; logged out
الرئيسية / الوضع العراقي ... والقلق الخليجي

العدد 100

الوضع العراقي ... والقلق الخليجي

الخميس، 01 تشرين1/أكتوير 2015

من وجهة نظر دول الخليج يعد الشأن العراقي لا يقف بعيدا عن اليمني، فالوضع في الدولتين يشكل تهديداً مباشراً لأمن واستقرار دول الخليج،نظراً للحدود المشتركة، كما أن الوضع السياسي والأمني في الدولتين يشكل مكونا أساسيا من الأمن الوطني لجميع دول الخليج العربي.

وقد كان التأثير السلبي لثماني سنوات من حكم نوري المالكي قد قاد العراق إلى حافة الانهيار ،حيث اتسمت سنوات حكم  المالكي بتعميق الصراع الطائفي واستحواذ المتطرفين الشيعة على زمام الدولة، مع ممارسة الإقصاء الطائفي لمكونات المجتمع العراقي ،و استغلال السلطة لخدمة أهداف طائفية، وكان أبرزها للتوظيف الخاطئ للقانون في مكافحة الإرهاب، حيث تم توظيفه كأداة لمحاربة المعارضة لسيطرة الجماعات الشيعية المتطرفة على السلطة، ووصم الخصوم السياسيين بكونهم إرهابيين أو داعمين للإرهاب خاصة ممن يمثلون المكون العربي – السني، وبرزت محاولات إخلاء مدن ومناطق كاملة من مكون محدد، وأصبح العراق مجرد تابع يدور بفلك طهران، واستشرى الفساد وسرقة المال العام مما وضع العراق على رأس قائمة الفساد الدولي، وجاء احتلال تنظيمداعش لأكبر محافظتين عراقيتين وهما  نينوى والأنبار ليعلن قرب سقوط الدولة بكاملها. عند هذا المنحنى تحرك المجتمع الدولي، ومعه الدول الإقليمية للخروج من السبات الذي سمح للعراق في التدهور إلى هذا المستوى. وشعرت دول الخليج بخطورة الوضعوساهمت بدفع الضغوط التي قادت إلى تغيير رئيس الوزراء العراقي بشخصية أكثر اعتدالا وأقل اندفا للطائفيةوهو دولة رئيس الوزراء حيدر العبادي. ورغم أن الدكتور العبادي جاءمن حزب الدعوة على غرار سلفه لكن الآمال الواسعة عقدت علىالعبادي لإخراج العراق من مأزقه.

كان للانهيار السريع للقوات المسلحة العراقية في محافظة نينوى وصلاح الدين أمام هجوم داعشبمثابة جرس إنذار لدول الجوار وعلى رأسها دول مجلس التعاون (والتي تبعتها ظاهرة انهيار القوات اليمنية أمام المليشيات الحوثية) .

كانت الميزانية التشغيلية لوزارة الدفاع العراقية أكثر من 17 مليار دولار سنويا (ما عدا كلفة شراء الأسلحة والمعدات)، وهي ميزانية كان من المفترض أن تنتج قوات فعالة تمتلك قدرات التعامل مع التهديداتالإرهابية. ولكن اكتساح داعش لمحافظتينينوى، وصلاح الدين، ثم الأنبار وحواضرها كشفت مدى الفساد والترهل الذي كان سائدا في القوات المسلحة العراقية، فتحت وصاية الأحزاب الشيعية التي كانت تسيطر على زمام السلطة في العراق تم بناء جيش يخلو من الانتماء الوطني،أو القومي العربي، ومن الحرفية العسكرية،وكانتالصبغة الطائفية هي الغالبة عليه. لذا فإن الوضع الشاذ للقوات المسلحة العراقية كان مصدر قلق واهتمام لدول مجلس التعاون. فهذه القوات تشكل مصدر تهديد لأمن دول المجلس عبر عدم امتلاكها لأبسط القدرات للوقوف أمام زحف تنظيم داعش وتمدده، في الوقت نفسه تقف هذه القوات موقف العداء من دول المجلس مدفوعة بالطائفية، والتبعية لإيران. لذا فإن إعادة هيكلية القوات المسلحة العراقية على أسس جديدة بعد احتلال الموصل كان من أهم تطلعات دول الخليج.

وقد مر عام على رحيل المالكي ورغم الجهود التي بذلها العبادي، فإن ما تغير لازال متواضعا،وهناك قضايا تعمق القلق الخليجي، منها اجتثاث الفساد والطائفية والتبعية لإيران، التي تمثل ثلاثة مطالب لتأسيس علاقات صحيحة بين دول المجلس والعراق تقوم على أسس الاحترام المتبادلواحترام السيادة والمصالح المشتركة وإبعاد التدخلات الخارجية، ولكن دول المجلس يساورها الشك في بروز عراق مستقر ويساهم في إرساء الاستقرار الإقليمي كما أن هناك تساؤلات حول قدرةرئيس الوزراء السيد حيدر العبادي في مكافحة الإرهاب.

المأزق العراقي لازال يشكل مصدر قلق كبير لدول الخليج، فرغم تشكيل التحالف الدولي لمحاربة داعش من أكثر من40دولة، فإن الوضع على الأرض لم يشهد تغيرات كبيرة،والتنظيم لازال يسيطر على حوالي ثلث أراضي العراق، بل يهدد بقيةالعراقبما فيها بغداد.

وكنتيجة للفشل في التعامل مع داعش،  فإن التنظيم تمددإلى منطقة الخليج واستهدفها بهجمات إرهابية في السعودية و الكويت، و محاولات لشن هجمات على مواقع حدودية سعودية من داخل العراق، وعبر هذه العمليات  يكون خرج داعش من إطاره العراقي، وتحول إلى منظمة إرهابية إقليمية، وهزيمة داعش في العراق لن تتم بالوسائل الأمنية فقط، فدون إحداث إصلاحات حقيقية لا يمكن القضاء عليه،لكن ما يواجهالإصلاح في العراق صعوبات كبيرة، فالجماعات الشيعية التي تستمد شرعيتها ونفوذها إلى توظيف الطائفية لن تسمح بقيام عراق خال من الطائفية، ولن تسمح للشعور الوطني العراقي أو العربي باستعادة مكانته، وهذه الجماعات المرتبطة بإيران لن تسمح بزوال النفوذ الإيراني المتغلغلفي العراق منذ 2003 م، وهذه الجماعات تعتمد في تمويلها على استمرار الفساد، لذا فإنها ستحارب كل محاولاتإصلاحية تحاول إنهاء الفساد.

الأخطر قد يتضح في عجز رئيس الوزراء السيد العبادي عنإحداث أي تغيير ملموس، أو إصلاح فعلي، فقوى الشر المسيطرة على المشهد العراقي منذ سنوات لن تستسلم بسهوله ولن ترحل عن السلطة طوعيا، و كذلك هناك أطراف داخلية، وخارجية مستفيدة من تمددداعش، و مصلحتها في استمرار تواجد هذا التنظيملزعزعة الأمن والاستقرار، فالجماعات السياسية الكردية التي تطمح بإنشاء دولة كردية عبر تفتيت كيان العراق، وجدت في تمدد داعش فرصة  لتوسيع سيطرتهاعبر الزحف على "المناطق المتنازع عليها" ذات الأقلية الكردية و احتلالها  تحت مبرر "حماية هذه الأراضي من داعش"، والمليشيات الشيعية المتطرفة وجدت في تمدد داعشفرصة لفرض إرادتها ، كونها "حامية أبناء الطائفة الشيعية من التهديدات،وتبقى إيران على رأس المستفيدين من تمدد داعش، فتدخلإيران في العراق وسوريا اكتسب الشرعية تحت غطاء محاربة داعشوالتزم الغرب سياسة الصمت تجاه الدور الإيراني .

لذا فإن القلق الخليجي من الوضع العراقي له مبرراته، فالتهديدات التي مصدرها الوضع في العراق تقع ضمن التحديات الكبيرة التي تواجهها دول الخليج،مقابل أن القدرات الخليجية في التأثير على الوضع العراقي الداخلي محدودة جدا، والاعتماد على السياسة الأمريكية في التعامل مع هذه المخاطر لا يعد وسيلة فعالة تناسب حجم هذه التحديات.

مقالات لنفس الكاتب