array(1) { [0]=> object(stdClass)#12958 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 110

أزمة البرازيل ومرحلة خلط الأوراق في العلقات الخارجية مستقبل التطورات في البرازيل وتأثيرها على العلاقات الخليجية-اللاتينية

الأربعاء، 03 آب/أغسطس 2016

شهدت العلاقات البرازيلية العربية عمومًا والخليجية خصوصًا خلال السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا على مختلف الأصعدة. وقد حرص الطرفان على توطيد العلاقات بينهما على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، الأمر الذي تمت ترجمته في عقد لقاءات واجتماعات مشتركة بين كبار المسؤولين من الجانبين، وعقد اتفاقات وتشكيل لجان مشتركة لدفع التعاون. مما أسفر عن توافق رؤى الطرفين حول العديد من القضايا محل الاهتمام المشترك، فضلًا عن تنامي حجم التبادل التجاري. وفي الوقت الراهن تعاني البرازيل المحرك الرئيس للتعاون العربي (الخليجي) – اللاتيني من أزمة متعددة الأبعاد، تهدد اقتصادها واستقرارها السياسي. كما ستلقي بآثارها على السياسة الخارجية البرازيلية بصفة عامة وعلاقتها بالدول العربية ودول الخليج بصفة خاصة. وفي هذا الإطار، يسعى هذا المقال إلى استعراض الملامح العامة للأزمة الراهنة في البرازيل، كما يستهدف تبيان التداعيات والتأثيرات المختلفة لهذه الأزمة داخليًا وخارجيًا "إقليميًا ودوليًا"، وينتهي بتوضيح السيناريوهات المختلفة لمستقبل العلاقات الخليجية اللاتينية على ضوء التطورات الجارية في البرازيل.

أولاً: إطلالة عامة على التطورات الراهنة في البرازيل

حققت البرازيل خلال الفترة ما بين عامي 2004و2014م،تقدمًا ملحوظًا في المجالين الاقتصادي والاجتماعي؛ حيث سجلت معدلات نمو مرتفعة، وأحرزت تقدمًا ملحوظًا فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، مما دفع بعض الباحثين إلى وصفها بـ "القوة العالمية الصاعدة". وواكب التقدم الاقتصادي الذي شهدته البرازيل صعودًا في مكانتها على المسرح الدولي وفي النظام الاقتصادي العالمي.

وبعد عقد كامل من التقدم الاجتماعي والاقتصادي، تواجه البرازيل تحديات صعبة على مختلف الأصعدة؛ فعلى الصعيد الاقتصادي، يتوقع البنك الدولي أن تشهد البرازيل انكماشًا بمعدل 4 % عام 2016م، ومن المتوقع أن يستمر الركود حتى عام 2017م. وبلغ معدل البطالة 11.2 % في يونيو الماضي، أما العجز في الميزانية فيزيد على عشر الناتج المحلي الإجمالي. نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار السلع الأولية، إلى جانب ضعف الطلب عليها من قبل الصين التي تعد الشريك التجاري الرئيس للبرازيل. ومثل هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة تدفع حكومة البرازيل الجديدة إلى خفض النفقات العامة وزيادة الضرائب ومراجعة البرامج الاجتماعية لتقليل العجز المالي الحكومي وخفض معدل الضخم، بما يحول دون التوسع في المكاسب الاجتماعية التي تحققت مع الازدهار الاقتصادي في العقد الماضي، والتي ساعدت على توسع الطبقة الوسطى لتشمل أكثر من ثلث إجمالي السكان، وأخرجت 30 مليون برازيلي من براثن الفقر.

على الصعيد السياسي، تشهد البرازيل أزمة سياسية يصفها الخبراء بأنها الأسوأ منذ تحول البرازيل إلى النظام الديمقراطي عام 1985م، والتي تهدد بالإطاحة بأول سيدة تتولى رئاسة البرازيل من منصبها؛ حيث تواجه الرئيسة "ديلما روسيف" خطر الإقالة من منصبها الذي تولته عام 2011م، وأعيد انتخابها عام 2014م، على خلفية اتهامها بالتلاعب بالحسابات العامة عام 2014م، وأوائل عام 2015م، وهو ما تنفيه روسيف وتتهم المعارضة بأنها تعد انقلابًا دستوريًا للإطاحة بها. وقد جاء تصويت 55 عضوًا من إجمالي 81 عضوًا في مجلس الشيوخ في 12 مايو 2016م، لمصلحة تعليق مهام رئيسة أكبر دولة في أمريكا الجنوبية، وتنحيتها عن منصبها لمدة لا تزيد على 180 يومًا. ليتولى بصورة مؤقتة رئاسة البرازيل "ميشال تامر"الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس. وتأتي الأزمة السياسية في البرازيل على خلفية الكشف عن فضيحة الفساد في شركة النفط الوطنية البرازيلية"بتروبراس"، في مارس 2014م، والتي أشارت إلى تورط العشرات من رجال الأعمال والسياسيين وقادة الأحزاب السياسية.

وعلى الصعيد الاجتماعي، تشهد البرازيل في المرحلة الراهنة انقسامًا اجتماعيًا حادًا ما بين أنصار روسيف ومعارضيها؛ فعلى الرغم من موافقة أغلبية الشعب البرازيلي على إقالة روسيف، فإن نحو 62 % لديهم توجهات سلبية نحو تامر، كما أن 1 % فقط سيصوتون لمصلحته إذا رشح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. فضلاً عن أن قطاعًا لا يستهان به من البرازيليين مازال ينظر لما حدث لروسيف باعتباره انقلابًا مؤسسيًا، كما أن تشكيل الحكومة المؤقتة قد جاء خاليًا من النساء والمواطنين من أصول إفريقية. وهو الأمر الذي يشير إلى أن "البرازيل لديها اليوم حكومة انتقالية مؤقتة ورئيسة انتخبت بأصوات 54 مليون ناخب"، وذلك على حد تعبير روسيف.

ثانيًا: تداعيات الأزمة الراهنة في البرازيل

تكشف ملامح الأزمة متعددة الأبعاد التي تشهدها البرازيل عن أنه سيكون لها تداعيات مهمة على مختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية. فعلى الصعيد المحلي،تشير تطورات الأوضاع إلى احتمال تفاقم مشكلة عدم الاستقرار السياسي في بلد يستعد لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية للمرة الأولى على مدار تاريخه خلال شهر أغسطس الحالي، ويواجه تحدي انتشار فيروس "زيكا"، خاصة مع تعهد روسيف وحزبها "حزب العمال" بالتصدي بكل الوسائل السلمية لمحاولات الإطاحة بها من منصبها.

بالإضافة إلى إنه في ضوء إعلان حكومة "ميشال تامر"عن القيام بمجموعة من الإصلاحات الاقتصادية فمن المتوقع أن تؤدي في حال تنفيذها إلى احتجاجات في الشوارع من قبل الحركات الاجتماعية المعارضة لسياسات التقشف الاقتصادي. وفي هذا السياق، أعلنت الأمم المتحدة عن قلقها من تأثير الأحداث الأخيرة في البرازيل على قدرتها على الاستمرار في محاربة الفقر وتداعيات ذلك على الاستقرار الديمقراطي في البلاد.

وبالمثل فإن الأزمة الراهنة في البرازيل سيكون لها تداعيات مهمة في المحيطين الإقليمي والدولي؛ فمن ناحية أولى، تأتي تداعياتها الإقليمية في ظل أهمية البرازيل باعتبارها القوة الإقليمية الكبرى وصاحبة أكبر اقتصاد في أمريكا الجنوبية، كما أنه لا يضاهي نفوذها وعلاقاتها الدولية أي من البلدان الأخرى في القارة اللاتينية. كذلك كانت البرازيل المحرك الرئيس لمبادرات التعاون الإقليمي في المنطقة منذ تولي"لولا دا سيلفا" رئاسة البلاد (2002-2010م)؛ حيث قامت بالعديد من مبادرات الوساطة بين دول أمريكا الجنوبية، ولعبت دور القائد للتكامل الاقتصادي والضامن للاستقرار الإقليمي.

وفي ظل المشكلات التي تواجه البرازيل، فلا شك أن الكثير من الشكوك سوف تثار حول مصداقيتها وقدرتها على إيجاد صوت قوي وموحد لأمريكا الجنوبية في المنظمات الدولية. وفي هذا الإطار، تبرز أهمية التحولات الجارية في البرازيل بالنسبة لأمريكا اللاتينية كونها تأتي في إطار تحول أوسع في القارة اللاتينية وهو التحول إلى تيار اليمين، بعد عدة سنوات من حكم اليسار فيما عرف بـ "المد الوردي". وقد بدأ هذا التحول مع فوز مرشح اليمين"ماريسيو ماكري"في الانتخابات الرئاسية التي جرت في الأرجنتين في نوفمبر الماضي، كما حقق اليمين الفوز في الانتخابات الرئاسية التي جرت في جواتيمالا، والانتخابات المحلية في كولومبيا، والانتخابات البرلمانية بفنزويلا.

وبالنظر إلى وزن وثقل البرازيل الكبير فإن ما ستنتهي إليه التطورات التي تشهدها سيكون له تداعيات إقليمية مهمة، بيد أن الأمر يتوقف بشكل أساسي على اتجاه التطورات في البرازيل. وفي هذا الإطار يمكن طرح سيناريوهين؛ الأول في حال نجحت المعارضة في الإطاحة بروسيف بصورة نهائية وتمكن خليفتها "ميشال تامر" ذي التوجهات اليمينية من إكمال فترتها الرئاسية المقرر انتهائها عام 2018م، وكذلك إذا نجح اليمين في استثمار ذلك في تعبئة الناخبين على نحو يؤدي إلى فوز مرشح يمثل تيار اليمين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الزخم وقوة دفع جديدة لحركة التغيير السياسي الجارية في الإقليم والتي تدفع إلى مزيد من الانتصارات لليمين ومزيد من الانتكاسات لتيار اليسار، وسيفضي ذلك إلى توتر العلاقات بين البرازيل والحكومات اليسارية في الإقليم وفي مقدمتها فنزويلا وبارجواي والإكوادور التي انتقدت الإطاحة بروسيف وعدته إنقلابًا من قبل المعارضة. أما السيناريو الثاني؛ ففي حالة نجحت روسيف في الإفلات من محاولات إقالتها من منصبها واستطاع حزب العمال اليساري استثمار الغضب الشعبي السائد بين قطاعات يعتد بها من البرازيليين من محاولات الإطاحة بروسيف وكذلك جراء سعي حكومة تامر إلى التقليص من الامتيازات التي اكتسبها الفقراء على مدار سنوات حكم اليسار للبرازيل، فإن ذلك يمكن أن يكونبمثابة حائط الصد أو القوة المعرقلة لانتشار وتمدد اليمين في بقية دول أمريكا اللاتينية.

وبالنسبة للتداعيات الدولية للأزمة الراهنة في البرازيل فيمكن رصدها في جانبين، الأول يتعلق بالدور الدولي للبرازيل، ويرتبط الجانب الثاني بتأثيرها على الاقتصاد العالمي. وفيما يتعلق بالتداعيات على دورها على الساحة الدولية، فمن الجدير بالذكر أن البرازيل سعت خلال السنوات الماضية إلى تعزيز تواجدها بصورة نشطة في مختلف المنظمات الدولية وبخاصة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، ونجحت في تشكيل التحالفات الدبلوماسية مع القوى الصاعدة الأخرى وكذلك مع بعض القوى الكبرى وفي مقدمتها الصين وروسيا. كما حرصت البرازيل على تبني مواقف دولية مستقلة عن تلك التي تتخذها واشنطن.

وقد أثرت المشكلات التي تعاني منها البرازيل بالسلب على دورها الإقليمي والدولي؛ فمنذ انتخابها لولاية رئاسية ثانية عام 2014م، اتجهت "ديلما روسيف" تحت ضغط المشكلات الاقتصادية التي تواجهها البلاد إلى الإنكفاء على الداخل والتركيز على سبل مواجهة الأزمات الداخلية، حتى أن عدد الجولات الخارجية لروسيف قد بلغ خلال الفترة ما بين عامي 2011 و2015م، 36 جولة خارجية، مقارنة بحوالي 80 جولة خارجية قام بها الرئيس السابق " لولا دا سيلفا".

وفي ظل الظروف الصعبة التي تواجهها البرازيل يبدو أن قدرتها على تعزيز مكانتها كقوة صاعدة في العالم سوف تضعف، كما أن تأكيدها على أحقيتها في شغل مقعد دائم بمجلس الأمن الدولي سيحول دونه عقبات كثيرة، كما أن المسعى البرازيليلتشكيل تحالف من مجموعة القوى الصاعدة من أجل مناهضة الهيمنة الأمريكية على العالم، قد أصبح من الصعب تحقيقه في ظل تقاربها المحتمل مع  واشنطن خاصة مع تصريح وزير الخارجية البرازيلي في الحكومة المؤقتة "جوزيه سيرا" بأن بلاده ستجعل في مقدمة أولوياتها استعادة علاقاتها التقليديةمع الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.

علاوة على أن التطورات الراهنة في البرازيل سيكون لها انعكاساتها على دورها في إطار تجمع بريكس في ظل تغير لغة الخطاب السياسي البرازيلي تجاه التجمع، حيث قال "جوزيه سيرا": "إن البرازيل ستغتنم الفرص التي تجلبها بريكس وذلك من خلال التركيز على تعزيز التعاون في التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء"، وهي اللغة التي تختلف بشكل ملحوظ عن تلك التي دأبت روسيف على استخدامها مثل "التعاون الاستراتيجي" و"الأولويات الدبلوماسية" لوصف علاقة بلادها مع دول تجمع بريكس. مما يعني أن الحكومة المؤقتة من المحتمل أن تضع تعاونها مع دول بريكس الأخرى في مرتبة ثانوية.

ومما لا شك فيه أن الأزمة الحالية في البرازيل سيكون لها تداعياتها على الاقتصاد العالمي؛ حيث أنالبرازيل هي سابع أكبر اقتصاد في العالموتحتل المراتب العالمية الأولى في إنتاج وتصدير العديد من من المواد الغذائية والمعدنية. كما أن الأزمة الراهنة تفاقم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تشهدها البلاد، حيث تشير توقعات الخبراء إلى أن البرازيل ستسجل أدنى معدل للنمو الاقتصادي بين الاقتصادات الصاعدة، كما أن تولي اليمين حكم البلاد سيكون له تأثيراته الواضحة على السياسات الاقتصادية المتبناه، حيث سيكون أكثر اتجاها لتطبيق السياسات الليبرالية القائمة على خصخصة المشروعات الحكومية وإعادة هيكلة برامج الرفاه الاجتماعي، ودمج الاقتصاد البرازيلي في الاقتصاد العالمي، وتطبيق سياسات تحرير التجارة بدرجة أكبر مقارنة بتلك التي طبقها اليسار.

ثالثًا: التطورات في البرازيل وتداعياتها على العلاقات الخليجية ـ اللاتينية

تعد البرازيل المحرك الرئيس للتعاون العربي (الخليجي) اللاتيني، وهو ما اتضح بشكل كبير في أن قمة دول أمريكا الجنوبية والدول العربية "أسبا" التي بدأت في الانعقاد بصورة دورية منذ مايو 2005م، قد جاءت بناءً على اقتراح من الرئيس البرازيلي السابق"لولا دا سيلفا"، خلال المؤتمر الأول لقمة رؤساء الدول والحكومات العربية والأمريكية الجنوبية، الذي عقد في مدينة برازيليا، وتضم قادة ورؤساء وفود 34 دولة (22 دولة عربية، و12 دولة من أمريكا الجنوبية)، بالإضافة إلى اتحاد أمم أمريكا الجنوبية (أوناسور) وجامعة الدول العربية. وقد تم انعقاد قمة "أسبا" خلال الأعوام 2005، و2009، و2012، و2015م.

وعلى الصعيد الاقتصادي، ارتفع حجم التبادل التجاري بين الدول العربية وأمريكا اللاتينية من حوالي 6 مليارات دولار عام 2005م، إلى أكثر من 33 مليار دولار عام 2014م، وتعد البرازيل الشريك التجاري الرئيس للدول العربية في أمريكا الجنوبية؛ حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين البرازيل والدول العربية الـ 20 مليار دولار. ووفقا لبيانات الغرفة التجارية العربية البرازيلية فقد وصل إجمالي قيمة الصادرات البرازيلية إلى الدول العربية إلى 12.12 مليار دولار خلال عام 2015م، وجاءت السعودية في المرتبة الأولى من حيث نمو الصادرات البرازيلية، حيث شهدت الأسواق السعودية ارتفاعًا كبيرًا في حجم المنتجات البرازيلية المستوردة بمعدل 8.19 % ليصل إلى 2.7 مليار دولار عام 2015م، مقارنةً بنحو 2.542 مليار دولار عام 2014م، واحتلّت الإمارات المرتبة الثانية في حجم التبادل التجاري مع البرازيل في العام الماضي، بنحو 2.5 مليار دولار، تلتها مصر في المرتبة الثالثة بـ2.05 مليار دولار. كذلك بلغ حجم التبادل التجاري بين البرازيل وقطر عام 2013م، حوالي 915.2 مليون دولار. في حين بلغت قيمة الصادرات البرازيلية إلى البحرين والكويت 309 ملايين و239.53 مليون دولار على التوالي. 

وفيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول أمريكا الجنوبية، فقد زاد حجم التبادل التجاري بين الطرفين من 3 مليار دولار في 2003م، إلى 17 مليار دولار في 2013م، ووصل حجم التجارة الخارجية للبرازيل مع دول مجلس التعاون الخليجي 9.1 مليار دولار، وتجاوزت قيمة صادرات البرازيل لدول المجلس نحو 6.3 مليار دولار، فيما بلغ إجمالي واردات البرازيل من دول مجلس التعاون نحو 2.7 مليار دولار، ليصل الفائض التجاري لصالح البرازيل 3.6 مليار دولار. كما قامت دول مجلس التعاون الخليجي ودول تجمع الميركوسور، في مايو 2005م، بالتوقيع على اتفاقية إطارية للتعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري والفني بين الطرفين، تمهد عبر موادها لإطلاق مفاوضات لإقامة منطقة تجارة حرة بين التكتلين.

وتمثل البرازيل أكثر الأماكن جذبًا لاستثمارات رجال الأعمال والشركات العربية في أمريكا الجنوبية، وتعد الاستثمارات الإمارتية في البرازيل الأكبر من بين استثمارات دول مجلس التعاون؛ حيث بلغت قيمتها نحو 1.5 مليار دولار، وتتركز في مجالات النفط والغاز والألومنيوم وأشباه الموصلات والبنية التحتية والموانئ والعقارات والطيران. وتمثل استثمارات موانئ دبي العالمية وحدها في البرازيل أكثر من 500 مليون دولار، وبلغ عدد الشركات التجارية البرازيلية في الإمارات 30 شركة لديها مكاتب تجارية.

وبالنظر لأهمية العلاقات البرازيلية الخليجية باعتبارها قاطرة التعاون العربي اللاتيني فمن الضروري التعرف على مستقبل هذه العلاقات في ضوء التطورات الراهنة في البرازيل. وفي هذا السياق يمكن القول إنه في حال تفاقمت المشكلات السياسية والاقتصادية وبافتراض نجاح اليمين في الوصول للسلطة في البرازيل، يمكن صياغة سيناريوهين مستقبليين للعلاقات العربية (الخليجية) اللاتينية (البرازيلية). يفترض السيناريو الأول، احتمال حدوث فتور في العلاقات بين الجانبين أو تراجع في درجة اهتمام البرازيل بصفة خاصة ودول أمريكا الجنوبية بصفة عامة بتعزيز العلاقات مع الدول العربية (الخليجية). وقد حالت المشكلات التي تعاني منها بعض دول أمريكا الجنوبية بالفعل دون مشاركة غالبية قادتها في قمة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية التي عقدت بالرياض في نوفمبر 2015م، حيث لم يحضر القمة من رؤساء أمريكا الجنوبية سوى رئيس فنزويلا والإكوادور. فضلاً عن التقارب المحتمل بين بعض دول أمريكا الجنوبية وتحديدًا البرازيل والأرجنتين مع إسرائيل. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى تعهد الرئيس الأرجنتيني ذي التوجهات اليمينية "موريسيو ماكري"، بتعزيز علاقات بلاده بإسرائيل والابتعاد عن التحالف الأرجنتيني السابق مع إيران، وترحيب مختلف الأوساط اليهودية والإسرائيلية بفوز ماكري. فضلًا عما يقال عن صلات الرئيس البرازيلي المؤقت القوية بإسرائيل وبالجالية اليهودية في بلاده، ومطالبة بعض المسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية بضرورة استغلال الظروف المواتية مع تولي ميشال تامر رئاسة البرازيل والإسراع بتعيين سفير لتل أبيب في برازيليا، وهي المؤشرات التي تكشف عن احتمال حدوث تغيير في الموقف اللاتيني الداعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

أما السيناريو الثاني، فينبني على أن العلاقات العربية والخليجية تحديدًا مع دول أمريكا اللاتينية وبخاصة البرازيل تقوم على أسس متينة من المصالح والمنافع المتبادلة بين الطرفين، ومن الصعب تجاهل المكاسب المتحققة للجانبين لمجرد تغيير الحكومة أو الحزب الحاكم في البرازيل، وهو الأمر الذي يدفع نحو توثيق العلاقات بينهما؛ حيث أن البرازيل التي تعاني من أزمة اقتصادية حادة تسعى إلى تنويع شركائها التجاريين في ظل المشكلات الاقتصادية التي تواجهها الصين شريكها التجاري الرئيس، ويمكن أن تجد البرازيل في دول الخليج العربي شريكًا اقتصاديًا قويًا خاصة مع تنوع فرص التعاون الاقتصادي المشترك في مختلف المجالات. وربما تقود التوجهات الاقتصادية الليبرالية الجديدة التي ستتبناها حكومة ميشال تامر إلى الإسراع بتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والميركوسور. أضف إلى ذلك أن حكومة تامر التي ستعمل على إعادة صياغة سياساتها الخارجية ربما ستقوم بإعادة النظر في العلاقات القوية التي ربطت البرازيل بإيران خلال عهد "لولا دا سيلفا" مما يعني مزيد من فرص التقارب بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي. ومما يدعم من احتمال حدوث هذا السيناريو الذي تؤيده الباحثة تأكيد "ميشال تامر" على هامش حفل الإفطار الذي أقامه لسفراء الدول الإسلامية المعتمدين في البرازيل والذي يقام للمرة الأولى في تاريخها على ثبات الموقف البرازيلى من كافة القضايا الأساسية في الشرق الأوسط، وخاصة القضية الفلسطينية. علاوة على تأكيده على أهمية الوجود العربي والإسلامي في البرازيل الذي رافق تأسيس الدولة، ورغبته في زيادة حجم التبادل التجاري بين البرازيل والدول العربية في المستقبل القريب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحثة متخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية

مجلة آراء حول الخليج