; logged out
الرئيسية / دول الخليج .. وتحدي أمن الملاحة في الخليج العربي والبحر الأحمر

العدد 102

دول الخليج .. وتحدي أمن الملاحة في الخليج العربي والبحر الأحمر

الأحد، 29 تشرين2/نوفمبر 2015

يطرح هذا المقال الإشكاليات المتعلقة بأمن الملاحة البحرية فى الخليج العربى والبحر الأحمر باعتبارهما امتدادا استراتيجيا للممرات البحرية التى تربط آسيا وإفريقيا بأوروبا، بداية من الخليج العربي وامتداده بحر العرب، فالمحيط الهندي مرورا بخليج عدن، ثم باب المندب دخولا إلى البحر الأحمر، وعبورا لقناة السويس، وصولا للبحر الأبيض المتوسط.

      وبقراءة جيوسياسية لتلك الممرات المائية سنتبين ومن الوهلة الأولى وقبل الولوج فى التفاصيل، أن تلك الممرات المائية تمثل الشريان الاستراتيجي الأهم في العالم، مما جعلها جاذبة لمجموعة من الصراعات التنافسية الدولية والإقليمية، الأمر الذي يعني أن هذه الممرات المائية تجري في إطار بيئة استراتيجية أمنية بالغة الخطورة، تعج بقائمة من المهددات والتحديات، بالإضافة إلى فرص استراتيجية متاحة يمكن استغلالها، وذلك على النحو الذي سيرد تفصيلا.

       ومن ثم فهناك ضرورة للتعرف على أبعاد البيئة الأمنية للممرات البحرية التي تهم دول مجلس التعاون الخليجي وتعد جزءًا مهماً من الأمن الخليجي والعربي، وتمثل واحدة من أهم التحديات التي تواجه دول المنطقة التي يجب عليها مراعاة خطورة التحديات التي تواجه هذه الممرات المائية التي تعد شرياناً حيويا للمنطقة والعالم، وأبعاد هذه البيئة سوف نتعرض إليها من خلال التحليل الجيوسياسي للبيانات الجغرافية على الوجه التالي:

 

طول سواحل الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر 2100 كم

 

     الساحل الشرقي (الجزيرة العربية) 100% من الساحل الشرقي للبحر الأحمر مشاطئ لدول عربية ,كل من:

1-الأردن ( 26 كم)  خليج العقبة

2-السعودية (1600كم)

3-  اليمن (510 كم) على البحر الأحمر، بالإضافة إلى مشاطأتها على خليج عدن (1400 كم) والمطل على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر (باب المندب) مدخل البحر الأحمر الجنوبي بين قارتي آسيا وإفريقيا بعرض حوالي (30كم).

 

  الساحل الغربى (إفريقيا) 70% من الساحل الغربي للبحر الأحمر مشاطئ لدول عربية, كل من:

1-   مصر (900 كم)

2-   السودان (700 كم)

3-   أرتيريا ( 900 كم) دولة إفريقية

          4 - جيبوتي ( 100 كم)

         5 – الصومال (3025 كم) على خليج عدن والمحيط الهندي.

          ومن التحليل المبدئي لتلك البيانات الأساسية يمكن تبين العناصر التالية:

 

ا – لا يمكن الفصل بين الملاحة البحرية فى الخليج العربي عن البحر الأحمر، نظراً لأن الدول العربية المشاطئة لهما تتواجد فى منطقة جغرافية تشكل فى مضمونها إقليما جغرافيا واحدا، يرتبط استراتيجيا وفى تفاصيل عديدة مع بعضها البعض، بما يوحد فى النهاية قائمة المهددات والتحديات الموجهة ضدهما، ويحتم في نفس الوقت أهمية التعامل المبكر والمشترك مع تلك القائمة والتي سنتعرض لها لاحقا.

ب - معظم الدول العربية مشاطئة لتلك الممرات البحرية إما على كلاهما، أو أيا منهما كالآتي : على البحر الأحمر توجد كل من مصر / السعودية / الأردن /اليمن السودان  / جيبوتي / الصومال .

      وعلى الخليج العربي توجد كل من السعودية /العراق / الكويت / البحرين / قطر / الإمارات العربية / سلطنة عمان.

ج - بفحص الأبعاد الجيوسياسية  لسواحل الدول العربية نجد أن معظم سواحلها  تشرف  على مسارات حرجة بالملاحة البحرية  بالخليج العربي (مضيق هرمز) وبالبحر الأحمر (باب المندب )  وهى كل من (اليمن – الصومال – جيبوتي)   يشكلون معا  امتدادات ساحلية لخليج عدن - المدخل الجنوبي لباب المندب، ومن ثم فهناك سعي مستمر لكل من (إيران /إسرائيل) لدى دول إفريقية مثل أريتريا / جيبوتي (عربية- إفريقية ) للتواجد العسكري على أراضيها. الأمر الذي يحتم الدراسة التفصيلية لأبعاد (الصراع الجغرافي) الذي يستهدف الممرات البحرية العربية فى كل من الخليج العربي والبحر الأحمر، وينبغي في هذه الحالة أن نستعرض بشكل عام أوضاع الدول المندمجة في هذا الصراع الجغرافي بالبحر الأحمر وهي:

1-   اليمن

2-   جيبوتي

3-   الصومال

4-   أرتيريا

5-   التواجد الإسرائيلي في البحر الأحمر  

6-   التواجد الإيراني في البحر الأحمر

أولا: اليمن (مركز الصراع الجغرافي العالمي)

من ينظر إلى خريطة اليمن حتى من غير المتخصص سيلاحظ أن الموقع الجغرافي لليمن هو الموقع الاستراتيجى الأهم على قائمة المواقع الجغرافية لكل الدول العربية ومن ثم العالم أجمع، فموقع اليمن يتحكم تماما فى ربط آسيا بإفريقيا ثم كلاهما بأوروبا ومن أقصر الطرق، وفى الوقت  نفسه كان يمثل هذا الموقع  مصدرا مستمرا للصراع الدولي عبر تاريخ اليمن القديم والحديث، ومن ثم فالدفاع عن أمن اليمن وتثبيت استقراره وتقويته يعد أمرا حتميا على الدول العربية، ويحتل رأس قائمة أولويات الأمن القومي العربي الشامل، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من منظومة الأمن الوطني لكل دولة عربية، وهذا يفسر لنا  استماتة الدولة الفارسية على أن يكون لها موطىء قدم بها كمنصة رئيسية لتهديد العرب، وإن لم تتمكن فيكون بجوارها بشتى الطرق والوسائل مهما كلفها الأمر  .

 

-         المعلومات الجغرافية لليمن:

 اليمن فيجنوب شبه الجزيرة العربية، و في الجنوب الغربي من قارة آسيا، ويحدها من الشمالالمملكة العربية السعودية، بحدود برية مشتركة ( 1458كم) ومن جنوب الساحل الشمالي لخليج عدن بطول ( 1500 كم)  ومن الشرق سلطنة عمان بحدود برية طولها ( 244كم ) ومن الغرب  ساحل البحر الأحمر بطول (510 كم)، ومن ثم تشرف أراضيها على الجانب الشرقي الآسيوي  والمرتبط ارتباطا وثيقا بمضيق باب المندب، وفي مواجهة الجانب الإفريقي لمضيق باب المندب بعرض (32كم )، كما تشرف (جيبوتي) على  الجانب الغربي الإفريقي للجزيرة                                                              

ثانيا: جيبوتي (الجانب الغربي لمضيق باب المندب)

جيبوتي دولة عربية في منطقة القرن الأفريقي، وعضو في جامعة الدول العربية، تقع جغرافيا علىالشاطئ الغربي لمضيق باب المندب، وتحدها أرتيريا من الشمال (وإثيوبيا) منالغرب والجنوب (والصومال) من الجنوب الشرقي فيما تطل شرقا على البحر الأحمروخليج عدن. وعلى الجانب المقابل لها عبر البحر الأحمر في شبه الجزيرةالعربية التي تبعد سواحلها نحو 20 كيلومترا عن جيبوتي. ونتيجة للموقع الجغرافي الاستراتيجي لجيبوتي وإطلالها بشكل فريد من نوعه على الجانب الغربي، وعلى مسافة حوالي (32كم) فقط من الساحل اليمني، بما يوفر إمكانية مطلقة في التحكم تماما في الدخول لباب المندب أو الخروج منه.

       ونظرا للأهمية الحيوية لموقع جيبوتي، فقد قامت أمريكا (2008م) بعقد اتفاقية أمنية مع حكومة جيبوتى وتم تجديدها فى منتصف 2014م، لمدة 10 سنوات، بقيمة إيجار سنوية (63 مليون دولار) تدفع لجيبوتي، وقد أنشئت  القوات الأمريكية بها قاعدة جوية وبحرية وبرية ضخمة للغاية  ( قاعدة لومينير)[1] ، مع وجود أطقم بحرية وجوية لديها الإمكانيات والقدرة على توقيف وتفتيش أي سفينة يشتبه فيها أيا من كانت جهة تبعيتها، وطبقا للتقارير المنشورة فى هذا الشأن فإنها تشير إلى أنه قد  تم تطويرها فى الفترة الحالية لتصبح مقر ( القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا- AFRICOM )[2].

      والجدير بالذكر أمريكا تعتبر أن مفتاح الأمن والاستقرار فى تلك المنطقة الاستراتيجية العالمية يكمن في هذا التواجد العسكري الضخم، مما قد يطرح على الدول العربية المشاطئة للخليج العربى والبحر الأحمر، فرصا متاحة أمامها تتعلق بضرورة العمل السياسى المكثف مع أمريكا بهدف المشاركة، أو التنسيق، أو أيا من صور التعاون والمتعلقة بأمن الملاحة البحرية في تلك المناطق.

 

ثالثا: الصومال

الصومال دولة عربية إفريقية عضو في جامعة الدول العربية، وتقع في منطقة القرن الإفريقي تطل بساحلها الشمالي على الجانب الجنوبي لخليج عدن، والمطل على باب المندب، كما تطل أيضا بساحلها الشرقي على المحيط الهندي، وبأطوال حدودية بحرية تعد الأطول على مستوى القارة الإفريقية ، حيث تبلغ (3025 كم ) تشرف بطبيعتها المتفردة على أكبر وأهم شبكة مرور بحرى فى العالم، كما تبلغ حدود الصومال  البرية ( 2340 كم ) مع كل من جيبوتى شمالا، وأثيوبيا غربا، وكينيا جنوبا، وغنى عن البيان حجم المشاكل السياسية الداخلية بالصومال من تواجد شبكات القرصنة الدولية على أراضيها، إضافة إلى النزاعات الحدودية بينها وبين أثيوبيا والتي تغذيها أرتيريا المعادية للعرب، مما يدفع بمزيد من جهود جامعة الدول العربية في هذا الشأن الاستراتيجي الهام .

 

رابعا: أرتريا (مركز العدائيات الرئيسي ضد العرب في البحر الأحمر)

     بداية أي متابع للشأن الأريتيري سوف يكتشف أن أرتيريا دولة معادية للعرب على طول الخط ، وتسعى دائما لمناكفة الدول العربية، وتهديد أمنها القومي بما ينجم عن هذا الموقف المعادي تعارضا حادا مع المصالح الأمنية العربية، رغم أن العرب وبصفة خاصة مصر ، هم الذين  ساهموا في إنشائها كدولة ذات سيادة، بعد أن كانت مجرد إقليم تابع لأثيوبيا حتى انتهاء الحرب بينهما في (1993م)، وأعلنت أرتيريا دولة ذات سيادة (2001م) ومنذ ذلك التاريخ، وهى تكن العداء للعرب كما لو أنها حالة مرضية إذ جعلت كل سواحلها ذات الأهمية الاستراتيجية[3] (900 كم )  قواعد  تنطلق منها الاعمال العدائية ضد العرب عموما والسعودية واليمن بشكل خاص .

         وتستغل ارتريا طول مواجهة حدودها الساحلية فى منح تسهيلات للدول المعادية للعرب، خاصة أن حدودها البحرية تمتد  من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ( رأس ارجيتا) على الحدود الشمالية لجيبوتي، حيث مضيق باب المندب  حتى ( رأس قصار) على الحدود الجنوبية للسودان، كما تمتد  سواحلها فى الجانب الغربي من البحر الأحمر ، وفى مواجهة (510 كم ) للساحل اليمني وفى مواجهة (390كم) للساحل السعودي، بالإضافة إلى ضم مجموعة كبيرة من الجزر البحرية تعتبرها ارتريا ومن جانب واحد أنها أراض  مملوكة لها ودون سند من القانون الدولي، مع تجاهل الحقوق القانونية لليمن فى تلك الجزر  .

       وقد استفادت إسرائيل من الترحيب الأرتيري الذي أظهره (أفورقي) رئيس أرتيريا حينما جعل أول زيارة له خارج دولته تكون لإسرائيل (1995م) بعد أن وجهت تل أبيب دعوة لرئيس أرتيريا لزيارة إسرائيل، ووقعت معه على هامش هذه الزيارة العديد من الاتفاقيات يتم بمقتضاها أن تتواجد عناصر بحرية، واستخبارتية إسرائيلية على الساحل الارترى، على أن تقوم إسرائيل أيضا بتوفير الدعم العسكري والمعلوماتي لأرتيريا.  

       وقد حذت إيران حذو إسرائيل تماما، لتحقيق غايتها المنشودة بالتواجد العسكري البحري في البحر الأحمر وتحديدا، فى مواجهة الساحل اليمني لاتاحة الفرصة للتواصل مع الجماعات الحوثية في اليمن، وقامت بتكرار السيناريو الإسرائيلي، فوجهت الحكومة الإيرانية دعوة رسمية لأفورقي لزيارة طهران (2009م) والذي وافق أثناء هذه الزيارة على توقيع اتفاقيات تعاون مع الحكومة الإيرانية، تسمح اريتريا بمقتضاها بوجود عناصر بحرية إيرانية على أراضيها.

       ويلاحظ هنا سياق التكامل (الإسرائيلي-الإيراني) التعاوني العدائي ضد العرب، في توفير كافة الإمكانيات لأرتيريا والتي من شأنها تهديد الأمن القومي العربي، ومن المؤكد أن هذا لا يمكن أن يتم دون ترحيب وتنسيق إسرائيلي يتسامح مع التواجد البحري الإيراني في الموانئ الارترية جنبا إلى جنب مع المعدات البحرية الاستخبارتية الاسرائيلية، بما يؤكد زيف الادعاءات الإيرانية بحربها ضد إسرائيل.

           إن كافة الشواهد والتي ترد في الكثير من التقارير الإعلامية تشير إلى أن ارتريا تلعب دوراً هاماً ورئيسياً فى تفكيك اليمن، وبتخطيط إسرائيلي ومتكامل مع خطط إيران، وإثارة الفرقة والنزاعات بها، ومن خلال منظومة استخبارتيه ذات فاعلية تعتمد على ضخ أموال إيرانية، ولقد نتج عن تلك الحالة التعاونية التكاملية (الإسرائيلية / الإيرانية) بتدعيم دولة ارتريا وفى أماكن محددة، بأنها أصبحت تشكل حزمة من المهددات الجسيمة للأمن القومي العربي.

 

 خامسا: التواجد الإسرائيلي في البحر الأحمر (الهدف الأسمي للاستراتيجية الإسرائيلية)

        بدأت خطة التواجد الإسرائيلي في إفريقيا بعد حرب أكتوبر 1973م، وقيام مصر آنذاك بغلق مضيق باب المندب، وتحركت إسرائيل بخطط مدروسة ونجحت تماما بالتغلغل في معظم الدول الإفريقية المتاخمة لحدود الدول العربية في إفريقيا، والمعلومات حول تلك التفاصيل متاحة، وتبرز هنا  حالة ارتريا والتي تحظى باهتمام إسرائيل بفكرة إنشاء مراكز متطورة للتصنت والتجسس  على الأراضي الأرتيرية تمكن إسرائيل من جمع المعلومات بالطرق الفنية من خلال وحدات بحرية صغيرة في (جزر دهلك – مصوع – رادارت بحرية- جبل سوركن) ، بما يعني في النهاية أن إسرائيل تقوم بالرصد الاستخباراتي اليومي لكل ما يدور في البحر الأحمر ، وبطبيعة الحال لا يمكن أبدا أن تتم كل تلك الإجراءات دون موافقة وتنسيق مع مراكز الحرب الإلكترونية ونظم المراقبة والتجسس الموجودة في القيادة الأمريكية  ـ الإفريقية المتقدمة في جيبوتي(hoa.africom )، ومن المعلوم من الناحية الفنية أنه لا يمكن أن  تعمل المعدات الإسرائيلية خارج سيطرة ورقابة تلك القيادة، ومن اللافت للنظر أيضا أن لإسرائيل خبراء وجود عسكر واستشاري واضح تماما في العاصمتين (أسمرة /أديس ابابا) رغم العداء الشديد بين كل من أرتيريا وأثيوبيا .

          ومن ثم تعد تلك البيئة الأمنية المتدهورة مناسبة تماما لإسرائيل لاشعال المنطقة واستنزافها بالصراعات الإقليمية المتنوعة، مما يشكل ضغوطا على النظام العربي، وشغله بتلك الصراعات تؤدى بطبيعة الحال إلى استنزاف وتشتيت القدرات الاستراتيجية العربية في اتجاهات متعددة، إضافة لما تموج به المنطقة العربية حاليا من نزاعات شرقا في العراق وسوريا وغربا في ليبيا.

 

سادسا: إيران واحتلال الجزر العربية في الخليج العربي والتواجد الإيراني في البحر الأحمر

 هناك قائمة طويلة من الشواهد العملية تعكس بوضوح توجهات السياسة الإيرانية التي تعادي الدول العربية السنية، فبالإضافة للاستعراضات الاستفزازية من حين لآخر حول الجزر العربية الثلاث، إلا أنها تستهدف أيضا بناء تحالفات جديدة كأهم ماتحصلت عليه من فوائد عديدة ناتجة من الاتفاق النووي مع أمريكا، ومن ثم فيلاحظ أن هناك  نشاطا ملحوظا في دعم خطط امتداد التواجد الإيراني بكثافة في إفريقيا، وعلى الساحل الغربي للبحر الأحمر ( الإفريقي)  بصفة خاصة، والتخطيط  المستمر لبناء بؤر شيعية على الساحل الغربي للبحر الأحمر، بحيث تكون قادرة على التواصل مع الجماعات الشيعية داخل عمق القارة الإفريقية، بما يدعم الانتشار والتغلغل الإيراني بها، ومثال على ذلك هو التواجد البحري الإيراني حاليا في ارتريا، والتي تحولت إلى مرتع خطيرا للغاية لتهريب الأسلحة والقرصنة لتهديد أمن الدول العربية المجاورة لها، وتحقيق أقصى قدر من الاستفادة من جغرافية موقعها المواجه للقطاع الشمالي للساحل اليمني، والقريب إلى الركن الشمالي الغربي لليمن (صعدة) حيث معقل الحوثيين، وبالتالي استغلت إيران هذا الاقتراب  من السواحل اليمنية وتحديدا للتواصل بشتى الطرق مع مراكزالفكر الشيعي في اليمن، والتي أسسها الحوثيون والذين بدورهم ينتقلون بحرا وبشكل مباشر إلى مراكز التدريب العسكرى الإيرانية في ارتريا، حيث تعتبرها إيران منطقة لوجستية للدعم المستمر للحوثيين من جهة، ومن جهة أخرى رسالة سياسية إلى دول الخليج العربي بصفة خاصة وللدول العربية بصفة عامة  تقول " نحن الفرس نحيط بكم  ياعرب من هرمز شرقا إلى البحر الأحمر غربا" ، وعلى الرغم من  أن تلك الرسالة بها الكثير من المبالغة في القدرات الإيرانية وسببها الهوس الشيعي لحكام طهران، والذي يتجاوز عمليا الإمكانيات العسكرية الإيرانية، إلا أنها في النهاية  تؤثر إيجابيا وترفع معنويات خلاياها الشيعية المنتشرة في أماكن عديدة ببعض الدول العربية والإفريقية، وتشير معلومات مؤكدة إلى أن إيران وتحديدا في ميناء عصب الارتري الذي تتواجد به عناصر متنوعة من البحرية الإيرانية المسلحة، كانت تعد نفسها بخطط متدرجة للسيطرة على البحر الأحمر من مدخله الجنوبي عبر تحالفاتها ودعمها للحوثيين، والتواصل المستمر للسفير الإيراني في السودان[4] والذي يقوم بزيارات مكوكية للعاصمة الارترية (أسمرة) للإشراف على إدارة ميناء ارتريا لتوصيل الأسلحة للحوثيين في اليمن.

 

ومما تقدم يمكن أن نستخلص الخطوط العريضة لأخطر التحديات والمهددات للملاحة البحرية في البحر والخليج العربي والبحر الأحمر وهي على الوجه التالي:

        بداية يلزم تدقيق الفارق بين مفهومي التحديات والمهددات، فمفهوم (التحديات) يشير إلى مجموعة من الصعوبات في كافة المجالات، والتي من الممكن أن تعقد وتعرقل خطط التنمية بالدولة أو الدول، ومن أهم سماتها أنه يمكن التعامل مع تفاعلاتها، باستخدام أدوات القوة الناعمة بشكل مبكر مع ملاحظة أنه في حالات التجاهل أو التأخر في التعامل معها بالشكل المناسب، فحتما ستؤدى تفاعلاتها إلى التحول تراكميا إلى مهددات، ومن ثم يصبح مفهوم (المهددات) يشير إلى (ناتج حالة أو حالات محددة) من تضارب المصالح بين دولتين أو أكثر نتيجة تعارض أهدافهما القومية، حيث تسعى إليها كل دولة وفقا لقدراتها وتصوراتها الاستراتيجية، مع عدم القدرة على موازنة الضغوط الدولية المتباينة، ففي هذه الحالة ستنتج ظروفا بالغة الخطورة تدفع بالتأكيد في اتجاه استخدام القوة العسكرية.

 

أهم التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي وخلفية المهددات:

 

1-  تتعرض منطقة الشرق الأوسط حاليا إلى انتكاسات متعددة وبمعدلات تفاعلية سريعة وذات حسابات متغيرة ومفاجئة أيضا، والحالة السورية، مثال واضح، حيث التدخل الروسي العسكري المفاجئ على الأرض، مع عدم قدرة النظام الدولي على بناء حالة توازن سياسي ومن ثم لم تستطع أمريكا التصدي سياسيا كحد أدنى. الأمر الذي أدى إلى مواقف سياسية معقدة تؤثر على النظام العربي الذي أصبح على عاتقه العمل بشكل مكثف لاستعادة التوازن السياسي في الأزمة السورية بما يؤدى لحلها سلميا.

2-   التداعيات السياسية العسكرية السلبية، للاتفاق النووي (الإيراني – الأمريكي)، تكشف بوضوح السرعة في زيادة معدلات الأنشطة الإيرانية المناوئة للعرب في أماكن عديدة من المنطقة العربية، وأهمها في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر.

3-  الإصرار الإيراني على دعم الحوثيين بشتى الوسائل على الرغم من الخسائر الفادحة التي يتكبدها الحوثيون يوميا من الضربات، خصوصا في المناطق المجاورة للحدود السعودية، ويأتي ذلك ووفق تصور إيراني ضيق الأفق، حيث يتصور الإيرانيون أنه من الممكن استنزاف السعودية مع طول الوقت باعتبارها حجر الزاوية لمنظومة الأمن والتعاون لدول الخليج، وأنه من الممكن عبر إطالة أمد الصراع في اليمن الاخلال بتوازن منظومة الأمن والتعاون لدول الخليج من اتجاهين شرقا وغربا.

4-  إن تعطل أو ضعف مستويات النجاح في المباحثات بين أطراف الصراع في ليبيا والتي تجريها الأمم المتحدة لأسباب عديدة منها عدم تسليح الجيش لمواجهة الارهاب، وعدم الأخذ في الاعتبار الموازنة الدقيقة بين طرفي النزاع فأحدهم شرعي ومنتخب، والأخر فصيل يستخدم غطاء دولي ينحاز له وينزع إلى استخدام القوة.

5-  الصلافة الإسرائيلية المعهودة في التعامل مع الجانب الفلسطيني، ولعل ما يحدث حاليا في القدس الشرقية يعطي دليلا على إصرار إسرائيل على عدم احترام المواثيق الدولية إلا إذا كانت مدعومة بقوة عسكرية، إلى جانب زيادة النشاطات الإرهابية في المنطقة العربية دون رادع فعال، ومن ثم مرشحة للنمو أكثر في الشرق الأوسط والعالم.

 

وبتحليل ماسبق  سنتبين أن هناك عددا من اللاعبين الدوليين والإقليميين يشاركون في كل ما يجري على ساحة الشرق الأوسط، أملا في خلق أوضاع استراتيجية على أرض الواقع، تسمح بتغيير أوراق اللعبة، وتخدم أهداف هؤلاء، ومن ثم ففي الجانب العربي سنجد حتما وبطبيعة الحال صعوبة في موازنة الضغوط الدولية المتباينة على المنطقة العربية، مع الأخذ في الاعتبار أن القدرة الاستراتيجية للدولة أو النظام الإقليمي في الحفاظ على موازنة الضغوط الدولية تجاه صراع معين، سوف يساهم دون شك  في تبريد / حل المشاكل المترتبة عن تلك الصراعات .  

       فحينما تغيب القدرة على موازنة الضغوط، وتتراكم التحديات، تضع أهم أولويات الأمن القومي العربي على المحك، نتيجة تحول الكثير من التحديات والتي سبق إيضاحها كمهددات واضحة للملاحة البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر.

 

  أخطر المهددات للملاحة في الخليج العربي والبحر الأحمر:

يأتي على رأس قائمة هذه المهددات، اعتماد النظام العربي المطلق على الدول الكبرى في مهام تأمين المصالح العربية بوجه عام، وفي تأمين الملاحة البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر بوجه خاص، باعتبار أن هذه الدول لها مصلحة حقيقية في ذلك ، وعلى الرغم من صحة هذا التصور في الوقت الحاضر ، إلا أنه في النهاية سيظل رهانا قابل للتعديل طبقا للتفاعلات المستمرة في النظام الدولي، وما قد ينتج عنه من متغيرات دولية  جديدة وغير المتوقعة، ومن ثم فمن الضروري البدء بالمشاركة العملية في تلك المهام، وبصفة خاصة في منطقة باب المندب وهي أراض عربية في ضفتيها، ويُقترح في هذا الشأن الهام، بأن تجرى مباحثات مع أمريكا لاشراك قوة عربية (جوية/ بحرية/ برية خاصة) للتعاون مع القوات الأمريكية / الفرنسية الموجودة حاليا في قاعدة (لومينير) بجيبوتي، وعدم الاعتماد المطلق على الدول الكبرى في لعب الدور الرئيسي في تأمين الملاحة البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر ، ويعد ذلك رسالة سياسية حاسمة لكل من ( إيران ـ إسرائيل ـ اريتريا ) مفادها أن البحر الأحمر ليس متاحا أمام تواجد أي قواعد لتهديد أمن وسلامة الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر .

 

     وإضافة إلى ما سبق، هناك ضرورة لزيادة المناورات البحرية التدريبية المشتركة مع الدول العربية ولامانع من إشراك دول إفريقية وأوربية وبشكل شبه مستمر في مجالات متنوعة عسكرية، وبيئية، ومواجهة الهجرات غير الشرعية، القرصنة البحرية وغير ذلك، مع تبادل الزيارات البروتوكولية بين كافة القواعد البحرية العربية مع بعضها البعض، ولا يعد هذا بمثابة دق طبول الحرب، بل لإرسال رسالة للجميع مفادها أن الحدود والممرات البحرية العربية لن تكون إلا لسلام المنطقة العربية والعالم، ولا مكان بها لتهديد أحد.

 

ختاما:

لعلنا نجد في نموذج، عمليات عاصفة الحزم ما يؤكد أن القرار السياسي العربي باستخدام القوة المسلحة كان قرارا حازما وصائبا، ويعطي رسالة سياسية هامة بعنوان (العقاب الجسيم) كتطبيق عملي لفكرة الردع الاستراتيجي، وهي صالحة تماما للبناء عليها لتأمين الملاحة في البحر الأحمر.

 

 

 

 

هوامش:

[1] انظر – قاعدة لومينير – جيبوتىhttp://www.fas.org/sgp/crs/natsec/RL34003.pdf

[2]http://www.hoa.africom.mil/

 [4]صحيفة التيار السودانية ، فى عددها الصادر 5 ابريل 2015 ، نقلا عن صحيفة الوطن السعودية الصادرة  قبل يوم من اذلك التاريخ .

مجلة آراء حول الخليج