array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 110

المواقف اللاتينية: الاستمرارية وفرص التغيير أربعة مستويات للتعاون الخليجي ـ اللاتيني للمساهمة في حل الأزمة السورية

الأربعاء، 03 آب/أغسطس 2016

ما إن تحولت الثورات في بعض بلدان الربيع العربي إلى أزمات وصراعات تداخلت فيها مصالح القوى الإقليمية والدولية حتى بدأت مواقف الدول بفرز ارتبط بأهدافها ومصالحها. لهذا عند تناول موقف دول أمريكا اللاتينية من الأزمة السورية تحديدًا فإنه من الصعب أن نشير إلى موقف جماعي لتلك الدول سواء من الانتفاضات العربية بصفة عامة أو من الأزمة السورية بصفة خاصة، لأنه في الواقع ليس هناك موقفًا جماعيًا يعكس وجهة نظر دول أمريكا اللاتينية مما حدث في المنطقة العربية ومما حدث في سوريا، كما أن مواقف بعض الدول اختلفت بحسب التطورات التي شهدتها سوريا خلال السنوات الخمس الأخيرة.

أولا-طبيعة العلاقات السورية اللاتينية:

     قبل بضع سنوات من الثورة السورية، تطلعت سوريا إلى الخروج من العزلة التي فرضتها عليها أمريكا وبعض القوى؛ نتيجة مواقفها ضمن محور الممانعة، وكانت بعض دول أمريكا اللاتينية مقصدًا لفك هذه العزلة، ويعود ذلك إلى ملائمة الظروف لهذا التوجه، فبداية كانت بعض تلك الدول تبحث عن أطر للتعاون بين دول الجنوب من أجل مواجهة العولمة والتحديات التي تفرضها سياسات الدول الكبرى على الدول النامية بما يثبت مكانتها الإقليمية والدولية، فضلاً عن التحول في المواقف السياسية لبعض دول أمريكا اللاتينية على المستوى الدولي خاصة تراجع علاقاتها بأمريكا وإسرائيل، ناهيك عن مواقفها المؤيدة للحقوق العربية المشروعة، حيث دعت هذه الدول إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة بما فيها الجولان ، وأعلنت حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة ووقف بناء المستوطنات، بل واعترفت غالبية الدول اللاتينية بالدولة الفلسطينية.

بل انتقل التأييد اللاتيني للقضايا العربية إلى المستوى الشعبي بخروج مظاهرات حاشدة مناهضة لحرب العراق 2003م، ولبنان 2006م، وغزة عام 2009م، وحدث تراجع كبير في علاقات إسرائيل ببعض دول أمريكا اللاتينية بعد عام 2009، علمًا بأن إسرائيل قد استغلت من قبل فترة تراجع التواصل العربي مع دول أمريكا اللاتينية وأقامت علاقات متميزة مع معظم دول القارة التي كانت تعدها الفناء الخلفي للسياسة الأمريكية المؤيدة لإسرائيل.

ولعل أبرز الدول التي حاولت سوريا تطوير علاقاتها معها كانت البرازيل وفنزويلا والأرجنتين؛ كون هذه الدول نجحت في إعادة رسم الخريطة السياسية في القارة اللاتينية بعيدًا عن التبعية لأمريكا بما يسمح لها باستقلالية قرارها السياسي.

وعدَت زيارة بشار الأسد في 2010م، إلى بعض دول أمريكا اللاتينية هي الأولى من نوعها لرئيس سوري، رغم زيارة الرئيس الكوبي فيدل كاسترو لدمشق عام 2001م، والرئيس الفنزويلي شافيز (2006 و2009م)، والرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا 2003م)، ما جعل سوريا في مقدمة الدول العربية التي لها رصيد من العلاقات مع الدول اللاتينية.

اقتصاديا، فقد حاولت سوريا قبيل الثورة تعزيز علاقتها بالاستفادة من التحولات الاقتصادية العالمية، فالبرازيل احتلت المرتبة السادسة عالميًا من حيث قوة اقتصادها، وحققت نموًا مطردًا خلال السنوات الأخيرة وتشارك في عدد من التكتلات الدولية وفي مقدمتها "البريكس" وتكتل "إيبا" ومنتدى "آبسا"، كما أن الأرجنتين حققت نموًا مكنها من الدخول إلى مجموعة الـ 20 الكبار، وتعد فنزويلا أحد أهم الدول المنتجة للبترول والغاز عالميًا، وكانت البرازيل تمد سوريا بمعظم احتياجاتها من السكر، كما تستورد سوريا سنويا معظم احتياجاتها من السولار من فنزويلا في ظل تراجع إنتاجها من النفط.

وقد وقعت سوريا عام 2010م، اتفاقيات اقتصادية مع أربع دول لاتينية هي كوبا، فنزويلا، البرازيل، والأرجنتين أثناء زيارة الرئيس الأسد لهذه الدول من 26 يونية إلى 4 يوليو 2010م.

ثمة تطور اقتصادي آخر وهو انضمام سوريا إلى كتلة "ميركوسور" التي تضم الأرجنتين والبرازيل، الأورجواي، فنزويلا، ودولا أخرى بصفة مراقب، لتحرير التبادل التجاري فيما بينها – وهى الرابطة التي أتت على حساب تهميش للرابطة الأمريكية "أوناسور" التي تضم الولايات المتحدة وكندا – مما مثل مكسبًا مهمًا؛ وينطــلق هذا التعاون من الرؤية التي قدمتــها سوريا لنفسها قبل الثورة؛ لتكــون ممـرًا ورابطًا بين البحور الخمسة: الأبيض المتوسط، وقزوين، والأسود، والأحمر، والخليج العربي، وتكون نقطة التقاء لخطوط الغـاز والنفط والطاقة والنقل, وتكون بمثابة بوابة لدول أمريكا اللاتينية إلى آسيا.

إضافة إلى عوامل التواجد العربي والسوري المؤثر في دول القارة بما يمثله من ثقل ديمغرافي، حيث تقدر الجالية السورية في دول القارة بأكثر من عشرة ملايين نسمة من أصل 40 مليون منحدرًا من أصول عربية، وتكتسب هذه الجالية أهميتها من انغماسها في الحياة العامة وتقلدها لمواقع سياسية واقتصادية هامة، وهو ما يمكن اعتباره قوة هامة إذا ما أحسن استغلالها، كما كان ينظر إليها باعتبارها ثروة اقتصادية بالنظر إلى مدى الاستفادة من إمكانياتها الاقتصادية، فضلا عن تشجيعها على السياحة والارتباط الثقافي بوطنها الأم، لهذا نجد أن زيارة الرئيس السوري في 2010م، لدول في أمريكا اللاتينية أكدت على تعزيز العلاقات الثقافية مع الجامعات السورية والتعاون والتبادل الإعلامي، لمد جسور التواصل مع الجاليات العربية، وتعزيز لغة الحوار واللقاء بين شعوب المنطقتين العربية وأمريكا اللاتينية،.

ثانيا-اتجاهات وقضايا التفاعل اللاتيني مع الأزمة السورية:

مرت الأزمة السورية بعدد من المحطات خلال السنوات الخمس الماضية، وقد كانت أبرز محطاتها هو الاتجاه نحو عسكرة الثورة وتحويلها إلى صراع مسلح؛ مما فتح المجال لتحويل سوريا إلى ساحة قتال مفتوحة، وكانت النتيجة المباشرة لذلك هو التدخل الخارجي وتدويل الأزمة، حيث تدخلت أطراف إقليمية ودولية.

وفى سياق هذه التطورات التي طالت الأزمة بدأت عملية فرز لمواقف القوى الإقليمية والدولية، ويمكن القول أن مواقف الدول الرئيسية والمؤثرة على مستوى أمريكا اللاتينية كانت تصب في صالح نظام بشار الأسد، لكن تفصيلاً اختلفت درجة التأييد من جانب تلك القوى.

على جانب ثان لم تقدم أي من دول أمريكا اللاتينية مبادرة أو تصور لتسوية الأزمة، وذلك باستثناء مبادرة قدمتها البرازيل في نهاية عام 2011م، في إطار مجموعة "إيبا" التي تضم إلى جانب البرازيل دول الهند وجنوب إفريقيا، والمبادرة طرحت فكرة حوار بين الحكومة والمعارضة ، لكن تطور الصراع على الأرض تجاوزها، فضلا عن مقترح قدمته جواتيمالا أثناء شغلها لمقعد بمجلس الأمن إلى مجموعة العمل الدولية في جنيف في 2013م، بشأن عملية الانتقال السياسي في سوريا، لكن فشل مسار جنيف مطلع 2014م، أحبط المسار برمته، ومن ثم كانت مشاركة دول أمريكا اللاتينية في مسارات مباشرة للتعامل مع الأزمة محدودة، والنشاط الأبرز كان يتم في إطار التجمعات الدولية وبصورة منفردة تعكس وجهة نظر كل دولة على حده.

من ناحية ثالثة كان اهتمام بعض الدول اللاتينية بالأزمة ينصب على مسألة تدهور حقوق الإنسان، وتلك المسألة -التي كانت عنوانا لتعاطف كثير من دول العالم في مرحلة سابقة في السبعينيات مع الدول اللاتينية التي خضعت لسيطرة أنظمة عسكرية مارست انتهاكات مماثلة بحق شعوبها- لذلك كان هناك تمايز واضح في مواقف الدول اللاتينية، لأن هناك دولا أهمها البرازيل ترى أن هناك تسييسا لهذه القضية وتخشى أن يساء استخدام مبدأ الحماية الإنسانية من أجل إحداث تغيير سياسي كما حدث في ليبيا، وتحقيق مصالح دول بعينها تحت ستار هذا المبدأ، وهناك دولا أخرى لعبت دورًا في تحريك هذا الملف في المؤسسات الدولية كبنما والمكسيك وجواتيمالا وشيلي.

من جهة رابعة، وعلى ضوء ضعف مواقف العديد من دول أمريكا اللاتينية كانت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن مرآة عاكسة لمواقف بعض تلك الدول لا سيما أن أمريكا اللاتينية ممثلة بدولتين كأعضاء غير دائمين بمجلس الأمن، وبالنظر إلى النشاط اللاتيني داخل الأمم المتحدة، يمكننا تصنيف مواقف الدول في هذا السياق على النحو التالي:

  • دول وقفت مع النظام ورفضت الاعتراف بوجود أي مطالب حقيقية للتغيير عبرت عنها الأزمة، وترى أن ما يحدث في سوريا هو مؤامرة خارجية، ومدت النظام بمساعدات وفى مقدمة هذه الدول فنزويلا وكوبا والأكوادور.

ففنزويلا رأت أن أصل الصراع في سوريا هو مؤامرة، وأن هناك دولا خرقت القانون الدولي ودعمت قوى داخلية وأجنبية ماليًا وبأشكال أخرى وجماعات إرهابية ومسلحة من أجل تعزيز الإطاحة بالنظام الشرعي في سوريا بالعنف، وترى أن هناك تسييسا دوليًا لملف حقوق الإنسان. وفى الإطار ذاته دعمت فنزويلا جهود روسيا وموقفها من الأزمة، وبالتالي هي ترى أن الأسد لا بد أن يكون جزءًا من الحل، كما تحمل فنزويلا الجماعات المسلحة مسئولية ما يحدث في سوريا. وأيدت فنزويلا التدخل العسكري الروسي على خط الأزمة في أغسطس 2015م، باعتبارها مستدعاه من النظام السوري، بخلاف دول أخرى ترى فنزويلا أنها تدخلت لدعم مصالحها الامبريالية ومن ثم وقفت فنزويلا ضد قرارات الجمعية العامة ومشاريع القرارات الدولية ضد سوريا باستثناء تلك التي مرت بموافقة روسية.

  • دول اعترفت بوجود مطالب شعبية وانتهاكات من جانب النظام لكن لم تحمل النظام المسؤولية ومواقفها تبدو ضد عملية التغيير السياسي في سوريا لأن التغيير قد يمثل ضررًا بمصالحها، وفى مقدمتها البرازيل والأرجنتين، ومواقفها تتفق جزئيًا مع المواقف الخليجية والقضية الخلافية الأبرز هي ما يتعلق بدور الأسد في مستقبل سوريا ومسألة التدخل الخارجي.

وهنا يبرز موقف البرازيل كقوة صاعدة لها وزنها حين امتنعت عن التصويت على أول مشروع قرار في مجلس الأمن في أكتوبر 2011م، بفرض عقوبات على النظام السوري نتيجة استخدامه للعنف المفرط، لأنها كانت تؤيد مشروع صيني ـ روسي مقابل يستند على عدم التدخل الخارجي في الأزمة، وفى الأخير اصطدم المشروع بالفيتو الروسي الصيني. كما أنها قد حالت دون تضمين قرار غير ملزم من الجمعية العامة في الشهر نفسه تبنى عملية انتقال سياسي، ورغم استناد الموقف البرازيلي إلى مبدأ عدم التدخل الخارجي في الدول وحماية سيادتها، والتحجج بإساءة بعض القوى استخدام مبدأ حق الحماية في تغيير الحكومات وهو ما ترفضه، فإنها أيدت التدخل العسكري الروسي في سوريا صيف العام 2015م.

فيما تبلورت رؤية الأرجنتين وموقفها من الأزمة في مجلس الأمن من خلال عدد من النقاط أهمها: الوقوف على مسافة واحدة من طرفي الصراع حيث أدانت الانتهاكات التي يرتكبها طرفا الصراع والعقبات التي يضعانها أمام وصول المساعدات الإنسانية، وإدانة مجلس الأمن لعدم إحالته الانتهاكات إلى المحكمة الجنائية الدولية، والدعوة لوقف إمداد الأطراف بالأسلحة، وتقديم الدعم والمساعدة للدول المستقبلة للاجئين، والدعوة لتجاوز الفشل في مجلس الأمن وتحقيق توافق بين روسيا والولايات المتحدة للوصول إلى حل سلمى، وفي أكتوبر 2014م، دعت الأرجنتين إلى تشكيل حكومة شاملة كحل لمواجهة التطرف المتصاعد وهاجمت رئيسة الأرجنتين كريستينا كريشنر أمام الأمم المتحدة في سبتمبر 2014م، التدخل العسكري في سوريا وحملت فيها الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى الداعمة للمعارضة السورية ضد نظام بشار السبب في ظهور داعش والتدهور الأمني والإنساني في سوريا.

  • دول متواضعة التأثير، لديها موقف أخلاقي من تدهور أوضاع الإنسان والانتهاكات الواسعة للنظام، تتخذ موقفًا محايدًا من أطراف الأزمة وتؤيد أي حل سياسي توافقي، ومن بينها: شيلي، كولومبيا، المكسيك، بنما، وجواتيمالا، ومواقفها لا تصطدم بالموقف الخليجي.

ونلاحظ هنا أن كولومبيا أيدت في أكتوبر 2011م، مشروع قرار قدمته دول ألمانيا، البرتغال، فرنسا، المملكة المتحدة، وإيرلندا بفرض عقوبات على النظام السوري نتيجة استخدامه للعنف المفرط لكنه واجه الفيتو الروسي الصيني، وعندما طرحت المبادرة العربية عبر مشروع قرار أمام مجلس الأمن في فبراير 2012م، فإنها حازت موافقة كلا من كولومبيا وجواتيمالا لكنها واجهت الفيتو الروسي/ الصيني.

وفشل مجلس الأمن في تبني قرارًا يعطي الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الحرب الأهلية في سوريا في مايو 2014م، وشارك في صياغته: بنما وشيلي والمكسيك والأرجنتين لكنه واجه الفيتو الروسي/ الصيني مرة أخرى، فيما أصدرت أورجواي بيانًا في فبراير 2016م، أعربت فيه عن ارتياحها للإعلان الأمريكي/ الروسي والذي كان له انعكاساته على الصراع في سوريا.

وعبرت شيلي عن موقفها بضرورة وقف إمداد أطراف الصراع بالسلاح، ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتنفيذ القرارات الدولية فيما يتعلق بالجانب الإنساني، وتأييد جهود المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي ومن بعده ستيفان دي ميستورا، وتأييد مسار التسوية والعمل على عدم تقويضه من أي طرف.

ثالثا- كيف نفهم المواقف اللاتينية من الأزمة السورية؟

لا شك أن عدد من العوامل تقف وراء مواقف دول أمريكا اللاتينية من الأزمة ويمكن الإشارة إلى بعضها على النحو التالي:

1-    غياب تأثير الجغرافيا السياسية: من الواضح أن مستوى انخراط غالبية دول أمريكا اللاتينية في الأزمة إجمالاً يعد متواضعًا؛ ويعود ذلك في جانب منه إلى المعطيات المحدودة للجغرافيا السياسية التي تربط بين الطرفين.

2-   تواضع المصالح الاقتصادية: قبيل الثورة كان حجم التبادل التجاري بين سوريا وبلدان أمريكا اللاتينية محدودًا باستثناء البرازيل، وكان معظمه من خلال القطاع الخاص؛ فعلى سبيل المثال كان أول تبادل تجاري على المستوى الرسمي بين سوريا وفنزويلا في يونيو 2010م، وذلك على الرغم من أن فنزويلا من أهم دول أمريكا اللاتينية المؤيدة لحكومة بشار الأسد. فالبعد الجغرافي شكل تحديًا أمام عمليات التبادل التجاري والسلعي نظرًا للتكاليف الإضافية على المنتجات المتبادلة بين الطرفين.

3-   محدودية العلاقات السياسية: نلاحظ أن التطور الجزئي على صعيد العلاقات السياسية لم يؤثر سوى على مواقف بعض دول أمريكا اللاتينية التي طورت سوريا علاقتها معها خلال السنوات الأخيرة فضلا عن بعض الدول التي يتشكل موقفها في سياق انتماءات أيديولوجية أكثر اتساعًا، وهذه القوى كفنزويلا وكوبا على سبيل المثال لم تمانع من مساندة حكومة بشار الأسد وذلك من نفس منطلقات تأييد القذافي في ليبيا أو بعض الدول المناوئة للسياسات الأمريكية، لكن غالبية دول أمريكا اللاتينية ليست لديها علاقات سياسية متطورة مع سوريا انعكست بدورها على محدودية مواقف تلك الدول من الأزمة.

4-    طبيعة الحكم ومرجعيته: تختلف درجة تطور النظام السياسي في دول أمريكا اللاتينية من دولة لأخرى وتختلف درجة الانفتاح التي تتسم بها حكومات تلك الدول، فهناك دول حققت درجات متقدمة من التقدم على صعيد التحول الديمقراطي، وأخرى لازالت تحت تأثير أنظمة تقليدية تتمحور فيها السلطة حول أشخاص أو مؤسسات.. ولا شك أن هذا التصنيف يؤثر على طبيعة علاقات الدول ودوائر حركتها، ولعل دول كفنزويلا وكوبا وسوريا.. تتخذ من الأيديولوجيا والنزعة القومية مسوغًا لبناء الشرعية، وتجمعها مواقف دولية تجعلها في صدام مع بعض القوى الدولية لا سيما الولايات المتحدة، وقد كانت تلك الدول ضمن دول قليلة على المستوى الدولي ساندت بشار الأسد ضد ما يسمونه بالمؤامرة والإرهاب.

5-   الموقع في منظومة الصراع الدولي: رغم أن انتهاء الحرب الباردة نقلت طبيعة العلاقات على المستوى الدولي إلى مستوى منخفض من التوتر والعداء، لكن بقيت بعض الدول في سياق طبيعة حكوماتها ومواقفها الدولية عند نفس الدرجة من العداء مع أمريكا وضد ما تسميه الإمبريالية العالمية، وهنا تبرز كوبا/كاسترو، وفنزويلا/شافيز وسوريا/ الأسد، وتجمع هذه الدول مواقف على المستوى الدولي، وعلاقات وطيدة مع روسيا وريث الاتحاد السوفيتي، وظلت رغم تغير طبيعة النظام الدولي على نفس المنهج، وهذه الدول ترى نفسها مستهدفة بمؤامرة دولية، ولقد لعب هذا العامل دورًا رئيسيًا في تشكيل مواقف بعض الدول اللاتينية بالوقوف إلى جانب حكومة بشار الأسد باعتبار أنها تواجه حربًا كونية ومؤامرة إقليمية ودولية. وفى السياق ذاته فإن دولا أخرى تعد من القوى الصاعدة كالبرازيل تسعى لإحداث تغيير في طبيعة النظام الدولي يستوعب طموحها، ولديها تحالفات دولية مناوئة للدور الغربي/الأمريكي في الشرق الأوسط بعد الثورات العربية، من منطلق التنافس على النفوذ والصراع بين التحالفات الجديدة، ناهيك عن أن لديها مصالح اقتصادية قد تتضرر من أي تغيير سياسي في سوريا كما حدث في ليبيا لعبت دورًا في تشكيل موقفها من الأزمة استنادًا إلى طبيعة هذا الصراع والتنافس.

رابعا-فرص التنسيق الخليجي اللاتيني تجاه الأزمة السورية:

من المنطقي أن تكون هناك تمايزات في مواقف الدول اللاتينية من الأزمة السورية لكن هذه المواقف بصفة عامة تركز على عدد من المداخل أهمها كالتالي:

  • عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها وسلامة أراضيها.
  • تأييد الحل السياسي بمشاركة كافة أطراف الأزمة في الداخل بما فيها النظام.
  • ضرورة معالجة الوضع الإنساني المتدهور بما فيه قضية اللاجئين.

وبالنظر إلى هذه المداخل وإلى تطورات المواقف اللاتينية من الأزمة السورية نجد أنها تسير في اتجاه معاكس لاتجاهات حركة الدول العربية الرئيسية المنخرطة بكثافة في الأزمة والتي اتجهت منذ نهاية العام 2011م، إلى تسويق عملية الانتقال السياسي في سوريا، والدفع بقوة تجاه إزاحة الأسد عن السلطة كخيار لا بديل عنه لاسيما من جانب الدول الخليجية.

اتضحت ملامح هذا الخلاف في بيان القمتين العربية اللاتينية اللتين عقدتا منذ اندلاع الأزمة؛ ففي القمة الأولىالتي عقدت في بيرو في أكتوبر 2012م، عكس البيان الختامي للقمة حالة عدم التوافق حول الأزمة السورية، فرغم أن خطابات القادة ركزت على أبعاد الأزمة السورية لكن جاء بيان القمة ليؤكد "على الحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية، مع تأكيد مبدأ عدم التدخل الأجنبي، ودعم المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي وإيصال مساعدات للاجئين"، وهذا لم يرض طموح الأطراف الخليجية المنخرطة في الأزمة، حيث كانت تتمنى أن تتبنى القمة موقفًا أكثر تشددًا تجاه الأسد.

ولم يختلف الموقف اللاتيني في القمة العربية اللاتينية التي عقدت في المملكة العربية السعودية في نهاية عام 2015م، كثيرًا عن موقفها في قمة بيرو في 2012م، وذلك بنص البيان الختامي الذي أكد على الالتزام بسيادة واستقلال سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها والالتزام بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة وفقا لمبادئ إعلان جنيف 1 وبيان فيينا نهاية عام 2015م، وهو ما عكس ضعف التنسيق أو ربما الخلاف في وجهات النظر حول تقييم الأوضاع ومسار التسوية.

لكن على أية حال المعركة في سوريا تدور على مستويين تختلف درجة انخراط الدول الخليجية ودول أمريكا اللاتينية فيه، وذلك على النحو التالي:

المستوى الأول: هو الصراع العسكري المسلح على الأرض: وهو المستوى الذي تسعى فيه أطراف الصراع من أجل تعظيم مكاسبها، وهو المستوى الذي لازال الأكثر فاعلية كونه لم يتوقف منذ أن بدأ الصراع، وتبدو الدول الخليجية طرفًا رئيسيًا فيه، في حين أن دول أمريكا اللاتينية ليس لها وجود حقيقي على هذا المستوى من الصراع وليس لها مصلحة من الانخراط فيه، لكن بعض الدول اللاتينية تعتبر تدخل روسيا رأس حربة لمواقفها من الأزمة.

المستوى الثاني: وهو الصراع السياسي والدبلوماسي من أجل التسوية: وهنا تبرز أدوار بعض الدول اللاتينية مستندة إلى عدد من المصالح والاعتبارات ولا تملك الدول العربية أو أي منها الضغط على هذه الدول لتعديل مواقفها لارتباط هذه المواقف بشبكة معقدة من المصالح والتحالفات، لكن بصفة عامة بالنسبة للدورين اللاتيني والعربي فإنهما متراجعين أمام الدورين الروسي والأمريكي.

أخيرًا، يمكن القول أن المواقف اللاتينية من الأزمة السورية تقدم غطاءً ودعمًا للمواقف الرئيسية لبعض القوى الدولية المنخرطة في الصراع السوري وفي مقدمتها روسيا، لكن تأثيرها على أرض الواقع محدود، ولا يمنع ذلك من تحرك الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية بحكم ثقلها السياسي والاقتصادي وكونها قائدة للنظام العربي خلال تلك المرحلة من الحركة على عدة مستويات:

المستوى الأول: قد يكون التعويل على الحوار الجماعي من خلال منتدى الحوار العربي اللاتيني غير مفيد؛ لأنه يعد إطارًا واسعًا يفتقد إلى الفاعلية، وربما لو كان هناك تحركًا من خلال مجلس التعاون الخليجي -باعتبار أن مركز الثقل العربي الآن خليجيا-للتنسيق مع بعض الدول اللاتينية المؤثرة.

المستوى الثاني: تنشيط العلاقات الثنائية بين السعودية والدول اللاتينية المؤثرة ومد النفوذ لتنمية علاقات متبادلة على المستويات الرسمية والشعبية وشمولها لجوانب اقتصادية وسياسية وثقافية، والدخول في شراكات مع التحالفات والمنتديات التي تنخرط فيها بعض تلك الدول كالبرازيل ومجموعة البريكس وإيبا وغيرهما.

 المستوى الثالث: تضييق الفجوة مع بعض الدول الرائدة على المستوى اللاتيني لا سيما البرازيل والأرجنتين، وقد يكون ذلك من خلال تعظيم فوائد التعاون المتبادل الاقتصادي والسياسي، وتقديم حوافز استثمارية وتطوير العلاقات بصورة أعمق.

المستوى الرابع: تنشيط الدبلوماسية الخليجية للتفاعل مع الأطراف اللاتينية بمستويات مواقفها المختلفة من أجل الاستفادة من مواقف بعض الدول التي تتبنى موقفًا أخلاقيًا من الأزمة وتبدو أقرب للمواقف الخليجية، والعمل على تخفيف حدة مواقف بعض الدول التي تبدو معاكسة للمواقف الخليجية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحث ومدير تحرير مجلة رؤى مصرية -مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية

مجلة آراء حول الخليج