; logged out
الرئيسية / حل الأزمة السورية في ملعب المجتمع الدولي

العدد 104

حل الأزمة السورية في ملعب المجتمع الدولي

الأحد، 07 شباط/فبراير 2016

الأزمة السورية أقل ما يمكن وصفها بأنها مأساة العصر، في ظل ما يجري على الأرض، ومواقف إقليمية ودولية تتراوح بين التدخل المباشر كما تفعل روسيا وإيران، أو الاسترخاء المسبب كما تفعل أمريكا والغرب، فيما يتحمل تبعات ذلك أبناء سوريا فقط في هذه المرحلة التي تشهد تحولات إقليمية ودولية لا سيما في ظل إفرازات ما يسمى بثورات الربيع العربي.

تظل الأزمة السورية خطيرة في بعديها الداخلي والخارجي انطلاقاً من خصوصية تركيبة أطراف الأزمة، وتشابك وتعقيد مصالح الأطراف الخارجية التي تدير الأزمة خاصة تدخل إيران وحزب الله والمقاتلين الأجانب والإرهابيين على الأرض من جهة، والتدخل العسكري الروسي من خلال القصف الجوي وتأثير موسكو المباشر على سير المفاوضات بين المعارضة والنظام، فيما تبدو الولايات المتحدة متخاذلة ولها أهداف وأجندات غامضة، إضافة إلى الفشل المتكرر للأمم المتحدة وعجز مبعوثيها السابقين.

المعارضة السورية بمختلف فصائلها نجحت في إسقاط المراهنات التي كانت تتردد حول  انقسامها وتشتتها، ما كان يعطي المبرر لنظام بشار الأسد والمؤيدين له في الخارج للمماطلة والتسويف، فقد نجحت المعارضة في توحيد كلمتها خلال اجتماع الرياض يومي9 و 10 ديسمبر الماضي، ونجحت كذلك في تشكيل الهيأة التفاوضية، واتفقت على أن الحل السلمي هو الوسيلة الوحيدة للحل وهذا ما أقرته ووقعت عليه كافة فصائل المعارضة، ورغم ذلك مازالت الأطراف الخارجية تضع نفسها موضع الوصي، أو موضع الشبهات من خلال اختلاق العراقيل أمام مفاوضات جنيف، حيث ظهرت مشكلة (المستشارين) عندما طلبت موسكو أن يضم وفد المعارضة أشخاصًا محسوبين على النظام السوري أوهم جزء منه للمشاركة في المفاوضات، وكذلك طبيعة الجلوس في جلسات التفاوض، وأيضاً اعتراض تركيا على مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية، فيما دخلت إيران على خط فرض الشروط لعقد هذه المفاوضات، وأعلن من موسكو نائب وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان  يوم الخميس 28 يناير الماضي، أن مفاوضات جنيف تأتي وفقاً لصيغة "فينا"  في حين جاءت ردود فعل المبعوث الأممي دي ميستورا  على طلبات المعارضة السورية غير قاطعة، حيث تتمسك المعارضة بثلاثة مطالب للدخول في مفاوضات جادة ولبناء الثقة مع نظام بشار الأسد، وتمثلت هذه المطالب بإنهاء حصار المدن السورية، والسماح بدخول المساعدات لسكان هذه المدن، ووقف النظام استخدام الأسلحة الثقيلة والبراميل المتفجرة وغيرها، وإطلاق سراح المعتقلين في و مقدمتهم النساء والأطفال.

فيما يظل موقف المملكة العربية السعودية واضحًا وثابتًا تجاه حل هذه الأزمة للوصول إلى الحل السياسي المنشود وإنجاح مفاوضات جنيف، فالمملكة التي استضافت اجتماعات المعارضة السورية، تعمل جاهدة لإنهاء هذه المحنة انطلاقاً من المحافظة على أن تظل سوريا وطناً موحداً لجميع السوريين من كل الطوائف والانتماءات العرقية والمذهبية، وكذلك تشكيل حكومة انتقالية تمثل قوى المعارضة المعتدلة لضمان وحدة سوريا وخروج كافة القوات الأجنبية والتنظيمات الإرهابية، وإنهاء المجازر والتهجير القسري وعودة اللاجئين إلى منازلهم، كما أعلنت في بيان رسمي في 29 يناير الماضي دعمها لتصريحات جون كيري وزير الخارجية الأمريكي مع وزير الخارجية عادل الجبير التي أكد فيها كيري دعم واشنطن لتنفيذ كامل القرار الدولي رقم 2245 خاصة فيما يتعلق بالوضع الإنساني وإنهاء الحصار وإطلاق المعتقلين والأسرى ووقف القصف العشوائي للمدنيين. مع تطلع المملكة إلى مشاركة دولية فاعلة لإعادة بناء ما تهدم خلال هذه الحرب الضروس التي دمرت الكثير من المنازل والمنشآت والمرافق.

ويتبقى على الأمم المتحدة رعاية مفاوضات جادة بين طرفي المواجهة، وأن يلتزم المجتمع الدولي بتحقيق وتنفيذ ما يتمخض عن هذه المفاوضات بجدية وتحت إشراف دولي، ووفقاً لجدول زمني واضح و محدد المعالم، مع ضرورة التزام الدول الكبرى بدورها الأخلاقي والقانوني تجاه ما تتوصل إليه هذه المفاوضات على أن تراعي وحدة سوريا أولاً دون اعتبارات فرض النفوذ أو تحقيق المصالح التي تكون على حساب شعب لا يريد سوى العيش بأمان على أرضه، كما على هذه الدول المساهمة بفاعلية في إعادة إعمار سوريا بشكل سريع وجاد.

وعلى روسيا، أن تتعامل بحيادية دون انحياز لنظام بشار والوقوف ضد الشعب السوري، خاصة أن سوريا المستقبل لن تكون ضد موسكو، فهناك مصالح مشتركة للطرفين، كما أن بشار الأسد ليس بمقدوره إقامة شراكة ناجحة مع موسكو في ظل حرب أهلية تجعل الشعب السوري يشك في نوايا روسيا ويخشى من أهدافها، في حين لا يرى هذا الشعب غضاضة في استمرار علاقات استراتيجية مستقبلاً مع موسكو انطلاقاً من علاقات قديمة بين البلدين.

أما أمريكا ـ رغم وعودها ـ  فدورها في الأزمة السورية يبدو مصدر قلق حيث واشنطن مستعدة لبيع القضية السورية وغيرها في المنطقة بثمن بخس، ويبدو أنها غسلت دماء الشعب السوري بماء التنازلات السياسية والصفقات السرية، ويتضح ذلك من تخاذلها أمام الالتفاف الروسي الإيراني على كل ما تم الاتفاق عليه في مؤتمري جنيف وفينا لتفريغ محتوى كل ما تم الاتفاق عليه، في حين لا نعلم ما هو الثمن مقابل هذا الاستسلام الأمريكي، وما هي تبعات الضغوط على الجانب العربي عامة والسوري خاصة في هذه الأزمة التي كشفت عوار النوايا الأمريكية ومخططاتها تجاه الدول العربية.  

ويظل تدخل إيران في هذه الأزمة وحلها ليس له مبرر على الإطلاق، فإيران ليست دولة جارة لسوريا، كما أنها فقدت سمعتها حين تدخلت في الشأن السوري بشكل علني، حيث تقاتل القوات الإيرانية إلى جانب قوات الأسد ضد أبناء شعبه، إضافة إلى ما يقوم به ذراعها العسكري "ميليشيات حزب الله اللبناني" الذي ينفذ مذابح طائفية بحق السوريين، وكذلك الدعم المادي والسياسي الذي تقدمه طهران لنظام الأسد، كل ذلك يفقد أي مشروعية لإيران للمشاركة في الشأن السوري.

ويتبقى المطلوب من المعارضة والنظام، هو إدارة مفاوضات جادة هدفها مصلحة الوطن قبل كل شيء، وتقديم تنازلات دون إجحاف بحق الشعب لإيجاد حلول دائمة ومقبولة تضمن بقاء سوريا دولة موحدة ومستقلة ووطنًا لجميع سكانه دون تفرقة مذهبية أو طائفية أو عرقية خاصة في ظل عدم مشروعية نظام الأسد الذي يعني استمراره، استمرار القتل والتشريد وتفتيت سوريا. 

مقالات لنفس الكاتب