; logged out
الرئيسية / العلاقات العسكرية الخليجية - التركية في ظل علاقات أنقرة الدولية

العدد 105

العلاقات العسكرية الخليجية - التركية في ظل علاقات أنقرة الدولية

الأحد، 06 آذار/مارس 2016

شهدت العلاقات العسكرية بين تركيا ودول الخليج العربي خاصة قطر والسعودية والكويت تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة بدءًا من التعاون في مجال الصناعات الدفاعية مروراً بالتعاون في مجال التدريب وتبادل الخبرات العسكرية وإجراء مناورات عسكرية وانتهاءً بإنشاء قواعد عسكرية تركية على الأراضي الخليجية كما حدث في الحالة القطرية، ولهذا التعاون العسكري المتصاعد بين تركيا والدول الخليجية دوافعه وأسبابه وفي الوقت ذاته تداعياته على علاقات تركيا الخارجية.

وسوف نتناول في هذا المقال طبيعة ومستوى العلاقات العسكرية بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي خاصة في السنوات الأخيرة مع التركيز على العلاقات التركية القطرية التي شهدت تطورات خاصة "إقامة قاعدة عسكرية تركية على الأراضي القطرية" كما يتناول المقال انعكاسات هذا التطور في العلاقات العسكرية التركية الخليجية على ارتباطات تركيا الإقليمية والدولية خاصة عضويتها في الناتو وعلاقاتها مع إسرائيل وإيران وصولاً للإجابة على تساؤل محوري هو هل في ظل هذا الواقع والتحرك التركي يمكن أن تصبح تركيا شريكاً استراتيجيا لدول الخليج، يمكن أن تساهم إيجابياً في حماية ودعم أمن الخليج.

أولاً: طبيعة ومستوى التعاون العسكري بين تركيا ودول الخليج وأسبابه:

شهدت العلاقات العسكرية بين تركيا وكل من المملكة العربية السعودية والكويت وقطر ملامح إيجابية خاصة في العام الأخير وإن كانت طبيعة ومستوى هذه العلاقات تختلف من دولة إلى أخرى كما اتخذت مسارات مختلفة ومتباينة حسب تقديرات كل منها لعائد التعاون العسكري بأبعاده المختلفة بين كل منها وتركيا وقد تراوحت هذه العلاقات ما بين الاتفاق على برامج للتصنيع العسكري المشترك وكذلك تحديث بعض الأسلحة والقيام بمناورات مشتركة.

ومن المفيد في البداية الإشارة إلى التوجه التركي لجذب الاستثمارات الخليجية لدعم قطاعات التصنيع العسكري التركي وطموحات أنقرة بهذا الخصوص حيث أقرت تركيا خطة تتضمن التوقف عن استيراد الأسلحة ضمن برنامج تصنيع عسكري يكفل تحقيق ذلك بحلول عام 2023م، وكانت تركيا تعتمد على استيراد احتياجاتها العسكرية بنسبة 80% من الخارج حتى عام 2002م. غير أن تركيا بنهاية عام 2015م، نجحت في إنتاج حوالي 45% من تلك المعدات التي تستوردها، وبالتوازي مع ذلك بدأت تركيا في تصدير منتجاتها من المعدات العسكرية الدفاعية، حيث صدرت تركيا في عام 2015م، معدات بقيمة 1.3 مليار دولار من إجمالي4.3 مليار دولار قيمة منتجات المصانع العسكرية التركية، وذلك بزيادة عن الأعوام السابقة حيث بلغت الصادرات العسكرية التركية في عام 2012م، حوالي 1.2 مليار دولار، وبلغت في عام 2013م، حوالي 1.5 مليار دولار وفي عام 2014م، بلغت الصادرات الدفاعية التركية حوالي 1.8 مليار دولار، وتخطط تركيا لرفع قيمة صادراتها العسكرية لملياري دولار في عام 2016 م، وصولاً إلى 25 مليار دولار بحلول عام 2023م.

ومن ثم فإن الاستراتيجية التركية الهادفة إلى تعزيز التعاون العسكري مع الدول الخليجية تهدف بالأساس إلى اختراق سوق السلاح الخليجي وفتح منافذ بيع في تلك الدول أمام منتجاتها من الصناعات الدفاعية، بما ينعكس بالإيجاب على الشركات الصناعية العسكرية من حيث تحقيق الأرباح وزيادة الإنتاج فضلاً عن جذب مزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال سواء التركية أو الخليجية للدخول إلى مجال الصناعات العسكرية التركية، بما يحقق الهدف التركي في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسلحة الدفاعية ودخول سوق المنتجين والمصدرين للأسلحة. ويظهر ذلك بوضوح في دعوة الرئيس التركي أردوغان خلال زيارته للكويت في 27 أبريل 2015م، لدول مجلس التعاون الخليجي لزيادة استثماراتها في تركيا واستغلال فرص الاستثمار المتاحة في تركيا خاصة في مجال الصناعات الدفاعية، فضلاً عن دعوته للكويت إلى الاستثمار المشترك بين البلدين في مجال الصناعات الدفاعية.

من جهة أخرى تحاول تركيا استغلال قلق بعض الدول الخليجية من تداعيات توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى ورفع العقوبات الاقتصادية عنها بما سيؤدي إلى تزايد قوة إيران الاقتصادية بدرجة كبيرة وهو ما سينعكس بالإيجاب على قوة إيران الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى زيادة دعمها سواء المالي أو العسكري للجماعات والميليشيات والأنظمة الموالية لها في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وهو ما يمثل تهديداً لأمن الخليج وتقليصاً للنفوذ التركي في مناطق الصراع في سوريا والعراق، لبناء تحالفات عسكرية منها كشكل من أشكال ردع إيران التي تتناقض سياساتها مع سياسة تركيا تجاه الصراع في سوريا والعراق، كما تستغل تركيا في الوقت ذاته عضويتها في حلف شمال الأطلسي والدعم العسكري الذي تحصل عليه تركيا من الحلف كأحد مداخل تعزيز صورتها كداعم عسكري للدول الخليجية في مواجهة التهديدات الإيرانية.

كما تسعى تركيا للاستفادة من تطابق توجهاتها مع توجهات الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وقطر تجاه أزمات المنطقة خاصة في سوريا والعراق والقائمة على ضرورة رحيل نظام بشار الأسد وتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، لخلق حلف سياسي وعسكري إقليمي داعم لها ولمشروعها بالمنطقة. ويظهر ذلك بوضوح في الزيارة الأخيرة لأردوغان إلى السعودية في 29 ديسمبر 2015م، عندما أعلنت الدولتان التزامهما بدعم المعارضة السورية المعتدلة وتوحيد صفوفها وتبني رؤية موحدة لحل الأزمة السورية، والتنسيق بين الدولتين لإيجاد حل لأزمات المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية والعراقية واليمنية، وتكثيف الجهود المشتركة للقضاء على الإرهاب الذي يهدد أمن وسلامة منطقة الشرق الأوسط.

ومن الضروري هنا الإشارة إلى اعتماد السياسة الخارجية التركية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم على سياسة "صفر المشكلات" وحل الخلافات مع دول الجوار ولعب أدوار الوساطة لتسوية النزاعات بين الدول فضلاً عن قوتها الناعمة الاقتصادية والثقافية كأداة أساسية لتعزيز نفوذها بالمنطقة، غير أن التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ قيام الثورات العربية فرضت واقعاً جديداً لم تعد تصلح سياسة صفر المشكلات قادرة على التعامل معه خاصة عقب تحول الثورة السورية لصراع مسلح وانخراط تركيا المباشر في هذا الصراع.

هذه التطورات دفعت تركيا إلى إعادة صياغة سياستها الخارجية والأدوات التي تستخدمها لتعزيز نفوذها بالمنطقة ويأتي على رأس تلك الأدوات الأداة العسكرية لتحل محل سياسة صفر المشكلات والقوة الناعمة، وهو ما ظهر بوضوح في القاعدة العسكرية التي تعتزم تركيا إنشاءها في قطر، وتواجد القوات التركية في مدينة الموصل العراقية، فضلاً عن اعتزام تركيا إنشاء قاعدة عسكرية في الصومال ستضم مبدئياً حوالي 200 جندي تركي لتدريب حوالي 10 آلاف و500 جندي صومالي. ويمكن القول أيضاَ أن تلك التحركات التركية الجديدة تندرج في إطار طموحات أردوغان وحزب العدالة والتنمية في إعادة الأمجاد العثمانية واحتلال مكانة بين القوى الصاعدة على المستوى الدولي.

التعاون العسكري بين السعودية وتركيا:

وقعت كل من السعودية وتركيا في مايو 2010م، اتفاق تعاون عسكري في مجالات التدريب والأبحاث العسكرية وفي مايو 2013م، وقعت الدولتان اتفاقية للتعاون الصناعي الدفاعي خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى تركيا عندما كان يشغل منصب ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، كما تقوم الشركة التركية "إف إن إس إس" بصيانة وتحديث ناقلات الجند المدرعة "إم113" الأمريكية الصنع والتي تمتلكها السعودية.

وقعت كل من تركيا والسعودية في 22 نوفمبر 2015م، اتفاقية تعاون في مجال التقنية الصناعية بهدف إقامة المشاريع البحثية والصناعية المشتركة، وفي إطار تعزيز التعاون في المجالات المختلفة والتي يأتي على رأسها المجالات العسكرية ووضع إطار مؤسسي لها أنشأت كل من تركيا والسعودية "مجلس تعاون استراتيجي رفيع المستوى" خلال زيارة أردوغان للمملكة في 29 ديسمبر 2015م، في خطوة ستزيد من عمق التعاون العسكري بين الدولتين.

وفي خطوة غير مسبوقة قام رئيس الوزراء التركي أوغلو خلال زيارته للسعودية في بداية شهر فبراير 2016م، باصطحاب رئيس أركان الجيش التركي "خلوصي أكار" في الوفد المرافق له في سابقة هي الأولى من نوعها حيث عادة ما يتم اصطحاب وزير الدفاع عصمت يلماز في الزيارات الخارجية وهو ما يجسد عمق التعاون العسكري بين الدولتين، وقد أشار إلى ذلك تصريح أوغلو خلال الزيارة بأن وجود رئيس الأركان ضمن الوفد التركي يأتي بعد اتفاق البلدين خلال زيارة أردوغان الأخيرة للسعودية على تشكيل مجلس للتعاون الاستراتيجي بين البلدين وتكثيف التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، مؤكداً على عمق التعاون الأمني والاستخباري بين تركيا والسعودية.

التعاون العسكري بين قطر وتركيا، باعتباره أكبر مجالات التعاون العسكري بين تركيا ودولة خليجية:

يعد التعاون العسكري بين قطر وتركيا من أوثق حالات التعاون العسكري التركية الخليجية ويمكن الإشارة إلى أهم محطات التعاون العسكري بين تركيا وقطر على النحو التالي:

يشكل "المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي" الذي أنشأته الدولتان في سبتمبر 2014م، لتعزيز العلاقات بين الدولتين في مختلف المجالات بما فيها مجالات التعاون العسكري نقطة ارتكاز استراتيجي في التعاون العسكري بينهما، والذي أعقبه توقيع وزيرا دفاع البلدين اتفاقية للتعاون في المجالات العسكرية الدفاعية في 19 ديسمبر 2014م، وذلك خلال زيارة أمير قطر لتركيا، وقد صادق البرلمان التركي على الاتفاقية في 5 مارس 2015م، ودخلت حيز النفاذ الفعلي في يونيو 2015م، وقد نصت هذه الاتفاقية على الآتي:

‌أ-       تبادل كل من تركيا وقطر نشر قواتهم العسكرية وإقامة قواعد عسكرية على أراضي الدولة الأخرى.

‌ب-استخدام تركيا للموانئ والمطارات والمنشآت العسكرية القطرية.

‌ج-   انتشار قوات عسكرية تركية برية وجوية وبحرية في قطر على مستوى لواء.

‌د-     التعاون في مجال مكافحة الإرهاب فضلاً عن التعاون في مجالات التعليم العسكري والصناعات الدفاعية.

‌ه-      العمل على زيادة القدرة الدفاعية لدولة قطر وإجراء مناورات عسكرية مشتركة بين الدولتين.

وقامت القوات القطرية والقوات التركية في 20 أكتوبر 2015م، بتدريبات عسكرية باسم "نصر 2015" في العاصمة القطرية، وذلك في إطار اتفاقية التعاون العسكري الموقع عليها بين الطرفين في ديسمبر 2014م، كما وقعت شركة الصناعات الدفاعية التركية (ASELSAN) مع شركة (ARES) التركية لبناء السفن اتفاقية لتصنيع حوالي 17 سفينة لخفر السواحل القطرية لمساعدتها على حماية أمن وسلامة سواحلها، وذلك في أكتوبر 2015م، وتعد هذه الاتفاقية ضمن اتفاق وقعته تركيا مع وزارة الداخلية القطرية في عام 2014م، لتصنيع 17 سفينة لحماية السواحل القطرية، وقيام الجانب التركي بتدريب وتأهيل 275 عنصر من عناصر خفر السواحل القطرية، وتزويد قطر بكافة أنواع الدعم اللوجستي في هذا المجال، كما وقعت الدولتان في 2 ديسمبر 2015م، خلال زيارة أردوغان لقطر اتفاقية للتعاون العسكري في مجال التدريب والإعداد، وأخرى في مجال تبادل الخبرات العسكرية وتكثيف الاجتماعات العسكرية بين الطرفين بشكل دوري.

أعلنت تركيا في 17 ديسمبر 2015م، إنشاء قاعدة عسكرية متعددة الأغراض في قطر في إطار اتفاقية التعاون العسكري الموقعة بين الدولتين في ديسمبر 2014م، ومن المقرر أن تضم القاعدة العسكرية التركية ثلاثة آلاف جندي من القوات البرية وقوات تابعة لسلاح الجو والبحرية التركيين فضلاً عن عدد من القوات الخاصة والمدربين العسكريين الأتراك، وهذه القاعدة العسكرية ستتيح للجيش التركي فرصة للتدريب في الصحراء، وإتاحة الفرصة للقوات البحرية التركية بإنجاز عمليات مكافحة القرصنة وعمليات أخرى في الخليج العربي والمحيط الهندي وبحر العرب، فضلاً عن أن تلك القاعدة أعادت البحرية التركية إلى المحيط الهندي للمرة الأولى منذ خمسينات القرن السادس عشر عقب هزيمة العثمانيون على يد الإمبراطورية البرتغالية حينما حاولوا فرض سيطرتهم على تلك المنطقة.

التعاون العسكري بين الكويت وتركيا:

وقعت كل من تركيا والكويت اتفاق تعاون عسكري في عام 2009 م، بهدف وضع إطار قانوني لتوسيع التعاون بين الجيشين التركي والكويتي، ونصت الاتفاقية على التنسيق المشترك في مجال التدريب العسكري وتبادل الخبرات وإجراء المناورات العسكرية المشتركة، فضلاً عن تعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، وفي أبريل عام 2014م،  وقعت الدولتان اتفاقية في مجال التدريب العسكري خلال زيارة الرئيس التركي السابق عبد الله جول للكويت، وفي 18 أكتوبر 2015م، قام وفد من الحرس الوطني الكويتي بزيارة إلى أنقرة لبحث التعاون العسكري والأمني مع قوات الدرك التركية، وتفعيل اتفاقية التعاون العسكري الموقعة بين الدولتين في عام 2009م.

ثانياً: الارتباطات التركية الإقليمية والدولية ومدى تأثيرها على التوجه التركي للتعاون العسكري مع دول الخليج:

تسعى تركيا منذ بدأت خلافاتها مع إيران بسبب الأزمة السورية إلى إبقاء حد أدنى من التواصل السياسي مع إيران وعدم تصعيد الأمور لدرجة الدخول في مواجهة عسكرية معها مع الحرص على ألا تمتد الخلافات بين الدولتين إلى التأثير بالسلب على علاقاتهم الاقتصادية، ومن هذا المنطلق فمن المستبعد أن يؤثر التعاون العسكري التركي الخليجي بالسلب على العلاقات القائمة بين إيران وتركيا خاصة الاقتصادية، حيث تعتمد تركيا بشكل كبير على الغاز الإيراني فإيران هي ثاني مورد للغاز لتركيا بحوالي عشرة مليارات متر مكعب سنوياً، فضلاً عن القيد الداخلي على السياسة التركية تجاه إيران والمتمثل في وجود أقلية علوية في تركيا تتراوح بين 10-15% من سكان تركيا هذا القيد قد يحول دون دخول تركيا في صدام مباشر مع إيران.

بالإضافة لما سبق، يوجد حرص تركي على الحصول على نصيب من السوق الإيرانية عقب رفع العقوبات عنها لإنعاش الاقتصاد التركي الذي يعاني من حالة ركود وتباطؤ في النمو في السنوات الأخيرة، وذلك عن طريق تدفق الاستثمارات والصادرات التركية إلى إيران لاستغلال السوق الإيرانية الكبيرة سواء في حجم المشروعات المتاحة أو القوة الشرائية للإيرانيين ورفع حجم التبادل التجاري مع إيران وهو ما انعكس في تفعيل معاهدة تركيا-إيران التجارية بعد إزالة العقوبات في يناير 2015م، فضلاً عن زيادة النشاط السياحي مع إيران واستقبال مزيد من السياح الإيرانيين وهو ما انعكس في إعلان تركيا مباشرة عقب رفع العقوبات بدء الرحلات الجوية المباشرة بين مدينتي طهران و "بودروم" عاصمة السياحة في تركيا.

تزامن توثق العلاقات العسكرية التركية الخليجية مع إتمام تركيا لعملية المصالحة مع إسرائيل وإعادة تطبيع العلاقات بين الدولتين، حيث وقعت كل من تركيا وإسرائيل في 17 ديسمبر 2015م، بجنيف اتفاقاً مبدئياً لتطبيع العلاقات بينهما، عقب مفاوضات ثنائية ضمت رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية "يوسي كوهين" والمبعوث الخاص لرئيس الحكومة الإسرائيلية للاتصالات مع تركيا "يوسف تشيخنوفر" ونائب وزير الخارجية التركي "فريدون أوغلو" لبحث سبل إعادة العلاقات بشكل كامل بين الدولتين عقب تدهورها منذ الاعتداء الإسرائيلي على سفينة المساعدات التركية "مافي مرمرة" التي كانت متجهة لقطاع غزة في مايو 2010 م، مما أسفر عن مقتل حوالي 9 أتراك.

يعكس ذلك إقدام تركيا على بناء تطوير علاقاتها الإقليمية في إطار مواجهة التحالف الذي تتزعمه روسيا ويضم سوريا والعراق وإيران والذي بات مهدداً أساسياً للأمن القومي التركي والخليجي، ومن ثم فإن التعاون العسكري المكثف بين تركيا ودول الخليج العربي والمصالحة التركية الإسرائيلية يندرج في إطار إعادة صياغة وتموضع السياسة الخارجية التركية لمواجهة تهديدات أمنها القومي في سوريا والعراق.

ومن المهم الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي قد عاد لفتح ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي باستئناف المفاوضات بين تركيا والاتحاد بشأن الفصل 17 المتعلق بالسياسة الاقتصادية والنقدية، ويأتي ذلك ضمن اتفاق أوسع متعلق بالتعاون بين الاتحاد وتركيا حول منع تدفق المهاجرين نحو أوروبا، وفي هذا الإطار فبجانب استغلال تركيا أزمة اللاجئين لدفع مفاوضات انضمامها للاتحاد الأوروبي تسعى تركيا لإعادة نفوذها الإقليمي وتوثيق علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية التي تدهورت في السنوات الأخيرة نتيجة لسياساتها الداعمة لتيار الإسلام السياسي وتدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية وموقفها من الجماعات المتطرفة في سوريا كأحد العوامل الدافعة للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي بإعادة طرح نفسها كحلقة وصل وبوابة بين أوروبا والعالم الإسلامي، وتعد البوابة الخليجية هي الطريق الأمثل لتركيا لتحقيق هذا الهدف مستفيدة من الثقل السياسي والديني للسعودية بالمنطقة العربية ونفوذها لدى العديد من الدول الإسلامية.

رغم أن الخلافات التركية الأمريكية التي لاتزال قائمة بسبب تباين الرؤى حول الموقف من الأزمة السورية وقوى المعارضة التي يجب تقديم الدعم لها وكذلك الخلاف بشأن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية في حين ترفض الولايات المتحدة اعتباره منظمة إرهابية وقدمت دعماً له ضد تنظيم داعش، فضلاً عن الضغوط الأمريكية على أنقرة لضبط حدودها للحيلولة دون تدفق مزيد من المتطرفين على الأراضي السورية، إلا أن الخطوات التركية لتوثيق تعاونها العسكري مع الدول الخليجية لا تلقى اعتراضاً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية حيث أن تلك الخطوات تندرج في إطار الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه منطقة الشرق الأوسط والقائمة على نقل مهمة حفظ الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط لقوى إقليمية وإحداث نوع من التوازن الإقليمي بين القوى الصاعدة بمنطقة الشرق الأوسط كتركيا وإيران والسعودية ومصر لحفظ التوازن والاستقرار بالمنطقة، وذلك مع اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة تركيز جهودها باتجاه الشرق الأقصى ومنطقة المحيط الهادئ لمواجهة الصعود الصيني.

هكذا نرى أن التوجه التركي لتطوير العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي إنما يستهدف تحقيق عدد من المصالح الاستراتيجية التي تسعى إلى تحقيقها أنقرة، فلا شك أن السعي التركي لإقامة صناعة عسكرية متطورة وإن كان يستهدف استكمال عناصر القوة الشاملة للدولة التركية إلا أنه يستهدف أيضاً استعداد تركيا لأي تحركات إيرانية مضادة في الدوائر ذات الأهمية بالنسبة للأمن القومي التركي. وقد أدركت تركيا بوضوح أهمية دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وقد تجاوبت دول مجلس التعاون الخليجي مع التوجه التركي سواء من خلال التنسيق والتعاون العسكري أو الدخول في استثمارات تصنيع عسكري مشترك، وذلك لكسب الموقف التركي في مواجهة التحركات الإيرانية من خلال توفير مصالح مشتركة تسمح مستقبلاً لتطور أكثر إيجابية للموقف التركي، إلا أنه وبرغم تقارب الموقف الخليجي من الموقف التركي خاصة في الأزمة السورية والعراقية إلا أن لتركيا مواقف تلتزم بسقف واضح هو عدم المواجهة المباشرة مع إيران وتكشف متابعة العلاقات الإيرانية التركية عن ذلك بوضوح، فهي تسعى لتثبيت نفوذها الإقليمي ولكن دون الدخول في مواجهات مباشرة مع إيران باستثناء بعض المواقف الإعلامية ولا تزال دوائر في الدولة التركية ترى أن السياسة التركية تجاه إيران يجب ان تتسم بالتوازن ارتباطاً بالمصالح الاقتصادية المتزايدة بين البلدين. كما أن الحرص التركي لإعادة العلاقات مع إسرائيل والتعاون العسكري بين البلدين يمكن أن يترك أثاراً وتداعيات سلبية على بعض الدول الخليجية التي لا يتصور أن تشارك في برامج تصنيع عسكرية أو تعاون عسكري مفتوح تشارك فيه إسرائيل.

وبصفة عامة فإن مجمل ما سبق يؤكد صعوبة أن تكون تركيا شريكاً استراتيجياً لدول مجلس التعاون الخليجي لتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة، حيث تبقى الأجندة التركية متباينة مع استراتيجيات تلك الدول، ويبقى التعاون العسكري بين الطرفين نقطة بداية محكوم تطورها بطبيعة الموقف التركي تجاه تحركات القوى الإقليمية الأخرى التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة خاصة إيران، وإذا ما كانت القيادة التركية ستولي أهمية أكبر لعلاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي مقارنة بعلاقاتها ومصالحها مع إيران.

مجلة آراء حول الخليج