; logged out
الرئيسية / تفرضها تعاظم التهديدات وتوافق المصالح خيارات ومنطلقات الشراكة الخليجية ـ الهندية: الدوافع ـ المرتكزات ـ المحاذير

العدد 111

تفرضها تعاظم التهديدات وتوافق المصالح خيارات ومنطلقات الشراكة الخليجية ـ الهندية: الدوافع ـ المرتكزات ـ المحاذير

الإثنين، 05 أيلول/سبتمبر 2016

ماذا يمكن للهند أن تقدمه من مساعدات أمنية واستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي؟ هل يمكن أن تشارك في أشكال وصور أمنية دفاعية عن دول المجلس؟ وماذا يمكن أن تقدمه من مساعدات في أمن الخليج؟

المؤكد أن الهند تعتبر على رأس الدول التي يهمها مستقبل أمن الخليج بالقياس إلى أهمية منطقة الخليج كمنطقة مصالح أولى للاقتصاد الهندي، كما أن دول مجلس التعاون يهمها كثيرًا هذه العلاقة الجديدة من شبه الجزيرة الهندية، وسوف تتزايد أهمية العلاقات مستقبلا كلما زادت حركة النمو الاقتصادي والتصنيع في الهند كقوة عالمية واعدة وكلما زاد الطلب الهندي على النفط، وهو أمر متوقع في ظل النبوءة الشائعة بأن القرن الجديد سيكون قرنًا آسيويًا بالأساس. ولعل ما جاء في البيان الهندي الإماراتي المشترك في ختام زيارة رئيس وزراء الهند إلى الإمارات العربية المتحدة في أغسطس 2015م، يعكس ذلك تمامًا، حيث أكد على أنه "لم تكن الحاجة إلى شراكة استراتيجية (بين الجانبين) تبدو أشد قوة وأكثر إلحاحًا وأكثر جدوى في آفاقها عبر الزمن إلا في هذه الأوقات المضطربة"([1])، وهو الأمر نفسه الذي أكده البيان السعودي الهندي المشترك عقب زيارة رئيس وزراء الهند للمملكة في إبريل 2016م، والذي أكد على "ترابط وثيق للاستقرار والأمن في منطقة الخليج وشبه القارة الهندية والحاجة إلى الحفاظ على بيئة آمنة و سلمية لتنمية بلدان المنطقة".  

ومن الناحية الفعلية هناك إدراك متنام وسط النخبة السياسية والثقافية الهندية، خصوصًا تلك التي عملت بدول الخليج كسفراء أو باحثين أو إعلاميين، لأهمية لعب بلادهم دورًا أمنيًا أكبر في منطقة الخليج، وهذا ما عبر عنه الكثير من الدبلوماسيين والباحثين الهنود، الذي اعتبر البعض منهم أن هناك فرصة استراتيجية سانحة أمام بلادهم للعب دور أمني في منطقة تحتل أهمية استراتيجية قصوى لها، وفي ظل تراجع الضمانة الأمنية الأمريكية وتطور مصالح الهند مع دول الخليج، بل يرى البعض الآخر من النخبة الهندية أن إقبال الهند على شراكة استراتيجية وأمنية مع دول الخليج لم يعد ترفًا، وإنما أصبح ضرورة واجبة على بلادهم التي لم يعد بإمكانها أن تظل راكبًا مجانيًا على علاقاتها بالخليج لفترة أطول، وإنما عليها أن تتحمل تبعات ومسؤوليات ضمان أمان ممرات النفط ومواجهة الإرهاب والتطرف والقرصنة والملاحة البحرية، في منطقة ستظل المورد الأساسي لها بمصادر الطاقة مع تعاظم وارداتها المستقبلية من تلك المصادر.

بالمقابل، هناك إدراك خليجي متنام بمكانة الهند وآسيا عمومًا في السياسة العالمية، فآسيا هي قارة المستقبل، حيث بها أكبر القوى الصاعدة في القرن الـ21، وتتسم العلاقات بين دول مجلس التعاون والكثير من دول القارة الآسيوية، ولاسيما شبه القارة الهندية، بالعمق التاريخي والثقافي والمتمثل في "هجرات وعمالة وتعليم وثقافة"([2])، ولم يكن مستغربا أن تتكثف الزيارات الرسمية على جانب المسؤولين الهنود إلى دول الخليج وأن يحدث العكس أيضًا من جانب المسؤولين الخليجيين إلى الهند، وهو ما يشكل متغيرًا ومقاربة جديدة في العلاقات الخليجية مع الهند، ويشير إلى أن الإقبال على بناء الشراكة الاستراتيجية متوافر لدى الجانبين بالقدر نفسه.

أولاً: دوافع الشراكة الخليجية - الهندية

يمكن إيجاز أهم دوافع الشراكة الخليجية الهندية فيما يلي:

1-    تعاظم التهديدات في فضاء استراتيجي متقارب: فهناك تقارب وربما تماثل في التحديات والتهديدات بين الهند ودول الخليج، وهو ما لا يعزى فقط إلى حقيقة الاقتراب الجغرافي والاشتراك في المياه الإقليمية في بحر العرب والمحيط الهندي، وخصوصًا بين الهند وعمان، إنما إلى تقارب قضايا التهديد وعلى رأسها خطر الإرهاب والأمن، الأمر الذي خلق مصالح مشتركة وتقاربًا في رؤية التهديدات الأمنية، فلا تتركز التهديدات لأمن الهند في ناحية الشرق (الصين)، التي برغم التقارب السكاني والتنافس على المكانة، إلا أن العملاقين الآسيويين يعرفان أهدافهما جيدًا، لكن تتركز التهديدات ناحية الجوار الإسلامي الآسيوي، وخصوصًا من جانب باكستان وأفغانستان وإيران، فضلا عن مهددات أمن الخليج، والتواصل الاجتماعي والسكاني الذي تفرضه حقيقة وجود نحو مائتي مليون نسمة من المسلمين في الهند لهم قضاياهم ومشكلاتهم التي يقترب بعضها من مشكلات العالم الإسلامي عامة، ومن ثم تفرض قضايا الإرهاب والأصولية والتطرف نفسها على الجانبين بالقدر نفسه، حيث هناك مكونًا اجتماعيًا هنديًا كبيرًا في دول مجلس التعاون، يفرض هو الآخر تحديات ويطرح فرصًا للتعاون والتقارب.        

2-     توافق المصالح في ظل فرص التكامل الاقتصادي: على الرغم من التقدم الاقتصادي الخليجي والهندي، لازال كلا الطرفين عند نقطة وسط من التقدم، إحداهما (دول التعاون) على تواصل أكبر مع العالم، وثانيتهما تغرق الكتل الأكبر من مجتمعها في محلية شديدة رغم كون الدولة قطبًا دوليًا صاعدًا من الناحية الرسمية، وهذا التفاوت في أنماط الحياة يخلق جوانب تكامل مشتركة ومجالات أعمال متداخلة تسمح بتعاظم الفوائد المشتركة من التعاون. فضلا عن ذلك لكل من الهند ودول الخليج مصالح أساسية في استمرار تدفق النفط وأمن ممراته في المياه والبحار الدولية، ومواجهة التهديدات القائمة والمستقبلية أو الوشيكة لأمن الطاقة، ولكلا الجانبين مصلحة مصيرية في ذلك، بالنسبة لدول الخليج لها مصالح في استمرار تدفق الصادرات النفطية بأسعار محفزة، وبالنسبة للهند فلها مصالح في استمرار تلك التدفقات دون تهديد أو مخاطر. ومن المؤكد أن النمو الهندي سيصب في مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي، كما أن أمن دول المجلس بالنسبة للهند ستزداد أهميته، كمورد أساسي للنفط الذي ستتعاظم أهميته لدى الهند مستقبلا.     

3-     التوظيف المتعاكس للنفوذ في الفضاء الإقليمي: تمكن الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج والهند لكل طرف من لعب أدوار مهمة في الفضاء السياسي والاستراتيجي للآخر، وهو أمر يطرحه المفكرون والباحثون على الجانبين؛ حيث يطرح الجانب الهندي إمكان لعب الهند دور وساطة وكقوة ناعمة بين دول مجلس التعاون وإيران وإمكان تقديم الهند فرصة للخليج للتوازن مع إيران النووية، لأجل استقرار الخليج العربي وخفض التوتر بين الجانبين، ويطرح البعض في سياق هذه الأفكار مردودات وعوائد ذلك على الوضع الداخلي بالهند واستقرار المسلمين السنة والشيعة في شبه القارة الهندية، وأيضًا يطرح البعض توظيف الصوفية الهندية في مواجهة التطرف السني الشيعي على الجانبين.  وعلى جانب دول مجلس التعاون يجري التأكيد على إمكان لعب دول المجلس دورًا كقوة ناعمة في استقرار الأوضاع بين الغريمين التقليديين (الهند وباكستان)، وهو دور تؤهله مكانة دول المجلس التقليدية لدى باكستان ولدى أوساط المجتمع والنخبة الباكستانية، وأيضا مكانتها المتزايدة لدى الهند.    

ثانيًا: ملامح ومرتكزات الشراكة

1-   شراكة شاملة وليست متجزئة:

من أهم مزايا الشراكة الخليجية مع الهند، هو أنها مرشحة لأن تكون شراكة شاملة وليس جزئية، حيث تتوافر لها كل عناصر الاستدامة والاستمرارية على خلاف الشراكات المصلحية والآنية، وهو ما يرشحها للتطور والاستمرار عشرات السنين، حيث تتم الشراكة بين قوة متصاعدة النمو أصبحت واحدة من أسرع الاقتصادات نموًّا في العالم (الهند) ومنظومة مجلس التعاون التي يتجاوز حجم ناتجها القومي تريليون ونصف تريليون دولار. وقد بلغ حجم التجارة بين دول المجلس والهند عام 2015 حوالي 101.1 مليار دولار، ويتجاوز حجم صادرات وواردات الهند من دول المجلس 15% من مجمل صادراتها ووارداتها العالمية. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تستمر الهند في تحقيق معدلات نمو مرتفعة تزيد عن 7.5% خلال الفترة 2015-2020م، كما تتوقع بعض مراكز الدراسات أن تتفوق الهند على اليابان لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم قبل نهاية العقد القادم([3])، هذه الشراكة وإن كان الاقتصاد هو علامتها الرئيسية إلا أنها متنوعة ومتشعبة، وتطال مختلف الجوانب بما فيها مجالات استكشاف الفضاء، والفضاء الإلكتروني، والجوانب العسكرية والأمنية، وبما فيها الجانب الثقافي والديني والتعليمي وتصل إلى حد الاتفاق على التدريب المشترك لعناصر الشرطة.

وهذا ما يميز الشراكة الخليجية الهندية عن الشراكة الخليجية الأمريكية التي تركزت حول المظلة الأمنية والدفاعية الأمريكية، وتتميز العلاقات الخليجية الهندية بأنها تبنى على تكافؤ وتوازن قوى وتتمتع بأرضية اجتماعية لا تقتصر على جوانب التشابه الثقافي والتاريخي والقيمي والأسري، وإنما تتمثل في وجود اجتماعي هندي فعلي في الخليج يصل إلى 7 مليون في مجمل دول مجلس التعاون، كما لا تصاغ العلاقة وفق ضمانة أمنية يقدمها طرف للطرف الآخر، وتتذبذب سياساته وفقًا لأوضاعه الداخلية وصراعاته الحزبية، بل يمكن القول بأن دول المجلس سيكون لها كلمة في الداخل الهندي مع تنامي العلاقات، بالنظر إلى البعد الثقافي، والمكون الاجتماعي الإسلامي في التركيبة الاجتماعية الهندية. فلن تكون العلاقات الخليجية مع الهند شبيهة بعلاقات تبعية أمنية أو عسكرية، وإنما علاقات متبادلة يقف فيها طرفاها كنظراء، مع الرؤية الهندية المقدرة تمامًا للمكانة الاقتصادية والدولية للشركاء في الخليج.

2-   شراكة تعكس توجهًا قوميًا:

يوضح التفحص الدقيق للبيانات التي صدرت عن القمم المشتركة السعودية الهندية والإماراتية الهندية والكويتية الهندية والقطرية الهندية والبحرينية الهندية خلال الزيارات المتبادلة للمسؤولين على مستوى القمة في السنوات الماضية، والتي كان آخرها وأحدثها زيارة رئيس وزراء الهند للسعودية في إبريل 2016، بجلاء رغبة الجانبين في بناء شراكة قوية ومتسقة الأهداف ضمن توجه قومي أصيل وواعي، يسعى إلى الوصول بالعلاقات إلى مرحلة التنسيق والتناغم الكلي على كافة المستويات والأصعدة.

وفي الأغلب ركزت هذه البيانات على جوانب مشتركة بين الهند وكل بلد خليجي على حدة، وهناك تقارب وتشابه في لغة البيانات وبنودها والتي تستخدم عبارات متقاربة وربما نفس العبارات مع كل دول المجلس، وهي في الأغلب اعتادت على أن تتضمن الإشارة إلى القرب الجغرافي وعمق العلاقات والروابط التاريخية والإنسانية والحضارية والثقافية بين الجانبين، كما تؤكد على الاحترام المتبادل وأهمية الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين. ومن البنود الرئيسية التي ترسخت في بيانات القمم الخليجية الهندية بند الإرهاب والتطرف، والدعوة إلى مواجهته، وأساليب وأدوات ذلك، وفي هذه الجزئية كانت هناك اقتباسات بالنص من بيانات القمم، فتضمن بيان قمة الرياض الخليجية الهندية في إبريل 2014 نصوصًا من بيانات قمة أبو ظبي أغسطس 2015م، فيما يتعلق بالإرهاب وسبل مواجهته، وربما لم يترك البيانان أي صورة من صور مواجهة الإرهاب لم يتعاملا معها أو ينصا عليها، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخبارية، والتحكم في تدفق الأموال التي قد تستخدم لتمويل نشاطات التطرف، والتعاون في تجريم ومنع التدفقات المالية غير القانونية وتعزيز التعاون في مجالات تنفيذ القوانين ومكافحة غسيل الأموال وتهريب المخدرات والجرائم العابرة للحدود واتفاقيات تسليم المجرمين وتدريب قوات الشرطة وتعزيز التعاون في مجالات أمن الفضاء الالكتروني، ورفع كفاءة التعاون العملياتي وتعزيز التعاون لحماية الأمن البحري في الخليج والمحيط الهندي وتعزيز التعاون المشترك في مجال الإخلاء أثناء الكوارث الطبيعية وتقوية العلاقات في مجالات الدفاع من خلال التمرينات العسكرية الدورية وتدريب القوات البرية والبحرية والجوية والقوات الخاصة وقوات خفر السواحل.

ويحتل الاقتصاد والاستثمارات المتبادلة جزءًا كبيرًا من اهتمام الجانبين الهندي والخليجي، وهناك دعوات لتكثيف التعاون واستثمار أفضل المبادرات على كل جانب، وتكثيف نشاط الشركات الهندية في دول الخليج والخليجية في الهند، وتشجيع المشاريع المشتركة في المجمعات البتروكيماوية، حيث يحتل موضوع أمن الطاقة أهمية مضاعفة كركيزة أساسية للشراكة الاستراتيجية، كما تتضمن البيانات المشتركة التأكيد على التدريب وتنمية الموارد البشرية والتعاون في مجال البحوث والتطوير في قطاع الطاقة تعزيز التعاون بين المؤسسات التعليمية والجامعات والمعاهد البحثية العليا للبلدين، ومواصلة ترويج التعاون العلمي والتكنولوجي، والطاقة الشمسية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومشاريع البنية التحتية والسكك الحديدية، وتكنولوجيا الفضاء، والتنمية المستدامة، والزراعة الجافة والبيئة الصحراوية، والتنمية الحضرية، والرعاية الصحية والتكنولوجيا الحيوية. وكان لافتًا حديث البيان الإماراتي الهندي في أغسطس 2015 عن تعزيز التعاون المشترك في مجال علوم الفضاء بما في ذلك تطوير وإطلاق الأقمار الصناعية والمنشآت الأرضية وتطبيقات علوم الفضاء.

وفي البيان المشترك بين دولة قطر والهند في يونيو 2016م، خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى الدوحة، تباحث الجانبان في ضرورة تقوية التعاون الثنائي في مجال الخدمات المالية بما في ذلك قطاع المصارف، وقطاع التأمين، وقطاع أسواق رأس المال، واتفقا على العمل من أجل تعزيز التعاون في القطاع الصحي، وأشار الجانبان إلى الدور الذي تلعبه برامج التبادل الثقافي في التقريب بين الشعبين الهندي والقطري، واتفقا على زيادة التعاون الثقافي والرياضي بين البلدين، بما في ذلك التبادل المستمر للمجموعات الثقافية والفرق الرياضية وزيادة التعاون في مجال السينما، ورحب الجانبان بتوقيع اتفاقية التعاون والدعم المشترك في مجال الجمارك ومذكرة التفاهم في مجال التعاون السياحي والبرنامج التنفيذي الأول لمذكرة التفاهم في مجال الشباب والرياضة بين حكومة دولة قطر وحكومة جمهورية الهند([4]).

 

   وتختلف هذه البيانات الخاصة بالقمم الخليجية الهندية كثيرًا عن بيانات القمم الخليجية الأمريكية التي تتركز وتختزل في الجانب السياسي بالأساس، وهو ما يشير إلى الطبيعة الخاصة للعلاقات الخليجية الهندية. كما يثير الانتباه أنه على الرغم من تشابه وتقارب العلاقات الهندية مع دول الخليج إلا أن دول المجلس لا تزال تفضل الدخول فرادى في شراكات مع الهند، رغم اتساق القضايا وتشابهها، وهو ما يشير في جانب منه إلى تعدد الرؤى والفكر الخليجي بشأن الهند، التي يتسع النظر إليها أحيانًا ليراها كشريك أمني واستراتيجي كامل، ويضيق أحيانًا أخرى لتصبح العلاقات معها علاقات عادية، وذلك وفق رؤية كل دولة خليجية على حدة.

ثالثًا: محاذير الدور الهندي في أمن الخليج:

تقف الهند في مكانة متميزة بين البدائل والخيارات الأمنية أمام دول مجلس التعاون الخليجي، فهي لا تقدم فقط بدائل محتملة للقوة الأمريكية، وإنما هي تمتاز على القدرة العسكرية الصينية واليابانية والروسية في ميراثها الأكبر كقوة ناعمة لديها رؤية وتحليل خاص لأوضاع الخليج، وهي لا تعتمد فقط على القدرات العسكرية، وإنما تستند إلى شبكات هائلة من القوى الناعمة التي تستطيع -لو قامت بتوظيفها كاملا- التأثير في أي مواجهة عسكرية من دون استخدام الآلة العسكرية، فالميراث الحضاري والثقافي والسياسي للهند غني وكبير ويمكنها في حال توظيفه من تجنب منطقة الخليج الكثير من الأزمات والمشكلات.

مع ذلك فإن الدور الأمني والدفاعي الهندي ليس طليقًا مع الخليج؛ فأولًا هناك توازنات خليجية حساسة في إدارة العلاقة بين الهند وباكستان، وهنا على دول المجلس بذل الجهود لإقناع باكستان بأن علاقتها مع الهند لن تكون على حسابها، وأن الخليج يمكن أن يستفيد من كلا البلدين رغم استمرار خلاف الدولتين الذي وصل أحيانًا حد الحروب والصراعات، ومن المؤكد أن هناك مساحات يمكن العمل فيها بأمان من جانب دول المجلس في هذه النقطة، كما يمكن لدول المجلس أن تعظم أصولها لو نجحت في موضعة ذاتها في مساحة ما من الثقة بين البلدين الكبيرين.

وإحدى نقاط الحذر الأخرى، أن المفهوم الهندي للأمن والدفاع يختلف عن المفهوم الأمريكي؛ فالتراث الهندي يتسم بالوداعة والسلام وهو ما تؤكده رسالة غاندي، ولا تشير القيم العسكرية الهندية إلى تبني مدارس حديثة في الأمن تجترئ على الصراعات المسلحة، وفق المنهجية الغربية، لكن ثقل وميراث الهند الأساسي يتمثل في ما تحوزه من أدوات القوة الناعمة.

وعلى جانب آخر، فإن أي دور عسكري للهند في أمن الخليج ينبغي أن يأخذ في الاعتبار  انعكاسات وتأثيرات ذلك على الجاليات الهندية بدول مجلس التعاون، وهو ما يعطي قدرة عسكرية وسياسية إضافية للهند علاوة على قدراتها الخاصة بالوجود السكاني الفعلي على جغرافيا الخليج، وهو ما يجعل قدرات الهند محفوفة بالمخاطر لدول المجلس ويرشح أهمية تكثيف التعاون من خلال أدوات القوى الناعمة أو الممارسات الناعمة للقوة الخشنة، كالاقتصار على التدريبات المشتركة البحرية والجوية والبرية.. أو التعاون في المواجهات مع الإرهاب... إلخ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

[1]- أنظر نص البيان المشترك في ختام زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى الإمارات العربية المتحدة، 17/8/ 2015.

 http://mofa.gov.ae/MediaCenter/OfficialData/Pages/1782015-UAE-India.aspx

[2]- مجلس التعاون.. وسياسة التوجه إلى الشرق، الحياة، ٧يناير ٢٠١٥. 

[3]- د. ناصر التميمي، العلاقات الهندية-الخليجية: هل تصبح الهند "الصين" الجديدة؟، مركز الجزيرة للدراسات، 03 أبريل, 2016. http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2016/04/160403103305878.html

 

[4]- أنظر: نص البيان المشترك خلال زيارة الدولة التي قام بها سمو الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، رئيس وزراء الكويت إلى الهند (07-10 تشرين الثاني / نوفمبر 2013)، ونص البيان المشترك لزيارة الدولة الرسمية للملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين لجمهورية الهند، ونص البيان المشترك بين دولة قطر والهند في يونيو 2016 ، ونص البيان المشترك في ختام زيارة رئيس وزراء الهند إلى الإمارات العربية المتحدة في أغسطس 2015، ونص البيان السعودي الهندي المشترك خلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي إلى المملكة العربية السعودية في أبريل 2016. وذلك على موقع وزارة الشؤون الخارجية للحكومة الهندية على الرابط التالي:

http://www.mea.gov.in/bilateral-documents-ar.htm?dtl/22464/Joint_Statement_during_the_State_Visit_of_HH_Sheikh_Jaber_AlMubarak_AlHamad_AlSabah_Prime_Minister_of_Kuwait_to_India_November_710_2013

 

 

مجلة آراء حول الخليج