; logged out
الرئيسية / الخليج والهند في مرحلة ما بعد النفط 3 مجالات للتعاون: التعليم - النانوتكنولوجي - تكنولوجيا التنمية

العدد 111

الخليج والهند في مرحلة ما بعد النفط 3 مجالات للتعاون: التعليم - النانوتكنولوجي - تكنولوجيا التنمية

الإثنين، 05 أيلول/سبتمبر 2016

تسيطر مفاهيم ثلاثة على العلاقات الممتدة لدول الخليج مع شريكها الهندي وهى الجوار والطاقة والاعتماد المتبادل الذى نتج عن حجم المصالح المشتركة بين الجانبين والذى كثف اعتماد كل جانب على الأخر ويزيد من استراتيجية العلاقات بينهما، كما أن التجاور الجغرافي نسبيًا بين الإقليمين أدى لتوحيد في التهديدات وبعض التحديات خاصة الأمنية.

بمعنى آخر، فإن العلاقات الخليجية الهندية التي تعود بداياتها إلى قرون عديدة من خلال حركة الأفراد للتجارة عبر الخليج العربي والمحيط الهندي، تشتمل على إمداد الخليج الهند بالطاقة وإمداد الأخيرة سوق الخليج بالعمالة والمنتجات، ويكفينا الإشارة لتوضيح هذا الاعتماد المتبادل إلى أن المملكة العربية السعودية هي رابع أكبر شريك تجاري للهند، كما أن الإمارات العربية المتحدة هي ثاني أكبر سوق للمنتجات الهندية. ويطلق على تجارة النفط الخليجية الهندية الإطار التقليدي للعلاقات بينهما حيث يسيطر على العلاقات المشتركة لسنوات طويلة، ولا تزال في واقع الأمر.  وليس أدل على ذلك من بيانات التعاون المشترك وتشير إلى أن حجم تجارة دول الخليج مع الهند شهد زيادات مطردة خلال العقد الأول من القرن الحالي وقفرت من 6 مليار دولار في عام 2000م، إلى 115 في عام 2009م، وقد سيطرت منتجات خمس على الميزان التجاري بين الطرفين وهى الحديد والصلب، والنفط، والمعادن والحبوب والالكترونيات والنحاس والكيماويات بنصيب كبير للنفط داخل تلك السلة بطبيعة الحال، ومع نصيب أكبر للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية كأهم شريكين للهند بين دول الإقليم.

وعندما تتصف العلاقات بين طرفين بالاعتماد المتبادل والاستراتيجية يصبح هناك دافع قوي يبرر التطوير المستمر لتلك العلاقات استجابة للتغيرات المتواترة على النظام الدولي ككل. وسنحاول من خلال السطور القادمة تناول فرص تنويع العلاقات الخليجية الهندية بالارتكاز على مجال لا يمكن وصفه إلا بالحيوي والمحوري لأى عملية تنموية وهو المجال التقني.

استطاعت الهند تقديم نموذج تنموي فأصبحت واحدة من النماذج الناجحة على مستوى الدول النامية. وتجني الهند الآن نتاج سياسات إصلاحية جادة بدأت مع عقد التسعينيات من القرن العشرين وتسارعت وتيرتها منذ بداية الألفية الثالثة عندما بدأت الهند في إعلان مبادرات تنموية حكومية لتطوير قطاعات الاقتصاد، وكان من أهمها قطاع التكنولوجيا وتحديدًا تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات.

وعلى الرغم من أن الهند ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان بتعداد يزيد عن مليار نسمة، فإن الحكومة الهندية لم تركز في رسم ملامح سياستها وتجربتها التنموية على القطاعات كثيفة العمالة وإنما تميزت في المجالات التي تفسح لها المجال في المنافسة عالميًا وعلى رأسها تكنولوجيا المعلومات ثم طوعت ما تتيحه تلك التكنولوجيا لخلق فرص عمل من خلال ما يعرف بالعمل عن بعد، بإنشاء فروع خدمية لشركات عالمية في الهند يتم التواصل وتقديم الخدمة كاملة من خلال شبكة المعلومات الدولية، الإنترنت، إضافة لمجالات التسويق الالكتروني والتعليم الالكتروني.

وبصفة عامة، فإن اهتمام الحكومة الهندية بالتطوير الدائم لقطاع تكنولوجيا المعلومات والخدمات المرتبطة به والتميز فيه من السمات الأساسية للعملية التنموية الهندية لوجود قناعة بأن التكنولوجيا هي القاعدة التي يؤدى تطويرها للارتقاء بأداء أي قطاع في الاقتصاد الهندي فالتكنولوجيا من المجالات التي تحتل مكانة استراتيجية لدى الحكومة الهندية نتيجة قدرتها على خلق فرص عمل ولارتباط تطويرها بتطوير القطاعات الهامة الأخرى كالزراعة والصناعة والتعليم، ضمن مجالات أخرى.

وهنا يجدر بنا القيام بمراجعة سريعة لأهم الخطط التنموية التي تقوم عليها السياسة الهندية الحالية وهي رؤية الهند 2020م، والتي تم وضعها عام 2002م، فقد اتسمت بالشمولية في اهتمامها بتحقيق التطوير والتقدم الاقتصادي، وسعى واضعو الخطة لنقل الهند لمستقبل أفضل مع عدم التركيز على بعد تنموي واحد والاهتمام ببناء الإنسان مع بناء الدولة الحفاظ على معدل نمو 9% بزيادة دخل الفرد 4 أضعاف عن عام 2002م، وزيادة عدد الوظائف من خلال الاهتمام بقطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة كما هو الحال في كوريا واليابان والولايات المتحدة ونظرًا لأن لهذا القطاع القدرة على خلق 200 ألف فرصة عمل من عام 2002م، وحتى عام 2020م، ركزت الخطة أيضًا على العمل عن بعد لخدمة الشركات في الدول الصناعية الكبرى كأحد المحاور الهامة التي تميزت فيها الهند والتي ستخلق عددًا كبيرًا من الوظائف لفئة الفنيين من الشباب، وبذلك فإن حدود الخطة المذكورة ليست الهند فقط وإنما العالم. ولتنفيذ ذلك، أشارت الخطة لأهمية أن يقترن بذلك رسم سياسة تعليم وتدريب ناجحة وبرامج خاصة بالتعليم عن بعد وتحديث إمكانات كليات الهندسة الهندية لتطوير البرمجيات وزيادة المخصص لميزانيات البحث والتطوير والربط بين إنتاج أجهزة وتطبيقات التكنولوجيا كذراعين لخدمة المجتمع والبحث في حل مشكلاته. وقد تم التأكيد على أن سرعة وكفاءة تبادل المعلومات بين كافة أجهزة الدولة هو الأساس لتحقق الخطة أهدافها ومن هنا جاء الاهتمام بقطاع تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات بشقيها المادي الخاص بتطوير البنية التحتية والتطبيقي الخاص بإنتاج البرمجيات الأكثر تقدمًا. وهدفت رؤية الهند 2020م، أيضًا إلى زيادة حجم الاستثمارات في عام 2020م، عن سنة الأساس 2002م، بنسبة 400% مع الاحتفاظ بمركز الحكومة الأول في تمويل مشروعات البنية التحتية

في الوقت ذاته، طورت الهند علاقاتها الخارجية للاستفادة من الخبرات الناجحة في مجال التكنولوجيا لتطوير قدراتها البشرية في هذا المجال الحيوي الهام، وتتعدد الأمثلة هنا من خلال عقد مشاركات بحثية مع دول الاتحاد الأوروبي، وغيره من الدول. ومن الأمثلة الأخرى إنشاء مركز إقليمي للتعليم والتدريب يغطى بحوث النانو تكنولوجي (التي تتعامل مع الأشياء الأصغر حجمًا من 100 نانو ميللي) بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتعليم اليونسكو. كما أعلنت الحكومة الهندية المبادرة الهندية للريادة التكنولوجية للألفية الثالثة، وهو برنامج واسع المجال لتشجيع المشروعات المنفذة بالتعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال النانو تكنولوجي خاصة الصناعات الدوائية. وتقوم الحكومة الهندية، بصفة عامة، منذ عام 2001م، بتبني خطة خمسية لتنفيذ مشروعات وإنشاء مراكز تميز علمي ومشاركات مع دول كبرى علميًا وتكنولوجيًا.

ونعود مرة أخرى للعلاقات الخليجية الهندية، ذات المحور المركزي المتمثل في الطاقة، وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن يزيد الطلب الهندي عمومًا على الطاقة بنسبة 400% في عام 2020م، لأن تحقيق النمو والتقدم الاقتصادي يرتبط باستهلاك أكبر للطاقة بطبيعة الحال،  إلا أن الوقت قد حان لتنويع سلة العلاقات بين الطرفين لسببين أساسيين، الأول أن الاتجاه الحالي عالميًا في ظل تغير المناخ وآثاره السلبية من ناحية والتطور العلمي في خلق بدائل للطاقة من ناحية أخرى سيدفع إلى خلق قناعة بأنه لابد من الاعتماد على مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة وتشجيع القطاع الخاص على إنشاء محطات الطاقة الشمسية والوقود الحيوي والمياه، وإن حدث ذلك تدريجيًا، وأما السبب الثاني فإن مجالًا حيويًا كالتكنولوجيا يجب أن يتم تضمينه في العلاقات الحيوية بين الطرفين لأن التكنولوجيا وتحديدًا تكنولوجيا المعلومات وتطويرها أصبحت وسيلة أساسية لتحقيق تغيير اجتماعي واقتصادي لارتباطها بتقديم مجال واسع من الخدمات علاوة على خلقها فرص عمل يرتبط بذلك استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتعليم

في هذا الإطار، وبدراسة الإمكانات المتاحة لدى الجانبين وتطلعاتهما التنموية، وللاستفادة من الأرضية الراسخة للعلاقات الخليجية الهندية فيمكن اقتراح تطوير العلاقات المشتركة بالارتكاز على مجالات ثلاثة تحت مظلة كبرى وهى التطوير التكنولوجي، وتلك المجالات هي: تطوير التعليم، الاستفادة من تطبيقات النانوتكنولوجي في تطوير إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة، والتعاون في مجال رسم السياسات التنموية في مجال التطوير التكنولوجي على وجه الخصوص.

أولًا: التعليم

تشهد دول الخليج زيادة في الطلب على الخدمات المرتبطة بقطاع التعليم، ففي سنة 2020م، متوقع حدوث زيادة سكانية في الإقليم ليصل عدد سكان دول مجلس التعاون إلى 53 مليون نسمة تصحبها زيادة 56% في الناتج المحلي الإجمالي، مما سيؤدي لارتفاع في عدد الدارسين بمختلف المراحل التعليمية، من ناحية وزيادة الطلب على الموارد من مياه وغذاء وطاقة من ناحية أخرى.

وأخذًا في الاعتبار أن نسبة كبيرة من تلك الموارد يتم توفيرها من خلال الاعتماد على الاستيراد من الخارج، فإن الحاجة لترشيد الاستهلاك هنا تصبح كبيرة، وهنا فالتعليم أساس للوصول لهذا الترشيد من خلال رفع الوعي من ناحية وتبني سياسة إدارة موارد بكفاءة من ناحية أخرى.

من ناحية أخرى، فإن بعض الجامعات الهندية لها بالفعل تواجد في الخليج مثل جامعة مانيبال وجامعة المهاتما غاندي، ويمكن بحث الاستفادة من هذا التواجد وتطويره. كما أن ما حققته الهند من تطوير لمؤسساتها العلمية والاهتمام ببناء لقدرات مواطنيها من العاملين في المجال البحثي والتعليم يمكن أن يمثل مجالًا لتبادل الخبرات مع دول الخليج التي تقوم حاليًا برسم سياسات طموحة في مجال بناء كوادر وطنية في التعليم بدلًا من الاعتماد المكثف على الخبرات غير الوطنية، وقد وصلت نسبة الاتفاق على التعليم في السعودية إلى 5.5% متخطية بذلك المتوسط العالمي . كما يمكن تبني برامج تطوير المدارس باستخدام منتجات تكنولوجيا المعلومات الهندية لخدمة هدف تنموي هام وهو تحسين التصنيف العالمي للمؤسسات التعليمية فى دول الخليج.

وفيما يتعلق بالاهتمام برفع الوعي البيئي، تأتى ضرورة توسيع مجال التعاون الخليجي الهندي المشترك بالاستفادة من المؤسسات العلمية الموجودة في دول الخليج في مجال البيئة . وحتى نصل لذلك الارتقاء بمستوى الوعى البيئي فلابد من وجود قناعة بأن حلول تكنولوجيا المعلومات ومنتجات الثورة الرقمية ككل قادرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث تقدم حلول تكنولوجيا المعلومات فرص العمل عن بعد أو العمل من المنزل للمرأة وهى حلول لها ذات مزايا اقتصادية واجتماعية.

وفي سياق متصل، لدى الهند إمكانات محمودة في مجال التسويق لمنتجاتها التكنولوجية ومنها تلك الخاصة بتقديم خدمات تعليمية. ومن أمثلة المشروعات الناجحة في هذا المجال مشروع "الشبكة الإفريقية للتعليم عن بعد" والذي قدمت الهند من خلاله بالتعاون مع جامعات إفريقية برامج دراسية علمية في مجال الطب تحديدًا يتم من خلالها ربط الكليات الإفريقية بالكليات المناظرة في الهند الكترونيًا وتتم عملية التشخيص والمتابعة والدراسة بالكامل من خلال الاتصال بالشبكة دون حركة للمتخصصين عبر الحدود، وقد جاء تقديم الهند لهذا المشروع في البداية في إطار قيامها بدورها كدولة مانحة، ثم تحول المشروع بعد ذلك لمشروع (تجاري) وليس منحة في إشارة إلى إتقان ومهارة الحكومة الهندية في التسويق لمنتجاتها التكنولوجية التي تخدم احتياجات حيوية للطرف المتلقي، حيث يعد التسويق الجيد للمنتجات الهندية التكنولوجية عالميًا خاصة بين الدول النامية من أهم عوامل نجاح التنمية الهندية في مجال التكنولوجيا، كما يعد التسويق الجيد لمنتجات التنمية الهندية أحد الدروس الجديرة بالاقتداء من الدول الأخرى.

ثانيًا: مجال تكنولوجيا الطاقة الجديدة والمتجددة والنانوتكنولوجي:

تدرك الحكومة الهندية أن تحقيق التنمية اقتصاديًا واجتماعيًا يتطلب زيادة المتاح من الطاقة، ولكن أكثر من 400 مليون نسمة في البلاد لا يزالون محرومون من الوصول للطاقة، ولذلك أنشأت الهند حقيبة وزارية للطاقة الجديدة والمتجددة مهمتها الأساسية تعظيم الاستفادة من موارد الطاقة الجديدة والمتجددة على مستوى الدولة كجزء من استراتيجية حكومية أوسع للحفاظ على أمن الطاقة إضافة لهدف تحسين الأوضاع البيئية الداخلية والمساهمة في مواجهة آثار تغير المناخ عالميًا.

وتنفيذًا لأهداف الخطة الهندية فلابد من تطوير التكنولوجيا ذات الصلة للوصول بنسبة الطاقة المتجددة لإجمالي الطاقة إلى 6% بحلول عام 2022م، لابد أيضًا من تدبير الاحتياجات التمويلية اللازمة، ووضع حزم قانونية تحفيزية للقطاع الخاص للمساهمة في تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة، ودعم البحث والتطوير خاصة المتعلق بأداء الصناعات والمشروعات في مجال الطاقة المتجددة. وارتبط ذلك بطرح مبادرات حكومية تشجع صناعات الطاقة المتجددة حتى يمثل المنتج من الطاقة المتجددة  نصيبًا أساسيًا في مزيج الطاقة ليس فقط وسيلة لسد العجز في الطلب، وزيادة نسبة الطاقة في الريف على اعتباره من المناطق المحرومة من المرافق بصفة عامة.

تجدر الإِشارة أيضًا إلى الاستراتيجية الهندية التي أعلنتها الحكومة الهندية في عام 2011م، وتتضمن الخطة الاستراتيجية للطاقة الجديدة والمتجددة من عام 2011م، وحتى عام 2017م، وتسعى الحكومة الهندية في التنفيذ إلى: لا مركزية توليد الطاقة، وزيادة نسبة الطاقة المولدة في الريف حيث أن 40% من الهند محرومة من الطاقة، وتعزيز العمارة الخضراء، والاعتماد على المصادر المتجددة في الطهي حيث قدمت الحكومة مبادرة وطنية لاستخدام الوقود الحيوي في الطهي، وهي مبادرة يمكن تعميمها في المناطق النائية البعيدة عن الحضر في دول الخليج. واقترن بالخطة آلية متابعة فورية لمنتجات التنفيذ والتسويق أو الإقبال عليها بالتنسيق مع الوزارات المعنية بالتنفيذ وعلى رأسها وزارة شؤون القبائل.

ومن الأهداف الهندية الطموحة هنا 20 مليون مصباح ستوفر مليار لتر كيروسين سنويًا بحلول عام 2020م، 3000 ميجاواط خلايا شمسية يتم تركيبها على الأسطح حتى عام 2020م.  وبالتالي فالهند تتحول نحو الاهتمام بالطاقة المتجددة في ظل محاولة تغييرها لطبيعة اقتصادها الذي ظل لسنوات طويلة اقتصادًا زراعيًا بنصيب محوري لهذا القطاع في الناتج المحلي الهندي، ويشهد هذا الوضع تغيرًا تدريجيًا بتآكل نصيب قطاع الزراعة لصالح قطاع الخدمات وعلى رأسها الخدمات المرتبطة بالتكنولوجيا خاصة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

تبنت الهند خريطة الطاقة الوطنية في مجال التكنولوجيا رؤية الهند 2030م، وترتكز على الاستخدام الرشيد والموفر للطاقة، ورسمت ملامح ترشيد استخدام مصادر الطاقة الملوثة من خلال زيادة الاعتماد على الغاز الطبيعي ومنع استيراد المعدات الثقيلة المستعملة لتقادمها واستهلاكها الكثيف للوقود، وزيادة إنتاج الطاقة الجديدة . وفى تطويرها لقطاع تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الطاقة المتجددة تحتاج الهند لتطوير البنية التحتية أولًا أما في دول الخليج فقد أدت الاستثمارات الحكومية الكثيفة في قطاع البنية التحتية إلى توفير بنية متقدمة جاهزة لاستقبال التقنيات الجديدة ولذلك فالطريق هنا أسرع وأقصر من الحالة الهندية

في السياق ذاته، تحاول الهند تخفيف الاعتماد على النفط في قطاع النقل حيث يستهلك حاليًا أكثر من 70% من استهلاك الهند للبترول. وهنا نجد أنه في عام 2009م، أعلنت الحكومة الهندية رؤية الهند 2020 للسكك الحديد الهندية باعتبار هذا القطاع يخلق فرص عمل من ناحية ويسهم في تحسين الأوضاع البيئية في الهند من ناحية أخرى بتخفيف عبء الاعتماد على الوقود الأحفوري المستخدم في المركبات العادية وكوسيلة لزيادة الناتج المحلى الإجمالي من هذا القطاع وتطمح الخطة في أن تصل المساهمة إلى 3% عام 2020م، بدلًا من 1% فقط في سنة الأساس، 2009م، ولا يخلو تطوير هذا القطاع من تطوير تكنولوجي حيث سيحتاج الأمر لبناء أبراج بالمحطات للاتصال وخطوط كهربائية، وتطوير تصميمات القطارات والعربات، نظرًا لأن قطاع النقل يستهلك حاليًا حوالى 70% من البترول المستهلك في الهند.

في ضوء ذلك، فإن الخطط الهندية المشار إليها مليئة بفرص التعاون مع الخليج خاصة من خلال تبادل الخبرات الهندية للاستفادة من الخطط التي لاقى تطبيقها نجاحًا في الهند وبحث الممكن نقله على المستوى الخليجي. وربما يساعد على ذلك أن  مساعي الهند في تخفيف الاعتماد على البترول كمصدر للطاقة تدريجيًا تتفق نسبيًا مع الرؤية التي بدأت دول الخليج في تبنيها، فنجد مثلا وزير النفط السعودي في قمة المال والمناخ بباريس مايو 2015م، يصرح بأنه يعتقد أن المستقبل سيشهد تطورًا في إنتاج الطاقة الجديدة وستصبح الطاقة الشمسية بديلا اقتصاديًا أفضل من الوقود الأحفوري. كما يشهد العالم بالفعل تراجعًا في أسعار توليد الطاقة من الرياح بنسبة 75% في عام 2014م، مقارنة بخمس سنوات قبلها، كما انخفضت أسعار محطات توليد الطاقة الشمسية. كذلك صرح مدير قسم الطاقة وتغير المناخ بوزارة الخارجية الإماراتية في 2015م، بأن أسعار الطاقة المتجددة في بلاده بصفة عامة أصبحت قادرة على التنافس وربما الأرخص في توليد طاقة جديدة. وهى تصريحات تشير إلى أن دول الخليج بدأت الالتفات جزئيًا للطاقة الجديدة ووضعت بعض السياسات التي ستبدأ في إحداث تغيير في المدى المتوسط لزيادة المولد من الطاقة المتجددة حيث لم يصل حتى الآن إلى 1% من إجمالي الطاقة المولدة بالإقليم والتي وصلت إلى 120 جيجاوات منها 70% بالإمارات و15% بقطر و13% في السعودية. ولكن هناك مجالات صناعية ذات أهمية حيوية للاقتصاد الخليجي حيث يمكن الاستفادة من الاتفاق في وجهات النظر الهندية والخليجية وترجمته للتعاون في مجال الطاقة المتجددة ومنها استخدام الطاقة المتجددة في محطات تحلية مياه البحر.

أما مجال النانو تكنولوجي فهو أحد مجالات التنمية الحيوية الأخرى التي تخدم قطاعات عديدة مثل قطاع الصحة والبيئة والزراعة، وتقود الحكومة الهندية عدة مبادرات لتطوير هذا القطاع معتمدة في ذلك على ضخ موازنات للجامعات الحكومية للبحث والتطوير في هذا المجال كوسيط لتطوير الخدمات المقدمة في مجالات المياه والزراعة والصحة والبيئة. وهنا فمجال الطاقة الجديدة والمتجددة ضمن المجالات الهامة التي تدعمها النانو تكنولوجي. وقد أعلنت الحكومة برنامج النانو تكنولوجي والتكنولوجيا لقيادة مساعي الهند في تطوير إمكانيات النانوتكنولوجي لخدمة التنمية في الهند وينفذ المبادرة إدارة العلوم والتكنولوجيا الحكومية، وهى المبادرة التي تم إعلانها في عام 2007م، وقامت الحكومة لتنفيذها بإنشاء مراكز تميز علمي لتكون منابر للبحث والتطبيق في مجال النانو تكنولوجي بالتركيز على البيئة والطاقة المتجددة وبحوث المياه سواء تنقية مياه الشرب أو الاستخدامات المتعددة لمياه الصرف. وتقوم الهند في تنفيذها في الاعتماد على المشاركة بين القطاعين العام والخاص.

إذا فالربط محوري ما بين الاهتمام بتقنيات النانو تكنولوجي وبين إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة خاصة في تطوير أداء وكفاءة الخلايا الشمسية، ومن خلال إنفاق الهند على مشروعات بحثية تنفذها هيآتها العلمية والبحثية فإن هناك العديد من الخبرات التي يمكن الاستفادة منها ونقلها لدول الخليج خاصة التكنولوجيا المرتبطة بالمياه.

ثالثًا: التعاون في مجال تبادل الخبرات الخاصة برسم السياسات التنموية:

يمكن القول أن الهند تجني اليوم نتائج السياسات التي رسمتها وطبقتها السنوات الماضية، وتحديدًا العقدين الماضيين . وأهم ما يميز تلك السياسات مركزية دور الدولة باعتبارها الممول الأساسي لمشروعات البنية التحتية ومصدر الخطط والمبادرات التنموية كافة، كما أن الحكومة الهندية ترسم وتحدد طبيعة تدخل مؤسسات القطاع الخاص والمجالات المسموحة لعمله وكذلك الحال بالنسبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة. وتعتبر لجنة التخطيط الهندية هنا صاحبة الدور الأساسي.

من ناحية أخرى، فإنه من أهم عوامل نجاح الهند أنها طرقت باب دول متقدمة لنقل خبرات وتطوير مهارات وقدرات باحثيها وهم الآن قادرين على نقل تلك الخبرات. وعلى صعيد آخر تقدم الهند حاليًا للمجتمع الدولي على أنها دولة مانحة تتيح قروضًا شبه تجارية وبعض المنح التدريبية للدول النامية وهى وسيلة هندية أساسية لنقل المنتجات والخبرات الهندية على نطاق واسع ولمد جسور تعاونية مع عدد كبير من الدول النامية يزيد عددها عن 100 دولة. وقد يكون هذا الدور الدولي للهند ملهمًا لدول الخليج التي تستطيع أن تقوم بدور مماثل مع الدول النامية ربما من خلال تعاون ثلاثي مع الهند تكون محاوره ثلاثة : التمويل من الدول الخليجية , والخبرات الخليجية الهندية , أما الضلع أو المحور الثالث فهو الدولة المستفيدة في إقليم إفريقيا جنوب الصحراء على سبيل المثال.

لذلك، فهناك عدد من الخبرات الهندية الناجحة التي يمكن دراستها وبحث إمكانية الأخذ عنها وتطويعها للواقع في دول الخليج خاصة ما يخص الخبرة الهندية على مستوى السياسات الداعمة للإبداع وتطوير قدرة مواطنيها لزيادة التنافسية حيث يمكن أن يدعم هذا النقل السياسات الوطنية في دول الخليج التي تسعى لتطوير وبناء قدرات كوادرها الوطنية مثل اتجاه السعودة وغيرها

من ناحية أخرى، فقد يسهم هذا التبادل في زيادة مساحات الحوار بين الطرفين على المستوى الحكومي كما قد يفيد في زيادة مساحة فهم الجانب الخليجي للمصالح الهندية في دوله، خاصة وأن حكومات الخليج تحاول اجتذاب الشركات الهندية لزيادة عدد المتواجد منها وزيادة حجم أعمالها ويتم ذلك من خلال طرح حزم تحفيزية بمزايا تصل أحيانًا إلى إعفاء ضريبي كامل على الدخل والإنتاج كما هو الحال في البحرين على سبيل المثال، وعلى الرغم من أن الشركات الهندية تسهم بالفعل في قطاعات النقل والمواصلات والمياه وتكنولوجيا المعلومات، كما أن بنوك هندية موجودة بالفعل في الخليج، إلا أنه يمكن زيادة حجم وعدد مؤسسات الأعمال والإنتاج المتواجدة في دول الخليج، على أن يكون الاستفادة من الخبرات الهندية أحد أهم المخرجات لتواجد تلك الشركات في الخليج.

وختامًا، وبعد استعراض مقترح تطوير العلاقات الممتدة بين الطرفين الخليجي والهندي، يأتي السؤال: هل تتشابه رؤى الطرفين بشأن تطوير العلاقات المشتركة وتنويع سلتها التي ظلت مليئة بالطاقة لعقود طويلة ويبدو أنها لن تخلو منها العقود القادمة؟ بمعنى أخر هل هناك مساع جادة من الطرفين لتنويع العلاقات في المستقبل؟ في الواقع فإنه على مستوى حكومات دول الخليج هناك رغبة في اجتذاب مزيد من الشركات الهندية مما سيؤدي لتنويع مجالات العلاقة مع الهند، وإن ظلت هناك قناعة بمحورية النفط وتجارته في تلك العلاقات، والقطاع الخاص في الهند أيضًا يدرك أن هناك فرصًا له لا تزال غير مستغلة في دول الخليج، أما الحكومة الهندية فيبدو أنها تركز حاليا في علاقاتها مع دول الخليج على تأمين احتياجاتها المتزايدة من النفط، وبذلك فهي تحتاج للمبادرة من جانب دول الخليج لإدخال مجالات أخرى، فكما استعرضنا هناك عدد من الفرص وأبواب التعاون التي لم يطرقها الطرفان بعد، يضاف إليها أن علاقة الجوار الجغرافي بين الطرفين تحتم وجود بعد أمنى في العلاقات خاصة مع وجود تهديدات مشتركة على رأسها الإرهاب تأمينًا لحركة التجارة بينهما وعلى رأس ذلك النفط بطبيعة الحال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر

Report of the Committee on India Vision 2020, Planning Commission, New Delhi, 2002.

Pikay Richardson, New Science, Technology and Innovation Developments in India, Brussels, 2002.

Nanotechnology Development in India: the Need for Building Capacity and Governing the Technology, briefing paper, the Energy and Resources Institute, 2010.

UweRemme, Nathalie Trudeau, Technology Development Prospects for Indian Power Sector, Paris, International Energy Agency, 2011.

Smart City Mission Transform Nation, Mission Statement and Guidelines, New Delhi, June 2015.

Prasanta Kumar Pradhan, India’s Relationship with Gulf Cooperation Council Need to Look Beyond Business, IDSA Monograph Series, No. 37, May 2014.

The GCC in 2020: Resources for the Future A Report from the Economist Intellegent Unit Sponsored by the Qatar- Financial Centre Authority, 2010.       

مجلة آراء حول الخليج