; logged out
الرئيسية / (آراء حول الخليج) تتابع تحليل الانتخابات الأمريكية 2016 (5) سباق الرئاسة الأمريكي الأول في التاريخ بمرشحين أقل شعبية

العدد 109

(آراء حول الخليج) تتابع تحليل الانتخابات الأمريكية 2016 (5) سباق الرئاسة الأمريكي الأول في التاريخ بمرشحين أقل شعبية

الإثنين، 11 تموز/يوليو 2016

أيام قليلة تفصل الولايات المتحدة، ومؤتمر الحزب الجمهوري من المقرر عقده في الفترة من 18 إلى 21 من يوليو الجاري فى مدينة كليفلاند بولاية أوهايو. وبعده بأيام معدودة يُعقد مؤتمر الحزب الديمقراطي الشهر المقبل، في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا في الفترة من 25 – 28 يوليو الجاري أيضًا. وبهذا تكون الانتخابات الرئاسية قد دخلت مرحلة الانتخابات العامة، لكن الطريق إلى الرئاسة لا يزال مبهمًا مثلما كان خلال المرحلة السابقة.

على الجانب الجمهوري ثمة مرشح مفترض، تبغضه قيادة الحزب بينما يتمتع في الوقت نفسه بدعم ناخبيه الذين قاموا بالتصويت لصالحه، والذين يشكلون على الأقل غالبية الجمهوريين ممن أدلوا بأصواتهم. وعلى الرغم من هزيمته لبقية المرشحين المنافسين له داخل الحزب، إلا أنه لا يزال - من وجهة نظر قادة الحزب - يفتقر إلى  "سمات الرئاسة" ولا يمكنه إقناعهم بقدرته على التصرف بما يليق ومنصب الرئاسة. 

وعلى الجانب الديمقراطي لديك مرشح مفترض، تحتضنه قيادة الحزب والمؤسسة الحزبية، بينما قام عدد كبير من جمهور الناخبين بالتصويت لصالح مرشح آخر غيره.  وهو المرشح المناوئ للمؤسسة الحزبية، والذي لا يزال رافضًا للتنحي جانبًا والخروج من السباق الرئاسي. فقد خسر برني ساندرز فرصته في الترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي لصالح هيلاري كلينتون، وبفارق شاسع كذلك، إلا أنه لا يزال يقاوم الخروج من السباق الرئاسي وإتاحة الفرصة للحزب بان يوحد جناحيه الرئيسي والليبرالي خلف كلينتون. بل لم يقم إلى الآن بالتضامن معها أو إيقاف حملته، بينما صرح مستشاروه بأنه لن يقدم على ذلك قبل انعقاد المؤتمر الانتخابي. إن الاختيار الذى سيقدم عليه مساندو ساندرز بتقرير من سيقومون بالتصويت لصالحه خلال الانتخابات العامة سيكون من شأنه كتابة مصير طموحات كلينتون في الرئاسة. وإلى الآن لم يوجه لهم ساندرز الكلمات المنشودة، والأدهى من ذلك أنه لا يزال يصارع فوق منصة الحزب الديمقراطي. ويبدو أن صبر كبار زعماء الحزب الديمقراطي تجاهه على وشك أن ينفد، فهم يرون أنه قد آن له أن يتنحى تاركًا المجال لتوحيد الصفوف خلف من اختاره الحزب كمرشح رئاسي.

 إنه سباق نحو الرئاسة لم يشهد التاريخ مثله من قبل، بل ولم يكن لأحد أن يتصوره قط. فلديك مرشحين هما الأقل شعبية طبقًا لآخر ثلاثة انتخابات رئاسية شهدتها البلاد. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته هيأة الإذاعة الوطنية ( NBC )، تدني شعبية كلا من المرشح الديمقراطي المفترض هيلاري كلينتون و المرشح الجمهوري المفترض دونالد ترامب لدى الناخبين، وكذلك تصاعد الاتجاهات السلبية نحوهما مع وصول السباق الرئاسي إلى مرحلة الانتخابات العامة. وأظهر الاستطلاع أن 54% من المشاركين فيه لا يؤيدون كلينتون، في حين أعرب 34% من المشاركين عن تأييدهم لها. وعلى الجانب الجمهوري، قال 58% من المشاركين بأنهم لا يؤيدون ترامب، في حين أعرب 29 % من المشاركين عن تأييدهم له

ووفقا لصحيفة بوليتيكو Politico))، فإن ترامب ليس في وضع سيء فقط، بل إنه " المرشح الأكثر خطورة على مدار التاريخ". ويشكل أنصاره نحو الثلاثين بالمائة، بينما تصل نسب المناوئين له إلى نحو الخمسين بالمائة. وطبقًا لمجلة "اون لاين " فإن كلينتون ليست بحال أفضل منه، إذ تبلغ نسبة المناصرين لها 41% بينما  تصل نسبة غير المؤيدين إلى 54%.

ويشعر العديد من الأمريكيين بأنهم لا يملكون خيارًا حقيقيًا بين كلا المرشحين، إلى الحد الذي تحول معه الأمر إلى مشهدًا من مشاهد الكوميديا. فثمة روايات صحفية عن سيدة مسنة من ولاية فرجينيا كانت تبلغ من العمر 68 عامًا، وكيف أنها قد فضلت الموت على أن تضطر إلى التصويت لصالح أي منهما. وجاء في نعيها: " عند مواجهتها لاحتمال القيام بالتصويت لصالح أيا من ترامب أو هيلاري كلينتون، فضًلت  مارى آن نولاند من مدينة ريتشموند، عوضًا عن ذلك، الالتجاء إلى حب الله الأبدي."

لكن الاختيار شديد الوضوح أمام قطاع عريض من الأمريكيين. فهم يرون الخيار محسومًا بين كلا المرشحين: فأمامهم رؤيتين مغايرتين للعالم، أمريكتين مختلفتين حيث لا حدود للاختلافات.

كلينتون: المرشح المفترض

يرى الناخبون الأمريكيون فى كلينتون خيارًا أكثر إقناعًا بخبراتها وشخصيتها وإدارتها الواثقة لشؤون السياسية الداخلية والخارجية.

وقد أضحت كلينتون بحصولها على ترشيح الحزب أول امرأة فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية تفوز بالترشيح من قبل أحد الأحزاب الرئيسية الأمريكية. فضلا عن ذلك فهي تتقدم على ترامب بين غالبية الطوائف العرقية: 88% وسط الأمريكيين الأفارقة، و68 % بين الأمريكيين ذوى الأصول اللاتينية، و 51% بين النساء. وقد اُعتبرت كلينتون الاختيار الأفضل  من قبل المشاركين في الاستفتاءات على معظم القضايا تقريبًا. ووفقًا للتقرير الذى أورده الموقع الإخباري " Business Insider" فهى تتقدم على ترامب في جُل القضايا بدءًا من قضية الهجرة (وهو الأمر الباعث على الدهشة لكونه "سيد قضايا الهجرة" طوال الحملة)، مرورًا بتعيينات المحكمة العليا، وبوصفها رئيسا ممتازا للأركان، وكذلك شؤون الطبقة الوسطى، والسياسة الخارجية، وتوحيد الأمة وقضايا المرأة . وقد تقدم عليها ترامب بين الرجال من الناخبين، إلا أنها قد فازت بالثقة حتى بين أولئك الذين لا يميلون إليها، فهي توحي بمزيد من الثقة في قدراتها على القيام بمهام الرئيس أكثر من ترامب.

أما القضية الوحيدة التي رفعت من شأن ترامب فهي الاقتصاد، إذ يرى الناخبون أنه الأصلح فيما يتعلق بالشؤون الاقتصادية. الأمر الذى لا يعد في صالح كلينتون، إذ  أظهر الاستطلاع الأخير تربع النمو الاقتصادي على القضايا ذات الأهمية خلال الحملة والتي يطالب الناخبون الحكومة بمعالجتها، حيث جاء الأمن القومي فى المرتبة الثانية بعد شؤون الاقتصاد: إنها قوة كلينتون جنبًا إلى جنب مع المقدرة على الزعامة.

وكان طريق كلينتون نحو الرئاسة طويلًا ومضنيًا، منذ بدأت بكونها السيدة الأولى، ثم شغلت منصب سيناتور، ثم تبوأت منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، إلى أن انتهى بها المطاف لأن تصبح أول سيدة فى تاريخ أمريكا تفوز بالترشيح من أحد الأحزاب الرئيسية. وقد أعلنتها واضحة فى خضم احتفالها بفوزها فى بروكلين بعد فوزها بكاليفورنيا ونيو جيرسي ونيوميكسيكو، أن انتصارها هذا لهو انتصار للمرأة. وقد أعربت كلينتون عن سعادتها قائلة: " إن الليلة هي تتويج لرحلة رائعة. رحلة طويلة. إننا جميعًا مدينون بالكثير لأولئك الذين سبقونا بالكفاح. هذه الليلة هي ملك لكم جميعًا." هذا وقد حصلت المرأة فى أمريكا على حق التصويت في عام 1920م، عندما تم التصديق على التعديل التاسع عشر للدستور.

وقد بدت عليها سمات الرئاسة خلال الخطاب، وتجنبت الهجوم الشخصي على ترامب، وهو الأمر الذي طالما استعانت به خلال الحملة الانتخابية. إلا أن ترامب لم يكن في مزاج يدعو للمصالحة، فقد هاجمها متهما إياها  " بتحويل وزارة الخارجية إلى أحد صناديق التحوط الخاصة بها". وكذلك حاول أن يستميل أنصار ساندرز إلى جانبه قائلا إنهم " قد تركوا فى العراء وحدهم بفعل نظام مُزور." وأضاف قائلا " بأننا لا يمكننا حل مشاكلنا باللجوء إلى السياسيين الذين تسببوا فيها. لقد استغل آل كلينتون بكل براعة سياسات الثراء الشخصي بما يصب في مصلحتهم." وكان من الواضح أن خطة ترامب تمثلت في الهجوم على (بيل وهيلاري) كلينتون كليهما. إلا أن ذلك لم يكن ليرهب هيلاري. وأشارت إلى والدتها قائلة " لطالما نصحتني أمي بألا أتراجع أبدا أمام المتنمرين، وقد اتضح أنها كانت نصيحة جيدة."

ونشبت بعد ذلك بينهما حرب على صفحات تويتر إذ استاء ترامب من تضامن الرئيس أوباما مع كلينتون وعلق قائلا: " إنه يرغب فى أربعة أعوام أخرى من حكم أوباما، لكن لا أحد غيره يريد ذلك." وقد ردت عليه كلينتون قائلة :" قم بإلغاء حسابك".

وترتكز حملة كلينتون على ما تُطلِق عليه "عدم أهلية " ترامب لمنصب الرئيس وافتقاره إلى الخبرة. وعلى هذا فليس من المستغرب أن حتى هؤلاء الذين يؤيدون كلينتون، أحيانا ما يصرحون بأنهم يفعلون ذلك لأنها ليست ترامب، ومن بينهم بعض الشخصيات البارزة فى الحزب الجمهوري أو مؤسسات الأمن والسياسة الخارجية.

وتنظر النخبة المتشددة ممن ينتمون إلى قطاع السياسة الخارجية، بما في ذلك المحافظون الجدد، إلى ترامب بوصفه "كارثة" قد حلت على السياسة الخارجية الأمريكية. وتعهدوا بألا يقدموا له أى دعم مطلقا. بل إن بعضهم صرح أنهم سوف " يصوتون لصالح كلينتون". فقال اليوت كوهين، المسؤول السابق فى وزارة الخارجية " هيلاري تعتبر أقل الضررين، وبفارق شاسع" وأضاف " إن انتخاب ترامب رئيسا سيكون بمثابة كارثة تامة بكل المقاييس على السياسة الخارجية الأمريكية التي الحق بها بالفعل ضررًا بالغًا."

وصرح ماكس بوت، أحد الأعمدة الفكرية للحركة المحافظة، بأنه سوف يصوت لصالح كلينتون وقال " إنني حقًا لا أتمكن من النوم بسبب ترامب! إنها ستكون أفضل بكثير من ترامب".

وقام المحافظون بالتوقيع على خطاب فى الربيع قائلين بأنهم " لا يمكنهم دعم بطاقة حزبية يتصدرها السيد ترامب ".

وفى منتصف مايو صرح ريتشارد أرميتاج بأنه سوف يصوت لصالح هيلاري كلينتون، وهو يعد أحد الشخصيات البارزة في قطاع الأمن القومي وينتمي كذلك للحزب الجمهوري، كما كان يشغل منصب نائب وزير الخارجية أثناء ولاية جورج بوش. وقد ورد في صحيفة بوليتيكو تعليقًا على ذلك " إن ذلك يعد إشارة إلى رفض نخبة الأمن القومي من الحزب الجمهوري المرشح المفترض لحزبهم." وفى تصريح لأرميتاج إلى مجلة بوليتيكو قال: " سوف أصوت لصالح هيلاري كلينتون في حال أصبح ترامب مرشح الحزب. انه لا يبدو جمهوريا، ولا يبدو يريد أن يحيط علمًا بالعديد من القضايا، لذا سوف أعطي صوتي للسيدة هيلاري كلينتون."

لكن التحدي الذي تواجهه كلينتون في هذه المرحلة لا يقتصر على أعداد الجمهوريين الذين يمكن لها استقطابهم إلى جانبها، والذي يعد ولا شك ميزة سياسية كبيرة، لكن النقطة الأهم هي كيف يمكن لها أن توحد الحزب بجناحيه الليبرالي والمؤسسي، وكيف يمكنها استقطاب أنصار بيرني، خاصة الشباب والمحبطين من النظام.                                                                                  

فضلا إلى ذلك فأمامها قضايا الجدارة بالثقة التي يجب عليها مواجهتها لحرمان ترامب من فرصة الخوض بالحديث مرارا في ذلك الأمر.

وقد أثبتت كلينتون أنها مرشح قوى. وتمكنت من اجتياز حملة انتخابية طويلة ومحفوفة بالمصاعب ضد مرشح " شعبي" وضد الحركة الشعبية. وأحيانًا ما كانت تبدو وكأنها فى خطر فى مرحلة ما  من مراحل الانتخابات الأولية، إلا أنها تمكنت من الصمود واجتياز المرحلة الأخيرة من موسم الانتخابات التمهيدية. و كما أشارت  صحيفة بوليتيكو فقد تمكنت من مواجهة الموجة الشعبية برغم كونها من النخبة. ولكن كيف لها أن تعيد ناخبي ساندرز إلى الخيمة الديمقراطية الكبرى دون المساس بشكل كبير بمواقفها الديمقراطية المعتدلة؟ ودون الانحراف أكثر مما ينبغي نحو اليسار؟ الأمر الذى إن فعلته فسوف يؤدي بها إلى خسارة الطريق الوسطي وتنفير أعضاء حركة "لا لترامب"، الذين من الممكن استمالتهم لجانبها لمنع ترامب من الفوز بالبيت الأبيض؟

وتمتلك كلينتون ميزة كبيرة، ألا وهي دعم الرئيس أوباما الذي يحظى بتأييد 84% بين الليبراليين و56% بين المعتدلين. والأمر متروك لها وللرئيس أوباما الآن لتوحيد الحزب خلفها وضم جميع عناصره لمساندتها من الليبراليين والمعتدلين والمستقلين والشعبيين، بالإضافة إلى الجمهوريين الذين يشعرون بأنهم قد أصبحوا بلا مأوى فى مواجهة حزب مرشحه هو دونالد ترامب. ويجد الرئيس أوباما فى كلينتون الأمل فى الحفاظ على إرثه والانجازات التى تمكنت إدارته من تحقيقها سواء على صعيد الرعاية الصحية أو غيرها من القضايا الاجتماعية والاقتصادية.

وإذا ما تم لهما النجاح فى جذب أعداد كبيرة من الجمهوريين ممن يفضلون فوز الديمقراطيين بالبيت الأبيض على أن يفوز به ترامب، فلسوف يعد ذلك ، كما يراه المحللون السياسيون، أكبر عملية تحول فى السياسات الحزبية الأمريكية منذ سنوات عدة.

وقد اجتمعت كلينتون مع ساندرز، ولا تزال المباحثات جارية بينهما لإقناعه بالقيام بالتضامن معها والدعاية لها بسؤال أنصاره بأن يقوموا بالتصويت لصالحها، وإغراءه بطائفة من الوعود مثل إلقائه كلمة فى المؤتمر الانتخابي، وبعض التنازلات السياسية الأخرى بما يمكن أن يقنعه بأن التغيير الذى دعا إليه سيحدث على الأقل داخل الحزب.

ترامب: المرشح المفترض (هل هو حقًا؟)

لم تكن بداية يونيو مبشرة لترامب. فقد التصقت به تهمة عدم أهليته لمنصب الرئيس، وتعرضت حملته لانتقادات واسعة لافتقارها إلى التنظيم ونقص فريق العمل والتمويل وأي شيء آخر إلا ترامب وحسابه على تويتر! واتضح ذلك فى استطلاعات الرأي التى تجلى فيها تدني شعبيته. وكما ورد في صحيفة بوليتيكو، أظهرت الاستطلاعات التي تم إجراؤها في منتصف يونيو أن نسبة تأييده بلغت 30%، بينما تخطت نسبة المعارضين له 50%. والأسوأ من ذلك أنه كان يخسر أمام كلينتون  فى استطلاعات الرأي القومية. فوفقًا لاستطلاع للرأي أجرته وكالة فوكس للأخبار فإن كلينتون تتقدم على ترامب بنسبة 3% بين الناخبين على مستوى الدولة ، بواقع 42 % لكلينتون و39 % لترامب . وهكذا تكون نسبة دعمه قد انخفضت من 45% إلى 39%. ولكنه يواجه خبرًا أسوأ، وهو انخفاض نسبة تأييده بين المستقلين بواقع 11% مقارنة باستطلاع سابق لوكالة فوكس.

وهذا هو ما دفع بدان ماك لافلين من مجلة ناشونال ريفيو National Review)) بأن يقول:" لا يمكن النظر إلى نتائج ترامب فى استطلاعات الرأي القومية دون رؤية الحقيقة القاتمة لكونها فى انحسار لم يشهده من قبل أى مرشح للانتخابات العامة خلال الانتخابات الثلاث الأخيرة". وأضاف قائلا" إن الأعداد فى انحدار مستمر، بل إنها وصلت كذلك إلى أدنى مستوى قد شهده أى مرشح سواء جمهوري أو ديمقراطي فى الدورات الانتخابية الثلاث الماضية."

وثمة واقعتين هما من أوصلتا ترامب إلى ذلك المنعطف: تمثلت الواقعة الأولى فى إدعائه أن القاضي كونزالو كيوريل، وهو مواطن أمريكي من ولاية أنديانا ذو أصول مكسيكية، لم يكن عادلا فى حكمه فى قضية ضد جامعة ترامب، وذلك بسببٍ من أصوله وإرثه اللاتينى. أما الواقعة الثانية فتمثلت فى رد فعله على الحادث الإرهابي فى أورلاندو من إطلاق للنار على حانة للمثليين والذي حصد أرواح 49 شخصًا وجرح 53 .

ففي حالة القاضي كيوريل، ادعى ترامب أن القاضي خاض "صراعًا مستميتا" لترأس دعوى قضائية تتهم جامعة ترامب بالتزوير.

وقد زادت هذه الواقعة من العلاقة المضطربة بالفعل بين ترامب وقيادة الحزب الجمهوري. إذ اعتبرها رئيس مجلس النواب ،بول ريان، أسوأ من أن يُغض الطرف عنها .وكان قد قام لتوه بالتضامن مع ترامب بعد عملية طويلة ومضنية بسبب لسانه المنفلت وخطبه المثيرة للبلبلة والانقسامات.  وقال ريان" إن إدعاء أن شخصًا ما لا يمكنه القيام بعمله بسبب أصوله العرقية أشبه بتعريف التعليق العنصري الموجود فى كتبنا المرجعية" وتمنى أن يتعلم ترامب مما حدث.

لكن ريان لم يكن الوحيد، فقد ترددت أصداء تلك الواقعة بعينها وسط العديد من الزعماء الجمهوريين، إذ أنها تضرب فى صميم ما يعنيه أن تكون أمريكيا، حيث جاء الجميع من بلدان أخرى. فالحكم على عدم أهلية الناس بسبب ٍمن أصولهم كان أمرًا عرف قادة الحزب أنه سيكلفهم ثمنًا سياسيًا غاليًا فى هذه السنة الانتخابية. إنه ببساطة يخاطر بخسارة الجمهوريين لكافة الأصوات اللاتينية.

 وقال ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ " إنني منزعج من ذلك الأمر. فأمريكا تتغير. وعندما تم انتخاب رونالد ريجان كان البيض يمثلون 84% من جمهور الناخبين، أما الآن فهم سيمثلون 70% من الناخبين. وإنه لخطأ عظيم من جانب حزبنا أن يقوم بشطب الأمريكان ذوي الأصول اللاتينية، فهم جزء مهم من بلادنا، وقريبًا سوف يشكلون أكبر الأقليات في البلاد".

وبالتأكيد لا يريد الجمهوريون تكرار تأثير "بارى جولد ووتر" على الأمريكان الأفارقة والسياسة الأمريكية. وكان جولد ووتر هو المرشح الجمهوري عام 1964م، وقد تسبب في استعداء الناخبين الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية بمعارضته لقانون الحقوق المدنية، مما تسبب فى خسارة الحزب الجمهوري لدعمهم لعقود خلت، جاعلا أصوات الأمريكان الأفارقة حكرًا على الديمقراطيين إلى يومنا هذا.

وأضحى تصريح ترامب محل نقد من كافة الجمهوريين خاصة الجهات المانحة. وقد علق ترامب لاحقًا أنه قد أُسيئ فهم تصريحه، ولكن ليس قبل أن يقول إن " القاضي المسلم سيكون متحيزا أيضاً".

ثم حدثت واقعة أورلاندو المأساوية وأقنع رد فعل ترامب  الحزب الجمهوري بأنهم حقًا يواجهون مشكلة كبيرة، وأن ترامب سيظل دومًا ترامب، وأنه لن يتغير وينتقل من حالة الانتخابات التمهيدية إلى الانتخابات العامة ليسلك المسلك اللائق برئيس الدولة. وهكذا صدر الحكم عليه من حزبه ومن الإعلام الأمريكي بأنه قد أخفق فى الاختبار. وكان قد كتب على تويتر تغريدة صدمت الكثيرين نظرًا للظروف التى جاءت فيها، إذ كان يهنئ فيها نفسه قائلا " أقدر التهاني التي تزف إلي لأنه اتضح أخيرًا أني كنت على حق بخصوص الإرهاب الإسلامي المتطرف. أنا لا أرغب فى التهاني، بل أريد الصلابة وتوخي الحذر. يجب أن نكون أذكياء." ثم كتب تغريدة أخرى " ورد فى التقارير أن إرهابي أورلاندو كان يصيح " الله أكبر!" بينما يقوم بقتل مرتادي الحانة."

لقد أظهرت خطاباته ولقاءاته بأنه، وعلى النقيض من كلينتون، لم يكن مستعدا "لساعة الذروة"، وهو تعبير يستخدمه الأمريكان للإيحاء بأن شخصًا ما غير مؤهل للمهمة المنوطة به. وفى كلمة ألقاها في كلية سانت أنسيلم ST. Anselm) )  وصف التطرف الإسلامي بأنه "خطر استشرى على مستوى العالم واخترق الولايات المتحدة عبر أبواب الهجرة غير المقننة".  ووصفت صحيفة نيويورك تايمز أسلوبه بأنه أقرب للقوميين الأوروبيين منه إلى عموم الجمهوريين، وأن الخطاب "كان يعج بالمغالطات والمبالغات التي طالما وُسِمت حملته بها." لقد تلاعب بمخاوف الأمريكان مدعيًا أن داعش تحاول انتزاع أولادهم، ومتهما الأمريكان المسلمين بالفشل فى " تسليم من يعلمون بأنهم سيئون." كما أراد فرض حظر على دخول المسلمين القادمين من أى دولة لديها تاريخ إرهابي"

إلا أنه أحتفظ بأشد كلماته للرئيس أوباما مدعيًا انه يُكِن تعاطفا للإرهابيين، وقال " إننا يحكمنا رجل إما أنه ليس قويا أو ذكيا، أو أنه يضمر شيئا آخر فى نفسه، هناك خطب ما" . وقد هاجم الرئيس لأنه لا يستخدم مصطلح الإرهاب الإسلامي. ورد عليه الرئيس مهاجما بقوله " إن ترديد مصطلح الإسلام المتطرف لا يمكن أن يعد استراتيجية"

وذكرت صحيفة التايمز أن " الجمهوريون يرون أن إصرار ترامب على التمسك بمواقفه المتشددة يقوض من موقفه كمرشح فى الانتخابات العامة".

غير أن الجمهوريين قد خلصوا إلى انه من غير المجدي محاولة كبح جماح ترامب. وقد كتب مايك مورفى، المستشار الأول السابق لجيب فورمر، فى صحيفة التايمز " يقول الجميع "انظروا ، إنه حقًا متحضر. إنه يأكل بالشوكة والسكين. وبعد أن تمر ساعة نجده يأخذ الشوكة ليطعن بها شخصًا ما فى عينه!"

وقد بعثت هاتين الواقعتين الحياة فى حركة " لا لترامب"، بل إنه ثمة حركة تدعى" أى واحد إلا ترامب". وقد وردت تقارير بقيام ميت رومني، مرشح الحزب الجمهوري عام 2012م، باستضافة تجمع لمئات المحافظين الجمهوريين فى بارك سيتى بولاية يوتا، بهدف الهجوم على ترامب. فالجمهوريون يشكون من أن ترامب لا يوجد لديه حملة حتى الآن، فهو لم يقم بعد باختيار نائب الرئيس، ولا يوجد لديه فريق عمل يعتد به في مواجهة حملة الانتخابات العامة. فضلا عن افتقاره إلى التمويل. وكتبت صحيفة نيويورك تايمز أن ترامب "يواجه أسوأ عيب مالي في التاريخ الرئاسي الحديث : فلديه 1.3 مليون دولار مقابل 42 مليون دولار لدى كلينتون.

وكتبت الصحيفة ترامب يشرع في الدخول في حملة الانتخابات العامة وهو يرزح تحت وطأة أسوأ عيب مالي وتنظيمي يشهده أى مرشح عن حزب رئيسي فى التاريخ الحديث، مُعرضاً ترشحه وحزبه على السواء لخطر محقق".

وفى تلك الأجواء جاءت الأخبار الهامة من حملة ترامب  بعزله مدير حملته المتعثر، كوري يفاندوفسكي. وقد أثنى ترامب على مدير حملته السابق قائلا إنه قد أحسن القيام بعمله، غير أننا يتعين علينا السير في طريق مختلف".

ورأت وسائل الإعلام فى تلك الخطوة المفاجئة محاولة " لتهدئة الحلفاء والجهات المانحة والمسؤولين الجمهوريين"، المعنيين بفرص الحزب فى نوفمبر القادم، وقد أوردت صحيفة واشنطون بوست أن حركة "أوقفوا ترامب" قد جمعت دعما للمؤتمر العام للحزب الجمهوري ما يقرب من 400 مندوبًا، في إشارة لكونها فى الطريق لان تصبح قوة "من الممكن لها أن تعرقل حملة قومية". وتتمثل خطة هذه المجموعة فى تحرير المندوبين خلال المؤتمر الحزبي ليقوموا بالتصويت لصالح من يريدون أيًا كان، دون التقيد بنتائج الانتخابات الأولية واللجان الحزبية.

ويرى البعض أن ذلك من شأنه خلق انقسامات وحالة من الفوضى داخل الحزب، وهم يقرون أيضا أن ذلك سوف يخلق مشاكل داخلية بالحزب، ولكن في نهاية الأمر سيتم إنقاذ الحزب والفوز بالانتخابات. فهم يؤمنون بأن ترامب لا يمكن له، ولا يجب له أن يفوز في نوفمبر. أو كما لخص الموقف عنوان افتتاحية صحيفة واشنطون بوست لفريد هيات : " الأمل الأخير للجمهوريين: إعلان فوز دونالد ترامب  في مؤتمر كليفلاند الشهر المقبل، ثم إقناعه بالذهاب إلى بيته".

ويبدو من التحرك الأخير من جانب حملة ترامب بتغيير توجهها من خلال عزل مدير الحملة، إن من سيتولى شؤون الحملة الآن هم عائلته وأبناؤه وصهره. ربما يتمكنون من إقناعه بإظهار شيئًا من التهذيب وأن يحاول انتهاج "المسلك الرئاسي"، وقد تردد بأن ابنته إيفانكا ترامب قد نصحته بذلك.

وعلى الجانب الآخر فإن الأعضاء الكبار بالحزب يعارضون وقوع نزاع داخل المؤتمر. فهم يرون أن ترامب قد فاز بالفعل فى مرحلة الانتخابات التمهيدية، وعلى هذا  فيجب احترام إرادة الشعب، وأن يتم الاتحاد خلف ترامب، هذا إذا ما أعطاهم الفرصة لأن يفعلوا ذلك. ولكن إذا ما استمرت حملته فى السير على نفس المنهاج، وظل ترامب..ترامب، فقد يحمل يوليو مفاجئات لمؤتمر الحزب الجمهوري. إنه التحدي الذي سيواجهه فريق حملته الجديد، وسيواجهه معه الحزب الجمهوري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*خبيرة في العلاقات الدولية ـ واشنطن 

مجلة آراء حول الخليج