; logged out
الرئيسية / الشراكة الاستراتيجية الخليجية التركية: الدوافع والمحددات

العدد 105

الشراكة الاستراتيجية الخليجية التركية: الدوافع والمحددات

الأحد، 06 آذار/مارس 2016

جاء الإعلان عن إقامة قاعدة عسكرية تركية في قطر، وزيارة كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ديسمبر 2015م، (إضافة إلى زيارته في مارس لتهنئة الملك سلمان بن عبد العزيز بتولي الحكم)، ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو في يناير 2016م إلى المملكة العربية السعودية، علامات واضحة على تطور العلاقات بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، فيما اشتهر باسم "الشراكة الخليجية التركية". وتكشف التصريحات من الجانبين السعودي والتركي على المساحة الواسعة من التوافق بين وجهات نظر البلدين بخصوص دائرة عريضة من القضايا الإقليمية، وهو ما تمثل مؤسسيًا في إنشاء المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي.

والحقيقة، أن هذه الشراكة ليست وليدة الأمس القريب، وإنما تطورت ونمت على مدى سنين، واتخذت أشكالاً متنوعة على الصعيدين الجماعي والثنائي بين تركيا والدول الخليجية.

فعلى المستوى الجماعي، وقع وزراء خارجية دول مجلس التعاون مع وزير الخارجية التركي "مذكرة تفاهم" في مدينة جدة عام 2008م، على هامش اجتماعات مجلسهم الوزاري، ووضعت هذه المذكرة أسس الحوار الاستراتيجي بين الطرفين، والذي بدأ في العام نفسه على مستوى وزراء الخارجية، وتم إنشاء لجان متخصصة لبحث قضايا بعينها مثل، اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي، ومنتدى رجال الأعمال.     

وعلى المستوى الثنائي، تطورت العلاقات التركية مع دول مجلس التعاون، بشكل أو بآخر. فبالنسبة للسعودية، كانت نقطة التحول هي الزيارة التي قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز لتركيا عام 2006 م، والتي فتحت الباب للتعاون في سائر المجالات، وفي عام 2010م، قام رئيس الوزراء التركي أردوغان بزيارتين للسعودية، وفي الزيارة الثانية تلقى جائزة فيصل العالمية وذلك تقديراً لمواقفه السياسية، وهي الجائزة التي تعتبر من أرفع الجوائز التي تمنحها المملكة، وتم إنشاء منتدى الأعمال السعودي التركي، والذي كان آخر اجتماعاته في مطلع ديسمبر 2015م. وشارك الجيشان في عديد من المناورات والتدريبات المشتركة.

وبالنسبة للكويت، فقد قام وفد من الحرس الوطني بزيارة أنقرة لبحث أوجه التعاون الأمني مع قوات الدرك التركي. وكانت قطر من أكثر الدول الخليجية تفاعلاً بشكل إيجابي مع تركيا بسبب موقفهما المشترك وتأييدهما للانتفاضات الشعبية التي حدثت في عدد من الدول العربية. لذلك، لم يكن غريبًا أن يقوم رئيس الوزراء أردوغان بالمشاركة في افتتاح مبنى السفارة التركية الجديد في الدوحة في عام 2013م، وأن يشيد في كلمته بهذه المناسبة بقوة العلاقات التركية القطرية، وتم الإعلان عن إنشاء المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين. وفي عام 2015م، أصدر البرلمان التركي قانونًا، يسمح للحكومة بإرسال قوات عسكرية إلى قطر، والتعاون بالمثل أي قبول قوات قطرية في تركيا.

في ضوء ذلك، ما هي الدوافع المشتركة بين الطرفين الخليجي والتركي والتي تنحو بهما إلى تطوير الشراكة الاستراتيجية بينهما.

أولاً: الدوافع ومساحات التوافق

وتتمثل أهم الدوافع ومساحات التوافق المشتركة فيما يلي:

  1. تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية:

مع استمرار بيئة الاضطراب السياسي في المنطقة العربية، ابتداءً من عام 2011م، تفاقمت عوامل عدم الاستقرار السياسي والتفكك الاجتماعي، وكان من أبرز مظاهره؛ استفحال نشاط التنظيمات الإرهابية التي لجأت إلى العنف، تحت شعارات دينية، والتي من أبرزها تنظيمي القاعدة وداعش. ومع أن هناك ما يشير إلى أن تركيا تورطت لفترة في "غض الطرف" وربما "التعاون" مع تنظيم داعش، فإنها أدركت في مرحلة لاحقة التداعيات المدمرة لمثل هذه الصلة، ويدل على ذلك امتناع تركيا عن التوقيع على البيان الذي صدر في اجتماع جدة بشأن داعش، وما تبين من سماحها لعناصر من هذا التنظيم بالمرور عبر أراضيها للوصول إلى الحدود السورية، وأن بعض مستشفياتها، قامت بعلاج المصابين منهم، ناهيك عما انكشف من قيام بعض الشركات التركية بشراء النفط المستخرج من الأراضي التي يسيطر عليها داعش، ونقلها عبر أراضيها في  ممرات جبلية، وتصديرها من منافذها البحرية.

ومع اتضاح الفظائع التي ارتكبها تنظيم داعش، وإدراك تركيا أنه يمكن أن يصبح خطرًا على أمنها، فقد تغير موقفها، وفي عام 2015م، أرسلت ممثلين لها لحضور الاجتماعات السياسية والعسكرية للتحالف الدولي لمكافحة داعش. وهكذا، فإن مكافحة داعش تمثل مصلحة خليجية تركية مشتركة.    

  1. التحولات الجيواستراتيجية في المشهد السوري

ويشير هذا العامل تحديدًا إلى التغير الجسيم في توازن القوى العسكري على الأرض منذ التدخل الروسي في نهاية سبتمبر 2015م، فقد كان من شأن هذا التدخل إعطاء دفعة واضحة للقدرة العسكرية للنظام السوري مما أدى إلى إحرازه لانتصارات عسكرية متتالية ونجاحه في السيطرة على مناطق كانت خاضعة لداعش أو جبهة النصرة، وقطعها لطرق الإمداد لهذه التنظيمات من تركيا.

وأدى هذا الوضع إلى إحياء الأمل لدى النظام وروسيا في تحقيق حل عسكري للأزمة، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الروسي بأن العمليات العسكرية سوف تستمر حتى يتم "هزيمة الإرهاب"، وكان الوجه الآخر لهذا التطور شعور القوى المعارضة المختلفة بتراجع وزنها العسكري والسياسي مما أدى إلى فشل جولة جنيف-3 قبل أن تبدأ، فلم يكن أي من الطرفين مهيأ لدخول المفاوضات، فالنظام السوري وروسيا وحلفائهما صعدوا من جهودهم لتحقيق انتصار عسكري، أما قوى المعارضة فقد أدركت أن أي مفاوضات في هذا الوقت سوف تعكس التوازن العسكري الجديد.

وفي هذا السياق، ازدادت أهمية العلاقات الخليجية ـــ التركية بحكم توافق المصالح والرؤى والذي اتضح في إعلان السعودية في فبراير 2016م، استعدادها لإرسال قوات برية إلى سوريا لمحاربة داعش، وذلك في إطار التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وتلاها في ذلك كل من الإمارات والبحرين، وفي الوقت ذاته قامت تركيا بتعزيز حشودها العسكرية على الحدود السورية.

  1. تصاعد الدور الروسي في المنطقة

مع أن العلاقات بين روسيا وعدد من الدول الخليجية شهدت تحسنًا دبلوماسيًا واقتصاديًا، فقد ظلت السياسات الخارجية لدول مجلس التعاون تدور أساسًا في إطار التعاون الاستراتيجي والأمني مع الولايات المتحدة، وترتب على ذلك استمرار القلق الخليجي من تزايد النفوذ الروسي، وهو نفس الموقف الذي تتبناه تركيا، فمن ناحيةـ كما تردد دوائر غربية وروسية ـ  كان من شأن سياسة إنتاج النفط التي اتبعتها بعض دول الخليج يُقال إنها تلحق الأذى بالاقتصاد الروسي، لدرجة أنه ترددت بعض تحليلات صدرت عن مراكز بحوث غربية تروج لوجود تنسيق خليجي ــ أمريكي في هذا الشأن. ومن ناحية أخرى، أدانت دول مجلس التعاون وتركيا التدخل العسكري الروسي في سوريا، واعتبرته موجهًا ليس فقط لتنظيم داعش وإنما لكل فصائل المعارضة السورية. ومن جانب ثالث، لم تتردد القيادة التركية في إسقاط الطائرة الروسية التي انتهكت المجال الجوي التركي في نوفمبر 2015م.

وبإيجاز، فإن دول مجلس التعاون وتركيا تعتبران أن الدور الروسي في سوريا يمثل دعمًا وتأييدًا للنظام الحاكم، وهو ما تسعى هذه الدول إلى إسقاطه.

  1. التنافس في مجال النفط والغاز

هناك جانب آخر لتناقض المصالح بين دول مجلس التعاون وروسيا، والذي لا يبرز كثيرًا في وسائل الإعلام، وهو الخاص بإنتاج النفط والغاز ونقلهما إلى أوروبا، ويشير هذا الأمر إلى التنافس في أسواق النفط بين الطرفين في أوروبا، وخصوصًا دول أوروبا الشرقية، فقد أدى تدفق النفط الروسي من خلال خطوط الأنابيب إلى تقلص نصيب النفط الخليجي بحيث بلغت نسبة النفط السعودي من إجمالي استيراد أوروبا من النفط 5.9% مقارنة بنسبة النفط الروسي الذي بلغ 34.8% في عام 2011م، وأدى ذلك بالمملكة إلى اتباع سياسة تصديرية كبيرة إلى دول شرق أوروبا والتي كانت روسيا تعتبرها مجالاً خاصًا لها.

كما أن هناك خلاف يتعلق بالمشروعات التي تهدف إلى إنشاء خطوط أنابيب تنقل النفط الخليجي عبر الأراضي السورية إلى تركيا ومنها إلى أوروبا. لذلك يمكن النظر إلى التدخل الروسي على أنه بمثابة إجهاض لأي مشروعات تسعى إلى تحقيق هذا الهدف.

  1. المصالح الاقتصادية والأمنية     

تتمثل المصالح الاقتصادية التركية في التطلع إلى مزيد من ضخ رؤوس الأموال السعودية في الاقتصاد التركي، وإلى مزيد من التجارة بين البلدين والتي بلغت 5.6 مليار دولار عام 2015م، وأعلن أوغلو أنه يسعى لزيادتها إلى 20 مليار دولار، وإلى مزيد من مشاركة الشركات التركية في مشروعات الإسكان والتعمير في داخل المملكة.

ويجمع بين السعودية وتركيا موضوع التعاون في صناعة السلاح واستفادة السعودية من القدرات التركية في مجال التصنيع العسكري، وبرز هذا الجانب في اصطحاب رئيس الوزراء التركي أوغلو لكل من وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش ورئيس هيأة الاستخبارات علاوة على وزير الخارجية في زيارته للرياض في يناير 2016م، ولقاء هذه المجموعة مع الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع بالمملكة.

وإذا كانت هذه المجموعة من العوامل قد كشفت عن اتساع مساحة الاتفاق في المصالح والرؤى بين دول مجلس التعاون وتركيا مما يوجد الأساس الموضوعي للشراكة الخليجية – التركية، فإنه من الضروري الإشارة أيضًا إلى مجموعة من التحديات التي تواجه هذه الشراكة، وهو ما نتناوله في أدناه.

ثانيًا: التحديات

بادئ ذي بدء، ينبغي الإشارة إلى حدود الحديث عن دول مجلس التعاون الخليجي كمجموعة أو كتلة واحدة، فرغم المصالح العديدة وعناصر التشابه والتوافق بين دول المجلس الست إلا أنه يجدر التنويه إلى عدد من التنوعات والتباينات بينها، من أهمها سياسة سلطنة عمان التي تنأى بنفسها عن الدخول في محاور لا تمس أمنها الوطني بشكل مباشر، وهو موقف أصيل في السياسة الخارجية العمانية. وعلى سبيل المثال، فعندما قطعت دول الخليج علاقاتها الدبلوماسية مع مصر تطبيقًا لقرار القمة العربية في أعقاب معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979م، أخذت السلطنة موقفًا مغايرًا ولم تنفذ هذا القرار. وأخذت عمان مواقف متميزة عن بقية دول المجلس خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية في حقبة الثمانينيات، وكذلك تجاه إيران بصفة عامة مما مكنها من القيام بدور "الوسيط" بين الولايات المتحدة وإيران قبل بدء المحادثات العلنية بشأن البرنامج النووي الإيراني. ومنها أيضًا الموقف الخاص للإمارات تجاه تركيا بشأن تأييد الأخيرة للإخوان المسلمين كما سوف نتعرض له فيما بعد، وكذلك المصالح الاقتصادية التي تجمعها – وخاصة دبي – مع إيران، ومنها المواقف الخاصة لقطر تجاه بعض القضايا العربية والإقليمية.

كما يثور بالنسبة لتركيا قضية الاستقرار الداخلي فيها في ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية الأولي والثانية عام 2015م، وسعي أردوغان لتغيير الدستور وتحويل نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي، إضافة إلى عودة الصدام المسلح بين الحكومة والأكراد.

وفي هذا الإطار، تتمثل أهم التحديات التي تواجه تطوير الشراكة الخليجية التركية فيما يلي:

 

  1. العلاقات التركية ــ الإيرانية

تمثل تركيا وإيران دولتان كبيرتان في منطقة الشرق الأوسط، ويمارس كل منهما دوراً مؤثرًا في المنطقة بحكم عدد السكان والقدرة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، والامتدادات الثقافية والحضارية لهما فيما وراء الإقليم في آسيا الوسطى والقوقاز والعالم الإسلامي عمومًا. أضف إلى أن لكل منهما علاقات وثيقة بالبلاد العربية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ.

وتميزت العلاقات بين البلدين بالتغير والتبدل من مرحلة لأخرى، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979م، كانت الدولتان جزءًا من التحالف الإقليمي المؤيد للغرب، فتركيا انضمت إلى حلف الأطلنطي وهو التجسيد العسكري للكتلة الغربية في فترة الحرب الباردة، واتبعت إيران سياسة مؤيدة للغرب باستثناء الفترة القصيرة لرئيس الوزراء محمد مصدق والذي انتهى حكمه بانقلاب دبرته المخابرات الأمريكية لعودة الشاه إلى الحكم، كما كانت الدولتان جزءًا من الترتيبات الغربية لحماية أمن الشرق الأوسط مثل ميثاق سعد آباد عام 1937م، والمقترحات الرباعية في مطلع الخمسينيات، وحلف بغداد 1955م، الذي تحول إلى الحلف المركزي بعد اندلاع الثورة العراقية في 1958م، وخروج العراق منه. واستمرت حالة التوافق بين البلدين في إطار الاستراتيجية الغربية حتى نهاية السبعينيات، مع الإقرار بوجود بعض أشكال التنافس بينهما.

جاء التغيير الذي أحدثته الثورة الإيرانية ليمثل انقطاعًا في هذه العلاقة، ولكنه لم يصل إلى حد المواجهة المباشرة بين البلدين ولم يكن أي منهما على استعداد لاعتبار الآخر عدوًا استراتيجيًا له. فتركيا حريصة على عدم استعداء إيران، وفي كتاب العمق الاستراتيجي لأحمد داوود أغلو، والذي يمثل الإطار المرجعي لسياسة تركيا الخارجية، فإنه اعتبر إيران امتدادًا لتركيا في الغرب وبوابتها على القوقاز، كما أن تركيا امتداد لإيران في الشرق وكلاهما يتمم الآخر.

ومن ثم يثور السؤال، إلى أي مدى تكون تركيا مستعدة لمسايرة فكرة أن إيران بما تمثله من "خطر شيعي" هي التهديد الرئيسي على أمن الخليج والمنطقة العربية، ومدى استعدادها للانخراط في مواقف عملية تنبع من هذه الرؤية. من الأرجح أن تركيا تسعى لوقف تمدد النفوذ الإيراني، ولكن دون أن يتحول ذلك إلى عداء سافر.

  1. طموحات القيادة التركية

       في فيديو تم بثه عن زيارة رئيس الوزراء التركي أوغلو للمسجد الحرام في يناير 2016م، ظهر الرجل وهو يطل على آلاف المعتمرين والطائفين يلوح لهم بالتحية ويردون عليه بالتصفيق، وهو مشهد وصفه المراقبون بالاستثنائي، فلم يرد من قبل عند زيارة أحد زعماء الدول أو رؤسائها للمسجد الحرام أن حدث مثل هذا المشهد، فهل جاء ذلك السلوك بمحض المصادفة أم أنه يعبر عن الإدراك الذاتي للقيادة التركية التي أحيت مفهوم العثمانية الجديدة بدور إقليمي يعتمد على تراث الدولة العثمانية الذي استمر لقرون، ووضع الأساس لعديد من التنظيمات السياسية والإدارية في الدول العربية، فمن الأرجح أن لتركيا مشروعها الإقليمي، وهذا أمر طبيعي لدولة بمثل هذا الوزن السياسي والاقتصادي والعسكري، وقد تجلى ذلك في تصميم تركيا على إبقاء قوة عسكرية في داخل العراق دون موافقة حكومته، وفي الحديث عن منطقة آمنة على الحدود التركية السورية ودخول قواتها داخل سوريا لنقل رفاة السلطان سليمان شاه  العثماني. فهل يؤدي سقوط النظام السوري إلى فتح شهية القيادة التركية؟

  1. الموقف تجاه مصر وتنظيم الإخوان المسلمين

       مثّل الموقف تجاه مصر وتنظيم الإخوان المسلمين مصدرًا رئيسيًا للاختلاف والتوتر في العلاقات بين تركيا من ناحية، وكل من السعودية والإمارات من ناحية أخرى، ففي فترة نظام حكم الإخوان في مصر (يونيو 2012- يوليو 2013م)، اتبع هذا النظام مجموعة من السياسات التي مثلت خطراً على الأمن الداخلي في السعودية والإمارات، فقام بتشجيع بعض القوى الداخلية المناوئة لنظم الحكم والمهددة للاستقرار السياسي والاجتماعي، هذا في الوقت الذي تمتع فيه النظام بتأييد تركيا ودعمها وكان رئيس الوزراء أردوغان أول قيادة سياسية تصل إلى مصر لتهنئة الرئيس الأسبق محمد مرسي بتولي الحكم.

       وبعد سقوط هذا النظام في يوليو 2013م، أعلنت السعودية والإمارات تأييدهما للتغيير الذي تم، ومسارعتهما بتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي للنظام الجديد، واعتبرت الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًا. أما تركيا فقد اعتبرت ما حدث في مصر "انقلابًا على الشرعية" وفتحت أبوابها لعناصر الإخوان الهاربة، ويسرت لهم مختلف سبل التأييد السياسي والإعلامي لانتقاد الأوضاع الجديدة، واستضافت التنظيمات التي أقامها الإخوان كالمجلس الثوري في المنفى والتجمع البرلماني المعارض في الخارج، بحيث أصبحت الراعية السياسية الرئيسية للإخوان، واستخدم أردوغان أشد التعبيرات وأكثرها غلظة للتعبير عن موقفه تجاه النظام المصري.

       وفي عام 2015م، طرأت تغييرات في منطقة الخليج نتيجة الظروف الإقليمية الجديدة. فعلى سبيل المثال، فإن حزب التجمع اليمني من أجل الإصلاح في اليمن عارض التمدد الحوثي وخصوصًا بعد اقتحام الميليشيات الحوثية العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر وسيطرتهم عليها، وأيد دعوة الرئيس عبد ربه منصور هادي بطلب دعم دول مجلس التعاون والجامعة العربية للتدخل لحماية شعب اليمن، ورحب بالقرار السعودي ببدء عمليات عاصفة الحزم في 26 مارس 2015م، باعتبارها حماية للشعب اليمني. وهكذا، ففي الحالة اليمنية تعاونت السعودية مع حزب التجمع اليمني من أجل الإصلاح ضد تحالف الحوثيين والرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، وفي شهر أبريل من نفس العام، جاء تصريح الأمير سعود بن فيصل وزير الخارجية السابق ـ يرحمه الله ـ بأنه لا توجد مشكلة لدى المملكة مع الإخوان وإنما المشكلة مع الذين بايعوا المرشد العام للجماعة.

       وكان مؤدى ما تقدم أن السعودية تميز بين وضع تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، ووضع تنظيمات الإخوان في الدول العربية الأخرى. فبالنسبة للوضع في مصر، فإن المملكة تؤيد النظام الجديد سياسيًا واقتصاديًا، وهناك ما يشير إلى مأسسة العلاقات بين البلدين في المجال الاقتصادي من خلال إنشاء لجنة التنسيق التي يرأسها من الجانب السعودي ولي ولي العهد ومن الجانب المصري رئيس الوزراء، والتي تجتمع بشكل دوري لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه. رغم تباين رؤى ومواقف المملكة تجاه الأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا وفقًا لاعتبارات السياسة العملية.

       لا يوجد ما يشير إلى تغير موقف المملكة تجاه تنظيم الإخوان في مصر، ورغم بعض التحليلات الإعلامية هنا وهناك حول خلافات بين السعودية ومصر، فإنه لا يوجد ما يدل على اهتزاز العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، فكلاهما يحتاج الآخر في موقع المؤازرة والتأييد والدعم. هذا في الوقت الذي لم يتغير فيه الموقف الأساسي لتركيا سواء فيما يتعلق بانتقاد النظام المصري من آن لآخر ودعم الإخوان.

       وليس من الأرجح أن تفرط السعودية بعلاقتها بمصر من أجل تحقيق الشراكة مع تركيا، ويزداد هذا الموقف بالنسبة للإمارات. ويدل على ذلك تصريح أردوغان في 12 ديسمبر 2015م.  بشأن تأثير استمرار توتر العلاقات بين تركيا ومصر على علاقتها مع دولة الإمارات على النحو الذي يحرم أنقرة من الاستثمارات الإماراتية. لذلك، فمن المتوقع أن يمثل موضوع مصر والعلاقة مع الإخوان إحدى نقاط التباين بين الموقفين السعودي-الإماراتي والموقف التركي.

       وهناك بعض الاجتهادات التي تشير إلى احتمال تغير الموقف التركي تجاه مصر، وأنه ربما تصبح الشراكة الخليجية التركية، وخصوصًا السعودية، عنصرًا مسهلاً ومدعمًا لهذا التغير. وترى وجهة النظر هذه أن تركيا تشعر بضعف موقفها، وذلك بعد استقرار الأوضاع الجديدة في مصر، وتعاون الدول الكبرى في العالم معها، واستكمال شرعية النظام من خلال الاستفتاء على الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية وأخيرًا انتخابات مجلس النواب في نهاية عام 2015م، والانقسامات داخل الإخوان، وتراجع الدعم الشعبي لهم في الشارع المصري. وترى أن هناك مناسبة قادمة في شهر أبريل يمكن أن تمثل فرصة سانحة لذلك، وهي انعقاد مؤتمر قمة منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول والتي يقوم فيها رئيس القمة الحالي (مصر) بتسليم القيادة إلى رئيس القمة التالي (تركيا).

       وفي هذا السياق، تم نشر تسريبات عن المصالحة بين البلدين، ويدعم ذلك توقف حملات الهجوم الإعلامية بينهما، ولكن لا توجد تأكيدات رسمية في هذا الاتجاه، ومازال المسؤولون الأتراك ينتقدون ممارسات النظام المصري من وقت لآخر.

       عرض هذا التحليل لموضوع الشراكة الخليجية التركية موضحًا عناصر التوافق من ناحية، والتحديات من ناحية أخرى، والأرجح أن السعودية ودول الخليج تدرك المحفزات والمعوقات، فهي لن تفرط في علاقتها بمصر، ولن تسمح بتهديد تنظيم الإخوان لأمنها الوطني تحت أي اعتبار، ولكنها أيضًا لن تجعل من ذلك سببًا لتعطيل الشراكة الخليجية ــ التركية، ومن الأرجح أن تتطور شراكة مرنة تنهض على عناصر الاتفاق في المصالح والرؤى بينما تقر بوجود تباينات في بعض الموضوعات.

       والحقيقة، أن هذا المفهوم للشراكات والتحالفات هو المفهوم السائد في عالمنا المعاصر، فقد انتهى العهد الذي كانت تدعي فيه الدول التماثل الكامل بين مصالحها الوطنية أو التطابق التام بين رؤاها الاستراتيجية.  

مجلة آراء حول الخليج