمريكي: حال العراق ودول مجلس التعاون الخليجي

العدد 89

ما بعد الانسحاب الأمريكي: حال العراق ودول مجلس التعاون الخليجي

الأربعاء، 01 شباط/فبراير 2012

في الوقت الذي كانت جلسات قمة مجلس التعاون الخليجي للدورة 32 في الرياض تنعقد، كانت أجهزة الأمن والاستخبارات في بغداد تلاحق بعض المطلوبين العاملين بحماية نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي. وفي الوقت الذي كان بيان القمة يُقرأ على المجتمعين في العاصمة السعودية، كان القضاء العراقي يعلن عن قرار توجيه تهمة للنائب الهاشمي بالقتل والإرهاب العمد بعد اعترافات أفراد من حمايته بأن الرجل كان يوجِّه بقتل الآخرين، ويكافئ المنفذين، لكن النائب فرَّ إلى شمال العراق للقاء رئيس الجمهورية جلال الطالباني بحجة اجتماع رئاسي، وظل لا يريد الاستجابة لإرادة القضاء.

إنه مشهد يشي بالتوتر السياسي، ولا يختلف عن المشهد السياسي والأمني الذي يسم منطقة الخليج العربي، لكن في أشكال أخرى، وهذا ما أشارت إليه )كلمة( الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عندما تحدَّث لنظرائه القادة عن حجم المخاطر التي تدعو أعضاء المجلس إلى الانتقال من مجرد (التعاون( إلى (الاتحاد) لمواجهة الحال المأزومة بالمنطقة والذي لا يمكن نسيان أثر العراق الجديد فيه. لقد خلص البيان، قدر تعلق الأمر بالعراق الجديد، إلى الآتي:

(أكد المجلس الأعلى دعمه لموقف دولة الكويت بشأن إنشاء (ميناء مبارك الكبير) باعتباره يقام على أرض كويتية وضمن مياهها الإقليمية، وعلى حدود مرسومة وفق قرارات الأمم المتحدة، وعبر المجلس عن ثقته بأن تنفيذ العراق لالتزاماته الدولية تجاه الكويت سيُعزز الثقة بين البلدين، ويوطد العلاقات بينهما. وجدد المجلس الأعلى تأكيد مواقفه الثابتة تجاه العراق الشقيق، المتمثلة في احترام استقلاله ووحدة أراضيه، وسلامته الإقليمية، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية تجنباً لتقسيم العراق، والحفاظ على هويته العربية والإسلامية، آملاً بأن يراعي العراق العلاقات الأخوية التي تربطه بدول المجلس، وذلك بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدوله ووقف الحملات الإعلامية التي لا تخدم تطور العلاقات وتقدمها بين الجانبين، داعياً كافة الأطراف والمكونات السياسية في العراق إلى تحمل مسؤولياتهم لبناء عراق آمن موحد مستقر ومزدهر بعد الانسحاب الأمريكي من العراق. وشدد المجلس الأعلى على ضرورة استكمال العراق تنفيذ كافة قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، ومنها الانتهاء من مسألة صيانة العلامات الحدودية تنفيذاً للقرار 833، والانتهاء من مسألة تعويضات المزارعين العراقيين تنفيذاً للقرار 899، ويدعو المجلس الأعلى العراق للإسراع في ذلك، والتعرف إلى من تبقى من الأسرى والمفقودين من مواطني دولة الكويت وغيرهم من مواطني الدول الأخرى، وإعادة الممتلكات والأرشيف الوطني لدولة الكويت. وحث الأمم المتحدة والهيئات الأخرى ذات العلاقة على الاستمرار في جهودها القيمة لإنهاء تلك الالتزامات).

مجلس التعاون يرى أن تنفيذ العراق لالتزاماته الدولية تجاه الكويت سيُعزز الثقة بين البلدين

قد يكون هذا الكلام تقليدياً لولا الإشارة إلى عراق ما بعد الانسحاب الأمريكي التي جاء فيها: (داعياً كافة الأطراف والمكونات السياسية في العراق إلى تحمّل مسؤولياتهم لبناء عراق آمن موحد مستقر ومزدهر بعد الانسحاب الأمريكي من العراق).

وبالطبع، لن تلقى هذه الدعوة أي صدى لسببين؛ الأول: إنها غير مدعومة بحراك خليجي حقيقي وعملي تجاه العراق، فما زالت أطراف عراقية مدعومة من بعض دول المجلس مالياً مقابل دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية لأطراف أخرى مشاركة في المشهد السياسي العراقي. والثاني: إن أغلب الأطراف والمكونات العراقية لم تعد تؤمن بأي دور خليجي يمكن أن ينقذ الحال في العراق من أزماته المتتالية بعد تجارب السنوات الثماني من عام 2003 حتى الآن.

هذا يعني أن القصور في العلاقة العراقية-الخليجية هو قصور مزدوج؛ قصور دول مجلس التعاون الخليجي في الدخول الحقيقي والصادق إلى الفضاء العراقي، مقابل قصور العراق المماثل تجاه دول المجلس. ما يعني أن الأزمة مركبة، بل غير واضحة من الجانب الخليجي، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود فيصل الذي طالب العراق بالوضوح في مواقفه من دول مجلس التعاون الخليجي.

الدعوات الخليجية تجاه العراق غير مدعومة بحراك خليجي حقيقي وعملي

إن أزمة بناء (ميناء مبارك الكبير) سارعت إلى تكبير الفجوة بين العراق والكويت، كما أن مناصرة بعض وسائل الإعلام العراقي للشعب البحريني المنتفض على الحكم الملكي فيه، كانت من مؤشرات نفور قادة دول المجلس من النظام السياسي الحاكم في العراق، لكنه النفور المتوارث من العراق منذ غزو نظام صدام حسين للكويت، وحتى اللحظة لم تعمل، لا دول المجلس، ولا حكومة العراق الجديد، على إذابة ترسبات تلك المأساة، ولذلك ستبقى حالات الجفاء بين الطرفين قائمة حتى بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق.

ولو أردنا العودة إلى فقرات البيان الختامي للقمة 32، لوجدنا أن الدعوة للانتقال من (التعاون) إلى (الاتحاد) تتضمن فجوة مسكوتاً عنها لا بد من فتحها واستثمار ممكناتها قدر تعلق الأمر بالعراق الجديد بعد الانسحاب الأمريكي منه؛ فأمن دول مجلس التعاون الخليجي لا يمكن تصوره من دون الأمن الإقليمي، وتلك حقيقة بات يؤمن بها كل القادة الخليجيين، ناهيك عن إيمان الشعوب الخليجية بها.

من هنا أعتقد أن القمة 32 أغفلت استثمار تفعيل نظرية التلازم بين أمن الخليج والأمن الإقليمي؛ إذ كان يمكن تفعيل الانفتاح على عراق ما بعد انسحاب القوات الأمريكية، واعتباره الجزء الحيوي في المعادلة الأمنية الخليجية-العراقية في ظل استقواء الجمهورية الإسلامية الإيرانية بسبب تطورات المفاعل النووي، وتطورات الحلم العثماني التوسعي الذي تتزعمه تركيا المعاصرة خلال السنتين الماضيتين.

لقد تسربت أنباء عن مشروع تقدَّمت به (القائمة العراقية)1 إلى اجتماعات قادة مجلس التعاون الخليجي 32 تطلب فيها دعمها في مشروعات تقسيم العراق من خلال نظرية الأقاليم. لكن هذه الدعوة لم تلق الدعم الكامل، ولا حتى الجزئي، وهذا مؤشر يستبطن احتراماً لوحدة العراق، وهو ما أشار إليه البيان الختامي وهو المؤشر الذي يمكن أن يُبنى عليه بعد انتهاء القمة، فالمأمول أن تبادر دول مجلس التعاون إلى الأخذ بزمام المبادرة الحقيقية لاعتبار عراق ما بعد الانسحاب الأمريكي الجزء الحيوي في المعادلة الأمنية الخليجية في ثوبها الاتحادي الذي دعت إليه القمة الأخيرة، ما سيستدعي إعادة استراتيجية دول المجلس تجاه العراق الجديد المتحرِّر من الوجود الأمريكي على أراضيه، خصوصاً أن العراق الذي يغرق في مشكلات أمنية وسياسية بينية حادة، سيكون مستعداً لإرادة الشراكة الأمنية الخليجية-العراقية إذا ما وجد تعاملاً خليجياً شفافاً يدعم تقدم العراق بعيداً عن المبادرات الجزئية التي ترمي إلى الاتصال بكتلة دون غيرها من الكتل السياسية العراقية.

الهوامش:

1- كشف راديو (أوستن) النرويجي في نشرته الخبرية يوم الأحد 18/12/2011، نقلاً عن دبلوماسي خليجي يعمل في السويد، عن تقديم قائمة (العراقية) تقريراً إلى (قادة دول مجلس التعاون الخليجي) الذي عقد يوم الاثنين 19/12/2011 في الرياض تناولت تطورات الشأن العراقي، وخاصة مناشدة مجلس التعاون تبني موقف مشترك لدعم قائمة (العراقية) في مواجهتها للتحالف الشيعي في العراق والمقصود به (التحالف الوطني). نقلاً عن موقع (جريدة الأضواء) الإلكتروني، (www.aladwaa.ni).

مجلة آراء حول الخليج