array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 110

الاستثمار الخليجي في صناعة النفط الصخري اللاتيني ضرورة حتمية الطاقة: جواز سفر دول الخليج للعبور لأمريكا اللاتينية

الأربعاء، 03 آب/أغسطس 2016

الحديث عن العلاقات الخليجية-الأمريكية اللاتينية المتعلقة بالطاقة ليست بالمهمة اليسيرة٬ كونها تعود لستينيات القرن المنصرم٬ وتحديدًا سنة 1960م، تاريخ إنشاء منظمة الدول المصدرة للنفط "الأوبك" بمبادرة سعودية- فنزويلية٬ إلا أن استشراف آفاقها المستقبلية يمر عبر الحديث عن وضعية الطاقة الراهنة بالعالم وتحولاتها الكثيرة والسريعة٬ فضلًا عن استحضار طبيعة علاقاتها بالتقلبات الإقليمية الخليجية والأمريكية اللاتينية وامتداداتها الدولية٬ لمعرفة إمكانية إسهامها مستقبلًا في مزيد من تطوير العلاقات الخليجية-اللاتينية.  

تحولات الطاقة المقصودة تحديدًا ليست إلا احتدام الصراع على مصادر الطاقة وارتفاع الطلب على المواد الطاقية أمام تراجع الامدادات الدولية وتراجع المصادر الطاقية التقليدية على حساب الطاقات المتجددة والبديلة وانخفاض التكلفة بسبب تطور التكنولوجيا الحديثة وتراجع أسعار النفط جراء تضارب المصالح وتقاطع الأجندات واشتداد المنافسة بين الأطراف المنتجة للطاقة بالأسواق الدولية، وتراجع الاحتياطات البترولية الكامنة بسبب الاستنزاف وانعكاسات هذه التحولات على الخليج وأمريكا اللاتينية.

إلا أن استشراف مستقبل الطاقة في الأمد المنظور والمتوسط والبعيد رهين بثلاث أمور. أولاً٬ مدى انخراط دول مجلس التعاون الخليجي بالتحولات الطاقية الأمريكية اللاتينية بمختلف أنواعها٬ سواء بتمويلات بنكية أو مصرفية أو عن طريق قروض أو سلف بفوائد بنكية تفضيلية؛ ثانيًا مدى انخراط دول الخليج باستثماراتها وتوظيفها لصناديقها السيادية بالبنيات التحتية للطاقة بهذا الجزء من العالم الآخذ في التنامي تدريجيًا، وثالثًا وأخيرًا مدى إحداث شراكات خليجية-أمريكية لاتينية بصيغة رابح- رابح في إطار علاقات جنوب-جنوب.

لمقاربة إمكانية تطوير الطاقة للعلاقات البينية الخليجية-اللاتينية مستقبلًا٬ سيتم اعتماد طرح يعتمد على البراغماتية٬ وذلك لمحاولة الإجابة عن إمكانية دول مجلس التعاون الخليجي (العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر) من جهة، وفنزويلا والاكوادور من جهة أخرى٬ الأعضاء بمنظمة الدول المصدرة للنفط من أمريكا اللاتينية٬ تجاوز أزمات سعر النفط المتدنية بالأسواق الدولية٬ في إطار التنسيق والتعاون تحت مظلة منظمة "الأوبك" أم يتعذر عليها ذلك؟ وذلك بالنظر إلى إمكانياتها وقدراتها ووسائلها ومدى نفوذها وتأثيرها.

تجاوز أزمة أسعار النفط بين الإمكانية والاستحالة    

الإجابة عن تجاوز أزمات سعر النفط تستوجب مبدئيًا على الجميع تنسيقًا وتعاونًا للحفاظ على أسعار النفط وتوحيدًا للمواقف لتحديد الإنتاج٬ تخفيضه أو رفعه٬ والتزامًا تعاقديًا٬ طالما أن أثمنة معقولة للنفط تخدم مصلحة الجميع٬ إلا أن واقع الأمر له بعد آخر على ما يبدو٬ وهو تضارب المصالح. لكن كيف؟ فالدول الخليجية مثلا٬ إذا ما انخفضت أسعار النفط٬ فتستطيع الصمود ومقاومة ذلك بصناديقها السيادية٬ إلا أن دول أمريكا اللاتينية ليست قادرة على ذلك٬ بسبب عجز موازناتها وتراجع احتياطاتها من العملة الصعبة.

التجلي الآخر لتقاطع الأجندات وتضارب المصالح الخليجية-اللاتينية بمنظمة "الأوبك" يمثله انطباع سائد عند بعض الأطراف المتابعة للأحداث والأسواق البترولية الدولية٬ يفيد بأن هناك 'حروبًا غير معلنة' بين هذه الأطراف٬ بحيث عندما تقرر "الأوبك" تخفيضها للإنتاج٬ فالقرار يثير مخاوف متعلقة بإمكانية فقدانها لحصتها بالأسواق الدولية٬ إلا أنه قد يفسر كذلك بالجهة المقابلة على أنه قرار يستهدف أمريكا اللاتينية، كونها تخالف قرارات "الأوبك" برفعها إنتاجها٬ بينما "الأوبك" تخفض الإنتاج لحماية الأسعار.    

إلا أنه بالرغم من هذا التضارب والتقاطع٬ بوسع دول مجلس التعاون الخليجي ودول أمريكا اللاتينية ذات العضوية بمنظمة "الأوبك" بقيادة السعودية وفنزويلا٬ الحفاظ على مصالحهما٬ بالنظر إلى تقاطعهم مع 'هيمنة' و 'وصاية' وكالة الطاقة الدولية ووجود مصلحة مشتركة بين منظمة البلدان المصدرة للبترول "الأوبك" ومنظمة الطاقة الأمريكية اللاتينية٬ وذلك لضمان أسعار عادلة ومستقرة للنفط وتنظيم الإمدادات البترولية بالعالم وضمان عائدات نفطية معقولة٬ كونها مصدرًا آمنًا للاستقرار بالأسواق العالمية.

أما التفاهم بشأن صيغة موحدة فبوسعه التحقق إذا توافرت الإرادة السياسية والقدرة الاقتصادية والمعرفة التقنية والخبرة المعرفية وتوظيف الذكاء في صيغة تفاهمات بالإجماع والتزامات تعاقدية موجبة للأطراف٬ خاصة وأن الحكومات الخليجية واللاتينية ما زالت إلى حد اليوم مجرد منتجة ومصدرة للذهب الأسود الخام٬ وليست مُصنعة له٬ مثلما ليست كذلك متحكمة كفاية بتسويقه وغير مستفيدة بما فيه الكفاية من عائداته٬ كونها تصدر غالبيته خام وتستورده بالمقابل مصنع بالعملة الصعبة.

التعاون في إطار أوبك ضرورة حتمية آنية

الحجج الداعمة لهذه الإمكانية كثيرة. فدول أمريكا اللاتينية وقفت بصف منظمة الدول المصدرة للنفط "الأوبك" باجتماعها الأخير المنعقد شهر أبريل 2016م، بالعاصمة القطرية الدوحة٬ بتأييدها مطلب تجميد سقف  الإنتاج و دعوتها التفكير بإحداث آليات لدعم الأسعار و التحكم بالإنتاج طبقًا للظرفية ووفقًا للمصلحة المشتركة الخليجية اللاتينية وذلك بالإبقاء على الإمدادات النفطية أو خفضها أو رفعها و تنظيم حاجيات العالم من النفط و الحفاظ على أسعاره من الانهيار و إحداث التوازنات المطلوبة بالأسواق النفطية الدولية.

إلا أن تراجع حصة منظمة "أوبك" بالأسواق الدولية بسبب منافسة الجهات المنتجة والمصدرة٬ الغير المنتمية للمنظمة٬ ورفع أمريكا اللاتينية لمستوياتها الإنتاجية ليست بالمؤشرات الإيجابية٬ حيث أن ارتفاع منسوب أمريكا اللاتينية من النفط له تأثير على الطلب بالسلب وتباطؤ الطلب يعقد من ارتفاع الأسعار٬ وإذا استمرت الأمور على حالها٬ فستستمر على الأرجح الانخفاضات بالأمد المنظور٬ ما سيؤثر على العائدات النفطية الخليجية الأمريكية اللاتينية بالسلب٬ خاصة إذا استمرت الانخفاضات المتدنية الحالية.

فبما أن هناك تهديدًا مشتركًا وأن تراجع الأسعار و تباطؤ الطلب على النفط يسير في غير صالح دول مجلس التعاون الخليجي وأمريكا اللاتينية وأن هناك منافسة من الجهات المنتجة و المصدرة للنفط٬ الغير المنضوية تحت لواء "الأوبك"٬ بزيادة إنتاجها استهدافًا للمنظمة٬ أساسًا الولايات المتحدة الأمريكية٬ فإن تنسيقًا خليجيًا ــ لاتينيًا أصبح ضرورة حتمية٬ لتقليصها مستويات الإنتاج بهدف دعم الأسعار٬ إلا أنه بالجهة المقابلة٬ بقدر ما أن العلاقات الطاقية الخليجية اللاتينية تعاونية بقدر ما أنها بالجهة المقابلة علاقات ندية بذات الوقت.

الإمكانية المتوفرة بيد الحكومات الخليجية اللاتينية٬ المنخرطة بمنظمة "الأوبك"٬ قصد الاستمرار بالإمساك بزمام الأمور واللعب بورقة النفط وإجبار الدول غير المنضوية تحت لواء الأوبك على إعادة النظر بإنتاجها٬ ليست إلا استمالة الدول الأمريكية اللاتينية٬ المنتجة والمصدرة للنفط٬ غير المنتمية لمنظمة "الأوبك"٬ واستقطابها للانضمام إليها٬ أساسًا المكسيك والبرازيل وكولومبيا٬ بالنظر إلى احتياطاتها ومخزوناتها ومؤهلاتها الواعدة. فكلما تم التحكم بالإنتاج وتزايد الطلب على النفط كلما استفاد حتما الجميع.

النفط الصخري بأمريكا اللاتينية تهديد للخليج وفرصة بذات الوقت

أما التهديد الممكن أن يزيح دول مجلس التعاون الخليجي مستقبلًا من على عرش الدول المنتجة للطاقة فهو يتواجد بأمريكا اللاتينية. الأمر يتعلق بالنفط الصخري المستخرج من الصخور البركانية٬ الكثيرة بالقارة الأمريكية اللاتينية٬ نظرًا لتطور تكنولوجيا استخراجه وتحويله إلى طاقة٬ بالنظر إلى أن الصخور البركانية الأمريكية اللاتينية حبلى بالنفط وجوفها يختزن أكبر احتياطي بالعالم. هذا الأمر يدفع اليوم الولايات المتحدة الأمريكية٬ بإعادة التركيز على أمريكا اللاتينية٬ حديقتها الخلفية التقليدية٬وفقًا لعقيدة "مونرو" الأمريكية.

لماذا تهديد؟ لسبب بسيط وهو أن أمريكا اللاتينية تعد أكبر مخزون للنفط الصخري بالعالم٬ حيث أن تقديرات إدارة بيانات الطاقة الأمريكية لسنة 2013م، تشير إلى أن الأرجنتين تمتلك نحو 30 مليار برميل للنفط المستخرج من الصخور، ويتوفر بفنزويلا نحو 13 مليار برميل وكذلك 13 مليارًا بالمكسيك٬ بينما يفيد المعهد الفرنسي للهيدروكربونات غير التقليدية٬ بدراسة نشرت في شهر أكتوبر 2015م، أن احتياط النفط الصخري واعد بأمريكا اللاتينية٬ حيث أن الأرجنتين لوحدها تمتلك ثاني أكبر احتياط بالعالم يقدر بنحو 27 بليون برميل.

إلا أن هذا التهديد المفترض محدود بالأمد المنظور٬ نظرًا للعديد من الأسباب والاعتبارات. أولاً حداثة تطور تكنولوجيا استخراجه؛ ثانيًا ارتفاع تكلفة تحويله إلى طاقة؛ ثالثًا تلويثه للبيئة؛ رابعًا توجه العالم نحو الطاقات النظيفة والصديقة للبيئة٬ والمتمثلة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ خامسًا التوقيع على اتفاق باريس لمكافحة التغيرات المناخية؛ سادسًا دخول اتفاقية تغير المناخ حيز التنفيذ سنة 2016م، وأخيرًا توجه الاستثمارات العالمية صوب الطاقات البديلة. لذلك يعد التهديد غير قائم بالأمد المنظور إلا أنه مستقبلا يبقى تحديًا قائمًا بالنسبة لدول الخليج.

 

ولمواجهة تداعيات هذه الفورة النفطية الصخرية الأمريكية اللاتينية على دول مجلس التعاون الخليجي التخفيف من حدة انعكاساتها عليها٬ بإمكانها نهج سياسة التفافية ناعمة٬ للتقرب من دول أمريكا اللاتينية لتجد لها موطأ قدم فيها. المقصود هو أن بود دول مجلس التعاون الخليجي التعاون مع دول أمريكا اللاتينية فيما يهم الصناعة التحويلية البترولية٬ المتعلقة باستخراج الطاقة من النفط المستخرج من الصخور البركانية٬ خاصة وأن دول مجلس التعاون الخليجي راكمت من التجربة ما يؤهلها للانخراط بهذه التجربة.

الاستثمارات مفتاح دول الخليج لولوج أمريكا اللاتينية

 

لذلك يعد استثمار الشركات البترولية الخليجية بالصناعة التحويلية للنفط المستخرج من الصخور واحدة من إمكانيات التعاون الممكنة بين دول مجلس التعاون الخليجي وأمريكا اللاتينية٬ خاصة وأن هذا النوع من النفط بدأ يتضاعف إنتاجه ويتم عرضه بالأسواق الدولية للاستهلاك٬ وذلك بفضل تطور تقنية استخراج الطاقة وتراجع تكلفة استغلاله٬ خاصة وأن الصناعة البترولية التقليدية تمر بظرفية عصيبة٬ سيما وأن الثورة التكنولوجية المستجدة بعالم اليوم غيرت واقع النفط ومنظومته وديناميكيته الدولية.

انخراط دول الخليج بالصناعة التحويلية الأمريكية اللاتينية للنفط المستخرج من الصخور عبر توظيف صناديقها السيادية سيدفعها مستقبلاً بالاستمرار في قيادة إنتاج الطاقة بالعالم والحفاظ على منظمة الدول المصدرة للنفط "الأوبك" من الاندثار٬ كونها مهددة جراء الهبوط الحاد للأسعار بالأسواق الدولية٬ بينما الاستثمار في تكرير وتصفية وتوزيع هذا النفط واستثمار الخبرة الخليجية النفطية في الصناعة البترولية الأمريكية اللاتينية سيؤكد توفر دول الخليج على تصور واستراتيجية بعيدة الأمد للاستمرار بصدارة هذا القطاع. 

فلبلوغ غاية الحفاظ على ريادة الصناعة البترولية التحويلية٬ الحاجة ملحة إلى إنشاء شركات مشتركة خليجية أمريكية لاتينية والإقدام على استثمارات استراتيجية بعيدة الأمد وتشجيع القطاعات الخاصة الخليجية على ذلك٬ فضلاً عن إقامة علاقات استثمارية مستدامة بهذا الصدد والاستثمار بالبنية التحتية البترولية الأمريكية اللاتينية، وكذا التقنية النفطية التحويلية ذات الصلة طالما أنها ما زالت في مراحلها الجنينية والاستكشافية٬ وذلك في إطار علاقات متكافئة ومتعادلة وبصيغة "رابح- رابح" البراغماتية و "جنوب- جنوب" الأفقية.

إلا أن المفارقة هي أن الاستثمارات الخليجية بأمريكا اللاتينية لم ترق بعد إلى المستويات المعقولة٬ حيث يتبين وفقًا لتقرير بعنوان "العلاقات الأمريكية اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي والشرق الأوسط: الوضعية الراهنة والفرص المتاحة" الصادر عن المنظومة الاقتصادية الأمريكية اللاتينية (منظمة إقليمية متعددة الحكومات) بأن الاستثمارات المحققة في إطار التعاون جنوب- جنوب بين دول المنطقتين ما زالت متواضعة. لذلك فالمناسبة سانحة للتوجه بالاستثمارات صوب هذه الصناعة النفطية التحويلية الواعدة.

أما الاستثمار في حد ذاته٬ بالنسبة للدول الخليجية بأمريكا اللاتينية٬ فيعد حاجة ماسة في العلاقات الدولية الخليجية٬ وخاصة الخليجية اللاتينية٬ حيث تشهد حاليًا تغيرات مهمة٬ خصوصًا وأن هذه العلاقات تقوم بتأطيرها اتفاقيات ثنائية تهم جميع القطاعات واتفاقية-إطار تم التوقيع عليها سنة 2005م، خلال قمة أمريكا الجنوبية والدول العربية بين مجلس التعاون الخليجي وتجمع السوق المشتركة الأمريكية الجنوبية "المركوسور" تمهيدًا للتوقيع على المعاهدة الجمركية التفضيلية واتفاقية التجارة الحرة المتحدث بشأنها عام 2006م.

لذلك فالحاجة إذا إلى الدعوة إلى قمة خليجية ـ أمريكية لاتينية٬ طالما أن الطاقة تعد من القطاعات السيادية٬ للتفاهم بشأن الإمكانيات الاستثمارية المتاحة٬ خاصة أن أمريكا اللاتينية اليوم تعد ورشًا مفتوحة على الاستثمارات البترولية. فالمكسيك مثلا تقوم بإصلاحات قطاعية كبيرة وشاملة وتعرف تحولات بنيوية وهيكلية ونسقية٬ قد تجد الاستثمارات الخليجية ضالتها بها٬ حيث تروم خصخصة قطاع الطاقة وتحريره بعد عقود من تأميمه وإلغاء احتكاره وفتحه للمنافسة وللقطاعات الخاصة والشركات المتعددة الجنسيات.

الجانب المرتبط بالبيئة الاستثمارية بدوره قطعت فيه أمريكا اللاتينية أشواطًا متقدمة٬ باجتهادات وإصلاحات وتعديلات مهمة٬ حيث بدأت بتشجيع الاستثمار بها بشروط تفضيلية وتقديم امتيازات وضمانات٬ إلا أن تهديدات عدم الأمن وعدم الاستقرار ما زالت قائمة بالقارة وإن كانت بنسب متفاوتة٬ بينما الأهم بهذا الصدد هو إلغاء الازدواجية الضريبية والإعفاءات الجمركية والامتيازات التفضيلية٬ قصد إعطاء دفعة قوية للاستثمارات الأجنبية بهذه الشبه قارة والاستفادة من فرصها الاستثمارية الواعدة٬ لتنويع الشراكات التقليدية.

الطاقات المتجددة والبديلة فرصة ثمينة للاستثمارات الخليجية

 

الإمكانيات الواعدة الممكنة أيضًا ليست إلا الاستثمار بالطاقات المتجددة أو البديلة٬ أساسًا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، للعديد من الاعتبارات الذاتية والموضوعية٬ اقتصادية، وبيئية، وأمنية، فضلاً عن ارتفاع تأثيرات الطاقات التقليدية المضرة بالبيئة٬ النفطية أساسًا٬ خاصة وأن عصر النفط يوشك أن يشرف على نهايته حسب بعض الآراء٬ بالإضافة إلى تزايد الحاجة إلى تنويع مصادر الطاقة بالعالم وارتفاع الطلب عليها يومًا بعد يوم، بالنظر إلى تزايد الاقتصاديات الصناعية بسرعة كبيرة على حساب الاقتصاديات الزراعية.

 

لذلك فدول مجلس التعاون الخليجي المسيطرة على منظمة "الأوبك"٬ بوسعها الاستمرار بالحفاظ على هيمنتها على الطاقة بالعالم٬ خاصة بأمريكا اللاتينية٬ بالاعتماد على الطاقة المتجددة والبديلة٬ وذلك بمسايرتها للمتغيرات الدولية الراهنة والمستجدة يومًا بعد يوم٬ والتفكير في إنشائها لمنظمة على شاكلة "الأوبك" للدول المصدّرة والمنتجة للطاقة المتجددة٬ خاصة الشمسية والرياح بمبادرة وقيادة خليجية-أمريكا اللاتينية٬ طالما أن أكثر عدد الأيام المشمشة والمؤهلات الشمسية تتواجد بالخليج وأمريكا اللاتينية على السواء.

 

الإمكانيات الاستثمارية الخليجية بالطاقات المتجددة والبديلة بأمريكا اللاتينية بدورها واعدة٬ كون أمريكا اللاتينية٬ الباحثة عن الاستقلالية في الطاقة بدلًا من التبعية والباحثة أيضًا عن تقليصها لفاتورتها الطاقية و حماية سيادتها الطاقية٬ أصبحت اليوم٬ ورشًا مفتوحًا٬ انطلاقًا من المكسيك وغواتيمالا و بنما٬ مرورًا بالأوروغواي و نيكاراغوا و انتهاء بكوستاريكا و البرازيل و الشيلي وذلك بالتشجيع على الاستثمار بهذه الطاقات المستجدة٬ بفضل الطفرة التقنية الآخذة في التطور يومًا بعد يوم فضلاً عن تراجع تكلفة إنتاجها للطاقة.

فاستنادًا إلى مؤشر مناخ وجاذبية الاستثمارات بالعالم لسنة 2014م، فيتبين أنه خلال سنة 2013م، "بلغت قيمة مجموع الاستثمارات في مجالات الطاقة المتجددة بأمريكا اللاتينية والكاريبي ما يناهز تقريبا 14 مليار دولار أمريكيا" بينما نجد بمحتويات تقرير "توقعات الطاقة العالمية 2014م" الصادر عن وكالة الطاقة الدولية "أن الرفع من حجم الاستثمارات بمجالات الطاقة المتجددة والبديلة أصبح اليوم ضرورة" مشيرًا أيضا أن "أمريكا اللاتينية بحاجة إلى استثمارات بنحو 900 مليون دولار سنويًا إلى حدود سنة 2030م".

هيمنة التمويلات العالمية وغياب نظيرتها الخليجية

فبالنسبة للسلفادور مثلاً٬ فنجد أن هذا البلد الواقع بأمريكا الوسطى بصدد الاستثمار بوتيرة سريعة بالطاقات المتجددة والبديلة٬ حيث يقوم بمساعدة قروض ألمانية، بالاستثمار بالطاقة الشمسية٬ بهدف إنتاج 94 ميجاوات بمبلغ قدره 250 مليون دولار. أما كوستاريكا، فنجدها بصدد الاستثمار بمساعدة قروض صينية، بالطاقة ذاتها٬ حيث استثمرت بالسنوات السبع الأخيرة 1.7 مليار دولار بمختلف مشاريع الطاقة المتجددة٬ بينما نيكاراغوا٬ بدعم من اليابان فإنها بصدد دراسة بناء محطة للطاقة الشمسية بقدرة 100 ميجاوات.

إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي لها مكانها للاستثمار بالطاقات المتجددة والبديلة بأمريكا اللاتينية٬ بحيث أن عددًا كبيرًا من البلدان بصدد البحث عن قروض وتمويلات لذلك. فكوبا مثلاً تسير تدريجيًا بخطوات ثابتة نحو تحقيق الاستقلالية الطاقية بفضل سلسلة من المبادرات تراهن عليها لمواجهة مشاكلها المتعلقة بالتزود بالنفط وتبعات ذلك على اقتصاد البلاد٬ بحيث تطمح إلى تغطية 10%من مجموع احتياجاتها من الطاقة من مصادر الطاقة النظيفة بحلول سنة 2020 وبلوغ 700 ميغاواط ونسبة 24 %بحلول عام 2030م.

فبعد تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة سنة 2014م، وانفتاح كوبا "الشيوعية" على العالم والعولمة وإجراء إصلاحات قانونية واقتصادية ذات طبيعة هيكلية وبنيوية سنة 2008 م، ومنها أساسًا٬ إنشاء منطقة خاصة لتنمية البلاد وإحداث قانون جديد للاستثمار معد خصوصًا للأجانب٬ فإن البلاد٬ بإقدامها على هكذا خطوات فإنها تشجع على الاستثمار بالطاقات المتجددة والبديلة٬ وذلك بالاعتماد على إدماج الشركات ذات رأس المال الأجنبي والمتعددة الجنسيات بنسبة 100% لتنمية البلاد واستدراك الوقت الضائع.

الإمارات العربية المتحدة نموذج للاحتذاء به

أما الإمارات العربية المتحدة فتعد بدون منازع نموذجًا للاستثمارات الخليجية بكوبا٬ بحيث أن صندوق أبو ظبي للتنمية يسمح لكوبا٬ بتمويلاته ومعاملاته المالية المختلفة٬ بتنويع مصادرها الطاقية وتعزيز مستويات الطاقة المتجددة والبديلة بها، خاصة منها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح٬ مثلما يدعم كذلك مشروعًا لتوليد 10 ميغاواط من الطاقة الشمسية سيزيد بنسبة 50 %من حجم القدرة الطاقية الشمسية الحالية بكوبا٬ مثلما يدعم كذلك مشروعًا شمسيًا آخر ينتظر الانتهاء من اشغاله سنة 2017م، لتحلية مياه البحر المالحة.

فبما أن العالم عرف تغيّرات مناخية دراماتيكية بسبب ارتفاع نسبة التلوث وتوجه العالم باتجاه الحد من انبعاث الغازات الضارة والملوثات والتوقيع على اتفاق باريس لمكافحة التغير المناخي ودخول اتفاقية تغير المناخ حيز التنفيذ شهر أبريل 2016م، وهبوط أسعار النفط إلى مستويات متدنية بالأسواق الدولية وتطور التقنية المستخرجة للطاقة من المصادر الغير التقليدية وتوجه الاستثمارات الدولية صوب الطاقات البديلة النظيفة٬ فإن هذه المستجدات٬ تعد تحديات جديدة تواجه منتجي النفط بالعالم٬ أساسا منظمة "الأوبك".

التحدي موضوع الحديث يفرض بالضرورة على دول التعاون الخليجي الانخراط بقوة بديناميكية الاستثمار بالطاقات المتجددة والبديلة بأمريكا اللاتينية٬ طالما أن هذا النوع من الطاقة أصبح ضرورة ملحة وسيصبح حتمية مستقبلا٬ وإن يعد إلى حدود الساعة٬ موردًا ذو أدوار تكميلية بالأمد المنظور٬ إلا أنه بالأمد المتوسط-البعيد٬ سيصبح بالتأكيد المورد المهيمن وبديلاً قائما بذاته للطاقات الملوثة والمضرة بالبيئة. فالتوجه نحو الطاقات البديلة والمتجددة٬ النظيفة والصديقة للبيئة٬ لم يعد خيارًا من بين خيارات وإنما حاجة ملحة.

فبإمكانية استمرار انخفاض أسعار النفط بالأمد المتوسط-البعيد بحسب العديد من التقديرات التخمينية٬ وربما تدهورها وفقا للتكهنات التشاؤمية٬ فإن دول مجلس التعاون الخليجي عليها الرهان مستقبلاً على الطاقات المتجددة والبديلة٬ مثلما عليها فصاعدًا التفكير بالاستثمار بالطاقات الشمسية والرياح بأمريكا اللاتينية٬ بالعقود القادمة المقبلة على أبعد تقدير٬ وذلك انطلاقًا من الاستثمار بقوة بالكفاءات العلمية والخبرات التقنية المستقبلية٬ بهدف حفاظها على استمرارها بريادتها كواحد من كبار صناع قرار الطاقة بالعالم.

لذلك ينتظر من دول مجلس التعاون الخليجي الإسراع بنهج الدبلوماسية الاستثمارية بهذا الشأن و توظيف صناديقها السيادية و تشجيع بنوكها على فتح تمثيليات بأمريكا اللاتينية و اقتناء أسهم الشركات الطاقية الأمريكية اللاتينية٬ لبلوغ المنفعة المتبادلة والمصلحة المشتركة٬ استعدادًا لعقد اتفاقيات بينية للتجارة الحرة المدرجة بأجندة العلاقات الثنائية منذ سنة 2007 لتجاوز العلاقات التقليدية والبروتوكولية المبنية على الصداقة والاحترام٬ خاصة و أن عودة الحكومات اليمينية الليبرالية بأمريكا اللاتينية مؤشر إيجابي على ذلك.

إلا أنه إلى حد اليوم٬ تبقى العلاقات الخليجية-الأمريكية اللاتينية بمجالات الطاقة متواضعة وخجولة٬ إلا أنها إذا توافرت القناعة المقرونة بالإرادة٬ فإن هذه العلاقات الموقوفة التنفيذ عمليًا٬ ستأخذ منحنًا آخر وستشهد بذلك تدريجيًا نموًا مطردًا٬ حيث أن لها إمكانيات كبيرة تؤهلها لبلوغ مستويات العلاقة النموذجية والشراكة الاستراتيجية المتقدمة. الحاجة فقط إلى رؤيـة واقعية للتحولات الجيو-سياسية السريعة للطاقة فضـلاً عن نـظرة استشرافية للأدوار المستقبلية للطاقة بعالم الغد الآخذ بالتبلور اليوم٬ يومًا بعد يوم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحث في الشؤون الأمريكية اللاتينية ــ المملكة المغربية

مجلة آراء حول الخليج