; logged out
الرئيسية / الشراكة الخليجية التركية .. ضرورة مشتركة في عالم جديد: رؤية للديمومة

العدد 105

الشراكة الخليجية التركية .. ضرورة مشتركة في عالم جديد: رؤية للديمومة

الأحد، 06 آذار/مارس 2016

متطلبات المرحلة الخليجية الراهنة تفرض حاجتها بإلحاح شديد، وبصورة عاجلة، اليوم قبل غدا – والزمن هنا استدلالا للأهمية القصوى-إلى محور قوي مع أشقاء أو أصدقاء أو قوة إقليمية لمواجهة المحور الإيراني ـ الروسي/الصيني ومستقبل تمدداته الإقليمية والعالمية، وهو محور أصبح يقلق الفاعلين الدوليين التقليدين، فكيف لا يكون كذلك خليجيا؟ فما هي خيارات دول مجلس التعاون الخليجي الممكنة في اللحظة التاريخية الراهنة؟ وهل تعمل على بلورتها لمواجهة التحديات التي تستهدفها وجوديا؟

من عمق رؤية تلك اللحظة وافاقها، تبرز تركيا كخيار استراتيجي للخليج، والعكس صحيح، وقد كانت قطر والرياض في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز من بين الاوائل التي استشرفت هذا الخيار من رحم ثورة الجغرافيا الإقليمية التي فجرها الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، وهي ثورة لم تشكل الخارطة السياسية الإقليمية حتى الآن، ولابد أن تتشكل، لكن وفق اي منظور؟ ولمصلحة من؟

 وإعادة تشكيل تلك الخارطة مسألة جوهرية للدول الخليجية الست مجتمعة، فالولايات المتحدة الامريكية تدرس إقامة نظام إقليمي يحمي مصالحها الكبيرة في المنطقة، ويغنيها عن التدخل العسكري المباشر مستقبلا، فمع من ستقوم واشنطن بتأسيس هذا النظام؟ بالتأكيد مع القوى الفاعلة في المنطقة التي ترى فيها اللاعب أو اللاعبين الأساسيين الذين سوف يضمنون لها مصالحها، وهذا يحتم على دول الخليج الست أن تكون من بين الفاعلين المؤثرين في عملية إعادة التوازن الإقليمي في المنطقة، وأنقرة تظهر لنا هنا مجددا الطرف الحاسم في تلك العملية، وهذا مدرك خليجيا، وتتقاطع معه الرغبة التركية، بدليل انتقال التعاون بين الرياض وانقرة إلى التنسيق الاستراتيجي، وهذا يدلل على وجود تطابق كبير في المصالح الاستراتيجية، لكن من المنظور السياسي، وبالذات تجاه الأزمتين السورية واليمينة، مما أصبح من الممكن تحويلها إلى تحالف استراتيجي، وهو ما تم الإعلان عنه في زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية نهاية ديسمبر 2015 م.

والشيء نفسه، نجده مماثلا مع قطر، لكن بوتيرة أسرع وأعمق، فيما يعتبره بعض الخبراء نموذجا مثاليا لشراكة خليجية ــ تركية أوسع يلبي مصالح انقرة الاقتصادية بعد الحظر الاقتصادي الروسي عليها ويضمن كذلك أمن المنطقة، وبقد ما تكون هذه الشراكة ضرورة للجانبين، فهي كذلك حاجة أمريكية متصاعدة في ضوء التحالف الروسي الصيني، ومحاولاتهما إقامة عالم جديد، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا تكسران به السيطرة الامريكية على العالم.

الدب والتنين .. وخارطة طريق الحادي والعشرين.

النظرة التأملية السريعة للواقع الجيوسياسي العالمي الجديد ،سوف تستوقفه كثيرا على وجه الخصوص مشروع التكامل الاوراسي الذي تبنيه موسكو وبكين، وأوراسيا هي كتلة أرضية مساحتها 54 مليون كيلو متر مربع وهي مكونة من قارتي أوروبا وآسيا، وقد خطط له على الأرض وفق منظومة مصالح مداخلة ومترابطة، ولن نخرج زيارة الرئيس الإيراني روحاني الأخيرة لإيطاليا وفرنسا عن التمهيد لهذا المشروع، فنتائجها تؤسس لشراكة إيرانية من المنظور السياسي لمشروع الاوراسيا، مثل ما أسست بكين وموسكو منذ عدة سنوات تكتلات لتفعيل القطب الجديد، كمجموعة بريكس التي تضم بالإضافة اليهما البرازيل والهند وجنوب افريقيا ومنظمة تعاون شنغهاي التي تضم معهما كذلك كزاخستان وقرغيرستان وطاجيكستان واوزباكستان، ويتوقع أن ينضم اليها إيران وباكستان وافغانستان والهند وبيلاروس، وهذا على الاقل يفتح الرؤى لإقامة قطب جديد في مواجهة واشنطن، وسيكون لهذا القطب أدواته المالية والاقتصادية التي تعززه على غرار النظام الاقتصادي والعالمي الراهن، المتمثلة على وجه الخصوص في البنك وصندوق النقد الدوليين، بينما تتجلى أدوات القطب الجديد في بنك "بريكس" للتنمية والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وصندوق طريق الحرير الذي يستهدف تعزيز التجارة مع أوراسيا، ،ولو تمكنت بكين وموسكو من احتواء تلك الجغرافيات السياسية بحمولاتها الاقتصادية والبشرية، فهل لنا أن نستشرف خارطة القرن الحادي والعشرين؟ وتأثير هذه الخارطة على المصالح الخليجية والتركية وحتى الأمريكية؟

واستدعاؤنا لهذا الواقع الجيوسياسي العالمي الجديد، لكي نؤكد على الأهمية الخليجية والتركية وحتى الغربية بما فيها الأمريكية للشراكة الخليجية التركية الجديدة، لكن، متطلبات هذا التحالف إذا ما أريد له الاستدامة والعمق مهما كانت التحديات والأزمات السياسية المستقبلية، ينبغي أن يتأسس على قاعدة المصالح  الاقتصادية المتبادلة والمصيرية وليس على أساس التوافقات السياسية الظرفية، خاصة إذا ما عرفنا تأثير الاقتصاد على السياسة الخارجية التركية، وتغلغل المؤسسة العسكرية التركية في الاقتصاد التركي، وبروز المحور العالمي الجديد بقيادة الصين وموسكو قد أصبح يقلق أمريكا وحلفائها، وبسببه تم الاسراع على التغلب على الخلافات التي لها خمس سنوات، والتوقيع مؤخرا على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي التي تضم وهي أستراليا وبروناي وكندا وتشيلي واليابان والمكسيك وماليزيا ونيوزيلندا والبيرو وسنغافورة والولايات المتحدة وفيتنام، وهى تشكل حوالى 40 في المئة من الاقتصاد العالمي، وقد استبعدت الصين من هذا التكتل منذ المفاوضات الاولى رغم أن اقتصادها الثاني عالميا، وهذا ما كشفه صراحة الرئيس أوباما عندما قال أن الاتفاقية تسمح لبلاده — وليس للصين — بوضع خارطة طريق القرن الحادي والعشرين، مؤكدا انه سيعزز القيادة الأمريكية في الخارج، وهذه الاتفاقية تشير إلى عودة التعددية القطبية، فإي من القطبين تجد دول الخليج وتركيا نفسيهما فيه؟ الاجابة واضحة وضوح الشمس في السياقات سالفة الذكر، فالخليج وتركيا منذ الاساس خارجان من التحالف الذي تقوده الصين وروسيا، ما عدا سلطنة عمان والامارات اللتين تجدان انفسهما واقعتان تحت محاولات جذب روسية وإيرانية للاستفادة من موقعهما الجيواستراتيجي لمشروع التكامل الاوراسي من جهة و لسحب دول فاعلة من المنظومة الخليجية حتى لا تتوفر لها إمكانية اعادة ترتيب بيتها لكي لا تصبح قوة اقليمية مؤثرة، وهذا كله يدلل على الضرورة العاجلة لإقامة الشراكة الخليجية التركية من كل النواحي، لكننا نرى الضرورة تستدعي إقامة بنيتها الأساسية على أسس اقتصادية، لدواعي ديمومتها حتى تصمد في وجه أية تحولات أو تبدلات أو عواصف سياسية وعسكرية إقليمية، وكذلك لمكانة الاقتصاد في سلم اولويات كل الفاعلين في تركيا .

 الاقتصاد .. رهانات الحكم التركي. 

من البوابة الاقتصادية، تربع حزب العدالة والتنمية على الحكم في تركيا عام 2002م، بعد أن رمى كمال درويش وزير الاقتصاد أنداك الذي ينتمي لليسار ومنظر النيوليبرالية الاقتصادية بأشرس صورها، رمى بلاده في أزمة اقتصادية افقدت الليرة التركية الجزء الأكبر من قيمتها الشرائية واضعفت الاقتصاد بسبب رضوخه لنصائح صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين أقرضا تركيا (15،7) مليار دولار بشروط باهظة.

 من هنا يعرف الحزب الحاكم في تركيا أن الاقتصاد والامن يأتيان أولا  وقبل كل شيء من ناحية هموم الناخب التركي الذي أوصله للحكم والسلطة أربع مرات متتالية حتى الآن، أثنان منها انتخابات تشريعية (2002، 2007م) وأثنان منها محلية بلدية (2004و2009م) أضافة الى فوزه باستفتاءين على تعديل الدستور (2007، 2010م) وحتى العسكر، فالاقتصاد قد أصبح شأنا يعنيه بالدرجة الاولى ، فالمؤسسة العسكرية تمارس دورها الاقتصادي عبر ثلاث قنوات رئيسة، الأولى، الانفاق العسكري الذي يلتهم (14%) من إجمالي الانفاق الحكومي، ومنه تم إنشاء صندوق لدعم الصناعات الدفاعية الوطنية، ويقدر دخله بما يقارب من (2،5) مليار دولار سنويا، والثانية، صندوق القوات المسلحة للضباط المتقاعدين، وقد أصبح يمثل تكتلا اقتصاديا كبيرا أمتد ليشمل أغلب الانشطة الاقتصادية والاستثمارية، حيث تغلغل في الصناعات البترولية والسيارات والحديد والصلب والاسمنت والصناعات الغذائية والسياحة والبنوك، والثالثة، الصناعات العسكرية، وقد تم تفعليها عام 1974م،عقب الغزو التركي لقبرص وما تبعه من اعلان امريكا حظر تصدير الاسلحة لتركيا، ومنذ الحين، تم توجيه مليارات الدولارات للاستثمار في الصناعات الحربية مما أسهم في وصول معدل الاكتفاء الذاتي من الأسلحة.

ما تقدم يدلل على أن الاقتصاد ينبغي أن يكون البوابة التي تدخل منها الدول الخليجية لتأسيس تحالفها السياسي والعسكري مع تركيا، وليس من البوابة السياسية، فالسياسة من سماتها التغيير والتبدل الديناميكي على عكس الاقتصاد الذي يربط العلاقات ويعمقها ويحد من تأثيراتها السياسية الطارئة حسب ماهية المصالح، ومن الذكاء العمل على ربط الاقتصاديات الخليجية والتركية بما ينعكس ايجابا وفورا على الاقتصاد التركي الذي يعاني من مجموعة مشاكل، فالزمن بمثابة الفعل الذي قد ينتج النقيضين – السلبي والايجابي – وذلك من حيث من يكسب تركيا أولا عن طريق الاقتصاد بعد ما أوضحنا مكانته عند الحكومة التركية والمؤسسة العسكرية خاصة وأن الجدال باتجاه الانفتاح الاقتصادي على طهران، لم يحسم تركيا، فرفع العقوبات على إيران ينظر إليه بعض الخبراء أنه نعمة ونقمة لتركيا في آن واحد، فهو إن كان سيفتح أمكانية الاستفادة من سوق سريعة النمو مضمونة الربح، لكنها في الوقت نفسه سوق قد تصبح في يوم من الأيام منافسا لأنقرة كوجهة للاستثمارات ودولة مصدرة، هذا إذا استبعدنا الخلافات السياسية بين البلدين التاريخية والمعاصرة، وهواجسها، وهذا يفتح الانفتاح التركي نحو الخليج أكثر من طهران، فهل ينبغي المسارعة نحو إقامة علاقات اقتصادية بين الجانبين قائمة على الاعتماد المتبادل ،، المشترك،، ؟ وكيف؟  علينا أولا أن نلقي أطلاله سريعة على ماهيات التعايش الاقتصادي التركي الايراني والروسي رغم الخلافات السياسية الجوهرية.

تركيا وايران وروسيا  .. مصالح فوق صفيح ساخن.

رغم رعب الارث التاريخي الدموي بين الاتراك والإيرانيين، واختلاف توجهاتهما في السياسة الخارجية، ورغم دعم طهران للحزب الكردستاني الذي تعتبره انقرة منظمة ارهابية، إلا أن للبلدين علاقات اقتصادية ضخمة، فطهران تعد أكبر مورد للغاز الطبيعي لتركيا بعد روسيا، كما أنها أي طهران تستورد معظم حاجاتها الأساسية من تركيا للقرب الجغرافي، ويعبر البلدان عن عزمهما رفع التبادل التجاري بينهما من 22 مليار دولار إلى 30 مليار دولار خلال العام 2016م، كما يوجد في إيران أكثر من (100) شركة تركية.

لكن، هذه المصالح تعيش فوق صفيح ساخن سوف تزداد سخونة خلال المرحلة المقبلة، سواء بسبب الأزمات السورية واليمينة والعراقية أو تنامي دعم طهران للحزب الكردستاني الذي يشكل خطرا مستداما للأمن التركي أو بسبب التمدد الشيعي في المنطقة، إذ لا يمكن ان ترضخ تركيا/اردوجان للمقايضة بين التمدد الشيعي في المنطقة وبين مصالحها الاقتصادية معها، وهذا ما عبر عنه اردوجان نفسه وذلك عندما قال في أكثر من مناسبة أن طهران تبذل جهودا للهيمنة على المنطقة، ودعاها إلى سحب قواتها من اليمن وسوريا والعراق، من هنا نرى أن التمدد الشيعي مرفوضا وسيجابه من قبل تركيا مهما كانت العلاقات الاقتصادية بين البلدين، (قد) تحد هذه المصالح من سرعة الانفجار بسبب المشاريع الضخمة في مجال النفط والغاز والتجارة التي تسيل لعاب الجانبين، لكن ذلك سيتوقف على محاولة طهران على تغيير خارطة المنطقة بتوجهاتها الايديولوجية وبدخولها في تحالفات مع روسيا والصين، وسيتوقف كذلك على حجم المصالح الخليجية الجديدة مع تركيا، وقدرة هذه المصالح على جذب انقره للخليج، كما ينبغي أن نستحضر دائما تفوق الاقتصاد التركي على نظيره الإيراني، فهو لا يزال المحرك للمنطقة، إذ يبلغ ناتجها ما يقرب (800) مليار دولار عام 2014م، مقارنة (425) مليار دولار الناتج الاقتصادي الايراني، كما تحتل انقرة مركزا متقدما للصناعات التحويلية حيث تصدر أجهزة التلفاز والسيارات والغسالات لأروبا، فهل ستتنازل عن مركزيتها في إطار تنافسها مع ايران ؟

والشيء نفسه مع وروسيا، فتركيا تمثل المركز الخامس بين شركاء روسيا الاقتصاديين، وكون روسيا المورد الأول للغاز لتركيا، لكنها مصالح سوف تتعارض مع مشروع التكامل الاوراسي، فهي قد اصبحت تتأثر الآن بالتوترات السياسية، فكيف لو تدخل معها تعارض المصالح الاستراتيجية لذلك المشروع؟

 الشراكة الخليجية التركية .. شروط الديمومة والمواجهة.

 سوف يصارع حزب العدالة والتنمية بكل قواه السلمية المختلفة من أجل الحفاظ على نهضته الاقتصادية، لأن في ذلك ضمانة بقائه في الحكم، -كما أوضحنا ذلك سابقا- لكن هذه النهضة تواجه تحديات إقليمية وعالمية، تؤثر سلبا على مستقبلها، وتحديدا من ناحيتين، الاستثمار والتصدير، وهما قوة الاقتصاد وقد يشكلان ضعفه بسبب تلك التحديات، فالصعود الاقتصادي التركي يتبني نفس النهج الشرق أسيوي،، التصنيع الموجه للتصدير،، لكنه استفاد من اخطاء التجربة الصينية في الصعود التي غلبت عليها الاهتمام بالكم دون الجودة، مما تلعب الجودة التركية الأفضلية النسبية، فكيف للدول الخليجية أن تبدد المخاوف التركية، وتضمن احتواء حزب اردوجان وتغري المؤسسة العسكرية التركية بالمصالح المختلفة؟ ربما تكون بعض الدول الخليجية قد سبقت هذا التساؤل، فعلى الجانب النظري، هناك وعي خليجي شبه عام  بالأهمية التركية الإقليمية، مما ولد ممارسات متباينة، أفضلها التعاون القطر ــ التركي، حيث يعد النموذج الافضل الذي يسير نحو الديمومة المنشودة، ويتناغم مع التحديات الإقليمية المقبلة، فهذا التعاون قد تحول إلى شراكة استراتيجية متكاملة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، أخذت من المنظور الاستجابة الآنية لحاجة انقرة من الغاز على خلفية الازمة التركية الروسية بعد اسقاط الطائرة الروسية، وكذلك من المنظور المستقبلي لكلا البلين، ويستجيب لمصلحة الدوحة الامنية، وهذا ما تجلى في التوقيع على اتفاقية عسكرية اعتمدها البرلمان التركي في الخامس من مارس الماضي تتيح تبادل نشر قوات مشتركة وتطوير الصناعات العسكرية وتبادل الخبرات العملياتية، وكان قد سبق ذلك اقامة قاعدة عسكرية تركية في الدوحة، كل هذه التطورات تأتي في الوقت الذي تعمل في قطر أكثر من 60 شركة تركية كبرى، ونحو 150 شركة صغيرة تعمل في مجال المقاولات والإلكترونيات والتجارة والبنية التحتية، باستثمارات يتوقع أن تصل الى 30 مليار دولار ، بينما تصل الاستثمارات القطرية المباشرة في تركيا إلى 930 مليون دولار في مجالات الطاقة والمشاريع العقارية والزراعية والسياحة، وهناك حديث عن دراسات لمشاريع بالمليارات، تعتزم قطر تنفيذها في تركيا خلال المرحلة المقبلة ، فهل تسير بقية العلاقات الخليجية التركية على نفس النهج القطري ؟ إذا أخذنا الرياض مثالا أخر، فسوف نجد الشراكة مع تركيا تتأسس على وتيرة أقل من الوتيرة القطرية ومن خلال المنظور السياسي الغالب، أبرز ما فيها، تشكيل مجلس تعاون استراتيجي رفيع المستوى بين البلدين".وسيكون مهتمًا بأمور عديدة بما فيها المجالات الأمنية، والعسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية، والطاقة، والتعليم، والشؤون الثقافية، والطب، وغيرها من المجالات ، وهذا يعبر استدراك سعودي تركي تاريخي، سوف يحرر الرياض على وجه الخصوص من هواجس الحقبة العثمانية، ومهما ستكون مجالات التعاون الخليجي التركي، الا أن الاستفراد الخليجي بتنامي الاستثمارات في تركيا، وبتعزيز عملية الصادرات والواردات بينهما، تظل مسألتين جوهريتين للمسير نحو ذلك المصير الفارق، مع العمل الجماعي بشيء من الذكاء على سحب البساط من الشركاء الاقتصاديين لتركيا، فمثلا ، باستطاعة الخليج أن يقلب معادلة اعتماد انقرة على الغاز الروسي والايراني وعبر الاسعار التفضيلية، فقطر تحتل المرتبة الاولى عالميا من حيث تصدير الغاز، وتمتلك احتياطيا يقدر 885 تريليون متر مكعب، والدول الست مجتمعة بإمكانها أن تقلب معادلة الاستيراد والتصدير بين تركيا وروسيا وايران، وكذلك معادلة الحركة السياحية الكبيرة بينهما التي تضررت كثيرا بعد التوترات التركية الروسية، لكن ( نكرر) الاهم هنا ، ضخ استثمارات خليجية فارقة في  شريان الاقتصاد التركي، مثلما يحدث الان لحركة الاستثمارات الخليجية في سوق العقارات التركية، فقد نمت بنسبة 500% خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وذلك حتى تقتنع انقرة أن قوتها الاقتصادية وتحقيق حلمها في المركز العاشر عالميا، واستتاب أمنها عن طريق الاقتصاد سيكون من خلال علاقات مع الخليج العربي .

ولماذا الرهان على تركيا؟

التساؤل لا يزال قائما، ومن منظور جديد، فإن الشراكة معها، ومن تلك البوابة الاقتصادية، ستعزز توجه الخليج الجديد نحو حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد التراجع الأمريكي عن حلفائه الخليجيين، مما قد يفتح لدول الخليج وتركيا والناتو الافاق في بناء شراكة استراتيجية أمنية لمواجهة التحديات المختلفة التي سوف تنجم عن التحالف الروسي الصيني وعودة الثنائية القطبية من البوابة الاقتصادية في ظل التراجع الأمريكي، وعدم قدرة واشنطن لوحدها على المحافظة على الامن الإقليمي.

إذا، ينبغي أن تكون المسارعة الخليجية نحو أنقرة محكومة بنتيجة واحدة فقط، وهي ربط منظومة المصالح الاقتصادية الخليجية بالنهضة الاقتصادية التركية، وديمومتها، واقتناع حزب العدالة والتنمية بان مصالحه مع الخليج سوف يضمن مستقبل تنافسيته على الحكم، من هنا، ينبغي أن يكون الأثر المترتب للعلاقات الجديدة نتيجتين: رفع النمو للاقتصاد التركي دعما لبقاء حزب العدالة والتنمية في الحكم، وسحب البساط من تحت أقدام العلاقات الاقتصادية الكبيرة بين انقرة وطهران.

مجلة آراء حول الخليج