; logged out
الرئيسية / الاعتذار المغربي عن القمة العربية: تغير القناعات.. تبديل الأولويات .. ضعف العمل العربي المشترك

العدد 107

الاعتذار المغربي عن القمة العربية: تغير القناعات.. تبديل الأولويات .. ضعف العمل العربي المشترك

الإثنين، 09 أيار 2016

اعتذرت المغرب عن استضافة القمة العربية الدورية العادية التي كان مقررًا لها الانعقاد في السابع والثامن من أبريل 2016م، في مراكش، وذلك بعد أن كانت قد طلبت تأجيل موعدها - بوصفها الدولة المستضيفة للقمة- عن موعد انعقادها العادي في 27 مارس 2016م، وهو الأمر الذى انتهى إلى قبول طلب موريتانيا استضافة القمة يومي 25 و26 يوليو 2016م، وفى ضوء الظروف الصعبة التي يمر بها العالم العربي والتي يفترض أن تدفع إلى مزيد من التعاون المشترك لمواجهة التحديات، لا بد من فهم الظروف المحيطة بهذا القرار سواء بالنسبة للمملكة المغربية أو حلفائها من دول الخليج، ومدى تأثيره على مسيرة التعاون العربي، والصيغ البديلة المطروحة للتعاون على الساحة العربية.

أولا: المغرب ورفض استضافة القمة: قرار كاشف

قد يشير البعض إلى تأثير الجغرافيا السياسية على انخراط المغرب في قضايا العالم العربي باعتبار أن التفاعلات الرئيسية والقضايا الأكثر تأثيرًا تدور تفاعلاتها في المشرق العربي أو في أقصى شرق العالم العربي حيث دول الخليج، فيما تبدو المغرب على الجانب الآخر منشغلة بأولويات داخلية وجيوسياسية مختلفة، لكن يبدو هذا فهم مؤقت، لأن الواقع يؤكد على وجود دور مغربي تاريخي لا ينكر على مستوى التعاون العربي المشترك، وهو دور يستمد أهميته من طبيعة الدولة المغربية ودورها وأهميتها.

 فبداية المغرب كدولة عربية ذات أهمية كونها قد أنجزت مشروع الدولة/الأمة بين عدد قليل من الدول العربية، كما أنها تخطو بثبات نحو تأمين استقرار داخلي في بيئة إقليمية تعانى من اضطراب شديد وفوضى كبيرة تكاد تهدد وجود بعض الكيانات السياسية الموجودة منذ حقبة الاستقلال، كما أن المغرب دولة تملك دورًا بارزًا على المستوى العربي ليس باعتبارها عضوًا عاديًا في جامعة الدول العربية، لكن بوصفها صاحبة دور مؤثر في هذا الإطار التعاوني على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي.. وفى مراحل تاريخية مختلفة من مسيرة العمل العربي المشترك في السابق وحتى الآن.

فقبل أن تتبنى الجامعة في ميثاقها دورية انعقاد جلسات القمة سنويا، استضافت المغرب عددًا من القمم العربية ذات التأثير في مسيرة العمل العربي المشترك، حيث استضافت القمة العربية الثالثة في عام 1965م، بعد قمتي القاهرة والإسكندرية في عام 1964م، كما استضافت قمة الرباط عام 1974م، التي تم خلالها اعتراف الدول العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، فضلًا عن أنها استضافت قمة فاس عام 1982م، التي صدقت على المبادرة السعودية لتسوية الصراع العربي – الإسرائيلي، ناهيك عن قمة الدار البيضاء عام 1989م،  التي عادت فيها مصر إلى منظومة الجامعة العربية، والتي سجل خلالها دعم الدول العربية المطلق لدبلوماسية منظمة التحرير الفلسطينية والقائمة على أساس قرارات منظمة الأمم المتحدة 242 و338، والذين فتحا الطريق أمام اتفاق القاهرة الذي أعاد غزة وأريحا للفلسطينيين سنة 1994م، وأخيرًا لا ننسى أن المغرب يرأس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي وذلك منذ عام 1975م.

هذا الدور الملموس مغربيا على المستوى العربي يطرح التساؤل حول أسباب تخلى المغرب عن حقها في استضافة القمة العربية! وإذا جاز قبول المبرر بأن الظروف التي تمر بها دول العالم العربي شديدة الصعوبة فهل من الأولى المبادرة بالانخراط وطرح الحلول أم الانسحاب والتراجع عن واحدة من أهم الآليات التي تم إقرارها دوريًا منذ العام 2000م، ألا وهي القمة العربية وذلك لدفع مسيرة التعاون إلى الأمام، لا سيما وأن القرار المغربي يضيف مزيدًا من التحديات أمام الجامعة العربية.

في معرض الإجابة عن هذا الاستفسار تجدر الإشارة إلى حالة مغربية يتجاوز البعض في توصيفها بأنها وصلت حد العزلة مع قدوم الملك محمد السادس، وهذا الطرح يستند إلى التغيير الذى طرأ على توجهات السياسة الخارجية المغربية بل وعلى أدوات وجهات صنعها، حيث بدا أن التوجه العربي احتل مرتبة مهمة في عهد الملك السابق الحسن الثاني في حين أن الملك الحالي محمد السادس تبدو توجهاته أكثر برجماتية وابتعادًا عن الانخراط في قضايا العالم العربي الشائكة، وهو ما نتج عنه استبدال مكانة التعاون المغربي الإفريقي في توجهات السياسة الخارجية المغربية بمكانة التعاون على الصعيد العربي.

كما أن الإصلاح السياسي الداخلي الذى جنحت إليه المملكة المغربية لامتصاص رياح التغيير الذى هبت على العالم العربي منذ بداية العام 2011م، قد أخرج الدولة المغربية من دائرة الأزمات التي صاحبت الحركات الجماهيرية المطالبة بالتغيير كما حدث بدرجات متفاوتة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين، فضلًا عن أن هذا الإصلاح صاحبه تغيير في أدوات صنع السياسة الخارجية؛ بحيث لم تعد حكرًا على المؤسسة الملكية وأصبحت حكومة الأغلبية شريكة في المسؤولية؛ فمثلا منصب وزير الخارجية يشغله وزير من حزب العدالة والتنمية ذو التوجهات الإسلامية، ولا شك أن هذا الوضع المستجد قد خفف من قبضة الملك على تحديد توجهات السياسة الخارجية المغربية ولو جزئيا أو على الأقل مشاركة أكثر من طرف في صناعتها. في حين أن التطورات السلبية التي شهدتها عدد من دول العالم العربي وتمدد الإرهاب واتساع نشاط الجماعات الإرهابية قد عزز من وجهة نظر المغرب باتجاه تخفيف انخراطها في قضايا العالم العربي إلى الحد الأدنى بما يمكن وصفه بأنه تحول لحضور ذي طابع رمزي، لا سيما وأن الخلافات قد اتسعت والهوة قد زادت بين الأطراف الرئيسية في النظام الإقليمي العربي.

وفى السياق ذاته يمكن القول أيضًا أن القمة العربية لم تكن محل اهتمام من القيادة المغربية منذ آخر قمة استضافتها في عهد الملك الحسن الثاني، وهنا يجوز القول أن القمة التي كان مقررًا لها الانعقاد في مراكش كانت أول قمة عربية يحتضنها المغرب في عهد الملك محمد السادس، ولم يحضر الملك محمد السادس إلى مؤتمرات القمة العربية سوى مرتين: الأولى كانت في بيروت سنة 2002م، وتبنت مبادرة السلام العربية التي تقدمت بها السعودية، وحضرها الملك تحت وطأة إلحاح لبناني، أما الثانية فكانت في الجزائر سنة 2005م، وحضرها الملك لاعتبارات ذات صلة بمكان انعقاد القمة في واحدة من الدول العربية المغاربية وتحديدا الجزائر، غير ذلك، لم يحضر الملك أي من مؤامرات القمة العربية، وفي عام 2009م، عندما ألحت قطر على الحضور الشخصي للملك، أصدر الديوان الملكي بيانًا أكد فيه أن مؤتمرات القمة العربية تحولت إلى منبر للخطابة فقط، ولم تعد تتخذ القرارات المجدية وهذا هو مضمون بيان الخارجية المغربية بشأن رفض استضافة القمة المؤجلة.

لا يغني ما سبق عن القول بإن المغرب كدولة ذات تأثير وحضور كانت بين إشكالات رئيسية، أولها مدى قدرتها على تحمل قمة معطيات الواقع تؤكد احتمال فشلها وتعميقها للخلافات العربية، في وقت كانت كل القمم السابقة التي عقدت في المغرب ذات تأثير على مسيرة التعاون العربيكقمم فاس ومراكش والدار البيضاء، والإشكالية الثانية الاعتبارات المغربية فيما يتعلق بتحالفاتها العربية لا سيما في شقها الخليجي، والإشكالية الثالثة وهى قراءة الواقع العربي ومراكز القيادة فيه والتي على ما يبدو ترى هناك ضرورة لتهميش دور الجامعة في مقابل دور أكبر للمبادرات والتحالفات من خارج إطار الجامعة وتعد المغرب عنصرًا رئيسيًا فيها، وربما يكون تأجيل القمة وعقدها في موريتانيا فرصة لتخفيف وطأة انعقاد قمة في مراكش في ظل هذه الظروف التي يمر بها العالم العربي.

ثانيًا: حالة العرب وحالة الجامعة العربية: مأزق صعب

في مقابل المنحى المغربي لمواجهة الواقع ببعض من الانكفاء وإعادة ترتيب البيت من الداخل وترتيب أولويات السياسة الخارجية المغربية بما يمكن المملكة من مواجهة التحديات وملاءمة الواقع، فضلًا عن حالة الإحباط من فشل منظومة العمل العربي المشترك، فإن أوضاع العالم العربي قد لعبت دورًا في تأكيد هذا التوجه المغربي.

فعلى مستوى الوحدات المكونة للنظام الإقليمي العربي نشهد تفاقمًا للصراعات داخل الدول، بما يهدد وحدة المجتمعات الداخلية ويعرض سلامة واستقرار وبقاء هذه الوحدات، لا سيما في ظل رهانات بعض القوى الإقليمية والدولية المتربصة بالمنطقة على سيناريوهات التفكيك لخلق واقع وتحدى جديد أمام النظام الإقليمي الذي يعاني بالأساس من فقدان القدرة على الاتفاق والتوافق.

أما على مستوى العلاقات البينية فهناك تضارب واختلافات جوهرية فيما يتعلق بالقضايا المطروحة على المستوى العربي ومن ثم اختلاف في المقاربات المطروحة للتعامل مع هذه القضايا، وفى ضوء غياب منظور واحد لقضايا الهم المشترك تبدو الهوية العربية ذاتها في مأزق، وتبدو الأولويات محل خلاف ونزاع، فمثلًا تأخر الصراع العربي الإسرائيلي على سلم الأولويات وتقدم الإرهاب كعنوان رئيسي مع غياب تصور موحد تجاه أيا من القضيتين، وهكذا الأمر مع قضايا عدة كتصاعد العداء المذهبي والتدخل في شؤون بعض الدول والموقف من بعض القوى الإقليمية كإيران وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية والعدالة الاجتماعية ودفع التعاون الاقتصادي، في مقابل هذه التحديات يظهر جليا عجز البنية المؤسسية الممثلة في الجامعة العربية أو غيرها من التنظيمات الإقليمية عن مجاراة هذا الواقع والتعامل مع قضاياه على وقع الخلافات البينية بين الدول العربية.

في الواقع لم تطرح القمم العربية منذ العام 2011م، جديدا لمواجهة هذه التحديات المتصاعدة وسؤال الوجود المصيري الذي يواجه بعض الدول العربية ولفكرة الأمن القومي العربي ككل، وكأن الإشكالية الرئيسية تجاوزت صيغة وآلية صنع القرار العربي ووجودها من عدمه، لتصل إلى حقيقة الداء العضال وهو تآكل بنية العلاقات العربية ــ العربية من الأساس، ناهيك عن الاختراق الذي مكن القوى الخارجية من التأثير على مجمل التفاعلات في منطقتنا وبالطبع التأثير على آليات عملها ذات الطابع الجماعي. 

 وفى هذا الصدد يمكن أن نشير إلى بيان الخارجية المغربية كونه عبر بدقة عن ملامح المأزق الذي تواجهه الجامعة العربية والعرب أنفسهم، والبيان في مجمله يمثل المبررات التي استند إليها المغرب في رفض استضافة القمة وهي -بحسب البيان-كالتالي:

1-عدم توافر الظروف الموضوعية لعقد قمة عربية ناجحة؛ بالنظر إلى التحديات التي يواجهها العالم العربي خلال المرحلة الراهنة، وبالتالي فإن القمة العربية لا يمكن أن تشكل غاية في حد ذاتها، أو أن تتحول إلى مجرد اجتماع شكلي، وأن انعقاد قمة عربية يجب أن تكون قادرة على اتخاذ قرارات في مستوى ما يقتضيه الوضع، وتستجيب لتطلعات الشعوب العربية.

2-غياب القرارات الهامة والمبادرات الملموسة التي يمكن عرضها على قادة الدول العربية، والمتاح سيكون المصادقة على توصيات عادية، وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين دول العالم العربي.

3 عدم قدرة الدول العربية على التوافق حول تقديم الإجابات الجماعية الحاسمة والحازمة، لمواجهة هذه الأوضاع الصعبة في عدد من الدول كالعراق أو اليمن أو سوريا التي تزداد أزماتها تعقيدًا بسبب كثرة المناورات والأجندات الإقليمية والدولية.

4-عدم وجود مقاربات لمواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الشعوب العربية، والاقتصار على دور المتفرج، الذي لا حول له ولا قوة، على المآسي التي تمس المواطن العربي في صميمه.

5-عدم قدرة القمة على الإسهام بجهد أو توجه جديد للتعامل مع القضية الفلسطينية ومواجهة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني والمقدسات وقضم الأراضي وبناء المستوطنات.

لكن لا تفوت الإشارة في هذا السياق دون طرح تساؤلًا استنكاريًا وهو إذا لم يكن تدهور الوضع العربي إلى هذا الحد الذي عبر عنه بيان الخارجية المغربية مدعاة لاجتماع على مستوى القمة من أجل البحث عن حل ومخارج لهذه الأزمات فهل رفض استضافة القمة العربية هو الحل؟ أم أن هناك حالة من السيولة العالية ساهمت في تهميش دور الإطار العربي للتعاون وذلك لإفساح المجال أمام مبادرات ومشاريع بديلة للتعاون يمكن من خلالها تفادى الإعاقات التي تحول دون نجاح جامعة الدول العربية منذ عقود؟

ثالثا: القيادة الخليجية للتفاعلات العربية والمبادرات البديلة

ليس ثمة شك أن مركز الثقل على المستوى العربي قد انتقل شرقًا إلى الخليج وتحديدًا بقيادة سعودية، وقد تم اختبار قدرة الجامعة العربية على التعامل مع التحولات التي طرأت على العالم العربي مطلع العام 2011م، لا سيما في إطار البحث عن تسويات في الدول التي تعانى من أزمات تهدد الأمن الإقليمي كالأزمات في سوريا واليمن وليبيا.. ولكن حجم التباينات بين الدول العربية بدا واضحًا ومعوقًا في الوقت نفسه لتفعيل آليات ناجزة خلال تلك المرحلة، حتى على مستوى أطر التعاون الأصغر كمجلس التعاون الخليجي بدا هناك خلافات جوهرية تعطلت معها القدرة على بناء رؤى متوافق عليها تجاه التعامل مع الأزمات المتصاعدة في المنطقة.

لم يكن أمام دول الخليج لا سيما المملكة العربية السعودية بحكم موقع القيادة وبحكم حجم التحديات والتهديدات من التفكير خارج الصندوق الملغم بالإعاقات والخلافات، وفى هذا السياق طرحت المملكة عددًا من المبادرات والمشروعات وعقدت عددًا من التحالفات والاتفاقيات مثلت بدورها ثورة في نمط التفكير السعودي، وعكست دراية حقيقية بحجم المخاطر، وفهم واقعى لمداخل التعامل مع المواقع المستجدة وتجاوز الأدوات القديمة المعطلة، بما لا يمكن اعتباره ثورة على تقاليد السياسة الخارجية السعودية وحسب بل نقلة نوعية في طبيعة وشكل ونمط وحدود التعاون ذي الطابع الإقليمي.

وقد كانت البداية بطرح مشروع توسعة مجلس التعاون الخليجي لتهيئته ليكون أطارًا فاعلًا للتعاون بين أعضائه وقادر على مواجهة التهديدات، والدول التي كانت مرشحة للانضمام للمجلس هي الأردن والمغرب ومصر، لكن لم تلق الفكرة استجابة من بعض دول المجلس، ثم طرح الراحل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز فكرة تطوير مجلس التعاون الخليجي ليتحول إلى اتحاد خليجي لكن الفكرة لم تنجح أو على الأقل مازالت تراوح ولم تكتمل بعد؛ لغياب الظروف والعوامل الموضوعية سواء داخل دول المجلس نفسها أو لطبيعة العلاقات فيما بينها، بجانب مواقف القوى الإقليمية والدولية المناهضة لهذا التحول، وبالطبع مدى فاعليته في ضوء تلك المعطيات المتباينة. لا شك برزت هذه التوجهات الخليجية في مواجهة السياق الإقليمي الضاغط على دول مجلس التعاونوالتفكير في إعادة التموضع الإقليميلمواجهة تداعيات عدم الاستقرار فضلا عن تعزيز أوجه التنسيق والتكامل الخليجي.

اتجاه خليجي ثان للتعامل مع الواقع العربي وهو تطوير علاقات التعاون ذات الطابع الثنائي مع عدد من الدول العربية من خلال توجيه بوصلة السياسات بها بما يخدم المصالح الخليجية، مع الاعتماد على تقديم مساعدات مادية وعينية بما يضمن استقرار هذه الدول ويفتح مسارات لتعاون وخدمات متبادلة، فضلا عن الانتقال بالعلاقات إلى مستوى ثنائي استراتيجي، وتأتى في مقدمة هذه الدول مصر والأردن والمغرب، والمغرب تحديدًا قد تلقت دعمًا هامًا من دول الخليج ومن ثم فإن العلاقة الوثيقة بين الطرفين ربما تفسر إشارات بيان الخارجية المغربية بشأن رفض تنظيم القمة العربية بأنها قد تمت بالتشاور مع بعض الدول العربية فمن تكون هذه الدول إذا لم تكن دول الخليج وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية؟!. لاسيما وأن هذه القمة كانت تواجه أسئلة رئيسية حول جدوى دور الجامعة، ومدى إمكانية الاعتماد عليها كآلية للتعاون المشترك في مواجهة التطورات الراهنة وتهميشها لصالح أطر التعاون الجديدة والبديلة، وفى هذا السياق كانت القمة بصدد مناقشة مآل تشكيل القوة العربية المشتركة، والتي كانت قد اقترحتها مصر بعد أيام من شروع السعودية في تنفيذ عاصفة الحزم في اليمن ضد الحوثيين المتحالفين مع إيران، وهي المبادرة السعودية التي زكاها مجلس التعاون الخليجي وأيدتها دول عربية وإسلامية من ضمنها المغرب، وحاولت مصر أن تضفي عليها الطابع العربي من خلال مقترح تشكيل قوة عربية لكن الخلافات والمواقف المتضاربة من القضايا الإقليمية حالت دون الشروع في تنفيذ الفكرة.

أما الاتجاه الثالث فهو اللجوء لصيغ تعاون ذات طابع إقليمي ودولي، وذلك لسد الفراغ الناتج عن الانسحاب الأمريكي من الانخراط في قضايا المنطقة والذي جاء في سياق الاستراتيجية الأمريكية الجديدة المتمثلة في الإدارة من الخلف في مواجهة تصاعد الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، وبرزت ملامح هذا التوجه في التقارب والتنسيق السعودي التركي عالي المستوى، بجانب الاستدعاء السعودي لتحالفات ذات طابع دولي ومتعدية لأطر التعاون الإقليمي كما حدث في الإعلان السعودي عن التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب وغيرها.

أما الاتجاه الأخير فيتمثل في المبادرة بالتدخل المباشر في بعض الدول وحدث هذا من خلال تدخل قوات درع الجزيرة في البحرين في عام 2011م، ثم تدخل التحالف العربي تحت لافتة عاصفة الحزم في اليمن بعد الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية في اليمن، فضلًا عن التدخل غير المباشر من أطراف خليجية في بعض الدول، فيما يطلق عليه البعض الحرب عبر الوكلاء، كما هو حادث في سوريا، وليبيا، وأخيرًا الحديث عن تواجد سعودي عسكري في تركيا بالقرب من الحدود السورية استعدادا للتدخل في الأزمة السورية.

في الحقيقة ظهور هذه السياسات أو المبادرات البديلة لا يمكن فهمها بمعزل عن وضع تصور كامل لطبيعة الوضع الإقليمي ككل، وإذا كان المقال قد تناول الإشارة إلى بعض من جوانب المشهد ممثلا في تحولات المشهد الإقليمي بعد عام 2011م، والتداعيات الناتجة عنها، فإن باقي المشهد يمكن فهمه في سياق النظر إلى الآثار التي نتجت عن انهيار النظام الإقليمي ككل بداية من انهيار الثنائية التي تحكمت في صياغة العلاقات وتحديد اتجاهات الصراع على الساحة الإقليمية قبل هذا التاريخ -ونقصد بهذه الثنائية محوري الممانعة والاعتدال- ومن ثم خروج بعض القوى الرئيسية من المشهد نتيجة حالة فشل كامل وقعت فيها الدول كسوريا وليبيا واليمن أو حالة الضعف التي انتابت دول أخرى كمصر ولبنان.. وهو ما ينذر بوقوف المنطقة عند لحظة فارقة يتشكل فيها النظام الإقليمي من جديد ووفق توازنات ومصالح مستجدة.

ويضاف إلى المشهد أيضًا حالة السيولة الإقليمية والضعف الشديد التي أتاحت فرصة لأطراف من خارج العالم العربي للعب دور مؤثر في توجيه دفة الأحداث، لا سيما وأن مظلة الحماية الأمريكية قد تراجع تأثيرها وأصبح الرهان على دور تقليدي أمريكي في ضمان الاستقرار الإقليمي محض خيال، هذا الفراغ بدوره فتح الساحة أمام بناء نمط جديد من المحاور والتحالفات غير التقليدية، وكأنه بداية نهاية لتأثير القوى العظمى على سياسات المنطقة، فضلًا عن نهاية لهيمنة محور أو دولة كبرى على توجيه السياسات الإقليمية، وكأن المنطقة مقبلة على تعددية في التأثير والنفوذ وهى تعددية ذات طابع متغير ومتداخل، وهنا يمكن فهم اتجاهات الحركة الجديدة والمبادرات البديلة، ويبرز في القلب منها شبكة العلاقات والتحالفات التي تنسجها المملكة العربية السعودية كمظلة بديلة لضمان الأمن والاستقرار الإقليميين وكمحاولة لتثبيت وجودها ونفوذها في الإقليم.

وأخيرًا وفى ظل هذه الظروف تبدو الجامعة العربية كإطار للتعاون غير مدعوة في اللحظة الراهنة للعب دور رئيسي، وذلك لأن اختبار قدرتها على التفاعل مع توجهات القيادة العربية الخليجية الحالية قد فشلت، أو أنها أظهرت تباين في المواقف وإعاقة بنيوية وبطء لا يتناسب مع المساعي الخليجية لمواكبة متوالية التهديدات المتصاعدة في المنطقة، ففي سوريا تنقسم الدول العربية فيما بينها فيما يتعلق بمداخل حل الأزمة فيما تتمدد إيران وتفرض نفوذها ويتمدد الإرهاب ليلقى بظلال كثيفة وضغوط غير مسبوقة على الدول الإسلامية لا سيما التي تعتنق المذهب السنى، وتبدو التداعيات في ليبيا واليمن متشابهة لدرجة بعيدة. وبالتالي فإنه من غير المستبعد أن تشهد المرحلة القادمة مزيدًا من التغييرات في طبيعة النظام الإقليمي وتحديد ملامح أطرافه الرئيسية وحدود نفوذها، وهو ما قد يستتبعه ظهور أطر جديدة للتعاون ويمكن من خلالها استيعاب هذه التغييرات.

مجلة آراء حول الخليج