; logged out
الرئيسية / تحقيق التكامل وتوسيع السوق العربية المشتركة: البداية بتجارة السلع والخدمات وانتقال عناصر الإنتاج

العدد 108

تحقيق التكامل وتوسيع السوق العربية المشتركة: البداية بتجارة السلع والخدمات وانتقال عناصر الإنتاج

الثلاثاء، 07 حزيران/يونيو 2016

يشكل التكامل الإقليمي عنصرًا أساسيًا في استراتيجية السياسات الخارجية للحكومات العربية، وبعد سنوات طويلة من السعي للتكامل، كان التنفيذ على أرض الواقع ضعيفًا وأصبحت منطقة التجارة الحرة العربية (PAFTA) ودول مجلس التعاون الخليجي (GCC)، نقاط ارتكاز في سعي الدول العربية نحو السوق العربية المشتركة.

وحتى الآن تركز اتفاقية منطقة التجارة الحرة على إزالة الحواجز أمام التجارة في السلع، وبالتحديد إزالة الحواجز الجمركية والتي بدأت فعليًا من يناير 2005م، وتمثلت الخطوة اللاحقة في إعلان الدول الأعضاء عن توسعة نطاق الاتفاقية لتغطي التجارة في الخدمات والاستثمار، سعيًا منها للتخلص مما تبقى من الحواجز غير الجمركية (NTBs) وزيادة مكاسب الدول العربية من التجارة البينية المحتملة خاصة في مجالات العمالة، وتدفقات رؤوس الأموال.

ويبقى السؤال الرئيس كيف يمكن الدفع قدمًا نحو مزيد من التكامل الاقتصادي العربي؟ وما هي المجالات التي يمكن التركيز عليها حتى يمكن الانتقال من منطقة التجارة الحرة إلى الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة؟

وفي رأينا أن التوسع في التجارة السلعية البينية هدف أساسي وراء التكتلات الإقليمية، لكن العلاقات الاقتصادية الدولية لم تعد حكرًا على التجارة السلعية، بل امتدت لتضم بجانبها التجارة في الخدمات وانتقال رؤوس الأموال وقوة العمل , وهذا ما يجب أن تسعى الدول العربية لتعميقه جنبًا إلى جنب مع التجارة السلعية.

صور التكامل الاقتصادي الإقليمي

توجد صور عديدة لما يعرف في الأدبيات الاقتصادية بالتكامل الاقتصادي الإقليمي، كما توجد له أوجه عديدة أيضًا، ما بين سياسية واجتماعية فضلًا عن الاقتصادية، كما تعددت سبل التكامل الإقليمي على الصعيد العالمي، فضلًا عن تباين النتائج التي ترتبت على تلك التجارب باختلاف الأقاليم المحلية، لكن يظل أهم أوجه الاختلاف تتمثل في مدى الالتزام في تطبيق التكامل الاقتصادي الإقليمي في كل من الدول النامية والدول المتقدمة.

ويمثل التكامل الاقتصادي، مسألة حيوية للدول العربية في سعيها للتنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي، وتأكيد عدم تهميش دول المنطقة على المستوى العالمي. ومن هنا تشدد بعض التعريفات على أن التكامل الاقتصادي يتضمن عملية توحد عدد من الاقتصادات الوطنية في منطقة معينة، بغرض تحقيق مزيد من الدعم لعملية التنمية الاقتصادية الإقليمية. وتبدأ المفاهيم الاقتصادية للتكامل الاقتصادي الإقليمي بالتأكيد على أهمية إزالة العوائق والقيود أمام التبادل التجاري، وسهولة المدفوعات وانتقال العناصر الإنتاجية خاصة رأس المال والعمل.

ويتضمن التكامل الاقتصادي إقامة آليات مؤسسية، والقبول بدرجة من السيادة المشتركة، أو السيادة فوق الحكومية، الأمر الذي قد لا يكون سهلاً في بعض الحالات العملية خاصة في تجارب الدول الأفريقية والمنطقة العربية، حيث تواجه عملية التنازل عن نسبة من قدرة الدولة على اتخاذ القرارات في الشأن الاقتصادي بصعوبات عديدة.

وتشمل عناصر التكامل الإقليمي إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية بين الدول الأعضاء، وتوحيد سياسات التجارة الخارجية التي تقوم على وضع قيود مشتركة على التجارة الخارجية مع الدول غير الأعضاء، فضلًا عن تحرير تدفقات السلع والخدمات بين الأعضاء، وكذا عناصر الإنتاج، وتقارب السياسات الاقتصادية الأخرى، وتوحيد السياسات النقدية الوطنية، والقبول بعملة نقدية واحدة.

صحيح أن هذه العناصر تحدث على مراحل والتي تبدأ بمنطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي، والسوق المشتركة، والوحدة الاقتصادية، ثم التكامل الإقليمي التام، إضافة إلى اتفاقيات التجارة التفضيلية.

وتستند دعوات التكامل الاقتصادي الإقليمي إلى العديد من الدوافع على رأسها تحفيز النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية، فضلا عن تأثيرها على الرفاهة، سواء ما يتعلق بالآثار الساكنة، والتي تشير إلى الكفاءة الإنتاجية ورفاهة المستهلكين، أو ما يتعلق بالآثار الديناميكية على النمو الاقتصادي طويل الأجل. وتشير النظرية الاقتصادية والتجارب العملية إلى أن التكامل الاقتصادي الإقليمي يدفع بالنمو الاقتصادي في الدول الأعضاء، ومن ثم فإنه أداة هامة في تحقيق أهداف التنمية بالدول العربية.

متطلبات نجاح السوق المشتركة

رغم أن معظم الاقتصاديين لا يزالون يستخدمون نفس النظرية في التعامل مع كل من منطقة التجارة الحرة، والاتحاد الجمركي، إلا أن هناك بعض الفروق بين هذين المستويين من التكامل الاقتصادي، خاصة فيما يتعلق بانعكاساتها على السياسات الاقتصادية.

حيث تتطلب منطقة التجارة الحرة ضرورة الالتزام بقواعد المنشأ، وهو ما يعد نوعًا من الحماية، كذلك يتطلب الاتحاد الجمركي توحد صنع القرارات فيما يتعلق بالسياسة التجارية، في حين لا تتطلب منطقة التجارة الحرة ذلك.

ومن هنا يعتقد الاقتصاديون أن منطقة التجارة الحرة تحقق مبادئ الحرية أكثر، وتعد أكثر صور التكامل الاقتصادي الاقليمي تحرراً وربما الأكثر تأثيرًا على الرفاهية.

أما فيما يتعلق بالسوق المشتركة فينظر لها عادة على أساس أن الدول تسعى لها بغرض تحرير تدفق السلع والخدمات بين الدول الأعضاء، والوصول إلى الوحدة الاقتصادية، فالوحدة الاقتصادية، تعرف على أنها سوق مشتركة يتم فيها تقارب السياسات الاقتصادية الوطنية، بفرص إزالة التمييز الناشئ عن تباين هذه السياسات.

كذلك فإن المرحلة الأخيرة من التكامل الاقتصادي، والذي يتمثل في التكامل التام تعد سوقًا مشتركة، يتم خلالها توحيد السياسات الاقتصادية خاصة السياسة النقدية والمالية والاجتماعية وغيرها من السياسة الخاص بمكافحة التقلبات الاقتصادية، ومن ثم يتم إنشاء كيان يمثل سلطة فوق الوطنية، تكون قراراتها ملزمة للدول الأعضاء.

ويمكن تحقيق ذلك بفاعلية من خلال إزالة الرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء على السلع ذات المنشأ المحلي، وهذا سبب الحاجة إلى ضرورة تحقيق المرحلتين الأوليتين من مراحل التكامل الإقليمي قبل الولوج إلى السوق المشتركة، كذلك يتطلب نجاح السوق المشتركة ضرورة إقامة نظام جمركي موحد، وسياسات تجارية موحدة باتجاه الأطراف الأخرى خارج السوق.  

وتستند مزايا حرية انتقال عناصر الإنتاج بين الدول الأعضاء إلى تحقيق مزيد من الكفاءة في تخصيص عنصري العمل ورأس المال داخل التكتل الاقتصادي، حيث تنتقل العناصر من المواقع التي تكون فيه انتاجيتها منخفضة، إلى حيث تكون الإنتاجية أعلى، ومن ثم يزيد الإنتاج والدخل والرفاهية بين الدول الأعضاء. لكن حرية انتقال عنصر العمل على وجه التحديد تواجه ببعض العقبات والقيود، فهنالك مخاوف من الهجرة غير المشروعة خاصة من العاملة غير الماهرة، كما أن هناك في الواقع العديد من القيود يمكن أن تفرض على حرية انتقال عنصر العمل، يجب التصدي لها:

-         بعض الدول خاصة دول مجلس التعاون تفرض نظامًا أشبه بالحصص لاستقدام العمالة الأجنبية.

-         محدودية البيانات والمعلومات حول مدى توفر العمالة ومهاراتهم وتخصصاتهم بين الدول الأعضاء.

-         عدم قبول بعض شهادات الصلاحية والقدرات والمهارات خارج حدود الدولة.

إضافة إلى ذلك فإن حرية انتقال رأس المال سواء المالية أو المادية، يمكن أن تواجه ببعض العقبات الناجمة عن تباين التشريعات الخاصة بالاستثمار، أو مناخ الاستثمار وممارسات الأعمال. كذلك قد تمثل تكلفة المعلومات والعقبات المؤسسية حائلا دون حرية تدفق رأس المال، ومن أمثلتها غياب تسهيلات التمويل، والتي من خلالها يمكن تقييد تدفق التحويلات الدولية.

ومن أهم القضايا التي يجب أن تأخذها الدول العربية في الاعتبار، وهي تسعى نحو التكامل الاقتصادي، هي النماذج المناسبة لتطبيق العالمية، والسياسات، اللازمة لتحرير التجارة. ذلك أن الاندماج الفعال يتطلب أكثر من مجرد تخفيض الحماية الجمركية أو الحصص.

وتركز معظم التحليلات عن أسباب فشل التكامل العربي على مستوى التجارة البينية في السلع، على أساس أن انخفاض حجم التجارة السلعية، يعزي إلى انخفاض المنافع من ورائها، ومن ثم فإن الدوافع لإنجاز التكامل يكون ضعيفًا. لكن التباين في مستويات الدخل والتنمية بين البلدان العربية، من المفترض أن يؤدي إلى توليد حوافز للتكامل الاقتصادي والتبادل التجاري الصناعي، مدفوعًا بتنوع المنتجات، وكاستجابة للفروق في الدخل والتفضيلات.

حيث تتباين الدول العربية بشكل كبير من حيث متوسط دخل الفرد، وحجم الاقتصاد الوطني، فمن حيث الدخل الفردي تتصدر قطر والكويت والإمارات العربية   قائمة الدول العربية، بمتوسطات دخل فردي بلغت (92) ، (49)، (45) ألف دولار في السنة على التوالي، في حين تضم آخر القائمة كلا من السودان (1710)، واليمن (1290) دولار في السنة ،ومن حيث حجم الاقتصاد الوطني تتصدر كل من السعودية والإمارات ومصر الدول العربية بناتج محلي إجمالي يبلغ (753.8) ، (399.5) ، (301.5) مليون دولار عام 2014، في حين تأتي اليمن والأردن والبحرين في آخر القائمة بناتج محلي إجمالي يبلغ(36.0) ، (35.8) ، (33.8) مليون دولار عام 2014 على التوالي.

ورغم أن هناك من يرى أن التوسع في إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية وخفض تكاليف النقل وغيرها من تكاليف الخدمات، وازدهار التجارة البينية، يعد شرطا ضروريا مسبقا حتى يمكن للتكامل الإقليمي أن ينجح، إلا أن طرح قضية التكامل الاقتصادي بهذه الصورة يحمل بعض المغالطات، ذلك أن ربط تباطؤ التكامل الاقتصادي، بضعف التجارية البينية، يعني الدخول في حلقة مفرغة.

من ناحية أخرى فإن التكامل في أسواق السلع لا يمثل الشكل الوحيد من أشكال التكامل الاقتصادي، ولا يمثل شرطًا مسبقًا لنجاح التكامل الاقتصادي بأشكاله الأخرى. صحيح أن النموذج القياسي للاتحاد الأوروبي قد بدأ بالتكامل في أسواق السلع، ولكن لا يوجد سبب منطقي لتطبيق نفس النمط في كل التجارب العالمية، خاصة وأن التجارة العالمية في الخدمات وتدفق رؤوس الأموال بين الدول صارت عناصر رئيسة في حجم التبادل التجاري بين الدول.

بمعني أن التكامل في أسواق الخدمات والعمل، ورأس المال، يمكن أن تسبق التكامل في أسواق السلع، وهناك أدلة كثيرة على تأثيرها الإيجابي على رفاهية السكان بالدول الأعضاء. لكن سيظل السؤال المطروح هو إلى أي مدى حدث التكامل الاقتصادي في هذه الأسواق، بين الدول العربية، وما الذي يحول دون تعمق التكامل بشأنها؟

وكما ورد في ورقة العمل التي أعدت عن التكامل الاقتصادي العربي وقدمت إلي البنك الدولي، فإن الاعتبارات السياسية يمكن أن تلعب دورًا أساسيًا في دفع التكامل قدمًا للأمام أو تشكل عقبة في سبيل التكامل، ففي تجربة الاتحاد الأوروبي كان التكامل الاقتصادي وسيلة للحيلولة دون تجدد الصراع بين ألمانيا وفرنسا، بل وسمح لأوروبا بإقامة مؤسسات فوق الدولة مسئولة عن احترام الاتفاقية وتنفيذها.

وعلى العكس من ذلك تماما سعت الدول العربية إلى تجنب أية سلطة فوقية واتباع منهجية التنفيذ من خلال الحكومات، مما يعكس ترددها نحو تحويل أي صلاحية لمؤسسات فوق الدولة، واعتمدت على منهج التنفيذ عبر الحكومات، من خلال المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للجامعة العربية والذي لا تتوفر لدية أية صلاحيات تنفيذية، وهو ما يعكس تردد الدول العربية في إنشاء مؤسسات سيادية فوقية.

كيف يمكن تعميق سوق التكامل العربية؟  

التوسع في مفهوم التبادل التجاري ليشمل التجارة في الخدمات وانتقال رؤوس الأموال:

يمثل صغر حجم سوق المنتجات في الدول العربية أحد أهم العقبات أمام تحقيق مزيد من المنافع الناتج عن التكامل بين الدول العربية، أكثر من هذا فإن كثيرًا من الدول العربية تتشابه مع بعضها، ومن ثم تتنافس فيما بينهما حول نفس السوق التصديرية.

وحتى بالنسبة للدول المتقاربة من حيث متوسط دخل الفرد، كما هو الحال في دول مجلس التعاون الست، فإنها تفتقد إلى وجود قاعدة صناعية، خاصة أن أحد دوافع قيام التجارة الدولية هو الاستفادة من الاختلاف في المزايا النسبية، والتباين في وفرة الموارد بين الدول الأطراف، الأمر الذي حد من منافع قيام التكامل.

وعلى الرغم من ذلك فهناك نوع أخر من التبادل التجاري بجانب التجارة في الصناعة، من خلال ما يعرف بالمشاركة في الإنتاج أو الإعداد والمعالجة، حيث يتم استغلال ما يتوفر في بعض الدول العربية من قوة العمل، والطاقة والمياه في البلد التي تتمتع بهذه الوفرة.

وتشير بعض الدراسات منذ التسعينات من القرن الماضي، Fischer (1993) إلى أن الدول العربية لديها فرصة كبيرة في التعامل في تجارة الخدمات، ربما أكبر من تجارة المنتجات المصنعة.

وتشمل التجارة في الخدمات كلا من السياحة، والنقل، والتمويل، والاتصالات والخدمات المهنية. إضافة إلى ذلك فإن كثيرًا من هذه الخدمات تشكل محددات حرجة لتنافسية الشركات، وفي تكاليف الإنتاج، كما أن ارتفاع جودة الخدمات يمكن أن يقلل كثيرًا من الأعباء الإضافية على الصناعات المختلفة، ومن أبرزها تلك الخدمات اللوجستية وخدمات النقل، والتمويل.

كما أن زيادة الكفاءة في قطاع الخدمات المساندة، يزيد من إنتاجية وربحية الصناعات التحويلية، وتشجع على الاستثمار والتجارة فيها، ومن ناحية أخرى يساعد التوسع في تجارة الخدمات في تطوير التجارة البينية في السلع، ويساعد في توليد مزيد من فرص العمل سواء الماهرة أو العادية سواء الذين في حالة بطالة، أو الداخلين الجدد أو العاملين بالحكومة أو في الصناعات التي يتم التوسع فيها نتيجة التوسع في الخدمات البينية.

ويرتبط بإصلاح قطاع الخدمات بعمليات الخصخصة، والتخلص من قيود التراخيص والدخول والتشغيل. ومن ثم فإن التخلص من هذه المعوقات سوف يسهل استغلال الفروق الكبيرة الموجود بين الدول العربية وزيادة قدرة الدول العربية التي لديها فوائض بترولية على الاستثمار في باقي الدول العربية حيث يكون معدل العائد على الاستثمار مرتفعًا، فضلا عن التقارب الثقافي.

وكذلك يمكن التغلب على العقبات التي تحول دون نجاح في تلك الدول في تصنيع وتنويع هياكلها الاقتصادية وتعدد مصادر الدخل، حيث سيكون من الأجدى الاستثمار في الدول التي تتمتع بوفرة الأيدي العاملة، والأسواق الواسعة.

انتقال عنصر العمل Labor Movement  

 نظريًا يؤدي تحرير تحركات قوة العمل تؤدي إلى تحقيق مكاسب تتعلق بالكفاءة وتزيد من الدخل بين الدول، كما أن تحرير انتقال عنصر العمل عبر الحدود يحقق مزايا أساسية للاقتصادات الوطنية، ويمكن أن تزيد عن المكاسب الناجمة عن تحرير السلع ورأس المال، أخذين في الاعتبار الفروق الكبيرة في الأجور فيما بين الدول العربية حتى فيما بين العمالة ذات المستوى الواحد من المهارة. ورغم أن المكاسب على المستوي الإقليمي تعد كبيرة إلا أن تأثير الهجرة يختلف فيما بين الدول المصدرة والدولة المضيفة.

فالدولة المضيفة تستفيد من هجرة العمالة لديها بطرق عدة، حيث تؤدي الهجرة إلى التخلص من ندرة العمالة، ومن ثم تمكنها من استغلال العناصر الوفيرة مثل رأس المال أو الموارد الطبيعية، وتوفر من خلالها خبرات ومهارات فنية وتقنية ومهنية في مجالات شتي تساعد على رفع مستوي التنمية، كما في حالات الصحة والتعليم والبناء والتشييد، وأخيرًا سد النقص أو العجز في كثير من التخصصات. لكن في المقابل هناك احتمال لبعض الأثار السلبية على سوق العمل حيث يمكن أن تؤدي الهجرة إلى انخفاض أجور العمالة غير الماهرة وظهور البطالة فيما بينها.

وبالنسبة للدول ذات الفائض والمصدرة للعمالة، فإنه رغم ما تحققه من مكاسب ممثلة في التحويلات النقدية، إلا أن البعض يرى أن هناك تكلفة خاصة مما يتعلق باستنزاف العقول، مما يقلل من مستوي رأس المال البشري لقوة العمل ويؤثر على النمو الاقتصادي بها.

تدفق رأس المال

تعد الدول العربية عمومًا أقل المناطق في العالم استقطابا لرؤوس الأموال الأجنبية، فخلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين شكلت هذه التدفقات نحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية، وهي نسبة منخفضة مقارنة بمناطق أخرى أقل تقدمًا مثل إفريقيا جنوب الصحراء 3% وأمريكا اللاتينية 4%.

والأمل معقد على تحويل جانب من الاستثمارات المالية (في المحافظ المالية)  لبعض الدول العربية بالخارج إلي استثمارات حقيقة في مشروعات مشتركة، وتتحدد قدرة الدول العربية على جذب الاستثمارات البينية بنفس المحددات على المستوي العالمي، والتي تتمثل في حجم الاقتصادي الوطني، وسهولة النفاذ للأسواق الخارجية، وسلامة السياسات الاقتصادية، ووفرة عناصر البينية الأساسية، والأمن والاستقرار السياسي، وقد أكدت كثير من الدراسات أهمية هذه العوامل في زيادة جاذبية انتقال رؤوس الأموال بين الدول العربية، خاصة بالنسبة لقطاع الصناعات التحويلية.

من ناحية أخري، فإن الأخطار السياسية، وضعف بعض جوانب الحوكمة أو الرشادة، خاصة مسائل الفساد، والبيروقراطية، ونفاذ القوانين، تفسر إلى حد كبير محدودية تدفقات الاستثمارات المباشرة بين الدول العربية، على الرغم من أن واقع الحال يشير إلى ارتفاع مؤشر قياس جاذبية معظم الدول العربية للاستثمارات المباشرة عن المتوسط الدولي، مما يؤكد على أن هناك مجالات لمزيد من التدفقات البينية لرؤوس الأموال بين الدول العربية، وأن هناك مجالات واسعة لتنفيذ قدر أكبر من الاستثمارات في الدول غير البترولية. وسوف تساعد هذه الاستثمارات في دعم التكامل داخل الإقليم وتسمح بالتنوع في الاستثمارات للدول المصدرة للنفط.

خاتمة:

لا شك أن أكبر الصعوبات تتمثل في التوصل إلى اتفاق حول السياسات المناسبة، وكيف يمكن (إعادة توزيع) التكلفة والمزايا من السوق المشتركة. والحقيقة أنه سواء جرى توسيع نطاق اتفاقيات التفضيلات التجارية، أو تعميق أشكال التكامل فإن هناك آليات مؤسسة مطلوبة لمساعدة الحكومات في دعم التوجه نحو التكامل.

وكما تشير تجارب الاتحاد الأوروبي فإن نجاح التكامل ارتبط بخلق وتفعيل مؤسسات فوق الدول تمنح الصلاحية للمراقبة والمتابعة والتنفيذ لمختلف بنود الاتفاقيات.

من ناحية أخرى، يوجد حتى الآن مدى ضيق لاستخدام التجارة في السلع كقوة دافعة على التكامل. وهو ما يعكس حقيقة أن الزيادة في التجارة البينية في الصناعات التحويلية مرهونة بالتطور في تعميق القاعدة الصناعية والقدرات في الدول التي لديها وفرة في العمالة، والتي بدروها تتطلب مزيدًا من الاستثمارات في هذه الصناعات، بما فيها تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي تعتمد جزئيًا على إزالة العقبات والحواجز التي تعيق هذه الاستثمارات.

والحقيقة أن التكلفة المحتملة لدفع التعاون نحو مزيد من التكامل في أسواق الخدمات وعناصر الإنتاج، تبدو كبيرة، مما يشجع على ضرورة أن تصبح محورًا للتكامل الاقتصادي العربي في الوقت الراهن.

 

 

مجلة آراء حول الخليج