; logged out
الرئيسية / تركيا والمعارضة السورية: سياسة الباب المفتوح

العدد 105

تركيا والمعارضة السورية: سياسة الباب المفتوح

الأحد، 06 آذار/مارس 2016

لا يمكن لدارس أن يتجاهل – أو يقلل من أهمية – العلاقة التاريخية المديدة بين الأمتين العربية والتركية، واستطراداً العلاقة المميزة بين الشعبين التركي والسوري على وجه الخصوص، حيث توجد حدود التماس المباشر والتفاعلات التاريخية بين العرب والأتراك. فقرون عديدة من الزمن انقضت من عمر هذه العلاقة الوشيجة التي اتسمت بتبادل حضاري إيجابي وفعَال، يستند إلى حقائق التاريخ والجغرافية وروابط دينية واجتماعية، أنتجت تلاقحاً ثقافياً ولغوياً ومعيشياً ذا طبيعة تاريخية، ميزت العلاقة بين الترك والعرب عن علاقتهما مع بقية شعوب المنطقة.

غير أن العلاقة بين الدولتين التركية والسورية، اللتين تعاصرتا في زمن النشوء، كانت متوترة في معظم المفاصل التاريخية للمنطقة خلال القرن العشرين. هذا القرن الذي شهد نهاية الدولة العثمانية وولادة سورية وتركيا كدولتين مستقلتين ومتجاورتين على شاطئ المتوسط. وبقي الاصطفاف السياسي والعسكري ذو الطبيعة الاستراتيجية متبايناً بين الجمهوريتين، يتخذ وضع الصراع المكتوم حيناً والعداء المعلن حيناً آخر.

قبل الثورة

شهدت العلاقة ذروة توترها وتصادم الإرادات والخيارات السياسية بين البلدين، عندما استضاف حافظ الأسد عند نهاية الثمانينات من القرن الماضي زعيم حزب PKK التركي عبد الله أوجلان، ودعم نشاطاته وأعمال حزبه الإرهابية على الأراضي التركية. ولم يخف توتر هذه العلاقة واحتقانها حتى اضطر حافظ الأسد لتسليم أوجلان للسلطات التركية بطريقة مواربة وملتوية، لا تخفى على أحد.

أنهى اتفاق أضنة 1998م، حالة التوتر والاحتقان من العلاقات بين البلدين، واستبدلها بعلاقات مميزة ذات طبيعة مرحلية واستراتيجية. بعد أن أغلق النظام السوري باب العداء بتسليم أوجلان ووضع " الورقة الكردية " على الرف ولو مؤقتاً. ففي حزيران 2000م، زار الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر دمشق، وأعطت هذه الزيارة دفعة لتصحيح مسار العلاقة بين البلدين، وتنقلها من التشنج والعداء على التفاهم والتعاون. وعندما حاول الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن فرض حالة من العزل والحصار على سورية، رفض القادة الأتراك الاستجابة لهذه السياسة أو تمريرها. وقدموا بذلك مساعدة كبيرة للنظام السوري في عبور مرحلة خطيرة. ولم تبدأ المرحلة الجديدة من العلاقة بين الشعبين والدولتين، التي شهدت تغيراً جذرياً عما سبق، حتى جاء " حزب العدالة والتنمية " الذي تأسس عام 2001 م، ووصل إلى السلطة عام 2002 م، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان . فعملت تركيا من أجل أن تكون سورية بوابة عبورها إلى المحيط العربي في مصر والخليج. فتم توقيع اتفاقية التجارة الحرة عام 2004م، وألغيت تأشيرات الدخول " الفيزا " بين البلدين في 18 / 9 / 2009 م. وتأسس مجلس تعاون استراتيجي مشترك لمعالجة القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو ملياري دولار، وصارت تركيا الشريك التجاري الأول لسوريا.

بعد الثورة

عندما قامت الثورة عند منتصف آذار 2011 م، كانت العلاقات السورية – التركية في أحلى أيامها، على المستويين الشعبي والحكومي، بعد أن هدمت إجراءات كثيرة الحواجز النفسية والميدانية بين عالمين، عاشا طويلاً بتجاور قلق، يغلب عليه التنابذ. ووصلت علاقات التعاون والتفاهم وحسن الجوار حد العلاقات الشخصية بين القائمين على السلطة في البلدين.

اهتم القادة الأتراك بمجريات الأمور في سوريا منذ اليوم الأول لخروج المظاهرات الشعبية المطالبة بالتغيير. فأبدوا النصح لبشار الأسد شخصياً ولفريق الحكم في دمشق بضرورة التجاوب الإيجابي مع الحراك الشعبي، وحذروا من مغبة التهوين من خطورة ما يجري، أو مواجهته بالعنف المنفلت الأعمى كما حصل فعلاً. وكان السفير التركي في دمشق عمر أونهون آنذاك دائب الحركة في الأوساط الفاعلة التي يمكن أن تؤثر على قرار السلطة. بعدها اضطر القادة الأتراك ممثلين برئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو لزيارة دمشق أكثر من مرة في محاولة لدفع النظام لتغيير نهجه في التعامل مع الثورة، ودعوته للاستجابة لمطالب الشعب وفق برنامج للتغيير متدرج وآمن. يحفظ وحدة البلاد واستمرار النظام العام وتحقيق مطالب الشعب دون الوقوع في المحظور. لكن " على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟ " فالنهج الإيراني كان الأسبق إلى أذن النظام وعقله، وأشد تأثيراً وأكثر عمقاً في قرار السلطة السورية وسلوكها. وبدا ذلك واضحاً في اعتماد الخيار الأمني والعسكري بأبشع صوره في مواجهة الشعب. مما أدى على انقطاع حبل التواصل بين دمشق وأنقرة. وانفتح باب آخر للتواصل بين تركيا شعباً وحكومة وبين الثورة السورية، التي صارت ملء السمع والبصر في النصف الثاني من العام 2011 م.

الانشقاقات واللجوء

نتيجة العنف المفرط الذي واجه به النظام السوري حركة الاحتجاجات الشعبية التي عمت البلاد، واستمراره في إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين العزل، برزت ظاهرة الانشقاق في القوات المسلحة من المؤسستين العسكرية والأمنية أولاً، ثم من بقية مؤسسات الدولة. بدأها المقدم في الفرقة 11 حسين هرموش الذي أعلن انشقاقه في 10 / 6 / 2011 م، خلال حملة النظام على دير الزور، وأسس " لواء الضباط الأحرار " . ثم عبر الحدود إلى تركيا لقيادة عمليات اللواء من مكان آمن.

وفي 4 / 7 / 2011 م، أعلن العقيد رياض الأسعد انشقاقه أيضاً مع مجموعة من الضباط والعسكريين، وأسس " الجيش السوري الحر " للدفاع عن المدنيين في جميع أنحاء سوريا. وانتقل إلى تركيا أيضاً لقيادة العمل من هناك. وبتوالي ظاهرة الانشقاقات واتساعها، صارت تركيا بحكم الأمر الواقع والتطورات السريعة الملجأ الآمن للعسكريين المنشقين والمطلوبين من قوى الثورة ونشطائها. وقد أحسنت السلطات التركية وفادة هؤلاء. فاستقبلتهم، وساعدتهم على الإقامة الآمنة وتنظيم أنفسهم وممارسة نشاطهم في الداخل السوري. إذ اقامت مخيمات خاصة للضباط والعسكريين المنشقين، توفر لهم سبل العيش والإقامة بكرامة واحترام، مثلما توفر لهم إمكانية التواصل مع المعارضة السياسية، التي بدأت بتنظيم نفسها على الأراضي التركية من جهة، وبقواعدهم الشعبية وفصائلهم العسكرية داخل الأراضي السورية من جهة أخرى.

كان ازدياد حجم العنف والإجرام المنفلت وأعمال القتل اليومي للمتظاهرين وحملات الاعتقال العشوائية الكبيرة التي طالت نشطاء الثورة في مختلف المدن والمحافظات السورية قريناً لازدياد عدد اللاجئين إلى الأراضي التركية. وشكل مضخة دائمة لدفع آلاف السوريين لعبور الحدود طلباً للنجاة.

أولى قوافل اللاجئين كانت من المحافظات الشمالية المحاذية للحدود. مثل اللاذقية، إدلب، حلب، الرقة. ومع تصاعد فعاليات الثورة بداية العام 2012 م، كانت قوافل اللاجئين باتجاه الشمال تتوالى من المحافظات الأخرى حمص، حماة، دير الزور قاصدة تركيا بسبب الطريق الآمن في الوصول، وتوفر أسباب الإقامة برحابة ملموسة. فقد فتحت تركيا أبوابها لاستقبال اللاجئين السوريين دون أي عقبات أو مضايقات أو قيود. تم ذلك من خلال بوابات العبور المعروفة ومن جميع النقاط الحدودية الممتدة عبر أكثر من 900 كم، هي طول الحدود السورية – التركية من البدروسية على شاطئ المتوسط غرباً، إلى فش خابور على نهر دجلة شرقاً. وشكلت تركيا في تلك الفترة قبلة للمضيومين من المحنة السورية التي بدأت تتعاظم، وللهاربين من الموت المحقق والمباشر في الشوارع والساحات، وللفارين من الموت المحتمل في السجون والمعتقلات.

كان الخط البياني لأعداد اللاجئين إلى تركيا يتصاعد بشكل حاد يومياً بدءاً من مطلع عام 2012 م، مما دفع السلطات التركية لبناء مخيمات لاستقبال اللاجئين، بلغ عددها 22 مخيماً، تمتد على طول الحدود بين البلدين، وليس بعيداً عنها. وللحديث عن مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا كلام آخر. غير أنني أشهد أننا واجهنا مفاجأة سارة بأوضاعها خلال زيارة قمت بها على رأس وفد من المجلس الوطني السوري عام 2013 م، لعدد من هذه المخيمات وبالسوية اللائقة التي يجري التعامل بها مع اللاجئين، والترتيب العالي المستوى للمخيمات، التي توفر سبل العيش بكرامة. حيث توجد المدارس والمستوصفات ومراكز التدريب والتشغيل المهني. كما توفر المخيمات سبل التواصل مع الخارج ومرونة في التعامل مع النزلاء والضيوف. باختصار، إن مخيمات اللجوء في تركيا تختلف كلياً وجذرياً عن مثيلاتها في جميع الدول والأماكن الأخرى التي استقبلت اللاجئين السوريين في المنطقة وفي أنحاء العالم الأخرى. وما قدم لنزلائها لم يكن له مثيل في أي مخيمات أخرى. ولم يكن للأمم المتحدة ومؤسساتها أي دور في ذلك.

المؤسسات الوطنية للثورة

المجلس الوطني السوري

في الخامس عشر من شهر أيلول 2011م، وبعد تجارب ومحاولات فاشلة، صدر بيان باسم " المجلس الوطني السوري " بعد جهود جرت بين أنطاليا واستنبول، قام بها نشطاء سوريون تجمعوا في تركيا من مختلف مناطق إقامتهم في الخارج. أعلن البيان طموحات مشروعة لسوريين من أجل بناء مرجعية سياسية موحدة للمعارضة السورية، بدأت الحاجة لها تزداد مع تصاعد إيقاع الثورة وضرورة إيجاد منظمة تعبر عن خط الثورة وأهدافها، توحد مسارات الحراك الثوري المتعدد الأشكال، الذي يمضي عمقاً واتساعاً كل يوم في مختلف أنحاء سوريا.

دخلت هذه الجهود في سياق الحوارات والاتصالات الجديدة والجادة التي جرت بين القوى السياسية في الداخل السوري والخارج. وكان في أسها إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي وجماعة الإخوان المسلمين وعدد من الشخصيات الوطنية المستقلة، وأدت على ولادة " المجلس الوطني السوري " كتحالف سياسي لقوى سياسية وشخصيات معارضة، وكذلك لقوى ثورية ناهضة في إطار الثورة، كلجان التنسيق المحلية والمجلس الأعلى لقيادة الثورة والهيأة العامة للثورة. كانت تركيا مسرحاً لهذه اللقاءات والاجتماعات التي توجت بإعلان المجلس من مدينة استنبول عبر مؤتمر صحفي يوم الأحد 2 / 10 / 2011 م، من قبل المكتب التنفيذي للمجلس الذي اختار الدكتور برهان غليون كأول رئيس له.

التفتت تركيا للشعب السوري وثورته وطموحاته، بعد أن أدارت ظهرها كلياً للنظام السوري، وسحبت سفيرها من دمشق، وأغلقت السفارة السورية في أنقرة. ونظرت إلى المجلس الوطني السوري كممثل للشعب السوري وثورته، خاصة بعد أن خرجت مظاهرات في معظم المدن السورية بعد أقل من أسبوع على ولادته يوم الجمعة 7 / 10 / 2011 م، سميت " جمعة المجلس الوطني يمثلني " . فأمنت له مقراً للعمل في استنبول، ووفرت سبل تحركات أعضائه وتواصلهم مع السوريين على الأراضي التركية. كما ساعدت على تأمين اللقاءات الآمنة مع العسكريين السوريين المنشقين لتنظيم العمل المشترك.

وللحقيقة والتاريخ، يجب على الشاهد المنصف أن يقرر حقيقة أن المجلس الوطني عمل من مقره في تركيا بحرية كاملة دون أي تدخل من أي نوع. ولم يكن للحضور التركي أي وجود مباشر أو بالواسطة في عمل المجلس وتحركاته. فالثقة العالية متبادلة بين المجلس والدولة المضيفة، وتنظم عبر لقاءات رسمية مع وزارة الخارجية ومن خلال ممثل للمجلس لدى السلطات التركية لتوفير صلة فعَالة ومنظمة ورسمية معها دون أن يؤثر ذلك على حريته في الحركة. فقد عقد المجلس عدداً من اجتماعاته الهامة خارج تركيا عدة مرات في تونس وإيطاليا والسويد، مثلما عقد اجتماع هيأته العامة في قطر، وهو المؤتمر العام الذي جدد فيه حياته التنظيمية. وافتتح مكاتب للعمل والنشاط وخدمة السوريين في غازي عنتاب، الريحانية، أورفة. كما افتتح مكتباً له في القاهرة. 

كانت الإدارة التركية تتفاعل إيجابياً وبالسرعة المناسبة مع القضايا والصعوبات التي يتعرض لها السوريون، وتعمل على حل المخالفات التي تحصل أثناء الدخول والخروج من البلاد، وهي بعشرات الآلاف. وبوساطة العلاقة المنظمة عبر ممثله، استطاع المجلس أن يساعد في تسهيل إقامة السوريين في حلهم وترحالهم من وإلى تركيا رغم وجود بعض الحالات التي تشكل مخالفة صريحة للقوانين القائمة (مثل قبول العمل بوثائق سفر منتهية الصلاحية واعتمادها)، لأن تسهيل دخول السوريين والرغبة في مساعدتهم والتخفيف من معاناتهم وآلامهم كانت العنوان الأبرز للإدارة التركية في التعامل مع السوريين.

الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية

ولد الائتلاف في الدوحة 11 / 11 / 2012 م، ونص في نظامه الأساسي على أن يكون المقر الدائم له في القاهرة لأسباب سياسية وعملياتية وجيهة، تتعلق بالعلاقات التاريخية المميزة بين مصر وسوريا وبوجود جامعة الدول العربية في القاهرة، حيث أحد المحاور الهامة لنضال الثورة السورية. وبالفعل افتتح مقر الائتلاف في القاهرة، وبوشر العمل فيه. غير أن وجود الائتلاف هناك لم يستمر لأكثر من عدة شهور. فالظروف الواقعية للعمل في مصر، ومحدودية التسهيلات المقدمة، والاحتياجات الميدانية للتواصل المباشر والمستمر مع ساحة العمل في سوريا حتمت انتقال الائتلاف ومؤسساته للعمل انطلاقاً من الأراضي التركية. فنقل الائتلاف مقره ونشاطه إلى استنبول، وافتتح مكتباً في غازي عنتاب، ليكون على مقربة من الداخل، ويتمكن من تأمين التواصل الفعال باتجاهين.

لاقى انتقال الائتلاف إلى استنبول ترحيباً من السلطات التركية، مثلما حصل مع سابقه المجلس الوطني، وعلى نفس القاعدة من التعاون والاحترام المتبادل للخيارات ودوائر التحرك. ونظمت العلاقة بشكل رسمي عبر فتح ممثلية للائتلاف في استنبول، قدمت لها التسهيلات المناسبة.

عمل الائتلاف على الأراضي التركية بحرية كاملة. وليس للصعوبات المؤقتة أو العقبات الاستثنائية التي تظهر بين حين وآخر من خلال العمل المتشابك والمعقد، إضافة إلى العدد الكبير من السوريين المولجين بالأمر، أن تخفي حقيقة أن المكان الأرحب للمعارضة السورية ومؤسساتها كان في تركيا. وما انتقال عدد كبير من المعارضين والمواطنين السوريين وتغيير مكان إقامتهم ونشاطهم على تركيا إلا دليل ساطع على هذه الحقيقة.

للنشاط العسكري للثورة السورية ودور تركيا في استضافته ودعمه سجل خاص بأيدي القائمين عليه من الطرفين. وهم المعنيون في الحديث عنه بشكل مناسب وفي الوقت المناسب. ومن أبرز الوقائع المعروفة في هذا المجال ولادة " المجلس العسكري " للثورة السورية من اجتماع عقد في مدينة أنطاليا في تشرين الثاني 2012م. حيث التقت أكثر من 600 شخصية سورية من الضباط المنشقين وممثلي الفصائل الثورية العاملة على الأرض. ناقشت الأوضاع العسكرية للثورة، واختارت مجلساً للقيادة باسم " المجلس العسكري " مكوناً من ثلاثين عضواً، عرف بمجلس الثلاثين.

الحكومة السورية المؤقتة

في اجتماع هيأته العامة بتاريخ 19 / 3 / 2013م، قرر الائتلاف تكليف السيد غسان هيتو بتشكيل الحكومة المؤقتة، لتقوم بالأعمال التنفيذية لخدمة السوريين في المناطق المحررة، والذين اضطروا للمغادرة إلى الخارج أو اللجوء في بلدان الجوار. غير أن السيد هيتو فشل في تشكيل الحكومة، واعتذر عن متابعة المهمة، وقدم استقالته في 8 / 8 / 2013 م.

كلف الائتلاف الدكتور أحمد طعمة بتشكيل الحكومة، التي نالت الثقة في 14 / 9 / 2013 م. اتخذت الحكومة السورية المؤقتة من مدينة غازي عنتاب قرب الحدود مع سوريا مقراً لها. وافتتحت مكتباً للعمل في استنبول. ونالت نفس المعاملة والتعاون الذي حظي به المجلس الوطني والائتلاف من السلطات التركية . وباشرت عملها من المؤسسات التركية المختصة في المجالات التعليمية والصحية والاقتصادية والخدمات الأخرى. ونشَّطت عمل مؤسساتها الأخرى من الأراضي التركية باتجاه الداخل السوري. وما يصدق على الحكومة يصدق على " وحدة تنسيق الدعم " التي تتبع للائتلاف أيضاً، وتقوم بتنفيذ المشاريع التنموية والخدمات الإغاثية في الداخل. ومن الطبيعي أن يتم ذلك عبر تعاون ودعم كبيرين من الجهات التركية المختصة.

الهيأة العليا للمفاوضات

كانت تركيا من مجموعة الدول الصديقة للثورة السورية، التي أيدت ودعمت انعقاد مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، وساهمت بنجاحه. وبالتالي من الطبيعي أن تنال الهيأة العليا للمفاوضات التي انبثقت عن أعمال ذلك المؤتمر دعماً تركياً ملموساً، على الرغم من أن اجتماعات هذه الهيأة تتم في الرياض بشكل دائم. وتجري اللقاءات على أعلى مستوى بين الهيأة والحكومة التركية من أجل التشاور والتنسيق. وقد أجرى المنسق العام للهيأة الدكتور رياض حجاب اجتماعات مميزة مع رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية في أنقرة، في عملية تظهير وإثبات للتأييد التركي الكبير التي تحظى به الهيأة ورؤيتها وتحركاتها في إطار العملية السياسية الجارية.

ومن الجدير ذكره، أن الحكومة التركية تعاملت مع مؤسسات الثورة (المجلس والائتلاف والحكومة المؤقتة) كجهات تمثيلية رسمية للشعب السوري في كل المناسبات والاستحقاقات. وتتم دعوة رؤسائها إلى الاحتفالات الرسمية، ويعاملون معاملة رسمية وبروتوكولية كممثلين للشعب السوري والدولة السورية.

منظمات المجتمع المدني

عشرات من منظمات المجتمع المدني السوري تعمل على الأراضي التركية وانطلاقاً منها. بعضها حديث الولادة، دفع على نشوئه الحراك الثوري واحتياجات الثورة. وانتقل بعضها من الدول الأخرى في أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية للعمل في تركيا حيث ظروف العمل وشروطه وبيئته الملائمة. ولهذه المنظمات مقرات رسمية في المدن التركية الجنوبية مثل انطاكية – الريحانية – غازي عنتاب – أورفة، تعمل من خلالها، وتؤسس نشاطات ومراكز تدريب بعضها داخل سوريا. ومن الطبيعي أن يكون حبل السرة لهذه النشاطات موصولاً مع تركيا، حيث موقع الارتكاز للتخطيط والتنفيذ. ومن الطبيعي أيضاً أن يكون دور السلطات التركية الإيجابي عاملاً هاماً وحاسماً في استمرار عمل هذه المنظمات وتطويره وتفعيله. وهو أمر يلحظه الجميع، وأدى إلى استقدام مئات النشطاء والعاملين في مجال الإغاثة والإعلام والرعاية الاجتماعية وحقوق الإنسان من جميع أنحاء العالم ومن جنسيات مختلفة للعمل في هذا الميدان. يلعب هذا النشاط دوراً هاماً في التخفيف من معاناة السوريين، ويغطي جوانب من قصور المعارضة وعجز الأمم المتحدة وخذلان المجتمع الدولي.

وهنا يبرز دور منظمات المجتمع المدني التركي في رفد هذه النشاطات بقوة وحماس واقتدار ملء السمع والبصر. وأصبحت أسماء مثل IHH أو AFAD وهي منظمات تركية معروفة للسوريين، وتشكل مصدر ثقة وأمل لتلقي خدمات وإغاثات حقيقية للاجئين والمقيمين.

وهكذا. . يمكن القول – دون أي مبالغة – إن ما تلقّاه السوريون كشعب والمعارضة السياسية والعسكرية والمؤسسات التابعة لهما في تركيا يعز عن الوصف. وليس له قرين أو شبيه في أي مكان. بحيث يمكن القول بدرجة كبيرة من الاطمئنان: إن تركيا كانت الحاضنة الدافئة للثورة السورية، وشكلت بسخائها وثباتها واحترامها لإرادة السوريين عاملاً حاسماً في الاستمرار. حتى ليتوجب القول: لو لم تكن تركيا موجودة على حدود سوريا، لوجب البحث عنها لضمان نجاح الثورة.

ملف اللاجئين الكبير

تستضيف تركيا اليوم 2,700,000 لاجئ سوري، أي ما يزيد عن عدد اللاجئين في جميع أنحاء العالم عدا لبنان. منهم ربع مليون في المخيمات داخل تركيا. إضافة على عدد من المخيمات داخل الحدود السورية، تتولى تركيا الإنفاق عليها ورعايتها. ويعيش الباقون في المدن التركية في جميع أنحاء البلاد. ويتجاوز عدد السوريين الذين وفدوا إلى تركيا وأقاموا فيها لفترات متفاوتة منذ عام 2011 م، خمسة ملايين. وهي تسمح لهم بالنشاط السياسي والعسكري والاجتماعي والاقتصادي. تضم المدارس التركية أكثر من 70 ألف طفل سوري، ويتمتع السوريون بفرصة للعلاج المجاني في المشافي التركية، حيث تمت مداواة ثلاثة ملايين سوري، وأجريت أكثر من ثلاثين ألف عملية جراحية لسوريين بالمجان، وولدت 33000 امرأة سورية على نفقة الدولة التركية. كما سمح للأطباء السوريين بمزاولة المهنة على الأراضي التركية. وخلال الأعوام الأربعة الأولى سمح لجميع السوريين من كل دول العالم بالدخول والخروج إلى تركيا دون أي قيود أو حدود بغض النظر عن الدين أو المذهب أو الانتماء الإثني، وسمحت لهم بالعمل دون إذن.وحسب آخر الإحصاءات، فقد كلف لجوء السوريين الخزينة التركية ما يزيد عن عشرة مليارات دولار، دفعت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي منها نصف مليار فقط. ولا تأخذ أي جهة تركية أي نسبة من المساعدات والتبرعات، ولا تفرض أي ضريبة على ما يقدم للسوريين أو يصل إليهم.

تخلت الأمم المتحدة عن مسؤولياتها تجاه اللاجئين في تركيا لدرجة رفضها تسجيلهم بخلاف ما حصل في كل من الأردن ولبنان، حيث تتولى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة مساعدتهم وتأمين بعض حقوقهم.

أصدرت الحكومة التركية في 15 / 1 / 2016م، لائحة تنظم أذونات العمل للسوريين في تركيا. بحيث يتمكن السوري من دخول نظام " الحماية المؤقتة " وبعدها سوق العمل ضمن كوتا 10% للسوريين مقابل الأتراك مع حصوله على حق الضمان الاجتماعي والحد الأدنى للأجور. ويحقق له بعد الحصول على " إذن العمل " إمكانية الانضمام إلى النقابات.

يقول الكاتب والمعارض السوري فايز سارة: " عومل السوريون في حالات كثيرة مثل المواطنين الأتراك، ومنحوا حالات تفضيلية أحياناً " .

قال المفوض السامي لشؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة فيليبو غراندي : " إن تركيا دولة مثالية وتشكل قدوة في استقبال اللاجئين، وعلى الدول الباقية أن تحذو حذوها " .

مجلة آراء حول الخليج