; logged out
الرئيسية / حروب الخليج نموذج .. كيف يمكن تعزيز المواقف العربية من القضايا الخليجية؟

العدد 108

حروب الخليج نموذج .. كيف يمكن تعزيز المواقف العربية من القضايا الخليجية؟

الثلاثاء، 07 حزيران/يونيو 2016

هناك تشابك كثيف بين منطقة الخليج وباقي العالم العربي، ولقد تمكنت المنطقة خلال العقود الماضية من أن تصبح منطقة الجذب المركزية في الإقليم، ففي القرون الماضية تركز مركز الجذب والإشعاع الحضاري في الإقليم في عواصم القاهرة وبغداد ودمشق، أو حواضر ومدن المشرق عموما، ولكن مع مرحلة الازدهار النفطي أو قبلها بقليل، وتحديدا منذ نشأة الدولة السعودية الثالثة، أضيف ثقل سياسي لمنطقة الخليج تعزز مع استقلال إماراته وتكوين الدول الحديثة في الستينيات والسبعينيات، ثم تعاظم هذا الثقل مع بداية الحقبة النفطية التي كرست الأهمية العالمية للمنطقة، مع تراكم الثروة وزحف العمالة الأجنبية وتركز المصالح الغربية وبروز مظاهر الحداثة والرخاء والنعمة.

ولا تقتصر العلاقة بين منطقة الخليج والعالم العربي على عوامل الثروة والرخاء المادي، وإنما هي سابقة عليهما، وعلى الأرجح كانت ستقوم من دونهما، لكن النفط وثروة المال أكسبا المنطقة قيمة مضاعفة، ومع الاستقرار أصبحت هذه المنطقة جوهرة التاج والكنز الأكبر الذي يشكل مطمح القوميين الحالمين بعدالة توزيع الثروة، حيث نظرت بعض وجهات النظر العربية في الستينيات والسبعينيات إلى ثروة الخليج بريبة وشك، وفي الوقت الذي استنكرت تأثير المال، فإنها لم تكف عن رفع راية الدعوة إلى التوزيع العادل لما أسمته "الثروة العربية"، وإلى الآن لم ينج الكثير منهم من تأثيرات هذه الحقبة. ولم تكن نزوات قادة من أمثال صدام حسين إلا تأثرًا بمثل هذه الدعوات والكتابات التي تعاملت مع ثروة الخليج على أنها ثروة عربية يجوز توزيعها والتعامل معها كمشاع عربي.          

مع ذلك، فقد كانت أغلب وجهات النظر ومواقف القيادات في الدول العربية المركزية متعقلة ورشيدة في النظر إلى منطقة الخليج، فاعتبرتها قيمة مضافة ورصيدًا احتياطيًا ساعة الحاجة، لذلك تعاملت بمسؤولية كاملة وحس قومي عال مع الأزمات والمشكلات التي تعرضت لها المنطقة، ويمكن الإشارة إلى أربعة جوانب شكلت الدوافع الأساسية للمواقف العربية إزاء الأزمات التي شهدتها منطقة الخليج، تتمثل على النحو التالي:

أولا: الأهمية الاستراتيجية: فمنطقة الخليج تشكل العمق الاستراتيجي للعالم العربي وضفته الأمامية مع آسيا، وهي بموازاتها وموقعها على الخليج العربي تضمن للعالم العربي إطلالة مركزية على هذه القارة الهامة، وتشكل دول الخليج خط الدفاع العربي الأول إزاء إيران وإزاء أي تهديدات وأخطار من الشرق والجنوب الشرقي للأمة العربي. ولا يمكن معرفة أهمية هذه المنطقة إلا إذا تصورنا مثلا –لا قدر الله-التمدد الإيراني وتكريس النفوذ والتأثير السياسي والبشري والمذهبي لإيران على منطقة الجزيرة على نحو يعزلها عن العالم العربي. في ظل هذا الافتراض سوف يتغير وجه المنطقة وسيتغير المستقبل العربي وتصبح دول مثل مصر ودول المشرق كله في عين العاصفة الإيرانية. كما تتشكل أهمية المنطقة استراتيجيًا من مكانتها الاستراتيجية كجزيرة تقع بين بحار ومحيطات وخلجان متنوعة ومضائق ذات أهمية مركزية لحركة الملاحة العالمية حاليًا وفي المستقبل. وهذا الموقع يجعل منطقة الخليج درة التاج للمنطقة العربية في ظل وجود النفط أو بدون النفط.

ثانيًا: الأهمية الدينية والروحية: فهذه المنطقة هي مركز الأمان الديني والروحي للمسلمين وقبلتهم وهي مهد الدين الإسلامي، وتوجد بها الأماكن المقدسة بالمملكة العربية السعودية في مكة والمدينة، وتشكل مركز إشعاع روحي وديني يفيض على العالم الإسلامي كله وعلى المسلمين أينما وجدوا، وهذه المركزية الدينية والروحية للمنطقة تأخذ في الازدياد في الحاضر وفي المستقبل، خصوصًا بعد أن أصبح العالم قرية واحدة، حيث أدت سهولة السفر والتنقل إلى تمكين كل إنسان طامح في أداء فريضة الحج وشعيرة العمرة وزيارة بيت الله الحرام في المملكة العربية السعودية، وقد أصبحت منطقة إغراء وجذب حتى لغير المسلمين، مع انتقال شعائر وطقوس المسلمين إلى كافة الأصقاع والبلاد على الفضائيات وعبر وسائل الاتصال المختلفة.     

ثالثًا: الأهمية الاقتصادية: يشكل الاقتصاد والنفط تحديدًا أحد أبرز جوانب الأهمية العالمية والعربية لمنطقة الخليج، فالناتج المحلي الإجمالي للمنطقة يصل إلى  1.63 تريليون دولار، وهي مركز الاحتياطي العالمي من النفط، ويمثل مخزونا النفط والغاز في دول الخليج ما نسبته36  % و22 % من المخزون العالمي من الموردين على التوالي، فيما تمثل قيمتهما ثلث قيمة مخزون العالم، وهناك ثلاث من دول مجلس التعاون الخليجي تشغل مراكز متقدمة ضمن أكبر عشر دول منتجة للنفط على مستوى العالم، هي الكويت والسعودية والإمارات. وتستحوذ الاقتصادات الخليجية على نصف الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية. وفي الحقيقة فإن هذه الوضعية الاقتصادية لدول الخليج مثلت طوق نجاة للدول العربية ساعات الأزمات، وما قامت به دول مجلس التعاون في دعم الدول العربية منذ ثورات 2011 وحتى 2016 هو أمر لا يمكن تقدير قيمته، حيث كان هذا الدعم أحد أهم عوامل استعادة الاستقرار في دول مثل مصر والأردن والمغرب. 

رابعًا: القوة المستدامة للمورد البشري: تعتبر القوة البشرية الخليجية أهم مصادر القوة الخليجية التي سيزداد تقديرها حاليا وفي المستقبل، فعلى الرغم من ندرة السكان في هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها الإجمالية2.4  مليون كم مربع والتي لا يتجاوز عدد سكانها –بالوافدين- 50 مليون نسمة، إلا أنها تشهد تطورًا استثنائيا بمعايير التنمية البشرية وهو ما جعل خمس من دول مجلس التعاون الست تحتل مواقع متقدمة عربيًا على دليل التنمية البشرية العالمي 2015م، هي: قطر 32، السعودية 39، الإمارات 41، البحرين 45، الكويت 48، وتأتي ضمن دول التنمية البشرية المرتفعة جدًا، حتى سلطنة عمان أتت في الترتيب 52 دوليًا، وهناك احتكاك بشري واسع بين مواطني دول المجلس والوافدين من كل جنسيات العالم، وهو ما يكسب المواطنين خبرات وتجارب متنوعة، فضلا عن ذلك تمتلك دول الخليج مئات الآلاف من المتعلمين في الخارج، وهم يمثلون الآن نخبًا عالية المستوى التعليمي توافرت لها خبرات متنوعة، وهناك جامعات ومدن علمية خليجية على أرقى مستوى في العالم، وهذه جميعها ستشكل القوة الضاربة لدول المجلس التي تمكن دوله من استدامة النمو في ظل استمرار إيرادات النفط مرتفعة أو منخفضة.    

هكذا يشكل الخليج قيمة إضافية كبيرة ليس فقط للحاضر العربي، ولكن للمستقبل بالأساس، لذلك لم يكن غريبًا أن تقف الدول العربية ممثلة في مؤسستها المركزية (الجامعة العربية) إلى جانب دول الخليج في كل أزماتها، وأن تقدم الدعم السياسي إزاء كل القضايا الخليجية خاصة في أوقات الأزمات. ولا يتضح ذلك فقط من الموقف العربي الداعم لدول المجلس إزاء التهديدات الإيرانية وهو المستمر على طول الخط، سواء في دعم البحرين أو الإمارات في موضوع الجزر، أو المملكة خلال مختلف أزماتها مع إيران وآخرها أزمة حرق السفارة والقنصلية السعودية في يناير 2016م. ولكن الموقف العربي من الخليج تجلى في أفضل صوره في المحطات المفصلية التي تعرض فيها أمن الخليج للخطر الحقيقي وتعرضت فيه إحدى دوله (الكويت) للاحتلال عام 1990، ففي مثل هذه الحالات قدم الموقف العربي، ممثلا في الجامعة العربية والدول العربية المركزية، أكبر إسناد سياسي وعسكري لدول المجلس، وأضفى شرعية عربية على خطوات مواجهة العدوان، وهو ما كان له أثر كبير في إنهاء الأزمة وتحرير الكويت. ولقد كانت الدول العربية جزءًا من التحالف الدولي الذي حرر الإمارة الخليجية، وهو الموقف الذي تجدد مع بدء عملية عاصفة الحزم في اليمن 2015م، والتي قام عليها تحالف عربي بالأساس أسهم في القتال الجوي والبري والبحري، وهو التحالف الذي يشكل بارقة أمل بعالم عربي جديد يستطيع أن يتدخل في دوله بالقوة العسكرية لأجل التصدي لحالات التهديد والعصف بالشرعية.  

مع ذلك، فإن نظرة ثاقبة في طبيعة الأحلاف العربية مع منطقة الخليج، تشير إلى أنها تتركز بالأساس في التحالف الخليجي المصري، حيث تعتبر مصر قوة أساسية مساندة للخليج في مختلف المواقف، ومؤخرًا دخلت كل من الأردن والمغرب والسودان كقوى مساندة للموقف العربي من الخليج، وكتعويض عن غياب سوريا التي شاركت في حرب تحرير الكويت 1990 – 1991م. وتشير اتجاهات الأحلاف الجديدة في المنطقة 2015 -2016م، إلى تنامي تحالف عربي لديه قدرة وإرادة على الدفاع عن وحداته السياسية ومصالحه، لأنه ينطلق من تقدير أهمية الوجود السياسي لوحداته، وهو تحالف يضم كلا من مصر ودول الخليج والمغرب والأردن، والذي يشكل التحالف العربي المركزي حاليًا، الذي يتركز فيه مركز الثقل الاقتصادي في الخليج، ومركز الثقل العسكري في الدول الثلاث الأخرى، ويتوزع فيه مركز الثقل السياسي عليها جميعًا. وهذا التحالف على الأرجح سوف يستمر مع استمرار وتزايد التهديدات، وهو يشكل النواة والقلب في نظام إقليمي جديد يختلف عن السابق.

وفي الحقيقة، فمن المرجح أن تستمر دول مجلس التعاون الخليجي لعقود مقبلة في موضع قيادة العالم العربي، ليس من باب المباهاة ولكن من باب تحمل الأعباء والمسؤولية، حيث تحتاج دول عربية لإعادة التأهيل والتأسيس الثاني للدولة، وعملية إعادة بناء قومي كاملة، وهناك ثلاث أو أربع دول عربية وقعت في دائرة الانهيار السياسي الشامل وتحتاج لذلك، ما يعني أن تستعد دول الخليج لمرحلة من الاستثمار العسكري والأمني والاقتصادي في المنطقة، وهذه المهمة الخليجية ستجسد أعلى صور الاستثمار في المستقبل الخليجي نفسه، فهناك تعاضد وتشابك معقد بين الازدهار الخليجي والأمن بالعالم العربي، وقد أدت الثورات إلى تعزيز صور وأشكال هذا التشابك الذي لم يعد منطلقا من اعتبارات قومية على غرار ما كان في الستينيات في القرن العشرين، وإنما من اعتبارات مصلحية ووظيفية، حيث أصبح العالم العربي الظهير السياسي والعسكري والأمني الأساسي للخليج وأصبح الخليج الظهير الاقتصادي والأمني الأساسي للعالم العربي في ظل خطر عام يتهدد الكل، وفي ظل انصراف الحلفاء الدوليين وتغير قواعد العمل السياسي بالإقليم. في ظل ذلك، تحتاج دول مجلس التعاون إلى بناء سور عربي حديدي حولها، لمواجهة مخاطر من نوعيات متجددة وجديدة، وسيصبح استثمارها الراهن في العالم العربي أول أسوار الحماية والوقاية من تهديدات نوعية مختلفة.

وتتمثل أبرز الصور المحتملة للتساند العربي مع دول الخليج مستقبلا فيما يلي:

أولًا: التهديدات الناتجة عن تقلب سياسات الحليف الأمريكي: فسوف يظل موقف دول الخليج من الثورات العربية أحد الأمور التي تتجدد أسئلتها في التفكير الأمريكي لفترة طويلة مقبلة، سواء ظلت أهمية النفط للولايات المتحدة أم تلاشت، وستظل الإدارة تدير سياساتها من خلال الضغوط على دول المجلس الخليجي، ولن تعود السياسات الأمريكية مع دول الخليج كما كانت مطلقًا، فبعد سنوات من الانشغال بالعراق وأفغانستان، وبعد فشل الرهان على الثورات العربية لم يعد للولايات المتحدة من حيلة ممكنة مع دول المنطقة سوى محاولات الإخضاع السياسي لها، وهو ما سيدفع الإدارة الأمريكية إلى مزيد من السياسات المكشوفة التي تظهر أولى علاماتها من إقرار الكونجرس في مايو 2016م، مشروع القانون الذي يجيز رفع دعاوى داخلية ضد المملكة العربية السعودية لتعويض ضحايا 11 سبتمبر. في مثل هذه الحالات يبرز الموقف التساندي العربي دولا ومؤسسات داخل الجامعة العربية كأهم قوة يمكن أن تعزز الموقف الخليجي مستقبلا.   

ثانيًا: التهديدات من جماعات الجهاد والإرهاب: فعلى مدى الفترة الماضية تعرضت جماعات الجهاد والإرهاب لضربات قاسية، وأصبحت في مواجهة علنية ومباشرة ومكشوفة مع مستقبل المنطقة، ومهددًا لأمن دولها المستقرة في منطقة الخليج، وهذه الجماعات هم أكثر أعداء الرخاء المادي والازدهار الاقتصادي، ولو فرغوا من ساحات القتال في سوريا والعراق واليمن وليبيا سوف يتجهون فورًا صوب معاقل المال والاقتصاد في الخليج، ولدى هذه الجماعات تراث فقهي يعادي الثروة والمال، ويعادي الحداثة ويستهدف الاستيلاء على إمارات ثرية يتمكن بها من تغذية مشروعه الجهادي العالمي، ولذلك تبقى كل من مصر والأردن والمغرب روافد متجددة للطاقات الخليجية في مواجهة هذه القوى الظلامية، ويساعد على ذلك أن الدول الثلاث تتبنى أفكارًا متقاربة في مواجهة الإرهاب، وهي من أكثر الدول العربية خبرة في مواجهته.      

ثالثًا: التهديدات من إيران وقوى الهلال الشيعي: مهما كان من التزامات أمريكية متجددة بأمن الخليج على أثر القمة الخليجية الأمريكية في الرياض في إبريل 2016م، فإن الالتزام الأمريكي بأمن دول المنطقة لن يعود كما كان، وعلى الرغم من إقرار بيان القمة على أن "سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في استخدام كافة عناصر القوة لتضمن مصالحها الجوهرية في منطقة الخليج وردع ومواجهة أي عدوان خارجي ضد حلفائها وشركائها كما فعلت في حرب الخليج هو أمر لا يقبل الشك"، فإنه يصعب تصور إقدام إدارة أمريكية تالية على تكرار صيغة تحالف عسكري مماثل لتحالف عاصفة الصحراء الذي تشكل عام 1990 – 1991م، سواء في مواجهة إيران أو غير إيران، ومن ثم فإنه حتى لو سعت الولايات المتحدة في مواجهة حالات تهديد مشابهة إلى استعمال وتوظيف أقصى مستوى للقوة، فإنها سوف تتجه بالأساس إلى الاعتماد على العنصر البشري العسكري الخليجي، كما ستسعى إلى بناء تحالفات أكثر توازنا، وهنا ستصبح دول القوة العربية الرئيسية كمصر والأردن والمغرب طرفا أساسيًا في أمن الخليج. 

رابعًا: بناء الدول العربية: يمكن للدول العربية الثلاثة (مصر والمغرب والأردن) أن تشكل قوى وطاقات تشغيلية لدول الخليج في إعادة بناء الدول المنهارة، فلا شك في أن لكل من الأردن ومصر والمغرب أيدٍ عاملة كثيفة ومدربة، وتستطيع أن تشكل قوى يستخدمها المال الخليجي في إعادة بناء الدول العربية المهدمة، وهو ما يحقق هدفين في آن واحد، ويشكل دعمًا مزدوجًا لحالتين عربيتين شديدتي الاحتياج إلى الدعم، وهما حالة الدول المنهارة وحالة الدول المرتبطة برباط الأمن الخليجي الحيوي.   

هكذا يشكل الخليج منطقة الأمان والعمل الأساسية للمستقبل العربي، وتتمثل نقطة الانطلاق المركزية في الحفاظ على أمن الخليج وسلامته في تعظيم الاستثمار في نواة قوة عسكرية أساسية في العالم العربي، وهو ما سيمثل أفضل استثمار في أمن الخليج، وكما أن الاستثمار الخليجي في مصر والأردن والمغرب هو أقرب السبل الخليجية لمواجهة أخطار داعش وتيارات الجهاد وسوريا والمذهبية وإيران، فإن هذا الاستثمار سيبني أسوارًا معززة حول أمن الخليج. 


 

 

مجلة آراء حول الخليج