; logged out
الرئيسية / التعاون الخليجي ـ الهندي محطة في قطار التوجه شرقًا

العدد 111

التعاون الخليجي ـ الهندي محطة في قطار التوجه شرقًا

الإثنين، 05 أيلول/سبتمبر 2016

الهند دولة مهمة ليس في إقليمها فحسب، بل تمتد أهميتها وتأثيرها إلى مناطق أخرى من العالم، ولها مقومات كثيرة تجعلها دولة محورية ومن بين هذه المقومات إنها سابع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، والدولة الثانية في العالم بعد الصين من حيث عدد السكان، وتحتل المرتبة السابعة عالميًا من حيث قوة الاقتصاد المتنامي بنسبة حوالي 7% سنويًا منذ مطلع الألفية الثالثة، كما أن الهند يسكنها أكثر من 150 مليون مسلم ويعد عدد المسلمين في الهند الثالث بعد إندونيسيا وباكستان.

والهند رابع مستهلك للنفط في العالم، بل تشير المؤشرات إلى أنها ستكون المستهلك الثاني عالميًا للبترول خلال عقدين من الزمن ؛ فيما لا تنتج إلا ما نسبته 1% من الإنتاج العالمي , بينما تستهلك 3.9% من إنتاج النفط في العالم، لذلك تعتمد على دول مجلس التعاون الخليجي في تأمين أكثر من ثلث احتياجاتها النفطية ونحو ثلثي احتياجاتها من الغاز المسال.

وللهند أكثر من 6 ملايين عامل من رعاياها في دول مجلس التعاون الخليجي، تتجاوز تحويلاتهم السنوية أكثر من 35 مليار دولار أي بنسبة تصل إلى أكثر من 47% من إجمالي تحويلات العمالة الهندية في الخارج طبقًا لبيانات البنك الدولي، كما قفز حجم التبادل التجاري بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي إلى حدود 160 مليار دولار قبل عامين , واحتلت الهند المرتبة الرابعة كأكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون.وتأتي ميزة قرب الهند الجغرافي ، وارتباطاتها التاريخية بمنطقة الخليج العربي لتعمق الحاجة لتعزيز العلاقات على أسس صحيحة وعملية.

 كل ذلك وغيره يجعل العلاقات الخليجية ـ الهندية مهمة ويجب ترفيعها إلى درجة الشراكة الاستراتيجية خاصة في ظل صعود الاقتصادات الناشئة وظهور تكتلات اقتصادية هامة عالميًا بين دول الجنوب في ظل تغير ثقل القوى الاقتصادية العالمية، وتبدل موازين القوى السياسة والتحالفات التي سادت العالم لفترة طويلة أو منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية على الأقل، وترتب على ذلك تغير أطراف اللعبة في العلاقات الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وهدم سور برلين، ثم ما تلا ذلك من احتلال العراق، وفيما بعد أحداث ما يسمى بثورات الربيع العربي.

وفي غضون ذلك تقاربت العلاقات بين دول مجلس التعاون والهند خلال العقد الماضي خاصة منذ زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ إلى الهند عام 2006م، حيث توقع الخبراء أن تؤثر هذه الزيارة في تفعيل التعاون الثنائي خاصة في المجالين الاستثماري والصناعي، ثم جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الهند عندما كان وليًا للعهد في فبراير 2014م، لتمثل انطلاقة مهمة على صعيد العلاقات الثنائية حيث شهدت توقيع اتفاقية للتعاون الدفاعي و ترتب عليها فيما بعد تطوير آليات التعاون ليشمل مكافحة القرصنة والتدريب في المجال العسكري والمساعدة الفنية وتبادل المعدات العسكرية، ثم جاءت زيارة رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ إلى الرياض عام 2010م، والتي تمخض عنها  توقيع إعلان الرياض الذي أكد على تعميق التعاون بين البلدين في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والدفاع.وعلى نفس المنوال تم تبادل الزيارات بين كبار المسؤولين في دول مجلس التعاون الأخرى والقيادات الهندية.

ورغم التطور الكبير الذي طرأ على العلاقات الخليجية ـ الهندية، والذي جاء بالتزامن مع  الأهمية المتعاظمة لهذه العلاقات ومردودها على أكثر من زاوية، لكنها ظلت متنامية في شقها الاقتصادي , ودون المأمول في جانبها الأمني والعسكري والسياسي الاستراتيجي، رغم أهمية تفعيل كافة جوانب العلاقات لمواجهة التحديات التي تواجه الطرفين ومنها الإرهاب سواء في شبه القارة الهندية أو في منطقة الخليج، وكذلك مواجهة القرصنة البحرية، والعمل على الحد من  سباق التسلح الذي تشهده المنطقة خاصة مع الطموح الإيراني الذي يهدد مصالح دول الجوار الجغرافي ومنها الهند، إضافة إلى أهمية تطوير وتوطين الصناعات العسكرية، فالهند واعدة في المجال رغم كونها من الدول المستوردة للأسلحة حاليًا، وكل ذلك يصب في مصلحة تعاون الجنوب ـ الجنوب.

وعليه : المطلوب من الهند التقدم بخطوات جادة وفعالة تجاه دول مجلس التعاون والعمل على تجاوز الحواجز والتعامل مع منطقة الخليج بفكر واستراتيجية تتناسب مع أهمية المنطقة و متطلباتها، وأن تتجاوز وضع دول الخليج العربية في سلة الدول الداعمة لباكستان،لكون الموقف الخليجي تجاه الصراع الهندي – الباكستاني قد شهد خلال العقدين الماضيين تطورات جذرية مهمة قادت إلى تبني دول الخليج موقف الحياد في هذا الصراع. فالعلاقات الدولية تقوم على المصالح الانتقائية والمزايا النسبية، ولا تقوم على زاوية أحادية النظرة أو التصنيف المسبق. وخير دليل على ذلك حجم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين دول الخليج والهند، كما أن دول الخليج ليس لديها خلافات أيدلوجية أو صراعات فكرية، أو نزاعات حدودية مع الهند، بل توجد قواسم مشتركة بين الجانبين كونهما من دول الجنوب النامية التي تربطها مصالح كثيرة , وكذلك تحديات مشتركة تتطلب  المزيد من التعاون، كما أن دول مجلس التعاون من الأسواق الضخمة أمام الصادرات الهندية، إضافة إلى كونها مورد عملاق للطاقة التي تحتاجها الهند لاستمرار صعودها الاقتصادي.

 في المقابل، على دول مجلس التعاون الخليجي أن تضع استراتيجية موحدة للتعامل مع الدول الصاعدة وذات الاقتصاديات الناشئة الواعدة ليكون التعامل مع هذه الدول التي من بينها الهند في إطار مصلحة ورؤية خليجية موحدة  ومتكاملة تقوم على اعتبار دول مجلس التعاون كتلة واحدة ذات اقتصاديات متكاملة وإن كانت متماثلة، ولذلك فإنه يجب أن تدعم دول الخليج الأمانة العامة لمجلس التعاون نحو وضع استراتيجية موحدة للتوجه نحو القوى الصاعدة لتحقيق شراكات اقتصادية جماعية فاعلة تستهدف زيادة حجم وقيمة المبادلات التجارية، وتحقيق شراكة في الاستثمارات سواء في داخل دول الخليج أو في الخارج من أجل توفير احتياجات دولنا خاصة في الاستثمارات الزراعية، أو في توطين الصناعات التي تسعى دول الخليج لتحقيقها في مرحلة ما بعد النفط، أو في إطار تنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الاقتصادية التي أصبحت ضرورة بعد انخفاض أسعار النفط التي أثرت تأثيرًا واضحًا على اقتصاديات دول المجلس وقد يزداد تأثيرها في حال طال أمد انخفاض سعر هذه السلعة التي تعد عماد الاقتصاد الخليجي وأهم مصادره.

لذلك دول الخليج مطالبة وبسرعة انتهاج سياسة جماعية حيال التعاون الاقتصادي الدولي وخاصة مع دول الاقتصادات الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وغيرها من الدول ذات الاقتصاديات المتنامية والتي تحتاج إلى النفط الخليجي، والتي تعد أسواقًا واعدة ومهمة، ونأمل ألا يتأخر هذا التوجه كثيرًا فالمتغيرات الإقليمية والدولية أسرع مما نتصور.  

مقالات لنفس الكاتب