; logged out
الرئيسية / الدور الإيراني في عدم استقرار منطقة الخليج العربي مملكة البحرين نموذجاً

العدد 104

الدور الإيراني في عدم استقرار منطقة الخليج العربي مملكة البحرين نموذجاً

الأحد، 07 شباط/فبراير 2016

المتتبع لمنطقة الخليج العربي منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م، وحتى الآن يجد أن تلك المنطقة لم تشهد استقراراً قط بل أن التأزيم المزمن قد أضحى سمة لازمة لها،صحيح أن تلك الأزمات استدعت تدخلات دولية ابتداءً بالحرب العراقية-الإيرانية 1980-1988م، ومروراً بالغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990م، وانتهاءً بأزمة البرنامج النووي الإيراني التي تمت تسويتها – مؤقتاً- من خلال توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة ال5+1 في 15 يوليو2015،إلا أن اثنتين منها كانت إيران طرفاً رئيسياً فيهما مما يثير ثلاثة تساؤلات محورية و هي:

أولها: لماذا تحرص إيران على إبقاء منطقة الخليج العربي ودول الجوار الإقليمي في حالة من عدم الاستقرار المزمن؟

وثانيها: ما هي الآليات التي تنتهجها إيران لتحقيق ذلك الهدف؟ وثالثها: ما هي طبيعة التهديدات الإيرانية لمملكة البحرين كمثال على السياسات الإيرانية وما هي آليات مواجهة تلك التهديدات؟

أولاً: الدور الإيراني في عدم استقرار منطقة الخليج:

مما لاشك فيه أن قوة أي دولة هي حاصل ما لديها من مقومات سواء طبيعية أو بشرية، وقد تعددت الدراسات التي تناولت تلك القضية من خلال وضع عدة مؤشرات لقياس قوة الدولة ومن أهمها ما كتبه د جمال زهران عن منهج قياس قوة الدول عام 2007م، وعليه فإن الموقع الجغرافي لإيران كدولة مطلة على أهم شرايين التجارة العالمية، وواقعها الديمغرافي، بالإضافة إلى استراتيجيات إيران لتطوير التسلح التقليدي، والضبابية التي تحيط ببرامجها النووية، ناهيك عن هوية النظام الإيراني التي ترتكز على أيديولوجية دينية عززت جميعها عناصر من إيران كدولة إقليمية، إلا أن ذلك لم يكن كافياً- من وجهة صانعي القرار في إيران- حيث رأوا أنه بغض النظر عن تلك المقومات فإن إيران لاتزال "دولة شيعية" تقع ضمن "محيط سني "ومن ثم يتعين عليها إبقاء الهواجس الأمنية تجاه ذلك المحيط في أعلى درجاتها حتى ولو كان ذلك مجافياً للواقع.

وانطلاقاً مما سبق هناك عوامل ثلاثة يمكن من خلالها تفسير السياسات الإيرانية التي تستهدف عدم استقرار منطقة الخليج وهي:

1-العوامل التاريخية (ميراث الحرب العراقية-الإيرانية)

على الرغم من مرور ما يقارب 27 عاماً على انتهاء تلك الحرب، بل والقضاء على النظام العراقي من خلال الغزو الأمريكي عام 2003م، وما ترتب على ذلك من خلل في منظومة الأمن الإقليمي ومن ثم تعزيز الدور الإقليمي لإيران وتكرس الخلل في توازن القوى الإقليمي لصالحها فإن خبرة تلك الحرب لاتزال ماثلة في أذهان النخب الإيرانية والتي أوجدت لدى إيران فكرة مؤداها أن المحيط السني ربما لا تكون أطرافه رصيداً لها.

2-العوامل الجغرافية (مميزات الدولة البحرية) كثيرة فالدولة البحرية لديها ميزة هائلة إذا ما كان لديها قوات يمكنها حماية حدودها البحرية والقدرة على توظيف تلك الحدود وهو ما ينطبق على الحالة الإيرانية حيث أن تحكم إيران في مضيق هرمز يعد ورقة مهمة واستخدامها في تحسين التفاوض، وهذا يفسر حرص إيران على إجراء المناورات البحرية بشكل مستمر في مضيق هرمز.

3-موقع منطقة الخليج العربي ضمن المشروع الإقليمي لإيران:

ففي ظل صراع إيران المزمن مع الدول الغربية منذ عام 1979م، وحتى الآن ترى طهران أن منطقة الخليج هي "الحلقة الأضعف" التي يمكن التأثير فيها على المصالح الغربية، ومما يؤكد ذلك توجيه إيران ما يطلق عليه "الأمن التعاوني" نحو دول آسيا وتوقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية، فضلاً منظمة شنغهاي التي تضم عدة دول في شرق آسيا وتتمتع إيران فيها بصفة مراقب، بينما توجه" الأمن الاستراتيجي" تجاه دول مجلس التعاون أو ما يطلق عليه الأمن الصلب من خلال استمرار احتلال الجزر الإماراتية الثلاث ورفض تسويتها بآلية التحكيم الدولي، فضلاً عن التهديد أكثر من مرة بإغلاق مضيق هرمز، بالإضافة إلى طرح مبادرات لا تستهدف تحقيق أمن الخليج العربي بل تكرس الخلل في توازن القوى.

ثانياً: مظاهر التهديد الإيراني لدول مجلس التعاون عامة والبحرين خاصة:

ينبغي التأكيد على حقيقة أن التطورات الإقليمية خاصة منذ عام 2011م، لم تكن منشأة للصراع بل كان لها تأثير على مضمون ذلك الصراع بالنسبة لإيران فقبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، كان صراع إيران مع دول الخليج مؤسساً على الأطماع الإقليمية ومع استمرار الصراع واتضح أن أهم آلياته تتمثل في الاعتبارات الطائفية والدينية بشكل أساسي وضمن ذلك الصراع تعمل السياسة الإيرانية على محورين متوازيين:

الأول: تهديد الأمن الداخلي لدول مجلس التعاون.

الثاني: إبقاء المحيط الجيواستراتيجي لدول المجلس في حالة من عدم الاستقرار للاستفادة ليس فقط من حالة الخلل في توازن القوى الإقليمي بل من التحديات التي تواجهها دول الجوار على من الداخلي والتي تتمثل في الجماعات دون الدول والتي لديها قدرات تسليحية وتسيطر على بقع من الأرض وتمثل تحدياً ليس فقط لأمن تلك الدول وإنما لبقائها كدول موحدة ذات سيادة بما يحقق هدف إبقاء القدرات الأمنية والدفاعية لدول مجلس التعاون في حالة من الاستقطاب ما بين التهديدات الداخلية والخارجية، ومن ذلك ما أشار إليه قائد الحرس الثوري الإيراني عن وجود حوالي 200 ألف مقاتل إيراني في خمس دول وهي "سوريا-اليمن-العراق-أفغانستان-باكستان" ً، فضلاً عما أشار إليه القائم بأعمال السفير اليمني لدى البحرين في صحيفة الأيام في 12 يناير2016م، من أن "الفرقاطة البحرينية صبحا استطاعت إحباط 280 عملية تهريب سلاح إيراني لليمن عبر باب المندب "  وتكمن الخطورة في السياسات الإيرانية أنها لم تواجه باعتراض من جانب أمريكا سوى ما قاله وزير الخارجية جون كيري "الرئيس أوباما تعهد بالوقوف مع الحلفاء في الشرق الأوسط" دون تحديد واضح لماهية السياسات الأمريكية تجاه تنامي التغلغل الإيراني في الملفات الإقليمية

بالنسبة للمحورالأول: التهديدات الإيرانية لأمن دول مجلس التعاون

1-التهديدات المباشرة:

تتعدد تلك التهديدات التي تتضمن تهديداً مباشراً لدول مجلس التعاون ومنها على سبيل المثال تصريح العميد مرتضى قربائي أحد المقربين من قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني بتهديد السعودية بقوله" إذا أصدر علي خامنئي الأوامر بضرب السعودية فلدينا 2000 صاروخ جاهزة لإطلاقها باتجاه السعودية من أصفهان"، فضلاً عن محاولة إيران التوظيف السياسي لحادثة التدافع خلال أداء موسم الحج بمنى حيث حملت إيران السلطات السعودية مسؤولية ذلك الحادث مما حدا بوزير الخارجية السعودي عادل الجبير لتحذير إيران بالقول "يفترض بالإيرانيين أن يكونوا أكثر تعقلاً من اللعب بإقحام السياسة في حادثة وقعت لأشخاص كانوا يؤدون أقدس واجب ديني خلال الحج" الإضافة إلى تأكيد السلطات الأمنية في السعودية تورط إيران في العمليات الإرهابية بالقطيف، وصولاً إلى الاعتداءات على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد في مطلع يناير الماضي، احتجاجاً على صدور أحكام قضائية تقضي بإعدام 47 متهماً في تهم ترتبط بالإرهاب وتهديد أمن المملكة من بينهم نمر النمر الأمر الذي حدا بالسعودية بقطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إيران.

-إعلان وزارة الداخلية الكويتية في 13 أغسطس الماضي عن ضبط خلية إرهابية تابعة لحزب الله وإيران بحوزتها "19 طنا من الذخيرة، و144 كلج من مادة تي ان تي، وقذائف صاروخية وقنابل يدوية وصواعق وأسلحة".

كما أعلنت الإمارات في 22 ديسمبر2015م، عن ضبط باخرة إيرانية محملة بكمية كبيرة من المواد المخدرة عبر ميناء خالد البحري بإمارة الشارقة.

2-التهديدات غير المباشرة:

وتتمثل في زيادة وتيرة التسلح التقليدي الذي أدى إلى تكريس الخلل في توازن القوى وإبقاء المنطقة في حالة توتر مزمن ومن ذلك استمرار تطوير أجيال جديدة من الصواريخ الباليستية الأمر الذي يعد انتهاكاً للقرار الأممي بهذا الشأن حيث قامت إيران باختبار صاروخ باليستي متوسط المدى في 11 أكتوبر 2015 م، لديه القدرة على حمل رؤوس نووية ويعد أول صاروخ إيراني موجه بدقة وبإمكانه تدمير أهداف على مدى يتراوح ما بين 1000 و35000 كم، وفي هذا السياق قال وزير الدفاع الإيراني حسن دهقان "إن الصاروخ عماد قادر على ضرب أهداف بدرجة عالية من الدقة وتدميرها بالكامل الأمر الذي سوف يزيد من قدرة إيران على الردع" والجدير بالذكر أن الرئيس الإيراني حسن روحاني أكد في شهر أغسطس 2015م، أن "إيران تتجه نحو الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعة الدفاعية خلال العام الأخير"، فضلاً عن إطلاق إيران خلال شهر ديسمبر 2015صواريخ بالقرب من حاملة الطائرات الأمريكية" هاري ترومان" عند عبورها مضيق هرمز وعدم تحذيرها سوى قبل الإطلاق بحوالي 23 دقيقة ، من ناحية أخرى إيران تسعى لاستثمار نتائج الاتفاق النووي بتعزيز تحالفاتها الدولية ومنها العلاقات مع روسيا، والتزود بمنظومة صواريخ إس 300 وفي بؤرتها الجوانب العسكرية إذ تشير التقديرات إلى أنه يتوقع أن تتراوح قيمة العقود العسكرية بينهما ما بين 11 و13 مليار دولار.

التهديدات الإيرانية لمملكة البحرين:

وهنا ينبغي التأكيد على أن التهديد الإيراني يعد بنداً ثابتاً على أجندة السياسات الإيرانية ومن ذلك ما يلي:

1-التصريحات الإيرانية العدائية الرسمية تجاه مملكة البحرين والتي بلغت خلال الفترة من عام 2011م، وحتى نهاية عام 2015 حوالي 63 تصريحاً عدائياً بما يعني تصريح كل ثلاثة أسابيع وهي ليست تصريحات عشوائية وإنما مدروسة وتصدر على لسان مسؤولين بكافة مستوياتهم ومنها تصريح علي خامنئي في يوليو 2015م، "إن طهران ستواصل نصرة الشعوب المظلومة في دول عدة من بينها البحرين"، فضلاً عن تصريح خامنئي خلال شهر نوفمبر2015 م، والذي "انتقد تعامل السلطات البحرينية مع المقدسات الشيعية خلال إحياء ذكرى عاشوراء" ولاشك أن تلك التصريحات تمثل تهديداً مباشراً للنسيج المجتمعي الواحد لمملكة البحرين بالنظر إلى توقيتها ومضمونها، فضلاً عن كونها صدرت من أعلى سلطة دينية في إيران، وبتحليل هذه التصريحات يلاحظ أنها تتضمن ثلاثة معاني وهي التحريض والتهديد والتدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين وجميعها سياسات تتنافى ومبادئ القانون الدولي والمواثيق، من ناحية أخرى حاولت إيران إقحام البحرين ضمن مفاوضاتها النووية مع مجموعة دول ال5+1 في جولتي موسكو وكازاخستان الأمر الذي لقي استنكاراً إقليمياً ودولياً.

2-التفجيرات التي شهدتها منطقة سترة بالبحرين في يوليو2015 م، وراح ضحيتها 2 من رجال الأمن وإصابة 6 آخرين، فقد أفادت التحقيقات أن المتفجرات المستخدمة في ذلك التفجير هي ذاتها من نوع المتفجرات التي تم الكشف عنها خلال عملية إحباط تهريب مواد متفجرة وأسلحة عن طريق البحر من خلال جماعات ذات صلة بإيران.

3-إعلان وزارة الداخلية البحرينية عن اكتشاف مخبأ للمتفجرات تحت الأرض في منطقة النويدرات في سبتمبر 2015م، به أكثر من 1,5 طن من مواد شديدة الانفجار وأسلحة أوتوماتيكية ومسدسات وذخائر وقنابل وورشة لتصنيع القنابل وسط المناطق السكنية، وقد أفادت التحقيقات أن المقبوض عليهم على ارتباط وثيق بعناصر إرهابية في كل من العراق وإيران، وقال وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة في حوار له مع صحيفة الشرق الأوسط في 10 سبتمبر " المتفجرات الإيرانية المضبوطة في البحرين تكفي لإزالة مدينة المنامة من الوجود"

من جهته أعلن النائب العام البحريني أن تحقيقات النيابة العامة أثبتت أن هناك 18 تنظيما إرهابيا تم ضبطها في البحرين، تلقوا دعما ماليا ولوجستيا من إيران والعراق وحزب الله وقد ضمت هذه القضايا 422 متهما.

 التغلغل الإيراني في دول الجوار

حرصت إيران على الاشتباك مع أربع ملفات أساسية وهي اليمن وسوريا والعراق ولبنان من خلال ما يسمى بالحروب غير النظامية وهي التي وصفها وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة بأنها "حرب رخيصة الثمن" وبوجه عام فإن إيران تقوم "بالحرب بالوكالة "في دول الجوار الخليجي من خلال أذرعها الإقليمية حيث تدرك إيران أن المواجهة المباشرة مع دول مجلس التعاون تعد أمراً مستبعداً، ومن ذلك الوجود الإيراني في اليمن وهو ما تؤكده شواهد عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر تأكيد نائب رئيس هيأة الأركان في القوات المسلحة اليمنية وجود خبراء إيرانيين مع الحوثيين على تجهيز صواريخ سكود، بالإضافة إلى تطوير صواريخ فولجا" أرض جو "التي كانت لدى وحدات الدفاع الجوي وتهيئتها لضرب أهداف جوية" ومن ثم لم يكن أمراً مستغرباً أن يقوم المبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ بزيارة لإيران خلال شهر نوفمبر2015م،لمناقشة الأزمة اليمنية مع المسؤولين الإيرانيين، من ناحية ثانية تجدر الإشارة إلى أن قيادة التحالف في اليمن أعلنت في سبتمبر 2015 م، عن اعتراض سفينة  صيد إيرانية في بحر العرب على بعد 150 ميلاً جنوب شرق مدينة صلالة العمانية وعلى متنها 14 إيرانياً وأكثر من 100 قطعة من القذائف والصواريخ المضادة للدبابات وأنظمة توجيه نيران ومنصات إطلاق مما يعد دليلاً جديداً على دعم إيران للحوثيين، بالإضافة إلى الوجود الإيراني في كل من سوريا والعراق، وهو ما أكده رئيس الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال جوزيف دنفور بقوله " أكثر من 3000 فرد إيراني يقاتلون في كل من سوريا والعراق".

وينبغي التأكيد على أن إيران تدعم الجماعات دون الدول بغض النظر عن الاتفاق المذهبي معها من عدمه ومن ذلك دعم كل من حزب الله وحركة حماس، بل أن إيران قد تسعى إلى إيجاد أذرع جديدة حال الضرورة حيث بدأت في إنشاء حركة لنشر التشيع في شمال غزة ويطلق عليها جماعة "الصابرين" ويبلغ عدد أعضائها حوالي 400 شخص ويتلقون دعماً مالياً من إيران بشكل شهري.

وعلى الرغم من أن السياسات الإقليمية لإيران ليست بالأمر الجديد فإنها تمكنت من استغلال حالة التراخي الدولي تجاهها والتي تعكسها مؤشرات ثلاثة:

الأول: عدم تحديد واشنطن آليات واضحة لحماية دول مجلس التعاون من التهديدات الإيرانية سوى تصريح باراك أوباما "كنت واضحاً للغاية أن الولايات المتحدة سوف تقف إلى جوار شركائها في دول مجلس التعاون ضد الهجمات الخارجية".

والثاني: المقال الذي كتبه أشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي في مجلة أتلانتك ووجه فيه اللوم لدول مجلس التعاون لأنها لا تتصدى لإيران في ميادين المنطقة حيث قال "نحن نرى إيران في كل مكان ولانرى وجوداً خليجياً".

والثالث: على الرغم من أن إيران كانت موضوعاً رئيسياً في منتدى حوار المنامة الأمني الذي عقد في البحرين نهاية أكتوبر الماضي، واتفاق المشاركين من الدول الغربية على نحو خاص على المخاطر التي لاتزال تمثلها إيران على الأمن الإقليمي فإنه لم تكن هناك التزامات غربية محددة بشأن كيفية مواجهة تلك المخاطر سوى ما أشار إليه فيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني بالقول" ستكون هناك إجراءات مستقلة للأمم المتحدة إذا ما استمرت إيران في دعمها للإرهاب"

وأدركت دول مجلس التعاون حتمية الاشتباك الإقليمي مع إيران المستوى الإقليمي ومن ذلك أمرين:

أولهما: إعلان السعودية عن استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع العراق بما يعني عودة الدور الخليجي لمناطق النفوذ الإيراني.

وثانيهما: إعلان السعودية عن تأسيس مجلس للتعاون الاستراتيجي مع تركيا كآلية دائمة يتم من خلالها التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية وفي تصوري أنه يعد قراراً استراتيجياً حيث أنه حال تطور العلاقات السعودية-التركية على مستويات أكثر تقدماً لن يكون ذلك سوى خصماً من الرصيد الإقليمي لإيران.

ثالثاً: الآليات المطلوبة لمواجهة التهديدات الإيرانية:

على المستوى الخليجي:

ظلت إيران بنداً ثابتاً على اللقاءات الخليجية على كافة مستوياتها، بالإضافة إلى مطالبة مجلس التعاون بشكل دائم لإيران بضرورة الاعتراف بحقائق الوضع الراهن والتصرف بشكل مسؤول وهو ما أكد عليه كثيرا الدكتور عبد اللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون ففي حوار أوردته صحيفة الشرق القطرية خلال شهر ديسمبر 2015م، حيث قال " دول المجلس أكدت دائماً رغبتها في إقامة علاقات تعاون بناءة مع جمهورية إيران الإسلامية تستند على القانون الدولي وميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي بحيث تلتزم إيران باحترام حقوق السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس ومقومات حسن الجوار والإخوة الإسلامية ونحن ندعو إيران إلى إنهاء احتلال الجزر الإماراتية ووقف كافة أشكال التدخلات في الشؤون الداخلية لدول المجلس. وأن أمن دول المجلس هو كل لا يتجزأ وكل ما يمس أمن دولة عضو يهدد الأمن الجماعي لدول المجلس ".

ومع أهمية هذا الموقف الخليجي الثابت تجاه إيران فإن ثمة خطوات أخرى يمكن اقتراحها في هذا الشأن وهي:

1-هناك حاجة لصياغة مفهوم استراتيجي لدول مجلس التعاون ربما كل خمس سنوات يتكامل مع ميثاق مجلس التعاون ولا يتعارض معه ويتضمن إعادة تعريف المصالح الاستراتيجية والمخاطر الإقليمية الراهنة بحيث تكون إطاراً عاماً للسياسات الخليجية عموماً وتجاه إيران على نحو خاص.

2-حتمية تحول دول مجلس التعاون نحو مفهوم القوة الموازنة انطلاقاً من استمرار الصراع بين إيران والدول الغربية والذي سيكون من الخطأ اختزاله في البرامج النووية الإيرانية ومن ثم فإن دول المجلس (القوة الموازنة) ستظل ترتبط بعلاقات مع القوى المناوئة (إيران) بحكم الجغرافيا والوجود، وعلاقات استراتيجية مع القوى التدخلية (القوى الغربية)بحكم التاريخ وحجم المصالح المشتركة، وقد صاغ التفاعل بين القوى الثلاث معادلة الأمن الإقليمي الخليجي عبر عقود ممتدة، ولدول مجلس التعاون مقومات قوة نسبية في هذا الشأن على المستويين العسكري والاقتصادي.

3- ضرورة إجهاض "المشروع الإقليمي لإيران "وهو ما بدأته السعودية بالفعل من خلال قيادة تحالف عربي في 26 مارس 2015 م، لإعادة الشرعية إلى اليمن والحيلولة دون اكتمال القبضة الإيرانية على منطقة الخليج من خلال مضيق هرمز شمالاً وباب المندب جنوباً، ذلك المضيق الذي يشهد مرور ما يزيد عن 7% من إجمالي الملاحة العالمية بحوالي26 ألف سفينة نقل سنوياً، وما يقرب من4 ملايين برميل نفط يومياً، الأمر الذي يفسر حرص إيران على دعم الحوثيين في محاولة لتكرار "حرب الناقلات" خلال الحرب العراقية- الإيرانية، فضلاً عن التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنت عنه الرياض في منتصف ديسمبر الماضي، وبرأيي أن هذا التحالف يمثل رداً عملياً على التحالف الإقليمي الذي تقوده إيران سواء مع دول أو جماعات ما دون الدول ويستند على أسس طائفية بدعوى مواجهة الإرهاب ولم يسفر عن نتائج ملموسة بل كان سبباً في المزيد من التأجيج الطائفي، وينبغي التأكيد على أن السياسات السعودية تجاه إيران قد أتت ثمارها ومن ذلك الضغوط الداخلية التي تواجهها الدبلوماسية الإيرانية من المسؤولين الإيرانيين واتهامها بالعجز عن إعادة العلاقات مع السعودية حيث ظن المسؤولون الإيرانيون أن توقيع الاتفاق النووي الإيراني سيكون إيذاناً ببدء حقبة جديدة لإيران لجهة تعزيز علاقاتها مع دول مجلس التعاون عموماً والمملكة العربية السعودية على نحو خاص بيد أنها اصطدمت بالرفض السعودي

-على مستوى مملكة البحرين:

يلاحظ أن التهديدات الإيرانية لمملكة البحرين ليست عابرة ولكنها بشكل ممنهج ومدروس بما يعني أن البحرين لا تواجه مخاطر دولة وإنما مخاطر مشروع إقليمي يستهدف الهيمنة مما يتطلب تضافر كافة الجهود لمواجهته وذلك على النحو التالي:

1-الجهود الدبلوماسية:

حققت الدبلوماسية البحرينية نجاحاً كبيراً في التصدي للتدخلات الإيرانية في شؤون البحرين، فانطلاقاً من  التهديدات الإيرانية المتكررة أعلنت وزارة الخارجية البحرينية أن القائم بالأعمال الإيراني شخصاً غير مرغوب فيه وطالبته بمغادرة البلاد خلال 72 ساعة وغادرها في الرابع من أكتوبرالماضي،  بالإضافة إلى استدعاء وزارة الخارجية البحرينية القائم بأعمال السفارة الإيرانية بالإنابة في نوفمبر 2015م، وتسلميه مذكرة احتجاج على خلفية التصريحات الإيرانية الصادرة عن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية والتي أساء فيها للسعودية وشعبها،كما أعلنت المنامة البحرين قطع علاقاتها الدبلوماسية وإيقاف خطوط الطيران من وإلى إيران على خلفية الاعتداءات الإيرانية على المقرات الدبلوماسية السعودية فضلاً عن الكلمة التي ألقاها الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني أمام الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة وأوضح فيها بالأدلة والبراهين حقيقة التدخلات الإيرانية ومخاطرها، وفي حوار له مع صحيفة الشرق الأوسط في 16 أكتوبر 2015م، قال " الحرب على المنطقة هي حرب رخيصة لا تكلف أموالاً، حرب عملاء وحرب ميلشيات، هؤلاء العملاء يفجرون ويقتلون" كما قدم الوزير شكوى رسمية للأمين العام للأمم المتحدة تضمنت الطلب بالتدخل لإيقاف إيران عن تلك الممارسات والعمل على بناء علاقة أفضل بين إيران والبحرين، فضلاً عن جهود الدبلوماسية البحرينية داخل أروقة جامعة الدول العربية فعلى هامش الاجتماع الوزاري العربي الذي عقد بالقاهرة في 24 ديسمبر 2015م، وفي معرض رده بشأن اقتراح للجامعة بعقد اجتماع وزاري عربي لبحث العلاقات العربية-الإيرانية والتدخلات الإيرانية قال وزير الخارجية البحريني إن الأنشطة الإيرانية في المنطقة متعددة منها زرع خلايا مسلحة وشبكات تجسس في الكويت كخلية العبدلي أو تورطها في تدريب وتمويل عناصر في البحرين لتنفيذ تفجيرات كتفجير سترة في مسعى لتأزيم الموقف على الساحة السياسية"، الجدير بالذكر أن دولة الإمارات طالبت في الاجتماع ذاته بإدراج بند جديد تحت ما يستجد من أعمال حول التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية خلال اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية لمجلس الجامعة، الأمر الذي يعكس وجود رغبة خليجية مشتركة بأن تكون السياسات الإيرانية ضمن بنود النقاش في المنظمات المعنية ومن ثم بلورة مواقف خليجية جماعية تجاهها.

2-الجهود البرلمانية:

تؤدي الدبلوماسية البرلمانية دوراً مهماً وفي هذا السياق بدأ مجلس النواب البحريني في مناقشة الداخل الإيراني وتناقضات، وتجدر الإشارة إلى الاقتراح الذي تقدم به خمسة من مجلس النواب البحريني إلى الحكومة مطالبين بالاعتراف بدولة الأحواز كدولة عربية، بدعوى أن احتلال إيران للأحواز أدى إلى احتلال الجزر الإماراتية الثلاث ومن ثم محاولة إيران العبث بأمن واستقرار البحرين وتكمن أهمية هذا الموقف النيابي في أمرين:

3-الجهود الإعلامية:

من الأهمية وجود استراتيجية إعلامية مدروسة لمواجهة التدخلات الإيرانية في شؤون مملكة البحرين ولا يكون تناول الشأن الإيراني بشكل موسمي أو مؤقت.

ومع التسليم بأهمية تلك الجهود على المستويين الخليجي والبحريني فإن أهم تحدياتها هو التباين في المواقف الخليجية تجاه إيران، حيث نجد أن العلاقات بين كل دولة خليجية على حدة وإيران لا تعكس الموقف الخليجي العام الذي لازال يرى إيران تحدياً يواجه أمن الخليج العربي، إذ تتفاوت العلاقات الثنائية بين إيران ودول مجلس التعاون وفقاً للمنطلقات والمصالح وهو ما عكسته مواقف دول مجلس التعاون المتباينة تجاه الاعتداءات الإيرانية على المقرات الدبلوماسية السعودية في إيران، وهو الأمر الذي يتيح لإيران هامشاً كبيراً من المناورة تستطيع من خلاله توظيف هذا التباين لتعزيز هيمنتها الإقليمية،فعلى سبيل المثال تتباين السياسات الإيرانية تجاه كل من السعودية والبحرين والكويت والإمارات عن سياستها تجاه كل من قطر وعمان، إلا أنه في المجمل فإن إيران لا تكترث ولا تعترف بحقائق الواقع ومنها وجود منظمة إقليمية وهي مجلس التعاون الذي يضم دولاً تجمعها روابط عديدة .

ومجمل ما سبق أن السياسات الإيرانية التي تستهدف تهديد أمن دول مجلس التعاون ستظل قائمة ما دام المشروع الإيراني قائماً والذي يعلي من إيران الثورة على حساب إيران الدولة الأمر الذي يتطلب من دول المجلس صياغة استراتيجية لإدارة أزمتها مع إيران للحد من خسائرها وتعظيم مكاسبها ضمن التعامل مع السياسات الإيرانية التي سوف تستمر في الأمد القريب ويمكن في هذا الشأن استثمار التطور النوعي الذي شهده كل من الموقف الخليجي والموقف العربي تجاه إيران، فالبيان الوزاري الخليجي في الرياض الصادر في التاسع من يناير 2016 تضمن" الاتفاق على وضع آلية فعالة لمواجهة التدخلات الإيرانية"، فضلاً عن اجتماع وزراء الخارجية العرب والذي أسفر عن تشكيل" لجنة رباعية مكونة من كل من السعودية ومصر والإمارات والكويت والبحرين "والأمين العام للجامعة العربية لمتابعة  تطورات الأزمة وسبل التصدي لها ورفع نتائج ذلك إلى مجلس الجامعة على المستوى الوزاري في دورته المقبلة ووضع مدى زمني لقياس مدى تغير السياسات الإيرانية وهي مدة شهرين وإلا ستكون هناك إجراءات إضافية، وهي مواقف جديدة يتعين البناء عليها وخاصة أن ثمة مسارات جديدة للصراع الإيراني ليس فقط مع دول مجلس التعاون وإنما مع كافة الدول العربية في أعقاب رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران مما يعني استمرار الصراع بين الجانبين بأشكال ومضامين جديدة.

مجلة آراء حول الخليج