; logged out
الرئيسية / مدى مسؤولية الحكومة المصرية عن اقتحام السفارة الإسرائيلية وفقاً لأحكام القانون الدولي

العدد 86

مدى مسؤولية الحكومة المصرية عن اقتحام السفارة الإسرائيلية وفقاً لأحكام القانون الدولي

الثلاثاء، 01 تشرين2/نوفمبر 2011

ليس بجديد القول بأن العلاقات السياسية بين القاهرة وتل أبيب شهدت نوعاً من الاستقرار الذي طالما حرص عليه النظام السابق في علاقته مع إسرائيل. ولكن في شهر سبتمبر من عام 2011 دخلت العلاقة بين البلدين في نفق مظلم، وكان ذلك نتيجة مقتل ستة جنود مصريين على أيدي القوات الإسرائيلية على الحدود بين البلدين، وقد أدى هذا الأمر إلى غضب الشعب المصري، فقام بعمل مظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية، وقد استطاع أن يسقط علم إسرائيل من أعلى السفارة ، ثم توالت الأحداث إلى أن تم اقتحام حرم السفارة الإسرائيلية من قبل المتظاهرين الغاضبين والتعدي على الأوراق الخاصة بأرشيف السفارة.

وعلى إثر هذه الأحداث غادر السفير الإسرائيلي القاهرة في ساعة مبكرة من صباح يوم السبت الموافق 10 سبتمبر 2011 متوجهاً إلي تل أبيب بعد استدعاء حكومته له بعد تداعيات محاولة اقتحام مقر السفارة الإسرائيلية، وصرحت مصادر مسؤولة بمطار القاهرة أن السفير و71 إسرائيلياً من طاقم السفارة وأسرهم وبعض رعايا إسرائيل لدى مصر غادروا على طائرة عسكرية خاصة وصلت من تل أبيب.

ومن جانبها اعتبرت إسرائيل أن اقتحام سفارتها في القاهرة يعد أمراً خطيراً وهو ما جاء على لسان رئيس حكوماتها بنيامين نتنياهو.

وقد نددت دول غربية وعبرت أخرى عن قلقها البالغ من اقتحام السفارة من قبل المحتجين المصريين هذا الاقتحام الذي أسفر عن مواجهات قتل فيها ثلاثة أشخاص، وجرح أكثر من ألف آخرين.

ومن اللافت للنظر ذلك البيان الذي دعا فيه الرئيس أوباما الحكومة المصرية إلى (احترام التزاماتها الدولية، وحماية أمن السفارة الإسرائيلية)، وكأن مصر لا تحترم التزاماتها الدولية في حين أن إسرائيل هي الدولة المثلى التي لا تنتهك أحكام القانون الدولي.

ومن جهته استنكر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الاقتحام، وقال إن بلاده ناشدت مصر حماية الدبلوماسيين والممتلكات. وقال كاميرون (أدين بشدة الهجوم على السفارة الإسرائيلية في القاهرة)، وأضاف (ناشدنا السلطات المصرية أن تتحمل مسؤولياتها بموجب معاهدة فيينا، التي تنص على حماية الدبلوماسيين والممتلكات، بما في ذلك السفارة الإسرائيلية في القاهرة).

 كما أعربت روسيا عن (القلق البالغ) من الأحداث الأخيرة في محيط السفارة الإسرائيلية بالعاصمة المصرية، ودعت جميع الأطراف إلى (ضبط النفس)، آملة ألا تؤدي هذه الأحداث إلى تدهور خطير بالعلاقات بين مصر وإسرائيل.

وعلى عكس ما سبق فقد رحّب قائد قوات الباسيج الإيرانية العميد محمد رضا نقدي باقتحام السفارة، الذي شبهه باقتحام الطلبة الإيرانيين السفارة الأمريكية في طهران، في الأيام الأولى للثورة الإيرانية عام 1979. وأعرب نقدي عن سروره إزاء مظاهرات الشعب المصري، التي أرغمت السفير الإسرائيلي على مغادرة مصر، وحذر (الصهاينة من أنه في حالة عودتهم إلى القاهرة، فإن الحوائط الفولاذية لمجمعهم لن تستطيع أن تحميهم من غضب الشعب المصري).

وإذا كنا لن نخوض في تفاصيل اقتحام السفارة لأن ما يعنينا هنا هو الوقوف على مدى مسؤولية الحكومة المصرية عن اقتحام السفارة الإسرائيلية من قبل متظاهريها؟ بكل حيدة وأمانة ووفقاً لما يتراءى لنا من النصوص القانونية المتاحة لدينا.

لقد اختلفت الآراء حول مسؤولية الحكومة المصرية عن اقتحام السفارة الإسرائيلية، فمنهم من يرى أن مصر وفقاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية المبرمة في 18 أبريل من عام 1961 تعد ملزمة بحماية السفارات الأجنبية، وبالتالي فهي مسؤولة عن اقتحام السفارة الإسرائيلية. في حين يرى البعض الآخر أن مصر التزمت بأحكام القانون الدولي فيما يتعلق بواقعة اقتحام السفارة الإسرائيلية، وبالتالي فلا توجد مسؤولية قانونية ضدها، ونحن نتفق مع الرأي الثاني الذي يرى عدم مسؤولية الحكومة المصرية عن اقتحام السفارة الإسرائيلية، وبطبيعة الحال نمتلك من الحجج القانونية ما يجعلنا نرجح هذا الرأي.

فالذي يحكم هذه المسألة هو اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية المبرمة في 18 أبريل من عام 1961، وتحديداً نص المادة (22) والمادة (24) من الاتفاقية، إذ تنص المادة (22) على أنه: (تتمتع مباني البعثة بالحرمة، وليس لممثلي الحكومة المعتمد لديها الحق في دخول مباني البعثة إلا إذا وافق على ذلك رئيس البعثة. على الدولة المعتمد لديها التزام خاص باتخاذ كافة الوسائل اللازمة لمنع اقتحام أو الإضرار بمباني البعثة وبصيانة أمن البعثة من الاضطراب أو من الحطّ من كرامتها. لا يجوز أن تكون مباني البعثة أو مفروشاتها أو كل ما يوجد فيها من أشياء أو كافة وسائل النقل، عرضة للاستيلاء أو التفتيش أو الحجز لأي إجراء تنفيذي).

كما تنص المادة (24) على أن: (المحفوظات ووثائق البعثة حرمتها في كل وقت وأينما كانت).

وحسبما أوضحت الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من الاتفاقية فإن أماكن البعثة تنصرف إلى المباني أو أجزاء المباني والأرض المتصلة بها التي تستعمل في أغراض البعثة أياً كان مالكها، ويدخل فيها مكان إقامة رئيس البعثة، وعلى ذلك يدخل في مقر البعثة كل المباني التابعة لها، وإن تعددت وكذلك ملحقاتها كالفناء ومواقف السيارات بشرط أن تكون محددة، ويعتبر في عداد المقر منزل رئيس البعثة.

وباستقراء النصوص السابقة يتضح لنا أن هناك قاعدة قانونية مؤداها أن مقر البعثات الدبلوماسية يتمتع بالحصانة، وأن القانون الدولي يجبر الدول المضيفة على احترام مقار البعثات الدبلوماسية.

هذه القاعدة جعلت البعض يرى أن مصر معرضة للمسؤولية القانونية الدولية لانتهاك اتفاقيات الحماية الدبلوماسية، ووفقاً لهذا الرأي أنه كان على المتظاهرين عدم سلوك مثل هذا الفعل وأنه لم تكن هناك حاجة للاقتحام فقد كان من الممكن شراء العلم وحرقه من أي مكان لعدم إحراج الدولة وإشاعة التوتر الأمني بالبلاد لأن هذا السلوك العنيف أعطى إسرائيل الفرصة لادعاء عدم قدرة مصر على حماية أمنها والمطالبة بالتدخل الخارجي لحماية ممتلكاتها ومنشآتها.

في الحقيقة نحن لا نتفق مع الرأي السابق في شق منه ألا وهو مسؤولية مصر عن انتهاك اتفاقيات الحماية الدبلوماسية، لأننا نرى أن مصر لم تنتهك أحكام مثل هذه الاتفاقيات.

فمن يطلع على نص المادة (22) سالفة الذكر يتبين له أنها قد ألقت على عاتق الدولة المضيفة (مصر) التزاماً بحماية مقار البعثات الدبلوماسية وذلك عن طريق اتخاذ كافة الوسائل اللازمة لمنع اقتحام أو الإضرار بمباني البعثة وبصيانة أمن البعثة من الاضطراب أو من الحطّ من كرامتها.

فإذا ما أمعنا النظر في الالتزام الوارد في المادة (22) سنجده التزام ببذل عناية أو بذل جهد (Due Diligence)، وليس التزام بتحقيق نتيجة.

إذاً فالسؤال الذي يمكن إثارته الآن هو: هل الحكومة المصرية بذلت العناية اللازمة التي تخرجها من نطاق المسؤولية الدولية، أم أنها قامت باتخاذ إجراءات أمنية بسيطة، وبالتالي لم تبذل ما في وسعها، ومن ثم تقع تحت مسؤولية القانون الدولي؟

قبل الإجابة عن السؤال السابق نود الإشارة أولاً إلى أن إسرائيل قد ساهمت بنسبة كبيرة في وصول الأمر إلى حد اقتحام سفاراتها، حيث إن قتل الجنود المصريين فعل ينطوي على عدوان وعلى انتهاك إسرائيل للقانون الدولي ولالتزاماتها القانونية بموجب معاهدة السلام مع مصر، وبالتالي فإن رفضها الاعتذار والتعلل بإجراء تحقيق والتسويف في إعلان النتائج إنما هو سوء نية متعمد، أثار غضب وحفيظة الشعب المصري، ووصول الأمر إلى هذا الحد.

ونعود للإجابة عن السؤال السابق فنرى أن مصر قد بذلت كل ما في وسعها من أجل منع اقتحام السفارة، فقد كثفت من التواجد الأمني حول السفارة، فضلاً عن بناء جدار عازل، وخير دليل على قيام مصر بواجبها تجاه حماية السفارة الإسرائيلية هو اشتباك قوات الأمن مع المقتحمين الأمر الذي أسفر عن وقوع ضحايا من الجانبين.

ولزيادة الأمر وضوحاً نستعين بما قاله الدكتور السيد مصطفى أبو الخير (الخبير في القانون الدولي- محام حاصل على الدكتوراه) والذي أكد على أن الحكومة المصرية التزمت بأحكام القانون الدولي، ولا تتوافر المسؤولية الدولية القانونية في حقها، ولا تعد مخالفة لقانون العلاقات الدبلوماسية خاصة، والقانون الدولي عامة وذلك لعدة أسباب نذكر منها ما يلي:

أولاً: إن مصر دولة في حالة ثورة، وحالات الثورة في القانون الدولي من حالات القوة القاهرة التي ينتج عنها التخفيف من الالتزامات القانونية الدولية، حيث تكون الأمور خارج سيطرة الحكومة، مما ينفي عن مصر تهمة التراخي في حماية مباني البعثة.

ثانياً: الواضح من استقراء ما حدث أن مصر قد بذلت كل ما في وسعها لحماية السفارة، حيث قامت ببناء جدار عازل حول السفارة لحمايتها من المتظاهرين والمعتصمين حولها، مما يدل على التزام مصر بأحكام المادة (22) السالفة.

ثالثاً: كثرة الإصابات التي وقعت بين رجال الأمن والمقتحمين والمتظاهرين والمعتصمين حول السفارة يدل دلالة واضحة على أن الأمن المصري قام بواجبه بقدر لا يمكن القول معه إنه تراخ في حماية السفارة أو قصر.

رابعاً: تطبيقا لمبدأ الأيدي النظيفة في القانون الدولي، ومفاده ألا تكون تصرفات المضرور من الجريمة قد أسهمت في ضرورة، أو في ارتكاب الجريمة، فقد أسهمت تصرفات إسرائيل من قتل بعض المصريين بدم بارد وتكرار ذلك أكثر من خمسين مرة عن عمد، وعدم إجراء أي تحقيق في ذلك، ولا حتى الاعتذار أو الأسف، أسهمت بشكل كبير فيما وصلت إليه الأمور من اقتحام السفارة والمطالبة بطرد السفير.

ولا يسعنا في النهاية إلا أن نؤكد مرة أخرى أن الحكومة المصرية قد أوفت بكامل التزاماتها في حماية مباني السفارة الإسرائيلية، الأمر الذي يمكننا القول معه أن موقف الحكومة المصرية ليس به خطأ يستوجب أن تعتذر عنه، فضلاً عن عدم توافر المسؤولية الدولية القانونية في حقها، وأن التطاول على السفارة إنما هو صادر عن أفراد في ظروف استثنائية، وإثر مشكلة قتل الجنود المصريين على الحدود، هذا الأمر الذي ألهب الحماسة والمشاعر لدى الشعب المصري.

 

مقالات لنفس الكاتب