array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 110

التقارب مشروط بحُسن الإدارة وتحديد المصالح والتحديات العلاقات الخليجية ــ اللاتينية: الفرص والتحديات

الأربعاء، 03 آب/أغسطس 2016

أعطى انعقاد مؤتمر قمة الرياض في 2015م، لرؤساء دول وحكومات الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية دفعة في مسار العلاقات بين الجانبين، وفتح الباب أمام فرص جديدة وآفاق متطورة لمجالات التعاون بينهما. والحقيقة، أن هذه العلاقات التي تبلورت في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين مع زيارة الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا لعدد خمس دول عربية في عام 2003م، واقتراحه على الأمين العام لجامعة الدول العربية فكرة القمة المشتركة بين الطرفين العربي واللاتيني هدفت إلى تعميق الحوار بين الجانبين، وتنسيق المواقف بشأن القضايا الإقليمية والدولية وتدعيم التعاون الاقتصادي.

وتحولت الفكرة إلى واقع مع انعقاد المؤتمر الأول في برازيليا -البرازيل (2005م)، وتلاه الثاني في الدوحة (2009م)، والثالث في ليما -بيرو (2012م)، والرابع في الرياض في العام الماضي. وتعرف هذه القمم باسم الأسبا ASPA. ورافق التعاون على المستوى الجماعي ازدياد العلاقات على المستوى الثنائي والتي تمثَّلت في الزيارات المتبادلة بين الطرفين والتي كان من أهمها الزيارة المبكرة التي قام بها ملك المغرب محمد السادس إلى البرازيل في 2004م، وجولة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في 2015م، والتي ضمت كوبا والمكسيك وفنزويلا، وزيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد في 2016م، إلى كوستاريكا وكولومبيا والإكوادور، بالإضافة إلى عديد من الزيارات على مستوى رؤساء الدول والوزراء من دول أمريكا اللاتينية إلى الدول الخليجية.

في هذا الإطار، يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على بعض القضايا المتعلقة بالعلاقات الخليجية (في إطارها العربي) – اللاتيني، فيقوم بتحديد وضبط المصطلحات الخاصة بالموضوع، ويعرض لركائز العلاقات والفرص التي تتيحها والتحديات التي يواجهها هذا التعاون، وأخيرًا يعرض لبعض الملاحظات الخاصة بإدارة الدول العربية لهذا الملف.

أولاً: تحديد المفاهيم وضبط المصطلحات

تتردد في الكتابات الخاصة بهذا الموضوع تعبيرات مختلفة مثل أمريكا اللاتينية، وأمريكا الوسطى، وأمريكا الجنوبية بل ويستخدم أحيانًا تعبير أمريكا الأيبرية وأمريكا الأسبانية. ويحدث تداخل بين هذه المصطلحات بعضها البعض، ويتم الخلط بين التعبيرات التي تستند إلى أساس جغرافي وتلك التي تستند إلى أسس ثقافية ولغوية.

إذا بدأنا بالجغرافيا، فإن المنطقة التي نتعامل معها والتي تعتبر جزءًا من العالم الجديد هي ما يعرف بالأمريكيتين The Americas. ويتم التمييز في هذا الإطار بين:

1) أمريكا الشمالية التي تشير إلى الولايات المتحدة وكندا.

 2) أمريكا الوسطى، وهي المنطقة التي تقع في جنوب أمريكا الشمالية مباشرة.

 3) أمريكا الجنوبية، والتي تقع جنوب أمريكا الوسطى.

ويشير تعبير أمريكا الوسطى إلى 7 دول وهي: بليز، وكوستاريكا، والسلفادور، وجواتيمالا، وهندوراس، ونيكاراجوا، وبنما. وتوجد بعض الاجتهادات بشأن هذا التعريف. فعلى سبيل المثال، فإن تعريف منظمة الأمم المتحدة لأمريكا الوسطى يدخل فيها المكسيك بينما يستبعد تعريف الاتحاد الأوروبي كل من المكسيك وبنما منها.

ويشير تعبير أمريكا الجنوبية إلى عدد 12 دولة تشغل تلك المنطقة التي يحدها من الشرق المحيط الأطلسي ومن الغرب المحيط الهندي ومن الشمال أمريكا الوسطى والبحر الكاريبي، ومن الجنوب التقاء المحيطين الأطلسي والهادي والقطب الجنوبي، وتعتبر هذه المنطقة الشاسعة هي القارة الرابعة من حيث المساحة في العالم بعد آسيا وإفريقيا وأمريكا الشمالية، والخامسة في عدد السكان بعد آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية.

كما تعتبر البرازيل أكبر دول أمريكا الجنوبية من حيث عدد السكان والذي يبلغ نصف عدد سكان القارة، يليها كولومبيا، والأرجنتين، وفنزويلا، وبيرو، وهي القوة الاقتصادية الأولى في المنطقة واللاعب الإقليمي الرئيسي فيها. وتضم دول أمريكا الجنوبية أيضًا بوليفيا وتشيلي والإكوادور وباراجواي وأورجواي وجويانا وسورينام، وعدد من الجزر والأقاليم التابعة لدول أوروبية.

أما تعبير أمريكا اللاتينية فهو مفهوم ثقافي نشأ أصلاً في فرنسا، واستخدم لأول مرة في 1861 م، لتبرير السياسة الفرنسية في هذه المنطقة والدفاع عن نفوذها فيها، وخاصة مع قيامها بشأن حملة عسكرية ضد المكسيك. ومع ذيوع المفهوم، فإنه يشير إلى الشعوب المتحدثة بما يسمى باللغات الرومانسية أي اللغات المنحدرة من أصل لاتيني، وأهمها: اللغات الفرنسية، والإسبانية، والبرتغالية والتي تنتشر في الدول التي كانت جزءًا من الإمبراطوريات الفرنسية والإسبانية والبرتغالية، وتضم هذه المجموعة قرابة 20 دولة من دول أمريكا الوسطى والجنوبية، وعدد من الأقاليم والجزر في البحر الكاريبي التي مازالت تابعة لدول أوروبية، ومن بين الدول التي تدخل في إطار دول أمريكا اللاتينية ولم تذكر من قبل كوبا، وبورتوريكو، والدومنيكان، والمكسيك، والمارتينيك، وهاييتي.

والجدير بالذكر-كما ورد سلفًا – أنه لا يوجد اتفاق عام بين الباحثين حول أسماء الدول التي تدخل في كل مجموعة، وعلى سبيل المثال، فإن البعض يعتبر المكسيك جزءًا من أمريكا الشمالية، ولا يأخذ آخرون بالتمييز بين أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية ويتبنون فقط بالتمييز بين أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية. وأيًا كان الأمر، فإن جميع هذه الدول تجمعها عضوية منظمة الدول الأمريكية التي تأسست في 30 أبريل 1948م، بهدف التنسيق بين الدول الأمريكية وتنمية التعاون الاقتصادي بينها، والتي تضم عدد 35 دولة ويقع مقرها الرئيسي في العاصمة الأمريكية واشنطن. كما نشأ اتحاد دول أمريكا الجنوبية في 2008م، بناءً على مبادرة من الرئيس البرازيلي دي سيلفا، وذلك بهدف تحقيق التكامل الإقليمي بين دوله، وتتضمن أجهزته برلمان مشترك وأمانة عامة.

ثانيًا: الركائز والفرص

يرتبط الطرفان العربي واللاتيني بعدد من الخبرات والسمات المشتركة والتي تقربهما من بعضهما البعض، فأغلب الدول العربية واللاتينية تنتمي إلى عالم الجنوب، وسعى كلاهما مبكرًا إلى بناء تنظيمه الإقليمي، فنشأت جامعة الدول العربية في 1945م، وتلاها منظمة الدول الأمريكية عام 1948م، وشارك الطرفان في أنشطة مجموعة عدم الانحياز في داخل الأمم المتحدة والمحافل الدولية، ومجموعة الدول النامية المعروفة باسم مجموعة الـ 77 ومؤتمرات التجارة والتنمية من عام 1964م. كما تعاونا في إطار منظمة الدول المنتجة للنفط "الأوبك"، والتي تضم 7 دول عربية وبلدين من أمريكا الجنوبية، هما: فنزويلا والأكوادور. ويجمع بينهما أيضًا الرغبة في دعم الاستقلال الوطني وتحقيق التنمية المستدامة، والرغبة في تجاوز الشراكات التقليدية في عصر العولمة.

يزيد من أهمية التعاون والتنسيق مع دول أمريكا اللاتينية القوة الجيوستراتيجية والجيوسياسية التي تحظى بها، وامتلاكها لذخيرة هائلة من الموارد الطبيعية والقدرات الزراعية والصناعية والتكنولوجية، ولوجود إحدى دولها – البرازيل -ضمن مجموعة دول البريكس التي تضم روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا.

ومن أهم عناصر الربط بين المجموعتين العربية واللاتينية دور المهاجرين العرب إلى دول أمريكا اللاتينية وإسهامهم في بناء مجتمعاتها، وهو ما يظهر في نمط المعمار السائد في عديد من هذه الدول، وفي الكلمات العربية المستخدمة في اللغة الدارجة فيها، وفي الدور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للجاليات من أصول عربية.

ويعود الوجود العربي في دول أمريكا اللاتينية إلى قرون عديدة، ويذكر بعض المؤرخين أن الموجة الأولى من الهجرة العربية إلى القارة الأمريكية كانت بعد سقوط دولة الأندلس الإسلامية. ولعله من مفارقات التاريخ الكبرى أن عام 1492م، شهد حدثين جليلين مثَّلا نقطة تحول في التاريخ الحديث، ففي هذا العام سقطت مدينة غرناطة بعد حصارها من قبل قوات الملوك الكاثوليك، ووصل المكتشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس إلى جزر البحر الكاريبي، وقامت السلطات الإسبانية على مدى العقود التالية بإجبار عديد من المسلمين في إسبانيا ونقلهم قسرًا إلى المستعمرات الإسبانية في العالم الجديد.

أما الموجة الثانية للهجرة العربية، فقد كانت في منتصف القرن التاسع عشر من منطقة الشام (سوريا ولبنان وفلسطين)، فمع تدهور أوضاع الدولة العثمانية ونشوب نزاعات طائفية في بعض مناطقها، قام أعداد من العرب بالهجرة إلى دول أمريكا اللاتينية وانخرطوا في النسيج الاجتماعي لشعوبها ولعبوا دورًا مهمًا في تطورها في كافة المجالات. وحدثت الموجة الثالثة للهجرة العربية بعد اكتشاف النفط في فنزويلا في خمسينيات القرن الماضي.

ونتيجة لهذه الهجرات العربية إلى أمريكا اللاتينية أصبح العرب عنصرًا تكوينيًا في المجتمع، ويقدر البعض عدد السكان من أصول عربية بنسبة تتراوح من 5 % إلى 10% من عدد السكان، وتعتبر البرازيل من أكثر الدول التي ينحدر جزءًا من شعبها من أصول عربية، والذين يقومون بدور مهم في حياتها السياسية، فقد بلغت نسبتهم في مجلس الشيوخ حوالي 15% وفي مجلس النواب حوالي 20%. وفي الأرجنتين يقدر عدد المواطنين من أصول عربية بعدد 1.2 مليون، وفي فنزويلا بعدد 1 مليون، وفي تشيلي بعدد 600 ألف، يمثل الفلسطينيون جانبًا كبيرًا منه.  

وقام المهاجرون العرب إلى تلك الدول بإصدار صحف ومجلات، فصدرت أول صحيفة في مدينة سان باولو سنة 1865باللغة العربية، ثم صدرت مجلة الشرق باللغتين العربية والبرتغالية، وتكونت منظمة المؤسسات الأمريكية العربية (فياراب) في 1973، ومنظمة البرلمانيين المنحدرين من أصول عربية.

 ويدل على المكانة الاجتماعية للمواطنين ذوي الأصول العربية المناصب الرفيعة التي شغلوها، ففي عام 2016م، تولى ميشيل تامر – اللبناني الأصل – منصب الرئاسة بعد عزل رئيسة البرازيل نتيجة اتهامها بالفساد. وتولى أنطونيو سقا – الفلسطيني الأصل – رئاسة السلفادور خلال الفترة 2004-2005م، وجوليو سيزار طورباى – اللبناني الأصل – رئاسة كولومبيا خلال الفترة 1978 – 1982م. وفي الإكوادور تولى ثلاثة رؤساء من أصول عربية منصب الرئاسة، كان أولهم خوليو تيودور سالم الذي تولى المنصب بشكل مؤقت عام 1944م، وعبد الله بوكرم الذي شغل المنصب 1976-1977م، ثم ميخائيل معوض 1999-2000م. وفي الأرجنتين تولى كارلوس منعم – السوري الأصل – منصب الرئاسة لعشر سنوات كاملة 1989-1999م.

إن هذا العرض يوضح وجود مرتكزات للحوار والتنسيق بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية يمكن البناء عليها وتطويرها.

ثالثًا: التحديات

في العلاقات الدولية، وفي التعاون بين الدول فرادى أو مجموعات، فإنه كما توجد عناصر محبذة ومدعمة للتعاون توجد عقبات ومشاكل وتحديات، ولعل أبرز هذه التحديات حداثة الاهتمام الرسمي بالعلاقات بين الجانبين العربي واللاتيني، وعدم وجود آليات مؤسسية لإدارتها. بيد أن العقبة الرئيسية هي بعد المسافة بينهما، وارتفاع تكلفة النقل الجوي وعدم وجود خطوط منتظمة للنقل البحري.

ويكفي للتدليل على مشكلة بعد المسافات المقارنة بين طول المسافة بين العاصمة السعودية الرياض وعدد من مدن العالم الكبيرة، وذلك وفقًا للأرقام الواردة في موقع "المسافة من إلى Distancefromto". فبينما تتمثل المسافة بين الرياض وبكين هي 6.608.23 (أي ستة آلاف وستمائة وثمانية كيلو مترًا وثلاثة وعشرون مترًا)، وبينها وبين طوكيو 8.701.37 كم، وبينها وبين جوهانسبرج في جنوب القارة الإفريقية 6.011.62 كم، ولاجوس في غربها 5.033.092 كم، فإن المسافات مع عواصم دول أمريكا اللاتينية تصل إلى الضعف، وعلى سبيل المثال تصل المسافة بين الرياض وسان باولو- البرازيل 11.401.56 كم، وبينها وبين وكاراكاس– فنزويلا 11.837.22 كم، ثم تزداد المسافة، فتبلغ في حالة بيونس إيرس- الأرجنتين 12.854.166 كم، ثم تزاد بالنسبة لمدينة ليما- بيرو لتصل إلى 13.968.34 كم، ولاباز- بوليفيا 13.240.81 كم، ومدينة المكسيك 13.883.28 كم.    

وكان من شأن إدراك الطرفين لآثار بعد المسافة على التعاون بينهما إصدار مؤتمر قمة الرياض توصية بضرورة دراسة قضايا النقل البحري، ودعوة الإدارة الاقتصادية بالجامعة العربية إلى متابعة تنفيذها. وبالفعل، قامت الإدارة بالتعاون مع الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بتنظيم المؤتمر الدولي لتطوير دور النقل البحري لتنمية حركة التجارة بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية في 2016م.

وإضافة إلى البعد الجغرافي، فإن دول أمريكا الجنوبية تمر بظروف صعبة منذ بداية العقد الثاني من هذا القرن بما في ذلك الدول الإقليمية الكبيرة وهي البرازيل والمكسيك والأرجنتين. تتسم هذه الظروف بالاضطراب السياسي وعدم الاستقرار وحدوث مواجهات بين المجالس التشريعية وسلطة الرئاسة، كما تتصف على الجانب الاقتصادي بالركود، وانخفاض معدلات النمو، وتراجع أسعار العملات الوطنية مقابل الدولار، وازدياد حجم المديونية الخارجية (والتي وصلت في فنزويلا على سبيل المثال إلى 100 مليار دولار في عام 2016م)، وتفاقم عجز الموازنة العامة ونقص السيولة النقدية، وضاعف من ذلك بالنسبة لكل من فنزويلا والإكوادور انهيار سعر النفط منذ عام 2014م.  

وأدى ذلك كله إلى آثار اجتماعية وخيمة تمثلت في ارتفاع نسبة البطالة وعجز الحكومات عن الاستمرار في سياسات الدعم للسلع الأساسية للفقراء وارتفاع الأسعار، واستخدام الولايات المتحدة والقوى المؤيدة لها في هذه الدول هذه الظروف للتخلص من الأحزاب اليسارية الحاكمة وتلك التي تتبع سياسات مخالفة لواشنطن.

رابعاً: الإدارة السياسية للعلاقات

مع أن مؤتمرات التعاون بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية تتم في إطار جامعة الدول العربية إلا أن الطرف الفاعل فيها هو دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصًا السعودية والإمارات وقطر. يرجع ذلك إلى قدرة هذه الدول على احتفاظها باستقرارها السياسي وسط أجواء الاضطراب والفوضى التي عمت كثير من الدول العربية إضافة إلى تنفيذها لمشاريع تنمية طموحة، وازدياد تبادلاتها التكنولوجية والتجارية مع دول العالم.

وقد أسفر ذلك عن نمو متزايد للعلاقات الاقتصادية بين الطرفين، فارتفع حجم التبادل التجاري للسعودية مع هذه الدول من 3 مليار دولار في 2003م، إلى 10 مليار دولار في 2014م. وفي هذا العام كان الميزان التجاري يميل لصالح دول أمريكا اللاتينية، فبينما استوردت السعودية منها بقيمة 6.1 مليار دولار، فإن الصادرات السعودية بلغت 3.9 مليار دولار تمثلت أساسًا في النفط والبنزين وبعض المواد البترولية.

 أما بالنسبة للتبادل التجاري مع الدول الخليجية بشكل عام، فقد ازداد من 3 مليار دولار في 2003م، إلى 35 مليار دولار في 2014م، بزيادة قدرها 156%. وتصدرت البرازيل دول أمريكا الجنوبية في هذا المضمار، ففي عام 2015م، استحوذت على 49% من إجمالي صادرات دول أمريكا الجنوبية إلى السعودية، واحتلت المرتبة رقم 13 من قائمة الدول المصدرة للمملكة، والتي تنوعت صادراتها ما بين اللحوم والألبان والسكر والمصنوعات، وتم تنظيم رحلات جوية مباشرة من جانب شركتي "الاتحاد" و"القطرية" إلى البرازيل. كما نشطت دولة الإمارات في تدعيم علاقاتها التجارية مع المكسيك والبرازيل وتشيلي والأرجنتين.

ومع ازدياد العلاقات التجارية نشأ بعض الأطر المؤسسية مثل غرفة التجارة العربية اللاتينية، ومنتدى رجال الأعمال والذي عقد اجتماعه الرابع على هامش قمة الرياض، واجتماعات وزراء الاقتصاد والمال، والتي كان منها الاجتماع الذي انعقد في الأكوادور وصدور "إعلان كيتو"، والاجتماع الذي انعقد في المغرب وصدور "إعلان الرباط". وتضمن الإعلانان مقترحات بشأن تنمية العلاقات التجارية، ومنع الازدواج الضريبي، وتيسير فرص الاستثمار، وزيادة بعثات التمثيل التجاري بين الطرفين. كما استضافت دولة الإمارات "منتدى آفاق التعاون بين الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية تحت شعار الشراكة من أجل التنمية والتي ركز فيها على دور التعليم والبحث العلمي. وبدأت مفاوضات بين مجلس التعاون الخليجي والميركسور لتوقيع اتفاقية تجارة حرة مثل تلك التي وقعتها مصر في 2010م. ونشطت البرازيل في إرسال بعثات وتنظيم معارض تجارية لتسويق منتجاتها في الدول الخليجية.  

ومع تسجيل هذه الطفرة في العلاقات التجارية بين الطرفين، فإنه لا ينبغي التهويل مما تحقق إذ يبقى هذا التبادل في حدود 1% من حجم الناتج المحلي الإجمالي للطرفين، وأن الأطر المؤسسية التصديرية بين الطرفين محدودة، وجانب من هذا التبادل التجاري لا يتم مباشرة بين الطرفين، وإنما من خلال "وسطاء"، كما أن الاستثمارات المتبادلة بينهما مازالت متواضعة.

وارتبط ذلك بازدياد الزيارات على الجانبين، وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى زيارة وفد المجموعة البرلمانية لدول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (جرولاك) إلى دولة الإمارات واجتماعه مع قيادة المجلس الوطني الاتحادي بها. وبالنسبة للحوار السياسي بين الطرفين للوصول إلى مواقف مشتركة تجاه القضايا الدولية والصراعات الإقليمية، كان الاتفاق يسيرًا في بعض الموضوعات مثل الدعوة إلى إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وذلك على غرار منطقة أمريكا الجنوبية، والتضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، وإدانة كافة أشكال الإرهاب، واحترام السيادة الوطنية للدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها، والدعوة إلى رفع الحظر على إمداد الجيش الليبي بالسلاح.

بينما ظهرت خلافات بين الطرفين بشأن قضايا أخرى كان من أهمها الموقف تجاه إيران، فلم تتحمس أغلب دول أمريكا الجنوبية لانتقاد طهران بشكل مباشر وإدانة تدخلها في الشؤون الداخلية في البحرين واستمرار احتلالها للجزر الإماراتية الثلاثة، وأثير ذلك في قمة الرياض حيث تم التحفظ على مسودة البيان التي أعدها الجانب العربي بشأن هذه الموضوعات، كما حدث خلاف مماثل بشأن صياغة الفقرة الخاصة بالأزمة السورية.

ويمكن فهم التحفظ الأول في ضوء العلاقات التي تربط هذه الدول بإيران والسياسة الإيرانية النشطة في هذه المنطقة، وبالذات مع كوبا وفنزويلا والبرازيل ونيكارجوا، والتي أخذت دفعة بعد توقيع الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، واتسمت السياسة الإيرانية برد الفعل السريع ففي أعقاب قمة الرياض سارع نائب وزير الخارجية الإيراني بالقيام بجولة شملت المكسيك وكولومبيا والأكوادور.

 ومع أن أصابع الاتهام قد توجهت إلى إيران ودورها في بعض أعمال العنف مثل اقتحام السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين بسيارة مليئة بالمتفجرات في 1992م، وتفجير مبنى جمعية الصداقة الإسرائيلية الأرجنتينية في 1994م، مما أدى إلى صدور أوامر من المدعي العام الأرجنتيني بالقبض على الرئيس الأسبق رافسنجاني وعدد من القيادات الإيرانية وكذلك ضد عماد مغنية أحد قادة حزب الله اللبناني وإبلاغ الانتربول، فإن ذلك لم يؤثر بشكل رئيسي على الدور الإيراني في المنطقة.

كما يمكن فهم التحفظ الثاني الخاص بالأزمة السورية في إطار الصلة التاريخية لشعوب هذه الدول بسوريا، وعدم رغبتها في الانخراط في الخلافات العربية ــ العربية. وبالفعل تم التوصل إلى صيغة بيان يؤكد على المبادئ دون الدخول في تفاصيل محددة.

وفي هذا الصدد، من الضروري على الدول الخليجية الاستفادة من دروس الماضي، وعدم تصور أن إقامة صلات تعاون أو شراكة مع دول أخرى يعني التوافق الكامل معها في المواقف والتوجهات. ومن الخطأ البالغ أن يدلي المسؤولون العرب بتصريحات مفادها أن الهدف من تطوير العلاقات مع دول أمريكا الجنوبية وأمريكا اللاتينية عمومًا هو حصار إيران، فمثل هذا القول لا يجوز ويتضمن تهوينًا من شأن دول أمريكا الجنوبية واللاتينية. من حقنا أن يكون لدينا أهدافنا، وأن نسعى لتحقيقها، وأن ننشئ شبكة من المصالح المتبادلة مع الأطراف الأخرى مما يجعلهم أكثر تقبلاً لوجهات نظرنا بفعل حجم المصالح المشتركة، ولكن دون الافصاح عن ذلك أو ربط العلاقات التجارية بمشروطيات سياسية.

إن العلاقات بين الدول الخليجية ودول أمريكا اللاتينية أمامها فرصة كبيرة للتوسع والازدهار خاصة الخليجية طالما أحسن القائمون بالأمر إدارة هذه العلاقات، ومعرفة مصالح وأهداف الطرف الآخر والضغوط التي يتعرض لها. 

مجلة آراء حول الخليج